خطاب المرحلة (10)... جواب بعض الإشكالات عن اجتهاد ومرجعية الشيخ اليعقوبي

| |عدد القراءات : 4580
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

جواب بعض الإشكالات عن اجتهاد ومرجعية الشيخ اليعقوبي(1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على نبيه والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً...

أهنئكم بخلاصكم من الظلم والاضطهاد والإذلال الذي ما كان ليتحقق لولا التزامكم بالشريعة وتطبيقكم لها؛ لان الله تبارك وتعالى لا يغيّر حال قوم نحو الأحسن أو نحو الأسوأ إلا بتغيرهم في داخل أنفسهم بهذا الاتجاه أو ذاك، فمثلكم كمثل قوم يونس الذين ضربهم الله مثلاً لكل قرية استحقت العذاب لكنها عادت إلى الله تبارك وتعالى ورجعت إليه فدفع الله عنها العذاب، وحث على الاقتداء بهم فبدأ كلامه تعالى بكلمة (لولا..) التي تدل على الحث والتحضيض قال تعالى [فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ] (يونس:98). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) (ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم لردّ عليهم كل شارد وأصلح لهم كل فاسد).

وقال تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أهل الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأرض] (الأعراف:96).

هذه الحياة السعيدة التي يعيشها المؤمن في داخله مهما كانت الظروف المحيطة به هي إحدى ثمرات الإيمان بالله تبارك وتعالى والالتزام بشريعته. قال عز من قائل: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] (النحل: 97).

هذه الحياة الطيبة السعيدة الآمنة المستقرة هي التي يفتقدها الغرب وكل البعيدين عن الله تعالى ويبحثون عنها فلا يجدونها؛ لأنهم لم يتجهوا الاتجاه الصحيح، فظنوها في زيادة المال وادخاره، وظنوها في الانغماس في الشهوات الحيوانية، وظنوها في قضاء الوقت في المتعة واللهو والعبث، ولكنهم يعودون خائبين تتمزقهم الأمراض النفسية والاجتماعية، وفي كل مرة يتجهون إلى شيء يهتمون به ويعبدونه ويظنون أنه الذي يكفل سعادتهم لكنهم يكتشفون عجزه وعدم قدرته عن توفيرها فيذهبون إلى غيره ويكتشفون فشلهم مرة أخرى [فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي ] (الأنعام:76-77)... وهكذا جربوا فلم يفلحوا فتحول هذا الفشل إلى غيظ وحسد للمؤمنين [وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أهل الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أنفسهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ] (البقرة: 109) وقال تعالى: [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً] (النساء:53).

فتمسكوا بإسلامكم فإنه سر سعادتكم، وضمان فوزكم في حياتكم الباقية، وحافظوا على هذا الحس الثوري والغيرة العظيمة للإسلام فإنه رمز قوتكم، ولا تعطوا فرصة للأعداء لكي يميعوا فيكم هذه الهمة العالية والاندفاعة الشامخة والولاء المطلق لدينكم القويم، وعبروا عنها في كل فرصة بالمناسبات والشعائر الدينية والاجتماعية، وبكل الوسائل من قصائد وأهازيج وكلمات ومحاضرات.

عمقوا في عقولكم وفي قلوبكم الوعي والإيمان ورسخوهما لكيلا تتركوا فرصة للأعداء فيخترقوكم، واعلموا أن أي شيء مهما عظمت أهميته في عين الإنسان فإنه لا قيمة له إذا لم يكن لله فيه نصيب ويبقى تافهاً كما وصفه الحديث الشريف (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى فيها كافراً شربة ماء) وفي حديث آخر إن الدنيا لو كانت ذات قيمة عند الله تعالى لما صرفها عن أنبيائه وأوليائه.

فلماذا لا يلتفت إلى هذه الحقيقة هؤلاء([1]) المتكالبون على الدنيا مما يوقعهم في المعاصي ويجرهم إلى [نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] (التحريم:6)؟ ألم يسمعوا قوله (عليه السلام): (حب الدنيا رأس كل خطيئة)؟ لماذا كل هذا الحماس والاندفاع والهمة في تشويه صورتي وتسقيطي في أعين الناس؟ اسألوهم هل إن هذا لله تعالى؟ سيجيبون بالنفي في داخل نفوسهم وإن لم يعلنوها! إذن هو الخوف على مصالحهم ودنياهم وقد ذكرتهم فما ذّكروا ووعظتهم فما اتعظوا وتكفيهم رواية واحدة عن أهل بيت العصمة لو وعوها لاقشعرت منها أبدانهم ولبكوا على حالهم قال (عليه السلام) (من روى رواية على أخيه المؤمن يبتغي بها شينه وهدم مروّته وليسقطه في أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان).

يقولون لكم إن محمد اليعقوبي خرج عن خط السيد الصدر (قدس سره)، فهل استوعبوا هم هذا الخط وفهموه أكثر مني، الذي كنت أول من نصره (قدس سره) فآزره واتصل به، وآخر الناس عهداً به حيث صليت عليه وواريته في لحده ورافقته طيلة حياته المرجعية وقبلها بسنين كما شهد هو (قدس سره) بذلك؟

وهل هم أكثر فهماً لخط السيد الصدر (قدس سره) منه نفسه الذي أشار بوضوح إلى من هو الجدير بفهم الخط ومواصلته حين قال (إن المرشح الوحيد بعدي من حوزتنا هو الشيخ محمد اليعقوبي وإني لا أعدل به غيره)، هذه هي وصيته (قدس سره) فالخارج عن الخط من لا يلتزم بها، هذا غير كلماته الأخرى المنشورة وغير المنشورة. وقد أثبتت تجربة السنين الماضية التي تلت استشهاده (قدس سره) من الذي واصل نهجه وثبته في الساحة كقوة متينة ثابتة.

ثم ألا يوجد ارتكاز متشرعي بأن الإمام لا يصلي عليه إلا إمام، وأن المرجع لا يصلي عليه إلا مرجع أو قريب من ذلك، وقد وفقني الله تبارك وتعالى للصلاة عليه (قدس سره) دونهم جميعاً فهل يوفق للصلاة عليه من هو خارج عن نهجه؟ إنها إساءة له (قدس سره) قبل أن تكون لي.

وقد ناقشوا في الاجتهاد رغم أنني قدمت الدليل قبل المدعى في كتابين في الفقه الاستدلالي هما حجة كافية في ذلك لكل منصف ذي بصيرة، ثم ألم يقل السيد الشهيد (قدس سره) بأني أسير بخطو حثيث نحو الاجتهاد ومعرفة السداد وكان ذلك عام 1418 هـ ألا تكفي ست سنوات لكي يبلغ السير الحثيث مداه وهدفه المنشود، خصوصاً وأنه (قدس سره) تحدث في تلك الكلمة عن أهلية للمرجعية الطيبة والقيادة المخلصة، ورغم كل ذلك فإني حفاظاً على الوحدة داخل الصف الإسلامي والشيعي عموماً وضمن خط السيد الشهيد (قدس سره) خصوصاً، طلبت من كل من يحسن الظن بي ويسمع لكلامي أن لا يطالبني بمرجعية أو ولاية فلست الآن بصددهما، وإنما علينا جميعاً أن نوحد جهودنا عسى أن يكتب لها النجاح في تحقيق طموحات الأمة ونيلها لحقوقها المشروعة، وقد بذلت ما لا يبذله غيري وعرضت([2]) خدماتي ومن معي في سبيل إنجاح عملهم.

فعليهم أن يتجاوبوا بإخلاص وإنما فعلت ما فعلت، وتنازلت عما تنازلت إبراءً لذمتي وإلقاءً للحجة عليهم، فإذا كانوا صادقين في الدعوة إلى الوحدة فليتركوا هذه التصرفات العدوانية وليعملوا على تجسيدها على أرض الواقع.

وقد بلغني أنهم حاولوا بشدة وبقسوة وبكل الوسائل([3]) منعكم من القدوم إلى هنا وتأييد من اقتنعتم بإخلاصه لقضيتكم ومعايشته لكم طول فترة المحنة ووقوفه معكم في البأساء والضراء، ولا أدري ما الذي يغيظهم من ذلك؟ أيريدون أن يخنقوا صوت الأمة ويمنعوها عن التعبير عن إرادتها؟ ألم يكن الأجدر بهم أن يعترفوا بحق الأمة في الاختيار والتعاون مع من يختارون بدلاً من هذه الأساليب.

وإني أطمّئنهم مرة أخرى أنني لست بصدد إعلان مرجعية أو ولاية، وإن كنت أعلنت أن مراجعتي مبرئة للذمة إن شاء الله تعالى؛ حفاظاً على وحدة الكلمة الذي هو أعظم سلاح نوجهه إلى الأعداء وسأقدم ما أستطيع لإنجاح العمل المخلص للآخرين، وليتأكدوا أنني عنصر ساند لهم ومؤازر ولست منافساً أو مزاحماً فليستفيدوا من هذه الفرصة ولا يضيعوها فإنهم مساءلون يوم القيامة عن تصديهم.

وهذه الوفود التي تأتي طواعية رغم طلبي المتكرر منها بعدم القدوم لكي لا يحملوني مسؤولية إضافية أعجز عن تأديتها لهم، واحتراماً لمشاعر الآخرين وتحسسهم من هذا التأييد، ولكي أحميهم من الوقوع في المعصية التي يرتكبونها حين يتحسسون من هذه المسيرات ويتخذون منها مواقف مضادة، على العكس مني فإني أفرح حين أرى الوفود تأتيهم وتؤيدهم؛ لأن في ذلك إعلاناً لولاء الأمة لعلمائها وحوزتها بغض النظر عن الأسماء والعناوين، ولأن هذا الالتفاف الجماهيري حول المرجعية الشريفة والحوزة عموماً هو الذي يجعل الأعداء يهابون العلماء ويحترمونهم ويأخذون بكلامهم، فهؤلاء المؤمنون أبوا إلا أن يعلنوا حبهم وولائهم وشهادتهم لهذا القاصر المقصر بأنه وقف معهم وأخذ بأيديهم، ودلهم على ما يصلحهم ولم يخذلهم ويتركهم في أيام المحنة، وعمل على توعيتهم وإرشادهم وكانوا يسمعون صوته وصوت من سار معه طيلة تلك المدة، وجاءوا ليعلنوا عن وعيهم وبصيرتهم في الأمور وفشل حملات التضليل والتشويه والتسقيط مهما كانت قوية وشرسة وغير نظيفة؟

أسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوب عباده ويجمعهم على الهدى والصلاح ويخلص نياتهم، وأود أن أشيد بوفائكم للشهيدين الصدرين العظيمين حينما سميتم اسم مدينتكم بهما، فإن هذه المدينة كانت سباقة لنصرتهما والتضحية من أجل السير على دربهما وأرجو أن يفعل الآخرون ذلك فإن حسن الاسم يسري إلى المسمى فيكسبه حسناً، وعلى العكس فإن سوء الاسم يعطي انطباعاً أولياً عن سوء المسمى، فهل أن التجاوب النفسي مع اسم مثل محمد وعلي وحسن وحسين مثل التجاوب مع مثل صخر وحرب ومعاوية؟ لذا أكدت السنة الشريفة على تحسين أسماء الأولاد وجعلته حقاً للولد على أبيه وأنت حينما تسمع اسماً سيئاً تنقبض منه وان لم تعرف المسمى به عكس الاسم الجميل.

أكرر شكري ودعائي لكم بأن تكونوا حصناً حريزاً للإسلام وجنوداً أوفياء لصاحب العصر والزمان وأملاً للأمة تعملون بإخلاص على إسعادها وانتم لذلك أهل بإذن الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



(1) الكلمة التي ألقيت في أهالي مدينة الصدر وأهالي العامرية من بغداد والصويرة والحمزة الشرقي بتأريخ 1 جمادي الأولى 1424 المصادف 1/7/2003.

([2]) تعريض ببعض الجهات الحوزوية والمرجعية التي اتحدت في مناصبة العداء لسماحة الشيخ (دام ظله) بالقول والفعل وعملت على إزاحته.

([3]) كان ذلك في أكثر من زيارة قام بها سماحة الشيخ (دام ظله) لمكتب السيد الحائري وممثليه وبعض المرجعيات الأخرى.

([4]) الخطاب موجّه لأبناء مدينة الصدر في بغداد.