تقييم الحركات المسلحة لمواجهة السلطات

| |عدد القراءات : 1873
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

تقييم الحركات المسلحة لمواجهة السلطات([1])

 توجد قضيتان تتعلقان بمعارضة السلطات الظالمة المنحرفة المستبدة ومواجهتها بالسلاح: خفي التفريق بينهما على كثير من المتصدين منذ زمان المعصومين(عليهم السلام) وإلى اليوم، فوقع الكثيرون في ما لا ينبغي فعله ولا يجوز لهم التصدي له بما يعني ذلك من خسائر باهضة بالارواح والممتلكات وكيان الامة:

إحداهما: الخروج لطلب الاصلاح وإقامة السنن وإماتة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد تتطلب مواجهة مسلحة في النهاية دفاعاً عن النفس ـ كما في حركة الامام الحسين(عليه السلام) ـ او لاستنقاذ الحق وإعادته إلى أهله ـ كما في حركة زيد الشهيد(رضوان الله تعالى عليه) ـ

ثانيهما: التحرك لقلب نظام الحكم وانتزاع السلطة بقوة السلاح كالكثير من ثورات العلويين في عصر الائمة (عليه السلام) وإلى اليوم.

والحركة الاولى ممدوحة سواء قادها الامام الحق كالامام الحسين(عليه السلام) أو من يتحرك بإذنه ويعمل تحت رايته كزيد الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) وهذا ما يظهر من روايات المعصومين(عليهم السلام) في مدح زيد والثناء عليه كما في الرواية الصحيحة عن الامام الصادق(عليه السلام) ومنها قوله(عليه السلام)( إن أتاكم آت فانظروا على أي شيء تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد، فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه)([2]) الحديث.

أما الثانية فقد كان الامام (عليه السلام) ينأى بنفسه عنها ويحذّر أصحابها من مغبّة عملهم لأنها غالباً ما تكون غير مكتملة المقدمات ولا تؤدي الغرض المطلوب وهو إقامة المجتمع الصالح وحكومة العدل الالهي  وإلى مثل هذه الحركات تشير بعض الروايات الناهية عن التحرك كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عز وجل)([3])  والرواية عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال( والله لا يخرج أحدٌ منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به)([4]) .

 وكان البعض يدفعه حب الرئاسة والزعامة ـ كبعض بني الحسن(عليه السلام) ـ حيث يجدون أن أولاد عمهم الحسين(عليه السلام) قد استأثروا بالامامة ويأسوا من الحصول عليها فاختاروا هذا الطريق لتحصيل الزعامة ولو بالمغامرة، فإن المغامرين يرتكبون الاهوال ويضحون بأنفسهم من أجل تحقيق الارقام القياسية!!.

ولذا كان الائمة المعصومون (عليهم السلام) لا يقيسون أحداً من أولئك بزيد الشهيد ويفرّقون بينهم في المنهج والاهداف كما في الرواية السابقة وفي الرواية الأخرى  عن الرضا (عليه السلام) أنه قال للمأمون ( لا تقس اخي زيداً([5]) إلى زيد بن علي، فإنه من علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) غضب لله فجاهد اعدائه حتى قتل في سبيله)([6]) .

وكان الامام الصادق(عليه السلام) يقول عن مثل هؤلاء( إنه لا يطيعنا وهو وحده فكيف يطيعنا إذا ارتفعت الرايات والاعلام)([7]) .

لكن الائمة(عليهم السلام) كانوا يتألمون لفشل تلك الحركات ويبكون ضحاياها ويتعاطفون معها بالشكل الذي لا يعرضهم لاتهام السلطات الجائرة بانضمامهم إليها أو دعمها و تأييدها كما يظهر في رسالة الامام الصادق(عليه السلام) لبني الحسن(عليه السلام) المعتقلين في سجون المنصور العباسي، وتألم الامام الكاظم(عليه السلام) لضحايا معركة فخ، وكان الائمة(عليهم السلام)يرون في تلك الحركات إشغالاً للسلطة عن متابعة نشاطاتهم، ومن ذلك ما ورد في مستطرفات كتاب السرائر أنه ( ذكر بين يدي أبي عبد الله (عليه السلام) من خرج من آل محمد(صلى الله وآله وسلم) فقال: لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولوددت أن الخارجي يخرج من آل محمد وعليَّ نفقة عياله)([8]) .

والكلام في هذه المطالب يطول ولا يسعه المقام([9])  ولكن في ما قلناه تذكرة لكثير ممن تقمصّوا  غير مواقعهم  فسببّوا الكثير من البلايا والمحن لشيعة اهل البيت(عليهم السلام) في عدد من بلاد المسلمين وليس في العراق وحده. وإذا سألت كيف يمكن التمييز في هذه القضية الملتبسة وفرز أوراق الحق عن الباطل، قلت الجواب سهل وهو الرجوع إلى أولي الأمر الذين أمر الله تعالى بالرجوع إليهم وهم الائمة المعصومون (عليهم السلام) في زمن حضورهم ونوابهم من العلماء العدول العارفين بالظروف المحيطة بهم والقارئين بعمق لسيرة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ومواقفهم.

وفي ذلك ورد في الرواية الصحيحة عن الامام الصادق(عليه السلام) قال( عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لانفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيئ بذلك الذي هو أعلم بغنمه من الذي الذي كان فيها، والله لوكان لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرّب بها ثم كانت الأخرى يعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم)([10])  .

 



 ([1]) خاطرة سنحت لسماحة الشيخ اليعقوبي(مد ظله) أثناء إلقاء محاضرته في البحث الخارج يوم الاحد 4/صفر/1432 حيث ورد اسم زيد الشهيد  في إحدى روايات البحث الخارج وكانت ذكرى شهادته في اليوم السابق 3/صفر من عام 121 أو 122 هجرية.

([2])،(3)،(4)،(6)،(7)،(8)،(9) الاحاديث موجودة في وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، باب13.

 

 

(5) زيد بن موسى الكاظم (عليه السلام) أخو الامام الرضا(عليه السلام) قاد ثورة عل العباسيين وأحرق دورهم فعُرِف بزيد النار.

  

 

 

([9]) راجع الفصل الأخير من كتابنا (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) وتعليقات السيد الشهيد الصدر الثاني(قده) عليه.