خطاب المرحلة (43)...الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي

| |عدد القراءات : 1515
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي ([1])

 بسم  الله الرحمن الرحيم

 الحمد  لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أنصار الحسين والشهداء بين يديه.

كثرت التساؤلات عن حزب الفضيلة الإسلامي، متى تأسس ولماذا وما هي أهدافه وبرنامج عمله ومدى ارتباطه بالمرجعية، والتزامه بمواقفها وما هي أسسه النظرية وغيرها مما سيتضح بإذن الله تعالى، وقد وجدت حفلكم المبارك هذا فرصة مناسبة للإجابة عن هذه التساؤلات بعد التمهيد بعدة مقدمات مختصرة:

الأولى: إن تنظيم أمر الأمة في التشكيلات المؤسساتية التي تعتمد العمل المجموعي لا الفردي ضرورة اجتماعية يمليها تشعب الحاجات الإنسانية وتنوعها واحتياجها إلى التخصص من دون استغناء أحدها عن الآخر، فلا بد من انضمام الجهود بعضها إلى البعض في خلية واحدة ليتكامل العطاء وينضج ويكون فاعلاً ومؤثراً ومثمراً.

وقد حث القرآن الكريم على مثل هذا العمل المنظم ودعا إلى تشكيل الجماعات، قال تعالى [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ] (آل عمران: 104) وهذه الأمة  التي يراد لها تحمل المسؤولية لها خصوصياتها وشروطها وأهدافها التي تسعى لتحقيقها، وقد بينتها آيات قرآنية عديدة.

وأوصى أمير المؤمنين (عليه السلام)  في بعض كلماته بتقوى الله تبارك وتعالى ونظم أمر الأمة.

وهذه الضرورة تأكدت في المرحلة الراهنة لأن طبيعة العمل تقتضيها.

الثانية: إن العمل ضمن الإطار الحزبي يكون ايجابياً إذا كان نظيفاً في سلوكه وأهدافه أي من حيث النظرية والتطبيق، بأن ينظر إلى الحزب على أنه قناة أو آلية للعمل البناء في سبيل الوصول إلى الأهداف الصحيحة، لكنه أحياناً يقترن بالأخطاء حينما تنزل النظرية إلى حيز التطبيق، كما أن خللاً ما قد يحصل في فهم النظرية أو برنامج العمل بسبب القصور أو التقصير في فهم مصادر التشريع وكيفية استفادة الأحكام منها.

وهذا أحد الأسباب التي دعت عدداً من العلماء (قدس الله أسرارهم)  إلى اتخاذ مواقف سلبية من الأحزاب، فالاعتراض ليس على أصل التشكيل وإنما على الانحراف في الفهم والتطبيق.

ثم إن انحرافاً آخر كثيراً ما يقترن بالعمل الحزبي وهو ظهور (الأنا) الحزبية فقبل أن ينتهي من العمل على تذويب الأنا الشخصية لمصلحة المبادئ العليا تراه يسقط في أنانية جديدة هي التعصب للحزب، وقد عرّف الإمام السجاد (عليه السلام) العصبية  بأن ترى الرجل المفضول من قومك خيراً من الرجل الفاضل من غيرهم، وهذه العصبية هي التي تؤدي إلى التقاطع والتناحر والعداوات وما يستلزم ذلك من محرمات كبيرة كالافتراء والبهتان والكذب والغيبة والإساءة إلى المؤمنين وتشويه سمعتهم فلا يبقى لله تبارك وتعالى أي نصيب  في العمل وإن حاول الحزبي المتعصب إقناع نفسه بغير ذلك.

فلنجعل دعاء الإمام الحسين (عليه السلام)  نصب أعيننا دائماً (إلهي خسرت صفقة عبد لم تجعل له فيها من حبك نصيباً)، والأحزاب مبتلاة بهذا الداء فإنها تكافح من أجل أن تدفع بعناصرها إلى الواجهة وإن حصل لها العلم بوجود عناصر أفضل وأقدر  على تحمل المسؤولية من الآخرين فإذا أردنا أن نلتزم بقوله تعالى [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ] (هود: 121) فإن الاستقامة تقتضي التجرد عن الأنانية والتعصب مع الاحتفاظ بالقناعة والأسلوب والنظرية اللتين تطمئن بسلامتها ونظافتها.

الثالثة: إن نظام الحكم في الإسلام يبتني على ولاية الفقيه الجامع للشرائط من الاجتهاد والعدالة والكفاءة فهو قمة الهرم في القرار وإليه ترجع السلطات، وله مستشارون يرجع إليهم في التعرّف على حقيقة القضايا المعروضة واستنباط الأحكام الشرعية المنطبقة عليها، وتهيئة مقدمات القرار له، ويستمد مشروعيته من نيابته للإمام المنتظر (عليه السلام)  بعد شهادة أهل الخبرة في هذا المجال باجتماع الشروط فيه، وينزع عنه هذا القميص متى ابتعد عن هذه الشروط وزلت أقدامه والعياذ بالله، قال الإمام (عليه السلام): (إذا رأيتم العالم مكباً على الدنيا فاتهموه على دينكم). وكذا إذا فقد الأهلية للقيام بمسؤوليات هذا الموقع المشرف.

وبالرغم من أن الحجة الشرعية قائمة على صحة هذا النظام، إلا أن موانع عديدة تحول الآن عن السعي لتحقيقه على أرض الواقع، ومنها باختصار:

1-   ديمغرافية الشعب العراقي وتكوّنه من قوميات وأديان وطوائف بعيدة عن هذا النظام وترفضه.

2-  شهرة القول بعدم ولاية الفقيه في أروقة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وعند مرجعياتها، وسعة قواعد هذه المرجعيات. 

3-تشتت مراكز القرار وعدم وجود قيادة دينية يلتف حولها الأكثر.

          وغيرها من الأسباب.

          لذا فإن الخيار الأقرب للشرعية هو أن يقوم الشعب بقيادة نفسه بنفسه وفق الآليات الديمقراطية المعمول بها ومنها: إجراء الانتخابات لاختيار ثلة تقوم بإدارة البلد، على أن يراعوا توجيهات القيادة الدينية الواعية المخلصة.

          ومستند هذه الشرعية تفويض الناخبين لهذه الثلة باعتبار أن الأصل عدم ولاية أحد على أحد إلا إذا فوضه بذلك ولكن مشروعيته تبقى مقيدة بحدود الشريعة الإلهية ولا يحق مخالفتها؛ لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى وحده، وهو المصدر الوحيد للتشريع [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] (الحجرات:14).

          فحينما نطالب بالانتخابات لإدارة العملية السياسية فلا بد أن نلتفت إلى هذه الحقيقة المهمة بأن هذه الطريقة ليست هي القاعدة في حكم  الأمة المسلمة، وإنما هي الاستثناء الذي يلجأ إليه عند وجود المانع من إجراء القاعدة، كأكل الميتة الذي يحل عند الضرورة وحليته هذه لا تعني إن حكم الميتة ذلك بالعنوان الأولي بل بالعنوان الثانوي، وإدراك هذه الحقيقة مهم وضروري نظرياً وعملياً؛ لكي لا تختلط علينا الأمور وتضيع معالم شخصيتنا وهويتنا الإسلامية العظيمة التي شيد أركانها أهل البيت (عليهم السلام) وننساق وراء الأطروحات الغربية البراقة، وحتى نبقى ملتزمين بأن الأصل في العمل السياسي هو طاعة المرجعية، وليس قرار الحزب.

الرابعة: إن هذه النمط من العمل السياسي أعني التداول السلمي للسلطة عن طريق  صناديق الاقتراع يتطلب أن يكون لأبناء الشعب واجهات أو عناوين تعبر عن آمالهم، وتطالب بحقوقهم وتسعى لتحقيق طموحاتهم وتدخل نيابة عنهم في كل تفاصيل العملية السياسية ابتداءً من المجالس البلدية إلى البرلمان والحكومة  ورئاسة الجمهورية وقد تتعدد هذه الواجهات بحسب تعدد القناعات بها.

الخامسة: مع احترامنا الكبير للجهات السياسية التي تساهم بإخلاص في بناء عراق حر كريم، إلا أنها غير مستوعبة لتوجهات كل الشعب وحائزة على قناعته فتوجد شرائح أخرى من المجتمع غير منتمية لها ولا يمكن تجاهلها وإهمال دورها في بناء العراق الجديد.

فمن هنا نشأت الحاجة إلى انبثاق حزب من هذه الشريحة يمثلها ويتحدث باسمها، إلا أنه لا ينغلق عليها بل هو منفتح لكل من يؤمن بأهدافه ويقتنع ببرنامج عمله، ويكون دور هذا الحزب  مكملاً لفعاليات الجهات الأخرى وسانداً لها وعاملاً معها لتحقيق الأهداف المشتركة، وليس بديلاً عنها ولا لاغياً لدورها أو مزاحماً لها، ويكون الجميع كالروافد التي تلتقي على نهر واحد، فنحن ننظر إلى الأحزاب والحركات المخلصة على أنها رؤى متعددة وآليات متعددة في العمل إلا إنها تصب في هدف واحد هو رضا الله تبارك وتعالى وصلاح الأمة وبناء البلد وعلى هذا الأساس فستكون العلاقة بينهم جميعاً متصفة بالتآلف والتآزر والتنسيق والتشاور.

هذه هي الحاجة لتشكيل حزب الفضيلة الإسلامي وهذه أسسه النظرية وعلاقته مع الآخرين، وقد سارعنا إلى جمع عدد من النخب المثقفة والكوادر المتخصصة في العمل السياسي والفكري والإداري والاجتماعي بعد سقوط الطاغية بأيام، وهم ممن تعرفنا عليهم وعملوا معنا قبل سقوط الطاغية بسنين، وكنا نعدهم لمثل هذه المرحلة ونأمل منهم وممن التحق بهم الخير.

وقد وضعت لهم الخطوط العريضة لعملهم وأوضحت كل علاقتهم مع المرجعية الشريفة والمعالم العامة لأهدافهم التي لخصتها ما يلي:

1. نشر الفضيلة في المجتمع ومنع الفساد والانحراف.

2.إيصال العناصر الكفوءة والنزيهة إلى المواقع المسؤولة في إدارة البلد على جميع المستويات.

3. الارتقاء بمستوى الوعي والثقافة والعلم  لدى أبناء المجتمع.

4. تحقيق العدالة في الأمة واستقرار الأمن وإنعاش الوضع الاقتصادي.

5. الحفاظ على وحدة البلد وتركيبته الاجتماعية واستقلاله.

6. توفير الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب وطوائفه وأعراقه بما لا ينافي الفقرات أعلاه.

7. وضع دستور للبلد يضمن النقاط أعلاه ولا يتقاطع مع الشريعة.

8. الحوار مع جميع التيارات الممثلة لفئات الشعب والانفتاح عليها.

9. تنسيق المواقف تجاه القضايا العامة مع الأحزاب والحركات الإسلامية.

إن اختيار (الفضيلة) عنواناً  له جاء منسجماً مع أهدافه وطبيعة الصراع الجاري في هذه المرحلة، فإن الحكومات الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية جاءت إلى هنا لتنفذ المشروع الذي وضعته لتغيير المعالم الثقافية والأخلاقية والعقائدية والسلوكية وإلحاقها بالنموذج الغربي الذي نختلف معه في أسسه الحضارية ومنطلقاته الفكرية وأهدافه وغاياته، وقد اعترفوا بأنهم جاءوا ليخوضوا (صراع حضارات) وماذا تعني حضارتهم بغض النظر عن التطور العلمي والتكنولوجي. غير الظلم والفساد والانحراف والرذيلة حتى باتوا يئنون  من ويلاتها وآلامها وغرقوا في رعب وخوف من مصيرهم المشؤوم الذي سيحل بهم عن قريب، فمرض الأيدز يفتك بحياة (8) ملايين سنوياً وعجزوا عن الحد من استفحاله فضلاً عن مقاومته والقضاء عليه.

أما حضارتنا فيمكن تلخيصها بالفضيلة في العقيدة والسلوك والأخلاق.

ولكي لا أطيل عليكم فإني أحيلكم لمعرفة تفاصيل هذه الأفكار وغيرها إلى عدة من إصداراتنا ككتاب(نحن والغرب) الذي يصور الصراع بين الإسلام والغرب وما هو تكليفنا فيه، وكتاب (خطاب المرحلة) بأجزائه لزيادة الوعي  باستحقاقات هذه المرحلة وكتاب (المعادل الموضوعي) الذي شرح فيه أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الأسس النظرية للحضارتين الإسلامية والغربية وأهدافهما، وخصائص النموذج الإسلامي المعادل والمقابل للنموذج الغربي، وكتاب (نظام الحكم المناسب في العراق) للأستاذ الدكتور الأمين العام لحزب الفضيلة الإسلامي.

وقد اشتركت كوادر الحزب مع فضلاء الحوزة العلمية بإشراف المرجعية في تقديم أعمال ناضجة كمشروع الحل السياسي للمرحلة الانتقالية الذي أنجز قبل تأسيس مجلس الحكم، وهو مشروع مفصل يقدم الحل عبر مراحل تضمنت خطوات العمل حتى توقيتات هذه المرحلة، وكان يمكنه لو أخذ به أن يعجل بتصحيح الوضع السياسي القائم إلا أنهم بعد عدة أشهر من المعاناة والخسائر اخذوا ببعضه وافرغوا البعض الآخر من محتواه باتفاق 15 تشرين الثاني.

واشتركت هذه النخبة أيضاً في إجراء استطلاع للرأي حول عدد من القضايا السياسية المهمة تضمن (19) سؤالاً مع مقدمات تعريفية بالأفكار المستفتى عنها.

نسأل الله تعالى أن يزيد بصيرتكم ويسدد خطاكم ويخلص نياتكم ويؤيدكم بنصرة ويؤلف قلوبكم ويجري الخير على أيديكم إنه نعم المولى ونعم النصير.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

 

محمد اليعقوبي - النجف الأشرف

13 / محرم /1425 الموافق 5/3/2004



(1) كلمة ألقاها جناب السيد كمال الموسوي بالنيابة عن سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في حفل افتتاح فرع البصرة لحزب الفضيلة الإسلامي بتأريخ 15 محرم 1425 المصادف 7/3/2004.