خطاب المرحلة (3)... الكلمة التأسيسية لجماعة الفضلاء

| |عدد القراءات : 1440
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الكلمة التأسيسية لجماعة الفضلاء([1])

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليماً.

أود أن أقدم تعريفاً بفكرة تأسيس الجماعة وأهدافها وطبيعة عملها وآلياته:

(جماعة الفضلاء) تجمع يهدف إلى النهوض بواقع الأمة لتكون بمستوى التحديات، وهو مفتوح لكل فضلاء وأساتذة الحوزة الشريفة وأئمة الجُمعات والجماعات وخطباء المنبر الحسيني، وكل المؤمنين الرساليين العاملين على رفعة الإسلام ونشره وعزة المسلمين مهما كانت انتماءاتهم واتجاهاتهم الحوزوية وتنفتح الجماعة في عملها على جميع الجهات الأخرى في المجالات التي تلتقي بها معها.

والغرض من تأسيسها أمران:

1 ـ تنظيم آلية عمل الحوزة الشريفة في أداء المسؤوليات ومواجهة التحديات بتشكيل اللجان المختلفة، فالجماعة ليست بديلاً عن المرجعية في قيادة الأمة، وإنما هي أداة بيدها لتقوم بمسؤولياتها وتؤدي وظائفها.

2 ـ توحيد اتجاهات الحوزة مرجعياً وفكرياً، وتقريب وجهات نظرها وتنسيق المواقف بينها وتمثيل الحوزة في المؤتمرات والمناسبات باعتبار انضمام الفضلاء من مختلف الاتجاهات إليها، وانبثاق هذه اللجان المشتركة كممثلة للجميع.

والمسؤوليات المشار إليها يمكن إجمالها بما يلي:

1- إصلاح الناس وهدايتهم وتكميل نفوسهم وتقريبهم إلى طاعة الله بإيجاد فرص الطاعة وتكثيرها، فمثلاً حينما يدعى إلى صلاة الجمعة أو يُفتح مشروع خيري فهذا إيجاد لفرص جديدة للطاعة وتجنيبهم المعصية بتقليل فرص المعصية ومنعها.

2- تبليغ الأحكام وتعليم مسائل الحلال والحرام في مختلف شؤون الحياة.

3- الدفاع عن الشريعة ضد الشبهات الفكرية والعقائدية وأي خطر يهدد كيان الأمة.

4- تنظيم حياة المجتمع وبسط العدل فيه وإيصال الحقوق إلى أهلها وقضاء حوائج الناس.

5- العمل على وحدة الصف ومقاومة أي محاولة لزرع الشقاق بين أهله والانتباه والتحذير لهذه المحاولات.

أما التحديات فيمكن ملاحظة عدة أشكال منها:

1ـ السياسية: حيث يسعى الشعب لاغتنام الفرصة في نيل حقه للمشاركة في إدارة البلد وعدم فرض حكومة لا يرتضيها سواء من جهة عناصرها كونهم متورطين في جرائم النظام أو غير كفوئين لشغل المواقع أو من جهة نسب توزيعها أو شكلها واتجاهها.

2- العقائدية والأخلاقية: فإن الانفتاح المقبل والحرية المدعاة ستحمل معها الكثير مما يتنافى مع مبادئ الإسلام وتعاليمه، وسيكون ذلك مدعاة للتمحيص والابتلاء الشديد الذي لا ينجو منه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وتمسك بدينه وأطاع ولاة أمره الحقيقيين، وهذا الاختراق الأخلاقي والفكري يتوقع حصوله من خلال عدة قنوات، أولها وسائل الإعلام المؤثرة وثانيها الوافدين إلى البلد من أبنائه المهاجرين وغيرهم الذين يحملون ذلك الفكر والسلوك الغريبين.

3- الاجتماعية: فإن النظام العالمي الجديد الذي يراد للعراق أن يكون جزءاً منه يتطلب نظماً وأوضاعاً اجتماعية لا تتلاءم مع تركيبته الإسلامية الأصيلة وستتغير أنماط العلاقات والمعايير المتحكمة فيها.

إن مما يؤسف له انشغال الأمة وحتى الحوزة بالهم السياسي فقط، والاندفاع لتحصيل مكاسب سياسية، وانصبت المحاضرات والخطب والكلمات على هذا الاتجاه، رغم أن بناء شخصية المسلم والمحافظة على سلوكه وإصلاح المجتمع أهم وأولى، وقد تحصل مكاسب سياسية بمقدار معين وبآخر، ولكن يبقى الهدف الرئيسي للحوزة هو هذا اعني هداية البشر ومساعدتهم على تكميل نفوسهم، وهذا ما استفدناه من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فلم يكونوا يهتمون بالمواقع الدنيوية سواء حصلت في حالة توفر ظروفها الموضوعية أم لم تحصل، لكن الواقع الآن هو العكس فلا أحد فكر في إنشاء مراكز ثقافية أو حوزات([2]) علمية في مختلف المدن أو رابطة للمرأة المسلمة تعمل على تثقيف النساء وتعليمهن أو جمعيات خيرية بل قد انحسر عدد المصلين في المساجد وترك أئمة المساجد خطبهم ومحاضراتهم ودروسهم إلا ما ندر، وهذه هي الهزيمة الحقيقية التي استدرجنا إليها ونحن ما زلنا في أول الأزمة فكيف ستكون النهاية؟

إن هذا يوم له ما وراءه كما يقولون فإن المجتمع يتلقف كل جديد ويتأثر به ويتخذه طريقة دائمة لحياته، فإذا وجهناه وعبأناه بهذا الاتجاه أعني الانخراط في المراكز الثقافية والحوزات العلمية والمنتديات الأدبية والدينية فسيأخذ هذا الطريق وإلا فالعكس وحينئذ لا نلوم إلا أنفسنا.

ولضخامة هذه المسؤوليات وقوة هذه التحديات لا بد من تنظيم العمل وتوجيهه ووحدة العاملين وتنسيق جهودهم، أو قل لا بد من ترتيب بيتنا الحوزوي أولاً.

          ومن واقع هذه المسؤوليات والتحديات تنشأ الحاجة إلى تشكيل لجان ومكاتب تتوزع على أعضائها أعمال وتكون لها فروع في مختلف المدن تقوم بنفس المسؤوليات والوظائف.

          ونشير إلى هذه اللجان إجمالاً على أن تضع كل لجنة لاحقاً برنامج عملها ووظائفها بإشراف الأمانة العامة:

1- لجنة أئمة الجمعات والجماعات: حيث تقوم باختيار الكفوئين علماً وعملاً لهذه المواقع ومتابعة نشاطهم وتقييمه ومساعدتهم في إعداد الخطب والكلمات وتحديد محاور الكلام.

2- المكتب الثقافي والعلمي: يقوم بنشر الكتب والإصدارات النافعة لجميع الاتجاهات المرجعية وتشخيص حالات الخلل والانحراف وإعطاء العلاج لها وإعلان رأي الجماعة في مختلف القضايا الفكرية والأخلاقية والعقائدية وتصدر عنه مجلة أو جريدة ناطقة باسمها كما ينقل المكتب أولاً بأول ما يصدر من المرجعيات الشريفة من استفتاءات وتوجيهات اجتماعية ويقوم بتفجير الطاقات العلمية والثقافية وتشجيعها وتطويرها.

3- لجنة خطباء المنبر الحسيني: تفتح معهداً لإعداد الخطباء وتأهيلهم وتضع له المناهج اللازمة، وتشرف على اختيار الخطباء الكفوئين وتوزيعهم ومتابعة نشاطاتهم.

4- لجنة الشعائر الدينية والتجمعات الجماهيرية: حيث تتولى أقامة الاحتفالات الدينية وتوجيه الشعائر وتوظيفها في خدمة القضايا المصيرية والدعوة إلى عقد التجمعات للمطالبة بأمور محددة.

5- المكتب الإعلامي: ينشر نشاطات الجماعة ويتابع الأخبار ويحللها وينشر تعليقات الجماعة على هذه الأخبار وتحليلها.

6- لجنة التنسيق بين المرجعيات واستعلام مواقفها وآرائها.

7- لجنة الرعاية الاجتماعية: فيما يتعلق بحضورها مناسبات الناس كإقامة الفاتحة وعيادة المرضى وغير ذلك من النشاطات التي تعكس العمل الإنساني للجماعة.

8- لجنة شؤون المرأة المسلمة: فإنه يوجد إغفال تام لدور المرأة ولم توضع آليات وبرامج عمل لتثقيف المرأة وتعليمها من خلال تأسيس مراكز ثقافية حتى ولو في البيوت وإعداد دروس في الفقه والعقيدة والأخلاق والتفسير مناسبة لطبيعتهن.

هل للجماعة عمل سياسي:

ليست الجماعة تشكيلاً سياسياً بالمعنى المتعارف لكنه مستعد لمشاركة الأحزاب والحركات السياسية ضمن الإطار الذي حددته الجماعة لنفسها وباعتبار أن الجماعة تضم بحسب العنوان فضلاء من جميع الاتجاهات الحوزوية فيمكن للجماعة أن تمثل الحوزة في الفعاليات السياسية، وبذلك تحل هذه المعضلة التي يتحدث عنها كل أطراف القضية العراقية الذين يتساءلون من هي الحوزة التي يعلن الشعب باستمرار عن كونها الممثل الوحيد له.

إن أهم قضية تواجهنا هي قضية الدستور لأنه المرجع في كل قضايا البلاد، فلا بد أن يكون وفق الشريعة الإسلامية التي تكفل حقوق جميع البشر، ولكي يتحقق ذلك يجب تصدي مجموعة من الفقهاء للإشراف على صياغة الدستور ومراقبته، ومن مسؤوليات هذا المجلس مراجعة أطروحات وبرامج عمل الحركات والأحزاب السياسية التي تود دعم الحوزة لها ولو بشكل غير مباشر وإعطاء الضوء الأخضر لما صح منها أو ترشيح عناصر مستقلة، وسيؤثر موقف الحوزة هذا كثيراً في فوز تلك الأحزاب أو النقابات أو الحركات في الانتخابات.

وتحث الجماعة كافة المؤمنين على تشكيل النقابات النظيفة والجمعيات الثقافية والحركات الوطنية والإسلامية المخلصة بإشراف الحوزويين لتشارك في الحياة السياسية مستقبلاً ودعم من يعمل على تحقيق المطالب الشرعية للشعب.

وأعتقد أن هذا هو المقدار الذي يمكن للحوزة بمستوياتها العليا المشاركة فيه فإن لها دور الإشراف والرعاية والأبوة والتوجيه للجميع ولا يمكن تحجيمها في حزب سياسي ونحوه.

إن العمل غير المنظم وغير المنسق يؤدي إلى سلبيات عديدة:

1ـ ضعف النتائج وقلة الثمرات التي ينبغي قطفها.

2ـ إهمال الكثير من الأعمال لقصور العمل الفردي عن القيام بها وقلة فاعليته.

3ـ كثرة الأخطاء، بينما بالمشاورة والمشاركة يمكن اجتناب الكثير منها (من شاور الرجال شاركهم في عقولهم).

          فنحن مدعوون أيها الأخوة إلى تضافر الجهود والتجرد من العناوين الشخصية والفئوية والعمل سوية للنهوض بالواقع الذي نعيشه إلى مستوى الطموح الذي نأمله ويريده منا الله تبارك وتعالى وأمامنا المهدي الموعود عجل الله فرجه،        وأرجو أن تبارك مرجعيتنا الشريفة هذا العمل وتشد من أزر العاملين.

          إن ركيزة الانطلاق في هذه المسؤوليات الجبارة هي المساجد فلا بد من تفعيل دورها وإعادة الحياة إليها، وليكن كل مسجد بالإضافة إلى كونه محلاً للصلاة مركزاً ثقافياً ومدرسة دينية ومحلاً للشعائر الدينية والتجمعات الجماهيرية ومقراً لانعقاد الجمعيات والمؤتمرات، فإن المسجد إذا أخذ دوره الحقيقي كما كان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الأمة تكون بخير وتسترد عافيتها.



([1]) ألقيت في المؤتمر التأسيسي لجماعة الفضلاء في مقرها العام في النجف الأشرف يوم27 صفر 1424 المصادف 30/4/2003 وقد حضره المئات من فضلاء وأساتذة الحوزة وحظي بتغطية إعلامية واسعة.

([2]) قام سماحة الشيخ بنشر فروع جامعة الصدر الدينية في المحافظات بعد سقوط الصنم الصدامي، وفتح المراكز الثقافية والمنظمات الاجتماعية والإنسانية والروابط النسوية وفروع جامعات الزهراء (عليها السلام) لهن.