الاسلام والديمقراطية وحقوق الانسان

| |عدد القراءات : 1876
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الاسلام والديمقراطية وحقوق الانسان

اس1/ ما هو تعريفكم للديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وهل هي من مبتكرات الحضارة الغربية أم أن الشريعة الإسلامية سبقت في طرحها وتأصيلها لهذه المفاهيم .

 

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم: يوكل تعريف الديمقراطية إلى الذين وضعوا المصطلح ونحن مسؤولون عن مفاهيمنا وشرح مصطلحاتنا ولكن باعتبار ان تجارب الشعوب تتلاقح والحضارات تتكامل ويمكن لأمة أن تستفيد من معطيات الأمم الأخرى فتتعامل مع المصطلح من هذه الجهة ونقول:

 

إن للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة.

 

فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون (الشعب مصدر السلطات) وان الاغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز موت الرحمة - كما يسمونه - أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل والمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانون ويكون نافذاً وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، المائدة/50 ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (المائدة:45)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، (المائدة: من الآية47)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، (المائدة: من الآية44)، (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، النساء/ 65، فلا يحق لأي شخص ان يسنّ تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أن تفهم صلاحياتها وحدودها.

 

وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه وهذا مما لا بأس به فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، الشورى/ من الآية 38، فاستعمل ضمير (هم) أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم الحياتية فهذا موكول لهم وتركت تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى ان المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب فمثلاً: المطلوب من باب حفظ النظام الاجتماعي العام تأمين الطرق للناس بين النجف وبغداد ولكن هل يمر الطريق عبر الحلة أو كربلاء وكم عدد ممرات الشارع وغيرها من التفاصيل فهذه مما يقررها من تختارهم الأمة وتفوضهم النظر في شؤونها وتوكلهم في تدبير أمورها.

 

وبهذا المعنى من الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقرير مصيره فإن الإسلام أول من وضع أصوله ومبادئه وسار عليه قادة الإسلام بمنتهى الصراحة والشفافية فتجد في سيرة رسول الله (ص) أنه حينما خرج مع المسلمين على غير استعداد للقتال لاعتراض قافلة قريش التجارية ولما أفلتت القافلة وأصبح المسلمون في مواجهة قريش استشارهم رسول الله (ص) في المضي نحو القتال أو الرجوع ، وقبل معركة أحد استشارهم (ص) في التصدي لقريش داخل شوارع المدينة وأزقتها أو خارج المدينة واستشارهم في كيفية مواجهة الأحزاب حتى أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق.

 

وحتى في ممارسة قيادة الأمة فبالرغم من أن النبي (ص) هو سيد الخلق والمبعوث رحمة للعالمين وأولى بالناس من أنفسهم فإنه لم يؤسس دولته المباركة في المدينة ويمارس صلاحياته كقائد حتى طالبه أهل المدينة بالهجرة إليهم واشترط عليهم النصرة والدفاع عنه كما يدافعون عن نسائهم وأموالهم وكذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المنصوب خليفة على الأمة من بعد رسول الله (ص) بنص إلهي لم يمارس قيادته للأمة إلاّ بعد أن انثالت عليه تبايعه وهو (ع) يردهم حتى أجمعوا أمرهم على إمامته وهو الذي لا يحتاج إلى ذلك وإنما لإلقاء الحجة عليهم ومطالبتهم باستحقاقات هذا الموقف لذا قال (ع): (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها …).

 

وفي ضوء هذا نفهم أن ولاية شؤون الأمة لا تكون بالادعاء ولا بالتسلط ولا بالقهر وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة وأما حقوق الإنسان فإن الإسلام هو رائدها ومؤسسها والتزم بها قادة الإسلام ورسموا لها أنبل الصور التزاماً بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، الإسراء/ من الآية70 ، وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم. راجع كتاب آداب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد (ع) ، وعهد الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى مالك الاشتر لما ولاّه مصر ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة للرعية فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فمن من زعماء الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله (ص) حينما جمع أصحابه وقال لهم: (يوشك أن ادعى فأجيب فمن كانت له قبلي مظلمة فليقتصها مني قبل أن يأتي يوم القصاص الإلهي العادل)، فيقوم له أحد أصحابه ويقول له: إنك في يوم كان ازدحام الناس حولك شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع عليّ خطأ فدعا رسول الله (ص) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للاقتصاص ورأى أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال (ص) له: استعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول: ربّ اسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.

 

ومَنْ من هؤلاء الزعماء (الديمقراطيين) المدعين لحقوق الإنسان الذين تسمع يومياً بسوء تصرفهم بالمال العام والاستفادة منه بطرق غير مشروعة يقف كأمير المؤمنين (ع) على منبر مسجد الكوفة بعد اربع سنوات من توليه شؤون الأمة وتصرفه بدولة مترامية الاطراف يقول للناس: (إن خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فأنا خائن).

 

والحديث في هذا المجال واسع أتركه لمناسبات أخرى وللكتاب والمفكرين.

 

س2/ ما هو ردكم على من يدعي ان لا ديمقراطية في الإسلام باعتبار الآية الشريفة (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، الحشر من الآية/ 7 ، تذوّب إرادة الفرد في إطار عام من الضوابط والواجبات ولا نلمس حرية الفرد؟

 

الجواب: إن هذه النظرة مبتورة للنظام الإسلامي وينطبق عليها قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، البقرة من الآية / 85 ، فإنه كما توجد هذه الآية توجد الآية المتقدمة (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)، آل عمران من الآية 159 ، فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة ويمثل مرجعية القوانين التي عمل بها ولا يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ من الشريعة التي انزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم. أما النظم الوضعية فهي من صنع البشر القاصر المحكوم لأهوائه ونزعاته الذي يجهل حقيقة نفسه فضلا عن حقيقة الكون الذي يحيط به.

 

س3/ هل ترون أن مقتضى الديمقراطية …

 

الجواب: كل إنسان له حرية الاعتقاد وقال تعالى: قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، (الكهف: من الآية29)، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)، (الانسان:3)، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)، (لأنفال: من الآية42)، فالانسان مخير في عقيدته ونمط حياته التي يسير عليها ولولا هذا التخيير والحرية لبطل الثواب والعقاب ولما استحق المحسن الثواب على إحسانه ولا المسيء يستحق العقاب على إسائته ماداموا مكرهين على هذا الشيء، فحرية الاختيار هو الاساس في استحقاق الثواب والعقاب ، فلا يحق لولي ألامر أن يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين وانما وظيفته تقريب الناس إلى طاعة الله تبارك وتعالى بتكثير فرصها وتيسيرها وتجنبهم معصية الله بسدّ منافذها.

 

وقد كان الامام علي بن ابي طالب (ع) رئيساً للدولة ويوجد بين رعاياه ناس على غير دينه وقد امتنع عددٌ من اهل المدينة عن بيعته كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ولم يجبرهم على ذلك رغم ان امرته صحيحة وملزمة بكل المقاييس غاية ما اشترط عليهم ان لا يحدثوا فساداً وفتنة في الأمة وحينما حمل قادة الإسلام السيف فليقضوا على هذه الفتن وليزيلوا العقبات التي تمنع الناس من اختيار العقيدة الصحيحة لا لكي يكرهوا أحداً على الإيمان.

 

س4/ ما هو ردكم على من يقول: ان في الإسلام انتهاكاً لحقوق المرأة وعدم مساواتها مع الرجل ؟ وما هي حدود تولي المرأة للوظائف العامة وهل يجوز لها تولي القضاء؟

 

الجواب: هذه شبهة وفرية يرددها اعداء الإسلام لخلط الاوراق وتضليل الناس بإثارة هذه الأمور لينفّروا المرأة من الإسلام من خلال إيهامها بوجود ظلم لها في الشريعة وقد استعر هذا الهجوم بعد مجيء قوات الاحتلال وانفتاح الساحة على جميع الاتجاهات حتى الاباحية لذا بادرنا ووجهنا إلى تأليف كتاب يشرح فلسفة تشريعات المرأة ليجد فيها المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)، (آل عمران: من الآية195)، (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)، (الكهف: من الآية30).

 

فالمساواة موجودة. نعم، لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة النفسية والفسيولوجية والاجتماعية لكل منهما ولتقريب الفكرة ننقل المثال التالي لو أن شخصاً اراد ان يوزع امواله على اولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بمقدار مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون ومزرعة بقيمة مليون وكان أحد اولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيد الزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب فالاب هنا ساوى بين اولاده لكنه لم يماثل بينهم مراعيا ما يناسب كل واحد منهم وهكذا الرجل والمرأة فانهم متساوون من حين المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرة مقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا، ولا تعني المساواة ابداً اعطاءهم نفس الوظائف وتستطيع ان تكتشف ان هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الاسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة فإذن هم سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للامور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لابعاد الأمة عن عقيدتها واخلاقها.

 

وهذا هو ما درج عليه الإسلام في تشريعاته فان القضاء بما يتطلبه ما احتكاك واسع بالناس والتعرض لمماحكات طويلة لا يناسب طبيعة المرأة وكذا ولاية امر الأمة ويدعوها إلى التصدي للوظائف التي تناسبها كالتعليم والتمريض ورعاية الاسرة وتربية الجيل وصناعة الإنسان.

 

محمد اليعقوبي

 

2/ربيع الثاني/1426