المرحلة (31)... دور المرأة في بناء العراق الجديد

| |عدد القراءات : 1470
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

دور المرأة في بناء العراق الجديد([1])

 بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على حبيبه وسيد خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً.

تحتل المرأة مكاناً ضخماً في خطط بناء العراق الجديد من عدة جهات.

1- أنها تمثل أكثر من نصف عدد المجتمع العراقي وتقدر نسبتها بـ 60 بالمئة بعد مقتل وتشريد الملايين من رجال العراق لذا فإن من يكسب صوت المرأة وينجح في إقناعها ستكون له الفرصة الأوفر للنجاح في الحياة السياسية بكل تفاصيلها.

2- أن المرأة عنصر مهم في تربية المجتمع فإن كانت واعية وصالحة وملتزمة فإنها تكون قادرة على إنشاء جيل صالح لأنها المربي المباشر للأبناء باعتبار انشغال الرجال في أعمالهم خارج البيت وقد سمعنا عن الكثير من النساء اللواتي كن سبباً في هداية أزواجهن وبقية ذويهن.

3- أن المرأة أداة مهمة في عملية إفساد المجتمع وتدمير أخلاقه فيما إذا أقنعوها بخلع جلباب العفة والحياء والطهارة، وفي الروايات أن أحد الأنبياء التقى بإبليس ومعه أدوات غوايته فكانت المرأة من أهمها وقال (قرة عيني في النساء) ووصف أمير المؤمنين (عليه السلام) أخاً له في الله تبارك وتعالى ومن أوصافه التي ركز عليها (انه لم يستسلم لشهوة فرجه)([2])، ولا نحتاج إلى إسهاب لكي نبين الجريمة الكبرى التي ترتكبها المرأة المتبرجة التي تظهر مفاتنها أمام الرجال مما يؤدي إلى عدة نتائج سيئة كالوقوع في الفاحشة ومعصية الله تبارك وتعالى، أو الكبت لمن يضغط على نفسه لمنعها من الوقوع في الحرام، وكم من أسر دُمِّرت وحصل الفراق بسبب تداعيات وآثار الانحلال الجنسي.

وعلم المستكبرون أن وسيلتهم للسيطرة على الشعوب هي بإعادتهم إلى الهمجية الحيوانية وجعلهم عبيداً لشهواتهم، وقد اعترف القادة الفرنسيون أن سقوط فرنسا بيد هتلر في ثلاثة أيام فقط كان بسبب انهماكهم في الجنس ووقوعهم في أسر الشهوة الحيوانية، وعندما احتلت فرنسا جزءاً في بلاد المسلمين في لبنان كانت فرقة في جيش الجنرال غورو من الغانيات؛ لأنه يعلم أن فتكهن في المجتمع أقوى من الطائرات والدبابات.

لذا كان أول هدية قدمها الاحتلال إلى الشعب العراقي هو جهاز الستلايت الذي لو أسيئ استعماله فإنه أداة مدمرة لأخلاق الأمة وعقيدتها، وينهي فيها كل قيم الكرامة والعزة والشرف، وكذا سخروا الأدوات الأخرى كبرامج التلفزيون والصحف والمجلات والروايات لأداء نفس الدور، ووظفوا لها التقنيات العالية المثيرة والجذابة والقادرة على تحطيم أي مناعة ضد الوقوع في المعصية إلا من عصم الله تعالى.

ثم عززوا هذه العملية المفسدة بخطوات أخرى منها:

1- تشويه صورة التشريعات الإسلامية وعرضها كقانون ظالم للمرأة فهو يبيح تعدد الزوجات ويجعل شهادة امرأتين بشهادة رجل وحصتها في الميراث نصف حصته وغيرها، مستغلين جهل المرأة بفلسفة هذه التشريعات وأسرارها، مما يؤدي إلى نفور المرأة عن الإسلام، ومن نتائج ذلك أنها لا ترغب في سن دستور إسلامي لأنه يضطهدها كما تتخيل.

2- خداع المرأة بعناوين براقة تخدعها وتدفعها إلى التشبث بها كالحرية والمساواة بالصورة التي تخدم مصالحهم وأغراضهم الخبيثة وليس بمعانيها الحقيقية التي لا تجدها إلا في الإسلام، فيفسرون الحرية بالانحلال الخلقي والتخلي عن القيم والمبادئ الإسلامية وأوضح معالمه عندهم خلع الحجاب، ويُعَرِّفون المساواة بأنها مزاحمة المرأة للرجل في كل شيء وإهمالها لأهم وظيفة لها تضمن بها سعادتها وتحفظ كيان أسرتها وهي الاعتناء بزوجها وأطفالها وبيتها.

3- توجيه اهتمام المرأة إلى قيم زائفة لا قيمة لها كالاهتمام بالأزياء وقصة الشعر وأدوات التجميل ونوع الأثاث والتباهي بأمور دنيوية زائلة، وصنعوا لذلك مهرجانات واحتفالات لعرض أحدث الأزياء واختيار ملكة الجمال أو أحسن أغنية وهكذا؛ لإقناع المرأة بأن هذه هي الحياة التي يجب أن تحياها، وهذه هي الأهداف التي تعيش من أجلها وتبقى بهذه التفاهات وتنسى الأهداف الحقيقية الخالدة التي خلقت من اجلها وتضمن لها السعادة وهي طهارة النفس وسمو الذات والفوز برضوان الله تبارك وتعالى [وَرِضْوَانٍ مِنَ اللهِ أكبر] (التوبة:72).

قال تعالى في سياق المقارنة بين هذين التوجهين في الاهتمامات [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ] (آل عمران: 14- 15) وإذا سقطت المرأة في حضيض هذه الاهتمامات فإنها ستسقط الرجل معها لان امرأة منحرفة واحدة كافية لإفساد مجتمع بأكمله.

 

إخواني وأخواتي:

إن العولمة التي يريدون أن يشيدوا أركانها اليوم خصصت جزءاً كبيراً من نشاطها لتثقيف المرأة وإقناعها بالأفكار التي يريدون لها أن تسيّر المرأة وترسم لها طريقة سلوكها، فمثلاً في إحدى حلقات برنامج (للنساء فقط) في قناة الجزيرة كان موضوعها (المرأة المسلمة في الغرب بين الذوبان والاندماج) وعرض شبهات وإشكالات وانتقادات تربك تفكير المرأة وتجعلها في حيرة من أمرها، ولم يقم البرنامج بالرد على هذه الشبهات ودفع الإشكالات وهو غاية الخيانة وعدم الإنصاف للمشاهدين، ولم يستضف عالماً دينياً ليقدم الحلول والأجوبة بحجة أن البرنامج للنساء فقط رغم أن كون موضوعه مختصا بالنساء لا يستلزم أن يقتصر على مناقشة النساء فقط، بل عليه أن يعطي الفرصة للرجال ليقدموا الحلول والأجوبة خصوصاً وأن الأنبياء وهم أكمل الخلق والذين سعوا وعملوا بجد واجتهاد بكل تضحية من أجل إصلاح البشرية وإسعادها كانوا -وهم مئة وأربعة وعشرون ألف- كانوا من الرجال، وليس في ذلك منقصة للمرأة بقدر ما هو توزيع للمسؤوليات بين الرجل والمرأة فيعطي لكل واحد منهما الدور الذي يناسبه، فإلقاء الشبهات من دون إعطاء الفرصة لدفعها، خيانة وخطوة على طريق الإفساد وقد كتبتُ موضوعاً لمناقشة هذه القضية نشر في مجلة فيض الكوثر.

وقبل أيام استضافت فضائية المستقلة امرأة من الحزب الشيوعي العراقي لا تلتزم بأي شيء، وقد أساءت إلى نفسها قبل أن تسيء إلى الإسلام والقرآن كما فعلت، وتزعم أنها لا تعتبر الإسلام عادلاً لأنه أباح للزوج أن يعدد الزوجات ولم يسمح لزوجته أن تعدد الأزواج، فهي من الجهل بحيث لا تفرق بين وظيفة الرجل والمرأة، فإن الرجل هو صاحب الماء ولا مانع من أن يعدّد الأوعية التي يلقي فيها ماءه ولا يؤدي ذلك إلى اختلاط الأنساب بينما المرأة وعاء وإذا اختلطت المياه فيه فإنه يضيّع الأنساب.

تصوروا أيها الأخوة والأخوات كيف يعطون الفرصة لمثل هؤلاء الجهلة الضائعين الذين ليست لهم هوية ولا معالم للشخصية.

ويوم الخميس الماضي (23 شوال 1424، 18/12/2003) وافق الرئيس الفرنسي جاك شيراك على التوصيات التي قدمّتها اللجنة الحكومية الخاصة التي شكلت لدراسة مشروع منع المظاهر الدينية وأهمها الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية الفرنسية، ولم يستمع إلى النصائح التي وجهت إليه منها الرسالة التي بعثتها إليه من خلال عدة قنوات فضائية ولا أدري إن كانت وصلت إليه أم لا.

وأحب أن أقرأ عليكم نص الرسالة لألفت نظركم إلى زيف ما يتشدق به هؤلاء من معاني الحضارة والإنسانية([3]):

هذه غير المؤتمرات والندوات التي تعقد لبث هذه السموم، كندوة الإعلان عن تأسيس لجنة الدفاع عن العلمانية في المجتمع العراقي يوم 18/9/2003 والتي تدعوا إلى (حرية اختيار الملبس دون قيد أو شرط) كما تضمنتها دعوة الحضور للندوة وجاء فيها أن المجتمع (يترنح اليوم تحت ضربات سيوف تيارات الإسلام السياسي الشاذة) وبسبب ذلك فإن (مدنية المجتمع العراقي نفسها تمر اليوم بأزمة حقيقية) وتطالب بحرية الإلحاد كالإيمان، وقد كتبت بياناً بعنوان (نصيحة إلى المدافعين عن العلمانية)([4]) ونشرته عدة صحف.

والأخطر من كل ذلك ما يترشح من قرارات مؤتمر نساء قلب العراق ويقصدون بقلب العراق (بابل، كربلاء، النجف، الكوت، الديوانية) الذي تنظمه عدة مؤسسات أمريكية (الوكالة الدولية للتنمية الأمريكية، المعهد العراقي في واشنطن، منظمة الشرق الأوسط للتحالف، منظمة نساء من أجل عراق حر وبمباركة ودعم قوات الاحتلال وعقدوا أول ندوة في كربلاء يوم 29 -30 أيلول سنة 2003 وفي جامعة بابل وهو المؤتمر الأوسع ما بين 3 - 7/10/2003 وتحدثوا فيها عن مشاريع وأطروحات مغرية ورصدوا لها مبالغاً ضخمة من أجل تخلي النساء عن عفتّهن ودينهم وقد حضرت عدة أخوات مؤمنات يحملهن شهادات أكاديمية راقية كالطب والقانون والاقتصاد بحجابهن الكامل حتى قناع الوجه وتحدثن باللغة الانكليزية وأذهان القائمين على المؤتمر، مما دفعهم إلى الاعتراف بأنهم لم يتوقعوا وجود مثل هذه القدرات عند المرأة العراقية، وقد قدمت لي إحدى الأخوات تقريراً بما دار في الجلسات.

هذه بعض ما يدور من حولنا مما يستهدف المرأة فماذا أعددنا لنداء الله تبارك وتعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] التي تشمل القوة العلمية والفكرية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

إننا بحاجة إلى حملة واسعة من التوعية والتثقيف في قضايا المرأة وتبصيرها بمسؤولياتها والتحديات التي تواجهها، وقد لخصت الأفكار التي ينبغي مناقشتها في هذه الحملة بمحاضرة ألقيتها بمناسبة مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بعنوان (الأربعون حديثاً في قضايا المرأة) تيمناً بوصية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) وما جاء فيها (يا علي من حفظ على أمتي أربعين حديثاً يطلب بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) ولا شك أن كل قضية مبحوثة تتضمن عدة أحاديث وآيات شريفة وتكون مصداقاً لهذا الحديث الشريف.

وأثرت في البحث عشرين قضية بحسب ما سمح به المجال ويختلف منحى البحث فيها بحسب موضوع القضية، فبعضها فقهي كتسجيل الأحكام الفقهية الخاصة بالنساء ومن أول الفقه إلى آخره ليسهل عليها معرفة ما يخصها من الأحكام، وبعضها فسلجي كإمكان حصول الحيض عند الحامل، وبعضها اجتماعي كقيمومة الرجل على المرأة التي هي مسألة تنظيمية لإدارة الأسرة وقد ذكرت الآية الشريفة منشأين لجعله بيد الرجل [بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا] (النساء: 34) فالأول طبيعة تكوين الرجل جسمياً ونفسياً واجتماعياً والثاني هو إلزامه بالنفقة وكإعطاء الرجل ميراثاً ضعف الأنثى باعتبار وجوب الإنفاق على الرجل فيكون لها ثلث خالص وتشارك الرجل ثلثيه وهكذا.

أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على تحمل مسؤولياتنا وأداء الأمانة إلى أهلها إنه نعم المولى ونعم النصير.



 (1) محاضرة ألقيت في كلية التربية للبنات في جامعة الكوفة يوم 25 شوال 1424 المصادف 20/12/2003 بحضور أساتذة الكلية وطالباتها. 

 ([2]) شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار: 3/ 453.

([3]) تقدم ذكرها (صفحة 203).

([4]) تقدم (صفحة 153).