عصر انتصار الاسلام وإيمان الشعوب به
بسم الله الرحمن الرحيم
عصر انتصار الاسلام وإيمان الشعوب به [1]
نحتفل اليوم بتتويج عدد معتدٍ به من طلبة جامعة الصدر الدينية فرع بغداد الجديدة بالعمامة والزي الروحاني ليكونوا دعاة الى الله تبارك وتعالى وادلاء على طاعته , ومن حقنا أن نفرح ونفتخر بهذا الانجاز المبارك لأنه يمثل مظهراً لانتصار الاسلام وامتداده وسعة العودة الى الله تبارك وتعالى , فمنطقة مثل بغداد الجديدة كانت ساحة للفساد والانحراف وإذا بها تصبح اليوم ساحة لأكثر من حوزة علمية دينية ومناراً للهدى والإصلاح .
إننا نشهد اليوم تجليات واضحة وواسعة لانتصار الاسلام وعزته وكرامته بعد أن غُيِّب صوته عن الأمة وشُوِّهت صورته حتى أصبح مثاراً للتشكيك والرفض والازدراء , ولكننا نشهد اليوم عودة الشعوب الى الاسلام واقتناعها به وإيمانها الراسخ بأنه لا حلَّ الا بالعودة الى الله تبارك وتعالى والرجوع الى دينه القويم .
وهذا الأمر لا يختص بالساحة العراقية بل في كل بلاد المنطقة , فهاهي ثورات الشعوب العربية أو ما يسمى بالربيع العربي إنما تكتسب قوتها وامتدادها من الاسلام , ولم تنتظم وتجتمع قوتها وتزلزل الأرض تحت أقدام الطاغوت الا عندما ترفع شعارات الاسلام وعلى رأسها (الله أكبر , لا اله إلا الله) وتقيم شعائره وعلى رأسها صلاة الجمعة , وقد كان ذلك واضحاً في حركة الشعبين المصري والليبي وغيرهما .
وما إن تنتصر تلك الحركات وتتاح الفرصة للشعوب كي تختار بحرية من يحكمها حتى تكون الغلبة للإسلاميين , وقد تابعنا نتائج أول انتخابات تونسية بعد زوال الطاغوت وكانت النتيجة فوز الحركة الإسلامية بالمرتبة الأولى وحصدت أكثر من 40 % من المقاعد وتلاها غيرها بفارق كبير وصوت للإسلاميين الكثير من الليبراليين واليساريين ثقة بالمشروع الإسلامي .
إذن نحن في هذا العصر أمام تجليات واسعة ومتسارعة لعزة الاسلام وعظمته , وقد كانت الأجيال السابقة تعيش عقوداً او قروناً لتشاهد نصراً واحداً وقد لا يحصل ما يبشّر بخير وليس لهم الا رثاء أحوالهم , واليوم تتوالى هذه الانتصارات ويتحقق هذا التقدم المستمر بمشيئة الله تبارك وتعالى.
إن هذه الانتصارات وهذا التقدم فيه امتحان واختبار للإسلاميين – علماء ومثقفين وسياسيين ومتدينين – ليبلوهم الله تبارك وتعالى ايهم أحسن عملا , وهل هم بمستوى هذه النعم وتحمل هذه المسؤوليات ؟
إن لله تعالى سنناً في عباده ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر43) ومن سنته تبارك وتعالى في هذا المجال أن يتم نصره على عباده المؤمنين إن أقاموا دين الله تعالى وأجروا أحكامه وكانوا من أهل الآية الشريفة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )(الحج41)
وهؤلاء وعدهم الله تبارك وتعالى في الآية التي سبقتها (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)الحج40 .
وان لم يكونوا كذلك جرت فيهم سنة أخرى أشارت إليها الآية الشريفة (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) (محمد 38) فالله غني عن كسل المتقاعسين وخذلانهم وتلكؤهم وسوف يأتي بقوم آخرين ينهضون بالمشروع الإلهي ولا يبالي بهؤلاء السيئين أين يصيرون .
وهذا الكلام إنما نوجّهه لمن يسموّن بالنخب من علماء وصناع الفكر والثقافة ومتفقهين – كحضراتكم – لان التمكين المذكور في الآية الأولى إنما يكون لهم , وعليّهم المعوّل في إقامة أحكام الله تبارك وتعالى , وليس على عامة الناس المساكين الذين همهم تدبير شؤون حياتهم الخاصة مع القيام بواجباتهم الدينية , فأنتم المعنيون بهذا الامتحان الإلهي الذي تتجلى مظاهره بقوة هذه الأيام. وقد نقلنا لكم في بعض الخطابات السابقة روايات في هذا المجال ومنها ما روته الصديقة الزهراء عليها السلام عن أبيها (صلى الله عليه وآله) (إن علماء شيعتنا يحشرون فيُخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدِّهم في ارشاد عباد الله) [2] .
إن من المؤسف ضعف كثير من المتصدين لقيادة الحركة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية وهزيمتهم داخل نفوسهم إما مجاملة للغرب وكسب ودهم أو لتيسير وصولهم إلى السلطة .وعملاً بالبراغماتية التي تتطلبها السياسة من وجهة نظرهم , ففي عشية الانتخابات التونسية[3] يظهر زعيم حركة النهضة الإسلامية على وسائل الإعلام ويعلن تخليه عن بعض أحكام الاسلام فيما يُدعى بحقوق المرأة .
إن الله تبارك وتعالى أحق أن تخشوه والحق أحق أن يتبَّع وليس الغرب , إنها مفارقة غير منصفة ان نستحي من إعلان هويتنا الإسلامية والتزامنا بما شرّعه الله تبارك وتعالى , بينما لا يستحي الغرب من إصدار مؤسساته بشكل رسمي قوانين تبيح زواج المثليين والشذوذ الجنسي واستباحة المنكرات التي يعلمون هم قبل غيرهم أخطارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية فهل من المعقول أن نستحي نحن ونجاملهم على حساب شريعة الله تبارك وتعالى وهم بهذه الضعة والدناءة ؟ من أجل أن لا يضعوا (فيتو) على تصدي الإسلاميين , مع أن هذا الأمر ليس بأيدي الغرب , وإنما الشعوب هي التي تختار من يمثلها .
إن هذه مؤشرات مقلقة تنبئ عن عدم أهلية المتصدين لتحمل مسؤولية التقدم بالمشروع الإسلامي العظيم , وتشجع الغرب على فرض أملاءاته على المسلمين (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ) (النساء102) وأي سلاح أمضى وأقوى من سلاح الاسلام وإرادة الشعوب فلماذا نغفل عنها ونتخلى عنها ؟ وماذا يبقى بأيدينا في المواجهة مع الغرب ؟
وإذا كانت الغفلة متصورة في حق غيرنا لأسباب غير خافية , فأننا – أتباع أهل البيت عليهم السلام والمرجعية الواعية الرشيدة – غير معذورين , ولا يُتوقع منّا التقصير لما نملك من آثار ضخمة ومستوعبة من روايات أهل البيت عليهم السلام وكتب علمائنا الصالحين .