الرسالة الاستفتائية / الجزء الثاني الحلقة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الاستفتائية / الجزء الثاني الحلقة الثالثة
الحب بين الجنسين
س1: يسأل الكثير من الشباب والشابات عن مشروعية الحب بين الجنسين، إذ أن الكثيرين منهم يحسّون بذلك تجاه البعض الآخر، وربما يرونه مقدمة لحصول الزواج. فهل مثل هذا الحب جائز؟ وما هي نصيحة سماحة المرجع في هذا المجال؟
بسمه تعالى: المشاعر القلبية - كالحب- خارجة عن اختيار الإنسان فلا يحاسب عليها، نعم يحاسب على أحد أمرين.
الأول: اذا حركته تلك المشاعر للقيام ببعض التصرفات كالخلوة المحرّمة بمن يحب واللمس فضلاً عما هو أكثر.
الثاني: مقدمات وأسباب تلك المشاعر، فانها لا تحصل غالباً بشكل مركز في القلب من نظرة عابرة ونحوها. وإنما تحصل وتتعمق في النفس بمقدمات اختيارية للفرد بتركيز النظر والمتابعة والانبساط في الحديث والمؤانسة، والضحكات المتبادلة.
فهذان الأمران داخلان تحت اختيار الفرد وإرادته فيحاسب عليهما.
ونحن ننصح بإغلاق هذا الباب، وإذا حصل إعجاب بالجنس الآخر فليعرض فوراً عنه وليهمله حتى يتلاشى. وإلا فانه سيكون شاغلاً لقلبه ومشوشاً لعقله ومربكاً لتفكيره مضافاً إلى ما يمكن أن يقع فيه من المعاصي والمخالفات الشرعية.
والارتباط بالجنس الآخر مباح بل مستحب ومن السنن المباركة إذا كان ضمن الاُطر الشرعية –اعني الزواج- وبحسب الأصول والتقاليد الاجتماعية المتعارفة وسيكون مثل هذا الحب إلهياً مباركاً فالشارع المقدس لا يريد كبت المشاعر والعواطف ولا إلغاءها ولكن يريد أن يوظفها في الاتجاه المثمر البناء وليس في الاتجاه الذي يوقع في الخطأ والخطيئة، ويوجب العار الاجتماعي خصوصاً على الفتاة وأهلها.
الأدلة على وجوب التقليد:
س2: هناك سؤال يثار دائماً، وقد كثر بسبب تشكيكات خصوم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حول مسألة وجوب التقليد، والدليل على وجوب الرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط؟
الجواب: بسمه تعالى: نقول باختصار وبما يناسب المقام ان الأدلة عديدة شرعية وعقلية وعقلائية.
(فمن) القرآن الكريم قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) فأوجب على غير المجتهد العارف باستنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصلية أن يرجع إليه ويأخذ منه الأحكام.
وقوله تعالى (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ) فلو لم يجب على الناس أخذ الأحكام من هؤلاء الذين نفروا للتفقه في الدين، لما وجب على هؤلاء الفقهاء انذار قومهم، وغيرها من الآيات الكريمة.
(ومن) الأحاديث الشريفة، قول الامام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله)، والمراد برواة الأحاديث العلماء الذين رووها ووعوا ما فيها وفهموا معانيها ومراداتها.
مضافاً إلى سيرة الأئمة المعصومين في إرجاع شيعتهم إلى الفقهاء من أصحابهم خصوصاً في المدن التي لا يتسنى للشيعة مراجعة إمامهم بيسر.
(ومن) العقل: حكمه بأن الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط وتلقي أحكام الشريعة والآداب والسنن منه لطف مقرب إلى الله تعالى ومبعّد عن الخطأ والمعصية، وكل لطف واجب فيجب التقليد، أي أن الدليل العقلي على وجوب التقليد هو نفسه الدليل العقلي على وجوب بعث الأنبياء ونصب الأئمة والأوصياء (صلوات الله عليهم أجمعين) لأن العلماء امتداداً لهم واستمرار لوظيفتهم.
وإدراكه بأننا لم نخلق عبثاً ولعباً في هذه الدنيا ولسنا متروكين كالبهائم بلا تكليف، وإنما نحن مكلفون بأحكام ووراء التكليف ثواب وعقاب، ولا يستطيع أي أحد أن يصل إلى معرفة تلك الأحكام الا لمن آتاه الله تعالى ملكه وقابلية تسمى (الاجتهاد)، فللخروج من عهدة تلك التكاليف وإبراء الذمة، يوجب العقل على الإنسان الرجوع الى العالم العارف بها.
(ومن) العقلاء جريان سيرتهم على رجوع من لا يعلم ولا يعرف إلى من يعلم ويعرف في جميع شؤون الحياة، فالمريض يراجع الطبيب، ومن يريد البناء يذهب إلى المهندس، ومن عنده دعوى قضائية يوكّل محامياً وهكذا، والفقه لا يخرج عن السيرة العقلائية التي سار عليها البشر، فمن احتاج إلى مسالة شرعية وجب عليه الرجوع إلى الفقهاء والمجتهدين المتخصصين الذين أفنوا أعمارهم في تحصيل هذه العلوم.
وهذه السيرة مجمع عليها بينهم، ولا يخرج عنها إلا الجاهل المتخلف.
الإلزام في خطابات المرجعية.
س3: يلاحظ في بياناتكم وخطاباتكم أنكم تصدرون بعض التوجيهات إلى المؤمنين خارج نطاق الفتوى المجردة وبنحو من الإلزام فهل تعتبر مثل هذه التوجيهات أوامر واجبة التنفيذ؟
الجواب: بسمه تعالى: لا فرق في وجوب الإلتزام بالحكم الإلزامي الصادر من الجهة الشرعية المعتبرة بين وروده مجرداً أو ضمن بيان وخطاب موسعين.
سماع الأغاني
س4: يحصل أحياناً عند الركوب في سيارات الأجرة أن يستمع السائق إلى الأغاني من خلال راديو أو مسجل السيارة ويضطر الراكبون إلى سماع ذلك معه فما هو حكمهم الشرعي؟
الجواب: بسمه تعالى: ليطلب الراكب بلطف وهدوء منه إطفاء الجهاز أو تغيير الموجة إلى غير المحرّم فان أصرّ ولم يكن الراكب مضطراً للبقاء معه –كما لو كانت السيارات متوفّرة- فلينزل من السيارة ويستقل غيرها ويحفظ نفسه من الحرام، وإن كان مضطراً للاستمرار معه فليتشاغل عن الإصغاء والإنصات إلى المحرّم.
ميراث الأحفاد
س5:هل يرث الأحفاد من تركة جدهم إذا كان والدهم قد توفي في حياة والده وكان لوالدهم إخوة من أبيه الذي هو جدّ الصغار؟
الجواب: بسمه تعالى: إذا كان للمتوفى أولاد مباشرون - كما في مفروض المسألة- فلا يرث أبناء ولده الذي توفي في حياته. من جدّهم فالقوانين الرسمية المعمولة بها التي تورّث الأحفاد مخالفة للشريعة، لقاعدة (الأقرب يمنع إلا بعد)، نعم لو لم يكن للمتوفى أولاد مباشرون فيرثه أحفاده حيث تأخذ كل مجموعة حصة أبيهم أو أمهم الذي هو ابن مباشر للحد.
ويستحب للجد في مثل هذه الحالة أن يوصي لأحفاده من الثلث بشيء مناسب لكي لا يحرموا من ميراث جدّهم.
مخصصات الزوجية
س6: تعطي الدولة لموظفيها مخصصات الزوجية بعد الزواج والارتباط بالطرف الآخر فهل هذه المخصصات ملك للزوج أو للزوجة؟
الجواب: بسمه تعالى: هي ملك للموظف الذي خُصِّصت له بحسب القانون سواء أكان هو الزوج أم الزوجة، فهي زيادة على راتبه بداعي حصول الترويج له وليس المال للطرف الآخر.
مظاهر مخالفة للشريعة في الزيارة الشعبانية
س7: يصاحب الزيارة الشعبانية المباركة في كل عام بعض المظاهر التي تكون محل تأمل عند الكثيرين وعادة ما يكثر الجدال حول مشروعيتها من قبيل التصفيق والرقص وضرب الطبول واشعال الشموع والاختلاط المريب بين الشباب والشابات وكل ذلك بدافع اظهار الفرح والابتهاج بالمولد المبارك لمولانا صاحب الزمان (عج) فما حكم هذه الأفعال وما هي نصيحة سماحتكم للشباب في هذه المسألة؟
الجواب: بسمه تعالى: ليلة النصف من شعبان ليلة عظيمة شريفة يضاعف الله تعالى فيها الحسنات والسيئات لجلالة شأنها، ورد في بعض الأخبار انها المقصودة بقوله تعالى (فيها يفرق كل امر حكيم) حيث تقدّر فيها أرزاق العباد وآجالهم وما يجري عليهم، فينبغي للإنسان ان يستثمرها بالطاعة والعبادة والدعاء بالعافية وحسن العاقبة والصلاح.
ومن مستحباتها الأكيدة زيارة الإمام الحسين (عليهم السلام)، ويصادف فيها ليلة ميلاد منقذ البشرية ومقيم دولة العدل الإلهي المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه).
فالتهيؤ لها والاستعداد لاحيائها بما يناسب عظمتها وجلالة شأن صاحب الذكرى فيها مما يسارع إليه المؤمنون، ويكون التهيؤ بأعداد البرامج العبادية ومجالس الذكر والإرشاد والموعظة وبيان فضائل أهل البيت (عليهم السلام).
ولكن الشيطان يأبى أن يطاع الله تعالى ويعمل كل ما بوسعه ويجنّد كل شياطينه لحرف مسيرة الانسان عن صراط الطاعة والعبادة لله تبارك وتعالى، فيلبّس على الناس ويخلط الحق بالباطل، ويصوّر الباطل بصورة الحق ليسهل عليه انقيادهم وإلقاؤهم في التهلكة في حين يتصورون أنهم يحسنون صنعاً.
ومن تلبيساته وخدعه وحيله ومكره ما يجري من ظواهر منحرفة وأفعال منكرة في هذه الليلة يرفضها الشرع المقدس خصوصاً في كربلاء، ويزيد الأمر شناعة ارتكابها في هذه الليلة الشريفة وفي هذا المكان المقدس إلى جوار مرقد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيثقلون ظهورهم بالاوزار وهم يظنّون انهم يتقربون إلى الله تعالى، وهذه طريقة الشيطان مع الأمم السالفة حيث ان اللعين لم يدعوهم الى ترك ما أمرهم به انبياؤهم – كمناسك الحج الابراهيمي مثلاً- وإنما شوهها لهم وافرغها من محتواها وحوّلها إلى شرك ومعاصي مع ابقاء الشكليات.
فليحذر المؤمنون من تلبيس ابليس ولا ينخدعوا بالأعيبه التي روج لها الجهلة ويدفع إليها الفسقة الذين لا يتورعون عن استغلال كل مناسبة لاشباع نزواتهم وشهواتهم حتى لو كانت في ذلك الزمان الشريف والمكان المقدس ومن تلك الأفعال المحرّمة: استعمال آلات اللهو وبالالحان المشابهة لألحان أهل الفسق والفجور، والاختلاط غير المحتشم بين الجنسين مع ما يرافقه من الضحكات والمواعيد والخلوة المحرّمة، وتبرّج النساء، وإظهار الرجال لمفاتنهم أمام النساء بعنوان السباحة في نهر الحسينية ونحوها.
فان كنتم من زائري الحسين (عليه السلام) حقاً والعارفين بفضله فاقضوا ليلة النصف من شعبان كما قضى هو وأصحابه ليلة عاشوراء بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وذكر الله تبارك وتعالى، فانها ليلة واحدة من السنة وقد لا يُمنح الإنسان مثل هذه الفرصة مرة ثانية، أما لموته أو سفره أو انشغاله أو مرضه وغيرها.
وينبغي للمؤمنين عامة وللمشرفين على شؤون العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية وإدارة مدينة كربلاء خاصة بذل أقصى الجهود لتصحيح الحالات المنحرفة وتوعية الناس فان ذنب الجاهل يكون على العالم الذي قصّر في هدايته وإرشاده.
وفي الحقيقة فإن هذه المسألة لا تختص بما يجري في الزيارة الشعبانية وإنما هي عامة الابتلاء، حيث تجري في ما يعرف بحفلات (المواليد) وأشرطة (الفيديو كليب) جملة من المخالفات الشرعية كالالحان المشابهة لألحان أهل الفسق، واستعمال الآلات الموسيقية بالكيفية اللهوية المذكورة ونحوها، فإلى هذا نلفت انتباه إخواننا المؤمنين.
بيع رصيد الموبايل
س8: بعد أن حول رصيد الموبايل من الدولار إلى العملة المحلية كثر السؤال حول مشروعية التعامل بكارتات الرصيد بيعاً وشراءاً بسعر أقل أو أكثر من الرصيد المقرّر فيه فما هو رأي سماحة الشيخ في هذه المسألة في حالة كون البيع بالنقد أو بالآجل؟
الجواب: بسمه تعالى: لا اشكال في هذه المعاملة ان شاء الله تعالى ولا مانع من التعامل بالكارت بيعاً وشراءاً سواء اكانت المعاملة نقدية ام بالآجل، ومع الفرق أو بنفس المبلغ، لأن المعاملة تقع على الكارت والخدمة التي فيه، وليست المعاملة من بيع مقدار من العملة بمقدار أكثر أو أقل من نفس العملة وهي معاملة محرمة.
القرآن مصون عن التحريف
س9: تتهم بعض الفضائيات والكتب الشيعة وأتباع أهل البيت(ع) بأنهم يقولون بتحريف القرآن استناداً إلى روايات موجودة في الكتب المعتبرة عند الشيعة، فهل لهذه التهمة حقيقة؟
الجواب: بسمه تعالى: الشيعة مجمعون على أن هذا القرآن الموجود بين أيدينا منزَّل من الله تبارك وتعالى وهو مصون عن التحريف ويستدلّون بقوله تعالى(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وهذه فضائيات الشيعية وإذاعاتهم وكتبهم المليئة بالآيات القرآنية فهل وُجد فيها حرف غير موجود في كتاب الله تعالى المتواتر في أيدي المسلمين.
وهذه بيوتهم لا تخلوا أحدها من عدة مصاحف فهل يوجد عند احدهم مصحف غير هذا بل أن المصاحف المتداولة عند الشيعة هي من طبع القاهرة والرياض ودمشق وبإمضاء علماء العامة.
ومن الأدلة على عدم قول الشيعة بالتحريف قراءتهم لكل سور القرآن في الصلاة ولو وجد شيء محرّف لما صحّت قرائته في الصلاة.
فالذين يتهمون الشيعة بتحريف القرآن يعلمون أنه كذب لأنهم لا يرون عند الشيعة غير هذا المصحف المتفق عليه، ولو وجدوا نسخة غير هذه في شرق الأرض وغربها لأقاموا الدنيا وأقعدوها.
أما الروايات التي وردت فيها الإشارة إلى التحريف فهي شاذة نادرة ولم يُعمل بها، وفي بعضها دلالة على أن المراد بالتحريف أنهم حرّفوا العمل به ولم يلتزموا بما جاء في القرآن، وليس التحريف بمعنى النقصان والزيادة فيقول(عليه السلام):(حفظوا حروفه وحرّفوا حدوده).
أما صحاح أهل السنة فهي مليئة بالروايات التي تثبت النقيصة والزيادة في القرآن ومع ذلك فإننا لا نتهمهم بالتحريف لأننا لا نجد عندهم قرآناً غير هذا.