المرحلة (38)... حاجة البشرية إلـى علي بن أبي طالب: صوت العدالة الإنسانية

| |عدد القراءات : 1220
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حاجة البشرية إلـى علي بن أبي طالب: صوت العدالة الإنسانية (1)

بسمه تعالى

تبلورت فكرة (صراع الحضارات) لدى الحكومات الغربية المستكبرة منذ اضمحلال الاتحاد السوفيتي وظهور علامات التفكك فيه باعتباره القوة المقابلة لهم، ولما كانت إيديولوجيتهم مبتنية على وجود أو إيجاد عدو حقيقي أو وهمي لإقناع شعوبهم بسياساتهم العدوانية والمخالفة لأبسط حقوق الإنسان واستمرارهم في ابتلاع خيرات الشعوب والتمدد والإثراء على حساب حرمان الآخرين والتي تبدو مبررة ظاهراً لمواجهة هذا العدو المفتعل فتنساق أممهم وراءهم وتنخدع بأباطيلهم.

وكانت الجهة الجديدة التي أوهموا شعوبهم أنه عدوهم هو الإسلام، فضخموا من خطورته وبالغوا في التحذير منه ووجوب مواجهته، وتنفخ في ذلك كله الصهيونية العالمية التي لا تريد للعالمين المسيحي والإسلامي أن يقتربا؛ لأن في ذلك تهديداً لوجودهم، فكان همهم في خلق العداوة بينهم لتفريقهم عن بعضهم ولأنهم الوحيدون الذين يكنون عداوة ذاتية متأصلة للإسلام والمسلمين، وإلا فإنه لا توجد عداوة ولا منافرة ذاتية بين المسلمين والمسيحيين أي بما هم مسلمون ومسيحيون كما أخبر الله تبارك وتعالى [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ](المائدة:82).

ولكن مما يؤسف له غفلة كلا الطائفتين عن هذه الحقيقة فضاعوا في النزاعات، ولكنني أرى بوادر الوعي لدى العالمين الإسلامي والمسيحي لهذه المؤامرة الصهيونية فأدركا معاً أن تقارب الحضارتين ممكن والالتقاء قريب، وأن هذا الصراع لا مسوغ له وتوجد دلائل على هذا الوعي كنتائج استطلاع الرأي الأوربي الأخير الذي كشف عن أن أكثرهم أجاب بأن الكيان الصهيوني هو مصدر القلق والإرهاب الأول في العالم، مضافاً إلى تصويت أكثر من ولاية في بلجيكا وكندا لمصلحة قطع العلاقات مع هذا الكيان.

وقد حاول المستكبرون فرض هيمنتهم على العالم وبالذات على الشرق المسلم لما يتمتع به من خيرات هائلة ومواقع ستراتيجية تمثل عصباً أساسياً لمصالحهم وقد جعلوا لذلك مصطلح العولمة الذي يريدون به جعل العالم كله يفكر ويسير ويتحرك ويعيش كما يريدون هم، وهو منطق المستكبرين دائماً كما ينقل القرآن الكريم عن فرعون [مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى] (غافر:29) [أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ] (الزخرف:51) وليس لأحد أن يخالفهم ويخرج عن دائرة نفوذهم ومصالحهم وإلا فالويل كل الويل له، ووظفوا لذلك آلة عسكرية ضخمة تطال أي متمرد عنهم، ومؤسسات اقتصادية تبتلع أي بلد وتغرقه في ديون وتضخمات لا ينجوا منها ليبقى يدور في فلكهم ولا تكون إرادته مستقلة عن إرادتهم، وسوقوا إلينا ثقافتهم الهزيلة وصنعوا لها رموزاً تافهة لنقتدي بها ونتأثر بها فكراً وسلوكاً ونظاماً، بعد أن صنعوا لأنفسهم هالة من الإعجاب والانبهار لتفوقهم العلمي والتكنولوجي، فحاولوا أن يكون هذا منطلقاً للتبعية الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، ويجردونا عما نمتلك من قوة في هذه الجوانب يحسدوننا عليها ولا يرضون منا إلا بتركها.

من هنا وجب على مفكرينا عدة خطوات:

1- انفتاح الحضارتين على بعضهما والتعرف على حقيقة كل منهما من حيث المقومات والأهداف والآليات وغيرها فإنها خطوة كبيرة ومقدمة مهمة للالتقاء(1).

2- عرض النماذج الكاملة من رموزنا ودراسة سيرتهم وتحليلها وبيان نقاط العظمة فيها وهم كثر بفضل الله تبارك وتعالى، وأولهم أكمل الخلق جميعاً محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب اخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفسه، والأئمة الطاهرون وأصحابهم البررة؛ لأن من طبع الناس التأثر بالرموز الكبيرة الشهيرة والاقتداء بها، وقد نبه القرآن الكريم إلى أهمية هذا الأسلوب في التربية وهو الاقتداء بالنماذج الكاملة قال تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ] (الأحزاب:21) فإذا لم نوفر للناس مثل هذه الأسوة فإنهم سينساقون وراء قدوات تافهة كالرياضيين والفنانين ونحوهم.

3- أن نجيد لغة الخطاب والحوار مع الطرف الآخر، ونفهم المداخل المناسبة لعقله وقلبه ونفسه، فلا يناسب أن اشرح للأوربي الغارق في الماديات بان سبب ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) على يزيد بأنه كان يشرب الخمر وينكح المحارم ويضرب بالطنبور ومثل الحسين (عليه السلام) لا يبايع مثله؛ لأن المخاطب لا يرى في ذلك أي مشكلة؛ لأنه يرى أن غايته في الحياة هو التمتع بهذه الأمور: الجنس والخمر والموسيقى فلا يوجد مبرر لخروج الحسين (عليه السلام)، لكن إذا عرضت يزيد كقاتل للنفس المحترمة بغير حق، ومصادر للحريات ويسرق الأموال العامة لينفقها على ملذاته الشخصية، ويثري بغير حق، وتسلَّط بالقهر على رقاب الأمة من دون الرجوع إلى الشعب وممثليه، فسيكون المبرر للثورة عليه واضحاً ومثيراً للإعجاب.

هذه الأفكار التي عرضتها جمعها الأستاذ جورج جرداق في كتابه (صوت العدالة الإنسانية)، فهو مسيحي تعرف على عظيم من عظماء الإسلام، صنعته يد الرسالة فكان معجزتها كالقرآن لذا كان (القرآن مع علي وعلي مع القرآن)، وعاش في ظلال شخصيته المباركة واستلهم منها الكثير وقدمه لنا ببيان رشيق وفكر ينسجم مع ذوق الجيل وأفكاره، رغم أنه كتب قبل ما يقرب من خمسين عاماً (1956) فتحدث فيه عن حقوق الإنسان كالحرية والعدالة والثورة ضد الظالم والعبقرية والجمال والمبادئ، وقدمه لنا بدراسة تحليلية خرجت عن المألوف في تراجم الرجال وسيرهم نموذجاً صالحاً لتتأسى به البشرية وتستضيء بنوره حتى تتحقق إنسانيتها الكاملة وتسود العدالة ويسعد الناس وما ذلك على الله ببعيد.

 

محمد  اليعقوبي - النجف الأشرف

23 ذ.ق 1424

16/1/2004



(1) مقدمة كتبها سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي لكتاب (علي بن أبي طالب: صوت العدالة الإنسانية) لمؤلفه (جورج جرداق) والمعاد طبعه حديثاً باللغة الإنكليزية.

(2) راجع كتاب (المعادل الموضوعي) وهو الحلقة الثانية من سلسلة (نحن والغرب).