خطاب المرحلة (5)... حكم التعامل مع الأمريكان

| |عدد القراءات : 1709
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حكم التعامل مع الأمريكان

 بسم الله الرحمن الرحيم

 سماحة الحجة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

نحن لفيف من طلبة  الكلية التقنية والمعهد التقني في النجف الأشرف، نرجو من سماحتكم التفضل علينا والنظر في قضايانا ومسائل الابتلاء التي نعيشها لحظة بلحظة في مجتمعنا الدراسي لاسيما، وأن مجمعنا أصبح ثكنة عسكرية للقوات الأمريكية المحتلة، وأننا نتعرض إلى حرب ثقافية وفكرية وعقائدية من قبل المحتلين، مما يستدعي منا حالة طوارئ فكرية وثقافية بين شبابنا وفتياتنا لأننا نواجه صراع الإرادات كأقوى ما يكون عليه الصراع، وعلينا أن نركز وجودنا وخطنا الإسلامي الأصيل في قبال خطوط الكفر والإلحاد الأخرى… هذا ولكم منا وافر الامتنان وأدامكم الله للأمة الإسلامية بركة وعطاءً وجهاداً والله من وراء القصد.

س1:  نرى البعض منهم قد أقام علاقات ودية وحميمة مع جند الاحتلال تصل إلى حد تبادل الأطعمة والأشربة فيما بينهم والبعض يقوم بتدريسهم اللغة العربية لقاء أجر معين، فماذا ترون؟

س2: تقوم بعض النساء بالتجوال عصراً مع أطفالهم في شوارع الحي السكني وعلى مرأى من جند الاحتلال وبصورة غير لائقة، فماذا ترون؟

س3: البعض منهم يمارس لعبة كرة القدم في القاعة الرياضية داخل المجمع السكني مع قوات الاحتلال والتقاط الصور الشخصية معهم، وقد وصلت الحد في شباب الحي إلى أن يقوم بعضهم بمعانقة الجندي الأمريكي المحتل وتقبيله في بعض الأحيان، بماذا تصرحون؟

س4: يدعى البعض أن واجبنا تجاه القوات المحتلة هو في إظهار الصورة الحسنة لنا والأخلاق الفاضلة والتعاون معهم على أنهم قوات محررة وليست محتلة تتواجد لحمايتنا ومساعدتنا في إعمار المجتمع الدراسي وأن أي عمل خلاف ذلك يؤدي إلى ضررنا وإخلال الأمن والأمان داخل المجتمع، فما رأيكم؟

س5: إن وجود القوات المحتلة بين الدور السكنية أمر يؤدي إلى فقدان الحشمة والعفة بين الأهالي وإن موقعهم يهيئ لهم للإطلالة على ما في الحي السكني ككل من خلال ما يمتلكون من مراصد ونواظر، علما أن هنالك مشروع تعيين بعض هذه الدور السكنية لأخواتنا الطالبات كقسم داخلي، فما رأيكم في ذلك؟

س6: يقوم جند الاحتلال بترويج بعض المجلات والأقراص الليزرية الماجنة بين بعض طلبتنا من ذوي النفوس الضعيفة، فما تعليقكم؟

س7: نظراً للتواجد المستمر لقوات الاحتلال في داخل الحرم الجامعي، فما توجيهكم لأخواتنا الطالبات والموظفات لمراعاة الحشمة والعفة في زيهن وأسلوب تجمعهن وحركتهن في داخل الحرم؟

س8: أخيراً نرجو من سماحتكم أن توضحوا للإخوة والأخوات بعض واجباتهم وتكاليفهم الشرعية في هذه المرحلة تجاه كل القضايا التي تمس عقيدتنا ووجودنا الإسلامي؟

 

بسمه تعالى

قال تعالى: [لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ] (الممتحنة:8)  وقال تعالى: [لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أو أبناءهُمْ أو إِخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] (المجادلة:22).

فهناك شكلان  للتعامل مع غير المسلمين، فإن هم احترموا تعاليم الإسلام وحافظوا على كيان المجتمع المسلم، ولم يعتدوا عليهم، فيأمر الله تعالى المسلمين أن يتعاملوا معهم بالقسط والعدل والبر كعلاقتنا مع الإخوة المسيحيين الذين جاورونا في هذا البلد.

وإن هم انتهكوا حرمة الإسلام، فتجب مقاطعهتم وإظهار الامتعاض منهم، والرفض لوجودهم، وإشعارهم بأنهم حالة غير طبيعية وليس لهم موقع بيننا فالحكم متوقف على شكل تصرفهم إزاء كيان الأمة الإسلامية.

وبحسب المنقول عن الثقات فإن القوات الأمريكية المتواجدة في هذا البلد صدرت منها تصرفات توحي بأنها اختارت الشكل الثاني من التعامل.

ويمكن أن يكون انتهاكهم هذا بعدة أشكال:

1- إهانة المسلمين وإذلالهم والإساءة إليهم ومن أوضح مصاديقه اعتقالهم بغير حق.

2- الاعتداء على بيوتهم وأموالهم أو على عرضهم وشرفهم، ومن أشكاله مداهمة البيوت واقتحامها بغير استئذان وتفتيش النساء من قبل الرجال، ومصادرة الممتلكات، والتطلع إلى نساء المسلمين وحريم بيوتهم.

3- المخالفة العلنية للقيم والمبادئ التي يؤمن بها الشعب ويقدسها لأنها مستمدة من شريعة الله تبارك وتعالى وفي ذلك اعتداء على أخلاق الأمة وعقيدتها.

4- نشر الفساد والرذيلة والانحلال الخلقي كترويج الصور الخلاعية والخمور أو ممارسة الأفعال الجنسية اللامشروعة علناً، أو الظهور بهيئة مخدشة للحياء والعفة.

5- منع الناس من حقوقهم المشروعة إسلامياً وإنسانياً، وتعويق أي محاولة لتحصيلها، وفرض أمور على غير أرادتهم، كعرقلة تشكيل حكومة وطنية حرة من أشخاص اختارهم الشعب لبعض المواقع كالمحافظ([1]).

هذه بعض أشكال المحادّة مع الله ورسوله التي رتبَّ عليها حكماً وهو إظهار الامتعاض وعدم المودة والمقاطعة والرفض لهم، وجعل كل ذلك علامة لإيمان المسلم وإخلاصه له تبارك وتعالى، أياً كان الذين يقومون بهذه الأفعال حتى لو كانوا اقرب الناس إليهم كالأب والابن والأخ والعشيرة، وقد جعل جزاءً عظيماً لمن يمتثل هذا الحكم وهو تثبيت الإيمان في القلب والتأييد بروح القدس وجنات النعيم والخلود، وهذه منازل عظيمة لا تنال إلا بالهمّة العالية والإخلاص.

وعلى ما قيل من أن الأمور تعرف بأضدادها فنستطيع أن نعرف من مقابلة هذه المراتب العظيمة بأضدادها استحقاق من لم يلتزم بهذا الحكم الشرعي فإنه سيصاب بسلب الإيمان من قلبه، والتوفيق من عمله، والخزي في الدنيا والذل والهوان في الآخرة والحرمان من جنان الله تبارك وتعالى ورضوانه وهو الخسران العظيم.

فلا يخدعنّ أحد نفسه بأنه ينبغي أن نفعل كذا لأجل إظهار الصورة الحسنة لنا،  فليلتفت إلى هذه العواقب الوخيمة هؤلاء الذين يقيمون العلاقات الودية معهم بكل أشكالها، وعليهم أن يعلموا أن من أعظم المحرمات في الشريعة هو الدخول في ولاية الكافرين، والرضا بتسلطهم رغم محاددتهم لله ولرسوله، وقد أكدَّ القرآن الكريم عليها كثيراً وجعلها علامة بارزة لتمييز المؤمنين عن المنافقين ومن  الأخلاق الفاضلة، فإن الله تبارك وتعالى كما أنه (غفور رحيم) كذلك هو (شديد العقاب) وكما أنه أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة كذلك هو أشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة، وقد أمر الله تعالى عباده أن يتخلقوا بأخلاقه ووصف أصحاب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنهم [أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ] (الفتح:29)، فلسنا نحن نحدّد الأخلاق الفاضلة والصورة الحسنة وفق ما تشتهيه أهواؤنا وتقتضيه مصالحنا، بل وفق ما تأمر به الشريعة.

وعلى أي حال فإن تصرف الإخوة المؤمنين متوقف على سلوك الطرف الآخر فإن احترم قوانين الإسلام وحافظ على مقدساته ولم ينتهكها فلا مانع من التعامل معه في ما فيه مصلحة البلاد والعباد، وإلا فالشكل الآخر وعليهم أن يثبتوا صدقهم في ما يقولون وما يعلنون من أغراض وجودهم كحفظ الأمن ومساعدة الناس على تحصيل حقوقهم، وعلى المسلمين أن يكونوا حريصين على هويتهم الإسلامية بكل ما تتضمنه من عناصر العقيدة والأخلاق والتصرف النظيف، ولا يفّرطوا في شيء من ذلك تحت ضغط أهواء النفس أو الحاجة الاقتصادية أو الانبهار بالحضارة الزائفة التي تستبطن عوامل الانهيار والفناء وإن بدا وجهها براقاً.

وأشدّد في وصيتي على الشباب والنساء فإنهم الأكثر تعرضاً للانزلاق وان استهدافهم أكثر من غيرهم فالمسؤولية عليهم مضاعفة لكن عطاءهم الإلهي أعظم ويؤتيهم الله كفلين من رحمته إن هم تمسّكوا بدينهم وبقرآنهم العظيم وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين.

وقد كتبت عدة محاضرات طُبعت بكتاب عنوانه (نحن والغرب) استعداداًً لهذه المرحلة وما تتضمنه من تحديات وما تقتضيه من تكاليف، فيجب الاستفادة منه وقراءته بإمعان وتطبيق ما فيه لنجتاز هذا الامتحان بنجاح ونتأهل لنصرة الأمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) في دولته المباركة التي سيقيمها على هذه الأرض الطيبة فلا تحرموا أنفسكم من هذه الفرصة الثمينة.

وإني أكبر في هؤلاء الإخوة السائلين وعيهم وإخلاصهم وغيرتهم وأسأل الله تعالى أن يؤجرهم على ذلك ويثبت قلوبهم في هذا الامتحان الصعب وأن يجعلهم قدوة لغيرهم ويكثر من أمثالهم في صفوف الأمة ويشملهم بألطاف صاحب العصر (عجل الله فرجه) إنه نعم المولى ونعم النصير.

 

محمد اليعقوبي

مايس / آيار 2003



([1]) إشارة إلى ما حصل في البصرة من مظاهرات ضخمة لرفض تنصيب حكومة محلية من قبل الاحتلال.