حوارات في الفكر السياسي الاسلامي (الحلقة الثالثة) قضايا سياسية واجتماعية

| |عدد القراءات : 2105
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حوارات في الفكر السياسي الاسلامي (الحلقة الثالثة)

 قضايا سياسية واجتماعية

الاحد 12/ جمادى الاولى

أجرت فضائية (العراقية) حواراً مطولاً مع سماحة الشيخ اليعقوبي (دامت تأييداته) تعرّض فيه إلى عدة قضايا سياسية واجتماعية ونحاول هنا تلخيص بعض ما جاء فيه:

عراق ما بعد صدام حسين

س1/ لو أجرينا مقارنة بين عهدين: عهد مظلم صودرت فيه إنسانية الإنسان بما في الكلمة من معنى وبين عهد جديد مشرق … كيف يمكننا المقارنة؟

 

سماحة الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم لا توجد مقاربة ومقارنة بين العهدين فقد عاش الناس آنذاك حالة من اليأس والقنوط إلاّ ما رحم ربي ولم يكن أمامهم مصير إلاّ القتل والتشريد والاعتقال والتجويع والتجهيل والحرمان، أما اليوم فبالرغم من الصعوبات والأزمات الخانقة التي يعيشها شعبنا إلاّ أن أقل ما تحقق له - وهو ليس بقليل - عودة الأمل بغدٍ أفضل مهما طال انتظاره والحرية في ممارسة شعائره والتعبير عن رأيه ومعتقده وإنشاء مشاريعه وتكافؤ الفرص لجميع مكوّنات الشعب في الوصول إلى المواقع التي يطمحون إليها وهذه أمور كلها كانت معدومة في الزمن البائد أما الآن فقد تحققت وهي تستحق التضحية من أجل ديمومتها وتعزيزها.

 

المرجعية وولادة العراق الجديد

 

س2/ يشهد العراق اليوم ولادة حقيقية لافكار ورؤى طوائفه المختلفة ضمن إطار واحد هل تدعمون هذا الرأي أم أن لكم رأياً آخر؟

 

سماحة الشيخ: لا أقول ندعمه فقط بل نحن جزء منه ضمن الحدود التي تناسب وظيفتنا ودورنا في الأمة لاننا جزء من الشعب والشعب كله مطالب بأن يساهم في بناء مستقبله الزاهر وليست هي مسؤولية أحد دون آخر فضبط الأمن والاستقرار والنظام في البلد وإن كان رسمياً من مسؤولية وزارتي الداخلية والدفاع إلاّ ان كل واحد من الأمة مسؤول عن دعم هذا الجهد والمشاركة فيه بالمقدار الذي يقدر عليه وقد شرحناه في بيان (فقه الشرطة والاجهزة الأمنية) .

 

الشعب والدستور

 

س3/ نحن على أعتاب مرحلة مهمة وخطيرة في تاريخ العراق المعاصر ألا وهي مرحلة صياغة الدستور فهل الشعب العراقي مهيأ لهذه التجربة الجديدة؟

 

سماحة الشيخ: التهيؤ وعدمه شيء يصنعه قادة الأمة وصنّاع القرار فيها من مرجعيات دينية وقادة سياسيين ومثقفين وإعلاميين وأساتذة جامعات ومفكرين وكتّاب وأدباء فبمقدار ما يعمل هؤلاء بهمّة وإخلاص وسعة في تثقيف الأمة وتوجيهها وتوعيتها تكون الأمة مهيأة وإنني أعتقد أن الشعب العراقي يستطيع التكيّف بسرعة مع متطلبات الحضارة الانسانية بمجرد رفع القيود عنه وإفساح المجال له فمثلاً قبل الانتخابات كان كثيرون يتحدثون عن انعدام الوعي الانتخابي لعدم وجود تجربة ديمقراطية سابقة فيحتاج الشعب إلى تأهيل طويل قبل الدخول في مثل هذه التجارب إلاّ أن الذي حصل من الاستجابة الواسعة والانضباط والنزاهة والوعي شيء فاق ما في الدول التي قضيت قرونا في الممارسة الديمقراطية والشاهد الآخر هو الحركة الواسعة لإنشاء مؤسسات المجتمع المدني التي غطت مختلف الانشطة الثقافية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والدينية والاقتصادية في حين كانوا يتصورون ان الشعب بحاجة إلى مدة طويلة لكي يفهم معنى المجتمع المدني، فالقدرة إذن لدى الشعب العراقي على الاستجابة لاستحقاقات التطور والازدهار عالية وعلى المسؤولين وصانعي القرار توجيه الأمة ومساعدتها وبصراحة فإنني إلى الآن غير مقتنع بالجهود المبذولة في مجال توعية الأمة باتجاه فقرات الدستور فكيف سنطالب الأمة بالتصويت على مواده وهو لا يعرف عنها شيئاً؟ فعلينا أن نبين له ما معنى النظام البرلماني والرئاسي وخصائص كل منهما قبل ان نطالبه باختيار أحدهما وعلينا أن نشرح له معنى الفدرالية وأقسامها ونتائجها ومردوداتها ليختار عن قناعة إقرارها او عدمها وحينما نسأل المواطن هل تريد مجلساً (كالجمعية الوطنية) أم مجلسين (كالكونغرس والشيوخ في الولايات المتحدة) فلابد أن يكون مسبوقاً بفكرة واضحة تفصيلية عن كل منهما لاننا لا نريد ان نستنسخ تجارب الآخرين مهما كانت كبيرة، وإنما نستفيد منهم لأن الحضارة توجد عبر تكامل جهود إنسانية تشارك فيها كل شعوب الأرض وليس من الصحيح الإعراض عن تجارب الآخرين.

 

فوجود مجلسين في نظام الولايات المتحدة او بريطانيا لا يعني انها الحالة الأصلح في العراق وهكذا بالنسبة للقضايا الأخرى كالإدارة اللامركزية والمرجعية التي تستند إليها التشريعات وغيرها.

 

التجربة العراقية أسوة لشعوب المنطقة

 

س4/ بعد النجاح الذي حققته العملية السياسية في إجراء الانتخابات واعتبارها أنموذجاً فريداً في المنطقة العربية هل تستطيع القول ان النموذج الديمقراطي سيستمر في العراق رغم تبدل الآراء والمواقف لبعض القوى السياسية؟

 

سماحة الشيخ: إن شاء الله تعالى ستستمر هذه التجربة في العراق وتنضج وتتكامل بجهود أبنائه لأنهم أحرص الناس على إنجاح تجربتهم ولا نتوقع من الآخرين خيراً، انظر إلى مواقف الدول العربية لازالت ضد مصلحة الشعب العراقي وتدعم أعداءه وترفض الاعتراف بتجربته الرائدة وتعمل بكل وسعها على إفشالها بدلاً من أن تقف إلى جنبه في محنته ومساندته لاجتياز هذه التحولات الجذرية التي يعيشها، فإذن لا نستطيع ان نعول على أحد إلاّ الله تبارك وتعالى ووعي الشعب بأن إنجاح تجربته هي قضيته ولا تعني أحداً سواه وهو الذي يصنع مستقبله بيده ، وعليه أن يحفظ هذه الانجازات ويديمها ويطورها وان كلفته تضحيات جسيمة فانه كان قبل اليوم يدفع اكثر من هذه الخسائر وفقد الملايين من علمائه وقادته ومفكريه وشبابه لمجرد إشباع نزوات الطاغوت وأهوائه ومصالحه وجنونه وحان الآن وقت قطاف الثمرة وهي حريته وبناء مستقبله الزاهر فالتضحيات إذن ليست بلا ثمن كما في السابق حين قتل مليون إنسان في الحرب مع إيران وربع مليون في غزو الكويت وما تلاه وعلى الشعب أن يبقى ممسكاً بزمام المبادرة ويسير بثقة في هذا الطريق الذي وضع قدمه عليه طريق الحرية وإحقاق الحق وتمكين الأمة من تحكيم إرادتها في تسيير شؤون حياتها … إن كل الشعوب التي مرّت بمثل هذه التحولات التاريخية عانت مثل هذه المحن والمصاعب وفقدوا الكثير من رموزهم وقادتهم ولكن في النهاية لا يصحّ إلاّ الصحيح كما يقال وتتحقق النتيجة التي قالها الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، (الانبياء:105)، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، (القصص: 5 - 6).

 

الحوار لإزالة التوترات السياسية

 

س5/ الخطوات التي تقوم بها الحكومة المنتخبة لتقريب وجهات النظر وحل بعض التوترات بشفافية، هل هذه الخطوات هي فعلاً لخدمة الشعب أم أنها محاولة لزيادة رصيد السياسي القائم عليها؟

 

سماحة الشيخ: إذا كان العمل صحيحاً ويصبّ في مصلحة الامة فليس علينا أن تكون نية القائم ما هي فهذا شيء يعود إليه فإن أراد نفع نفسه حقا فليكن مخلصاً في نيته كما ان كثيراً ممن تسلطوا على رقاب المسلمين بغير حق وسموا أنفسهم أمراء المؤمنين وسّعوا رقعة الدولة الإسلامية من أجل زيادة نفوذهم وامتلاء خزائنهم لكنها في النتيجة ساهمت في إيصال صوت الإسلام إلى بلاد كثيرة ففتح باب الحوار مع من يوجد عنده صدق في إرادة الحل والارتقاء بمستوى الأمة وحل مشاكلها عملية إيجابية وصحيحة والذين يعارضون الدولة لا يجوز وضعهم في صف واحد ويجب فرز الأوراق وتقييمها بدقة فبعض الفئات يمكن أن تدخل الحكومة معهم في حوار وتجلبهم إلى صف الشعب والوطن وبعضهم احترف الجريمة وامتهنها وجعلها وسيلة لتحقيق أهدافه وفرض مشروعه - ان كان له مشروع - ظلما وعدواناً ولا وسيلة إلى تغيير أفكاره فلا دواء لهم إلاّ الكيّ.

 

الدول الاقليمية والفتنة الطائفية

 

س6/ الفتنة الطائفية حالة لا يتقبلها المواطن العراقي وذلك لاواصر القربى والمودة التي تجمع كل الطوائف العراقية المختلفة ومع ذلك يوجد من يتبنى هذا المشروع من الدول الاقليمية فهل تتوقعون لهذا المشروع صداه في العراق؟

 

سماحة الشيخ: لا أتوقع لهم النجاح وفق المعطيات الحالية ولو كان هناك مجال للفتنة الطائفية لوقعت - والعياذ بالله - بأقلّ من هذا الذي يفعلونه فإنهم فعلوا أخسّ وأنذل الافعال في حق أتباع أهل البيت (ع) فقتلوا الأبرياء وذبحوا زائري الأئمة المعصومين (ع)، وفجّروا المساجد والحسينيات ودمّروا الأسواق والممتلكات ولم يفلحوا لأن شعبنا بفضل الله تبارك وتعالى على درجة من البصيرة والوعي والطاعة لمرجعيته الحكيمة.

 

وعلى الدولة أن تساهم في ضبط هذه الحالة بأن لا تقوم باستفزاز ناس هم لا يريدون الفتنة ولا الوقوف في وجهها ولكن ربما تصدر بعض التصرفات تجرّ أقدام هؤلاء إلى هذا الخندق وهذا ما يعمل عليه أعداء الشعب حيث يحاولون توسيع رقعة المواجهة باستدراج من هو غير مقتنع بها فعلينا أن نقطع الطريق أمامهم بإبقاء باب الحوار مفتوحاً والتعامل بحذر وضبط نفس وحكمة مع الفئات التي يمكن تفّهم اعتراضاتها ومواقفها حتى لا يستطيع الآخر أن يجذبها إلى صفّه وحينئذٍ ربما تتسع المسألة - والعياذ بالله - وتستعصي على الحل لأن أهم ما يستعمله العدو الآن هو خلط الاوراق وتضليل البعض بعناوين برّاقة كالجهاد والمقاومة والدفاع عن عاصمة الخلافة الإسلامية وعن أهل السنة ويرتكبون الجرائم ضد أهل السنة والشيعة على حد سواء تحت هذه الذرائع فعلينا أن نفرز أوراق هذه الفئات ونتعامل مع كل واحدة بما يناسبها .

 

دور العشائر في بناء العراق الجديد

 

س7/ من المعلوم أن المجتمع العراقي مجتمع عشائري، كيف يمكن تفعيل دور العشائر في إصلاح المجتمع بشكل عام؟

 

سماحة الشيخ: إن أي عمل منظم هو شيء مفيد، قال أمير المؤمنين (ع): (أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم) يعني أن تنظيم الامور في كيانات وتجمعات شيء مفيد وهذا التنظيم يمكن أن يكون على شكل حزب سياسي أو عشيرة، قال أمير المؤمنين (ع): (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) ، فإذن العشائر كتنظيم وتكتل شيء إيجابي ومشمول بقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) والتنظيم قوة ولكن يجب أن يتأطر بالمبادئ الصحيحة للعمل وإلاّ فإنه سينقلب إلى الضد ويكون عبئاً على الأمة وقد كشفت الانتخابات الأخيرة عن ضعف الحضور العشائري حيث لم يفز كيان عشائري بمقعد حيث ذابت العشائر في الكيانات الأخرى وهذا من بعض الجهات فيه ضعف لنا لأن العشائر فيها الكثير من الخصال الحميدة وعناصر القوة للأمة فضعفها يعني ضعفاً للأمة جميعاً، فمثلاً، كانت هناك مناطق متمردة فيها قطاع طرق وقتلة وسراق ومخربون بين البصرة والقرنة وبين البصرة والناصرية وحول مدينة الحمزة الشرقي وكانت الدولة عاجزة عن حماية المواطنين هناك لكن المرجعية الدينية تحركت على العشائر واستنهضت فيهم عناصر الخير فانضموا إلى جهد المرجعية في ضبط الأمن والنظام في تلك المناطق ولم نعد نسمع عن الجرائم شيئاً بعدما كان يضرب المثل بشناعتها واستعصائها عن الحل فما دامت العشائر موالية لمرجعيتها وقيادتها فهي قوة للأمة وتشكيلات معبأة وجاهزة وما علينا إلاّ أن نوجهها بالاتجاه الصحيح.

 

دور المرأة

 

س8/ ودور المرأة في ظل العراق الجديد؟

 

سماحة الشيخ: لقد كنت أول من طالب بتشكيل وزارة خاصة تعنى بشؤون المرأة قبل سنتين بالتزامن مع تأسيس مجلس الحكم المنحل وأعددت بياناً لتسيير مظاهرات نسوية لتأييد المطلب لكنني لم أنفذ وقد تحفظ بعض الأخوة على الأمر وقال أن الأمريكان موجودون هنا وهم لا يرضون بإعطاء الوزارة لامراة إسلامية وإذا أعطوها لامرأة متحللة فستكون وبالاً علينا فقلت لهم لن أخاف من هذا المطلب لإني واثق من شجاعة ووعي أخواتنا الرساليات وقدرتهن على تحريك العمل بالاتجاه الإسلامي النظيف إن رفع المعاناة والظلم والجهل والتخلف الذي لحق بالمرأة لا تنهض به إلاّ وزارة مستقلة، وتوجد الآن وزارة للمرأة لكنها غير فاعلة ولم تقدم شيئاً كبقية الوزارات ودائماً أعبّر عن امتعاضي وأملي من سوء عمل المسؤولين وأنقل لهم خيبة أمل الأمة من أدائهم و…

 

النظرة إلى المستقبل

 

س9/ كيف تجدون الافق العام لمستقبل العراق الجديد؟

 

سماحة الشيخ: أنا متفاءل جداً بالرغم من هذه الصعوبات والرزايا التي تمر بالشعب واعتقد أن هذه الصعوبات ستزول وبسرعة كلما كنا أكثر قوة وثباتاً وأكثر شجاعة وتماسكاً وحينئذٍ ستنكسر هجمات الاعداء ويرحلون وسيندحرون والعالم كله التفت إلى هذه الجرائم وهذا يساعد في التسريع بالحلّ لأنه يضيّق الخناق على اعداء الشعب ويطوّق عملهم حتى الذين يباركون هذه الافعال بدءوا يحرجون ولا يستطيعون دعمها ظاهراً وأنا متفاءل جداً … يكفي أننا تحررنا … لا أقول بفضل القوات المحتلة فهذا اعتقاد خاطئ تماماً. إنّ الذي فتّ في عضد النظام الصدامي ونخر كيانه هو تضحيات العراقيين ووقفتهم الشجاعة وعدم خضوعهم للطاغوت ووعيهم لظلمه فأوصلوا نظامه إلى كيان هزيل ومنخور بحيث ان صفعة صغيرة من القوات المحتلة أطاحت به وانهار بلا قتال فكانوا (القشة التي قصمت ظهر الجمل) فنحن الذين غيّرنا النظام لاننا رفضنا الباطل وفارقناه وأصلحنا أنفسنا فتحقق وعد الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والأمل بالله تعالى كبير أن يتم نعمته علينا ويزيل هذه الغمامة الكئيبة وما نقدمه من تضحيات جليلة وعزيزة فإنها بعين الله تبارك وتعالى وسيوفّي الله الصابرين أجورهم بغير حساب.