خطاب المرحلة (57)...حكم الانتماء إلـى معهد القضاء العالي

| |عدد القراءات : 1512
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

حكم الانتماء إلـى معهد القضاء العالي

 بسم الله الرحمن الرحيم

 إلى حضرة وجناب سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 يوجد لفيف من الشباب المؤمن الواعي ومن خريجي كلية القانون يستفسرون عن إمكانية الالتحاق بمعهد القضاة العالي في بغداد بالحصول على إذن خاص في ذلك من سماحتكم وانتم تعلمون مدى حيوية هذه الوظيفة في المجتمع وضرورة توفير جانب النزاهة والعدالة فيمن يتولاها.

وما تجدر إليه الإشارة هو أننا نعرف حكم القضاء وفق ما أفتى به السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) وهي الحرمة، إلا أن المعهد فيه بعض التخصصات التي نتساءل عن إمكانية الدخول فيها وهي القضاء الشرعي (الطلاق، الزواج، ميراث، وصايا) ووظيفة المدعي العام التي يقتصر دور الشخص فيها على المطالبة بإحقاق الحق أينما تجسد وإرشاد المحكمة إليه.

هذا ولكم جزيل الأجر والثواب

وأدامكم الله ذخراً للدين وللمذهب والأمة

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

3 ج2 1425

 

 

بسمه تعالى

لا مانع من دخول المعهد على مستوى التعلّم والمعرفة ونيل الشهادة، فإن القوانين الوضعية مما يحسُنُ الاطلاع عليها لأنها تمثل خلاصة جهد إنساني طويل يزوّد الفقيه بثقافة وعمق نظر ينفعانه عند الدخول في عملية الاستنباط الفقهي، وإنما تبدأ مشكلة القضاء عند التعيين بعد إنهاء الدراسة في وظائف القضاة وهي مبنية على أحكام وضعية تخالف الشريعة في كثير من الموارد، لذا فهنا عدة حلول:

الأول: وهو ما طالبنا به الحكومة ونأمل أن تُحتَرم إرادة الشعب فيه حيث أظهر استطلاع الرأي العام الذي أجريناه قبل أشهر أن 98% من الشعب العراقي يريد قضاء مستنداً إلى الشريعة الإسلامية، أو على الأقل منضماً إلى المحاكم التي تعمل وفق القوانين الوضعية.

لذا نطالب بإنشاء معاهد للقضاء تعتمد المناهج الوضعية لمعاهد القضاء كما أنها تعطي دروساً إضافية في أصول وقواعد القضاء الإسلامي ويكون هذا المشروع بإشراف المرجعية الرشيدة، ووفق الضوابط الرسمية المعتمدة.

وبالنتيجة ستضم محاكم الدولة قضاة يعتمدون القوانين الوضعية بشرط عدم مخالفتها للشريعة الإسلامية، وأن يبنوا مقدمات الحكم وآليات التوصل إليه على القواعد الإسلامية من شروط الشهود والأخذ بالبينة وتحليف المنِكر وغيرها.

وإذا تطورت الحالة الإسلامية في البلد فيمكن إنشاء محاكم تعتمد الشريعة الإسلامية خالصة -في حدود ما تسمح به الظروف- وممضاة من قبل المرجعية الدينية، وتكتسب الصفة الرسمية والمشروعية من قبل الدولة، ولها حق أمر الأجهزة التنفيذية أي الشرطة ونحوها، لعدم إمكان تعدد آليات التنفيذ غير الأجهزة الوطنية وإلا لزم اختلال النظام، وتكون قراراتها فاعلة كالمحاكم المتعارفة التي تستند إلى القانون الوضعي فيتعين هؤلاء القضاة في هذه المحاكم بعد إلمامهم بقواعد القضاء الإسلامي.

الثاني: أن يدرس خريجو المعهد القضائي عند فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية القواعد الإسلامية في القضاء ليستندوا إليها في المرافعات واتخاذ الأحكام، ولو كانوا ضمن المحاكم العرفية مع ضمان القانون لهم ذلك وعدم النقض عليهم حين مخالفة القانون الوضعي، أي تشرّع الجهات الرسمية قانوناً يخيّر القاضي -وبحسب رغبة المتخاصمين- في النظر في القضايا وفق القانون الإسلامي أو الوضعي ويلزمان بما اختارا، ولا ينظر القاضي الملتزم بالشريعة إلا في مرافعات المواطنين الذين يختارون الأحكام الشرعية فإن الحق أحقُّ أن يتبع، [أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (يونس: 35).

الثالث: أن لا يتصدى القاضي للمحاكم التي تصدر أحكاما كالجنائية والبداءة وإنما يمارس عمله في المحاكم الحسبية كإجراء عقود الزواج والطلاق مع اجتماع الشروط أو نصب الأب والجد للأب الجامعين للشرائط قيمين على القاصرين أو طلاق المرأة المفقود زوجها بعد مراجعة الحاكم الشرعي ونحوها.

وليحذر القضاة فإن موقفهم عسير وقد وردت تهديدات شديدة من الأئمة (عليهم السلام) في حقهم لان من لم يحكم بما أنزل الله فقد نازع الله في سلطانه ولذلك وصفتهم الآيات الشريفة  بأنهم كافرون ظالمون ، فاسقون، ...(1) فالمطلوب منهم أن لا يضيعوا آخرتهم بدنيا زائلة تافهة لا قيمة لها مهما عظمت عند عبّاد المادة. [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] (الطلاق:2-3).

ومن يراجع المجلد الثامن عشر من كتاب وسائل الشيعة يجد أحاديث جمة تحذر من التصدي للقضاء إلا للعالمين بالشريعة القادرين على استنباط الأحكام منها:

قال الإمام الصادق (عليه السلام) (اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي) (الباب3 حديث3 من أبواب صفات القاضي).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه) (الباب4 حديث1 من أبواب صفات القاضي).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح فيقول: أي ربِّ عذّبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً، فيقال له: خرجت عنك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسُفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهكت بها الفروج الحرام، وعزتي لاعذبَّنك بعذاب لا أعذَّب به شيئاً من جوارحك) (الباب4 حديث4 من أبواب صفات القاضي) ومثل هذه الكلمة يتورط بها أكيداً في أحكامه القاضي غير القادر على استنباط الأحكام من الشريعة فيحكم بغير ما انزل الله تعالى.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) (القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة) (الحديث6 من المصدر السابق).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) (الحكم حكمان: حكم الله عز وجل وحكم أهل الجاهلية وقد قال الله عز وجل [أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (المائدة:50) (الحديث8 من نفس المصدر). فكل حكم بغير ما انزل الله فهو حكم جاهلية (راجع كتابنا شكوى القرآن).

اعتقد أن في هذا موعظة كافية لمن [كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ]  (قّ: 37) [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ] (الحاقة: 12).

 

محمد اليعقوبي

3 جمادي الآخرة 1425

21 / 7 / 2004 



(1) قال تعالى: [إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ] (المائدة:44) [وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (المائدة:45)== == [وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ] (المائدة:47).