خطاب المرحلة (44)...الدين الإسلامي طريق السلام والسعادة

| |عدد القراءات : 1488
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الدين الإسلامي طريق السلام والسعادة (1)

 بسم الله الرحمن الرحيم

  السلام عليكم أيها الحضور ورحمة الله وبركاته

    الدين الإسلامي هو المحرك الرئيسي للشعوب في هذه المنطقة الحساسة من العالم، لعدة أمور أشير إليها باختصار:

1- قناعتها بأن الدين هو النظام القادر على توفير السعادة للإنسان في الدنيا، لأنه من وضع الله تبارك وتعالى خالق الإنسان والعارف بما يصلحه ويقوّم انحرافه ويعالج أمراضه، كما أن أي جهاز إذا أريد وضع نظام لعمله بالشكل الصحيح أو إصلاحه إذا أصيب بخلل يكون بالرجوع إلى الجهة المصنعة له، وهذه معادلة بسيطة لا تحتاج إلى استدلال.

        وقد وجدت هذه الشعوب في الشريعة الإسلامية ما ينظم لهم كل تفاصيل حياتهم الفردية والاجتماعية حتى آداب الجلوس على مائدة الطعام، والتخلي والاتصال الجنسي بين الزوجين وهم ينقلون عن أئمتهم (عليهم السلام) (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم).

2- فشل النظم التي وضعها البشر لتنظيم حياتهم، وقد رأينا بأم أعيننا كيف انهارت الشيوعية في معقلها وذاب الاتحاد السوفيتي العملاق والرأسمالية سائرة بنفس الطريق؛ لأن الأمراض الاجتماعية والنفسية والاقتصادية تنخر بجسدها وبدأت الشعوب في الغرب تتململ من النظم المتحكمة فيها، وعبرت عن ذلك من خلال المؤتمرات والتظاهرات كالذي شاهدناه ضد العولمة في سياتل ودافوس وقد وصل الأمر إلى قتل المتظاهرين كما حصل في ايطاليا.

وهذا الفشل متوقع لهذه النظم لأنها من صنع البشر العاجز القاصر الذي يجهل نفسه فكيف يعرف غيره بحيث يؤلف كتاب (الإنسان ذلك المجهول).

3- إن أئمة الإسلام وعلماء الدين الإسلامي اتصفوا بالنزاهة والاستقامة والترفع عن الدنيا ونكران الذات، وهي صفات رفعتهم في عيون الناس وجعلتهم منقادين لهم ويمنحونهم مطلق الثقة ويأخذون بأقوالهم، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو رئيس دولة مترامية الأطراف يقول على منبر الكوفة بعد أن نقل العاصمة الإسلامية إليها من المدينة المنورة (لو خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة لكنت خائناً).

4- إن الناس يؤمنون بوجود حياة ثانية يلاقي فيها كل إنسان جزاء ما فعل في هذه الحياة الدنيا فيثاب على العمل الحسن بالجنة، ويعاقب على الفعل السيئ بالنار، وقد اخبر بصحة ذلك رجال ثقات مصدقون لا يشك أحد في نزاهتهم وهم الأنبياء وقد بلغ عددهم مئة وأربعة وعشرين ألف نبي على مدى آلاف السنين فلم يبق احتمال لكذب هذه الحقيقة، والالتزام بالدين يضمن لهم الفوز بالجنة والنجاة من عذاب الله تعالى في تلك الدار الخالدة الباقية فلا يجوز التفريط فيها.

5- إن الدين الإسلامي لا يمثل للمسلمين طقوساً عبادية يؤديها الفرد في الأمكنة الخاصة المعدة لها فقط، بل يجد المسلمون في الإسلام حضارتهم وثقافتهم وتأريخهم وأعرافهم وتقاليدهم، لذا فإن المسلم يعتز به ولا يفرط فيه ويدافع عنه ويتمسك به كما تتمسك الشعوب بهذه المعالم في حياتها وتضحي من اجلها.

لهذه الأمور وغيرها كان للدين تأثير قوي في نفوس الشعوب وتوجيه مشاعرها وتحديد مواقفها، وقد التفت العالم كله إلى ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة وشاهد تفاعل هذه الشعوب مع الشعائر الدينية كالحج إلى مكة المكرمة وزيارة الأربعين لمرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، واستجابتها لداعي الدين.

وإن كانت الحالة ليست جديدة بالنسبة لنا فتاريخ شعوب المنطقة حافل بالشواهد على هذا التأثير وكانت ثورات التحرير الحقيقية التي شهدها القرن الماضي في بلدان هذه المنطقة تستمد قوتها من هذا الدين العظيم وكان أكثر قادتها من علماء الدين كابن باديس في الجزائر وعمر المختار في ليبيا وعبد الرحمن الكواكبي في سوريا ومراجع الدين الشيعة في العراق وإيران.

ولأن الدين يمتلك هذا التأثير القوي في القلوب فإنه يمكن أن يوظف لتحقيق الكثير من الانجازات لمصلحة الشعوب مما لا يمكن تحقيقه بالوسائل الأخرى، وكمثال على ذلك فإن مليارات الدولارات أنفقت لتغطية إعلانات محاربة التدخين وتأسيس المراكز والجمعيات التي تعالج هذه الظاهرة فلم تفلح في عملها، لكن اقل من نصف سطر قالته المرجعية الدينية حسم الأمر حينما أبرمت الحكومة البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر عقداً مع شاه إيران القاجاري اشترت بموجبه امتياز شراء وتصدير وتصنيع التبوغ في إيران لمدة خمسين عاماً، فأحس المخلصون بخطورة هذه الاتفاقية على اقتصاد وسياسة إيران وانه باب يجر التبعية والفساد على شعب إيران، وأقنعوا المرجع الأعلى السيد محمد حسن الشيرازي وكان مقره مدينة سامراء في العراق بضرورة التصدي للأمر، فكتب في ورقة صغيرة (شارب الدخان محارب لإمام الزمان) فامتنع الشعب الإيراني كله عن التدخين، حتى أن زوجة الشاه نفسه كسرت الغليون الخاص به طاعة للمرجعية الدينية وفشلت الخطة البريطانية.

وقد جربنا نحن الشعب العراقي قوة تأثير الدين في حياة الأمة عامي 1998 - 1999 حينما أقام السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) صلاة الجمعة المباركة في العراق واشترك فيها مئات الآلاف كيف قلّصت الجريمة والفساد والانحراف بنسبة 90% حسب اعتراف المسؤولين رغم الفقر والحرمان والتسلط والفساد الإداري الذي كان متفشياً.

ولأن الدين يركز المبادئ الإنسانية العليا ويعمل على ترسيخها في قلوب البشر، فهو أنجح أسلوب لأداء هذا الدور في إنقاذ البشرية من المشاكل والاضطرابات والرعب الذي يحدق به، وقد التفت الغربيون إلى ذلك واعترفوا بفشلهم في القضاء على مرض الآيدز، وقالوا إن الأسلوب الناجح في المعالجة هي التربية الروحية والأخلاقية ومراعاة القيم السماوية في العلاقات الإنسانية، وهو رأي صحيح وكان يجب عليهم الالتفات إليه من أول الأمر من جهتين:

الأولى: ما قلناه من أن الإنسان من صنع الله تبارك وتعالى فلا أحد يستطيع وصف العلاج الناجح الكامل لمشاكله وأمراضه إلا الصانع نفسه.

الثانية: إن السنن والقوانين المتحكمة في الإنسان والكون مترابطة لان المتصرف فيها واحد، فأي خلل أو انحراف وعصيان لله تبارك وتعالى يفعله الإنسان يؤدي إلى اضطراب في الطبيعة بكل أجزائها.

وقد لا تستطيع فهم هذا الترابط الجدلي إلا أنني أذكر لكم شاهداً على ذلك فقد شهد وسط أوربا خصوصاً بافاريا في ألمانيا في صيف إحدى السنين القريبة فيضانات ضخمة لم تشهدها منذ (150) عاماً تسببت في قتل العشرات وجرح غيرهم وتدمير الكثير وقد قيل في سببها أن عدم توقيع الولايات المتحدة لمعاهدة كيوتو للمحافظة على البيئة التي تقتضي عدم تشغيل المعامل في آن واحد مما أدى إلى احتباس حراري وارتفاع درجة الحرارة الذي سبب ذوبان أكبر للجليد فحصل الفيضان.

فإذن عصيان هذا المبدأ الإنساني المنسجم مع التعاليم والقيم السماوية أدى إلى كوارث طبيعية والعكس بالعكس فإن الالتزام بالتعاليم السماوية والمبادئ الإنسانية العليا يؤدي إلى أن تعيش البشرية كلها في محبة وسلام وسعادة وخير وفير، قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] (الأعراف:96).

والدين حافل بهذه المثل العليا بل يجعلها الهدف الرئيسي من بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) برسالة الإسلام وهي تكميل أخلاق البشر قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فهو يدعوا إلى السلام قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ] (البقرة: 208) وتحيته هي السلام، ومن آدابه التي حث عليها إفشاء السلام في المجتمع ويأمر بالعدل والإحسان [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] (النحل:90) حتى إلى غير المسلمين ما داموا لا يعتدون قال تعالى [لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] (الممتحنة:8)

          ويدعو إلى الحوار مع الديانات الأخرى [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ] (آل عمران: 64) وينظم أسلوب الحوار مع الآخرين [وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (العنكبوت: 46)  وقال تعالى [ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (النحل: 125) ويعطي الحرية كاملة للإنسان كي يعتنق العقيدة التي يقتنع بها قال تعالى [لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ] (البقرة: 256)، بل إنه يأمر بتوفير الأمن وسائر الظروف المناسبة لأي أحد يبحث عن الحقيقة ويترك له حرية اتخاذ القرار [وَإِنْ أحد مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ] (التوبة: 6) ويعتبر إرسال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة بالناس من أجل إنقاذهم وإسعادهم قال تعالى [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] (الأنبياء:107)، ولم يقل للمسلمين فقط؛ لأنه رحمة لجميع المخلوقات، ولا أريد أن أطيل عليكم بكثرة الشواهد وان كان هذا الحديث نافعاً وشيقاً ومثيراً.

أيها الإخوة والأخوات:

إنكم حين أسستم (منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام) اضطلعتم بمسؤولية كبيرة، لكنها سامية ومثيرة للإعجاب والاحترام والشكر والثناء، وأنتم مدعوون لتفعيل دورها في تأسيس هذه المبادئ العظيمة ونشر ثقافة المحبة والسلام والتآلف واحترام الآخرين، لا ثقافة التطرف والتعصب والاحتراب الذي أهلك الحرث والنسل.

ونحن في العراق الجريح نئن من المظالم والاعتداء، وعدم إعطائنا ابسط حقوقنا بذرائع شتى، فندعوكم إلى مساعدتنا وإعطائنا الدور المناسب فإننا شعب ذو حضارة عريقة ويمتلك كل مقومات الازدهار والرقي، وأول خطوة في ذلك أن تفهموا مطالبنا بوضوح وتتعاملوا معها بإنصاف تطبيقاً لقوله تعالى [وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ] (الأعراف: 85).

أدعو الله تبارك وتعالى أن يسدد خطى كل الخيرين ويؤيدهم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

محمد اليعقوبي - النجف الأشرف

15 محرم 1425 الموافق 7/3/2004 



(1) الكلمة التي أُعدت ليلقيها ممثل آية الله الشيخ محمد اليعقوبي في المؤتمر الثالث لمنظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام الذي افتتح في عمان يوم 10/3/2004 ولم يتيسر له السفر لإجراءات إدارية وفنية.