خطاب المرحلة (64)...رسالة إلـى رؤساء الجامعات العراقية بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد وحلول شهر رمضان المبارك

| |عدد القراءات : 1371
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

رسالة إلـى رؤساء الجامعات العراقية بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد وحلول شهر رمضان المبارك

 بسم الله الرحمن الرحيم

 أغتنم فرصة بدء العام الدراسي الجديد وقرب حلول شهر رمضان المبارك لأبارك لكم هذه المناسبات الجليلة، ولأعبّر لكم عن تقديري واحترامي لجهودكم التي تبذلونها من اجل بناء عراقٍ حرٍ كريم ينافس الأمم المتقدمة ويجد مكانه بينها، ولأذكركم بمسؤولياتكم العظيمة وأنتم تتبوأون هذا المقام الشريف الذي هو عنوان رقي الأمم وتقدمها.

إن المستوى العلمي والأخلاقي والفكري للجامعات هو المقياس الذي تُعرف من خلاله مكانة الأمة في سلّم الحضارة والتمدن فبمقدار ما تعمل هذه المؤسسات على تنمية هذه العناصر الثلاثة (العلم - الأخلاق - الفكر) تحسب درجة نجاحها في تربية الشباب.

ربما سمعتم قبل بضعة أشهر حينما صدر قرار من الحكومة المصرية بترقين قيد الأستاذ الجامعي الذي بلغ السبعين من العمر عن ملاك الجامعات، كيف سارع الأساتذة الجامعيون الجدد إلى تطبيقه بالهجوم على غرف الأساتذة الكبار المشمولين بالقرار ورموا بكتبهم وأثاثهم إلى خارج الغرف ليحتلوا مكانهم. إنها لخسارة عظيمة وانحدار مريع في أخلاق الأمة ووعيها أن يكون الأساتذة الجامعيون بهذا التسافل الفظيع. واني اربأ بأساتذة وطلبة جامعاتنا أن يفكروا بمثل هذه الأعمال المشينة فضلاً عن القيام بها.

كل هذا يكشف عن أن العلم وحده لا يكفي بل لا بد من تغذية الطلبة بالأخلاق الفاضلة والأساليب المتحضرة في التعامل مع الأمور والاطلاع على السير الحميدة لعظماء البشر وعلى رأسهم الأنبياء الكرام والأولياء الهادين المهديين؛ لذا قال جدّنا الشيخ محمد علي اليعقوبي (رحمه الله) مذكراً الأساتذة بهذه المسؤولية:

 

قل للأساتذة الذين تكلّفوا
كل الدروس مهمة وأهمها

 

عبئاً من التدريس ليس يطاقُ
الدين والتاريخ والأخلاقُ

 

ولعلّي كناقل التمر إلى هجر حينما اكتب إليكم بهذه المعاني، لكنني أحببتُ أن اعبَّر عن انتمائي للجامعات واحتفاظي بالمنزلة الكبيرة لأساتذتها في قلبي منذ ربع قرن عندما كنت طالباً في كلية الهندسة بجامعة بغداد ولا زلت أجلس بين أيديهم بذلك الأدب الرفيع والمحبة العميقة والاعتراف بالفضل.

أقول هذا ليتخذ الطلبة الجامعيون اليوم هذه المعاني نبراساً لنموذج علاقتهم مع أساتذتهم، ويشاركني في هذا الشعور المئات من أساتذة وطلبة الحوزة العلمية الذين تخرجوا في أروقة الجامعات ونهلوا من علومها، وهذا من عظيم نعم الله تعالى على هذا البلد الكريم لكيلا نعيش الفصل المقيت بين العلم والدين، بين الجامعات والحوزة العلمية، هذا الانفصال الذي راهن عليه أعداء الأمة ليمسخوا هويتها ويضّيعوا معالم حضارتها تحت عناوين برَّاقة تخدع غير البصير في حقائق الأمور ليسهل بعد ذلك إذلالها وإخضاعها وإلحاقها بركب المستكبرين ناهبي ثروات الشعوب، ولكنهم خابوا وخسروا وآلت صفقتهم إلى البوار بفضل الله تبارك وتعالى الذي ألّف بين قلوب المؤسستين الشريفتين (الحوزة والجامعات) قال تعالى [وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (الأنفال:62- 63).

ولقد كانت مواكب الوعي الحسيني التي شارك فيها أكثر من عشرة آلاف من طلبة الجامعات العراقية ليلة عاشوراء من هذا العام بكل مهابة وجلال وشعارات واعية ومجاميع منتظمة خير دليل على هذه الوشيجة العميقة.

إن الأمة عموماً والشباب خصوصاً ينظرون إلى المرجعية الدينية على أنها الأب الراعي لمصالحهم والأم الحنون المضحية من أجلهم؛ لذا فهم يتوجهون دوماً إليها لحل مشاكلهم واحتضان مشاريعهم والتخفيف عن آلامهم وتحقيق آمالهم، وهي لا تقصر -في حدود إمكانياتها- في أن تكون عند حسن ظنهم، وإنني من باب المشاركة معكم في المسؤولية اذكر لكم بعض مشاكل الطلبة وهمومهم:

1- مظاهر الانحلال الخلقي كالأزياء الخليعة والحفلات الماجنة وتبادل المجلات المصورة الفاضحة.

2- تردّي المستوى العلمي وعدم نيل الدرجات والشهادات بالاستحقاق وانتشار ظاهرة الغش في الامتحانات.

3- ضعف العلاقة الأبوية بين الأساتذة والطلبة فلا الأستاذ يتواضع للطلبة ويريهم من عطفه ورعايته وتعبه من أجل ترقيتهم، ولا الطلبة يحتفظون بالهيبة والإجلال الذي يليق بالأستاذ.

4- اللغة العلمية هي الانجليزية وفي ذلك مخاطر عديدة:

أ- شعور أبناء البلد بغربتهم العلمية وأنهم ليسوا من الأمم المتقدمة التي كتبت العلوم بلغاتهم.

ب- صرف مبالغ باهظة لشراء المصادر فهي سرقة لثروات الشعوب بطريق متحضر.

جـ- فرض الحصار العلمي على الشعوب التي لا تخضع لسياساتهم بحجب المصادر العلمية عنهم.

5- سوء الأحوال المعيشية في الأقسام الداخلية وسوء الإدارة.

6- الوضع الاقتصادي المنهار حيث لا يستطيع الطالب توفير احتياجاته من نفقات سكن ونقل ومستلزمات الدراسة والاحتياجات المعيشية فترك كثير منهم الدراسة وهم في أقسام علمية راقية.

7- ما عُرض مؤخراً في مؤتمر التعليم العالي الذي عقد يومي 22-23/9/2004 من مشروع خصخصة الجامعات وهو أمر مقلق ولا مصلحة فيه الا المزيد من الأعباء والمتاعب على الطلبة وأولياء أمورهم.

8- سريان الطائفية والتحزب والفئوية إلى أروقة الجامعات.

9- الفدرالية في الجامعات وعدم خضوعها لنظام مركزي واحد.

10- عدم وجود فرص كافية لتعيين الخريجين في دوائر الدولة.

11- عدم التوزيع الجغرافي الكامل للجامعات والمعاهد على تمام المدن العراقية فإن المقاييس الدولية تفترض جامعة واحدة لكل مليون إنسان فيكون استحقاق الشعب العراقي أكثر من (26) جامعة.

إن هذه القضايا وغيرها جديرة بأن تحظى باهتمام ودراسة المعنيين بشؤون الجامعات ليضعوا الحلول المناسبة لها ويرفعوا هذه العوائق والمثبطات في طريق التحصيل العلمي الذي تطمح إليه الأمة، ومن هذه المعالجات:

1- فسح المجال أمام إلقاء المحاضرات الأخلاقية والتوجيهية والتربوية وبيان معالم الاستقامة والسلوك النظيف وترويج النشرات والإصدارات التي ترسخ ذلك.

2- تخصيص رواتب للطلبة تناسب حالهم وهي لا تكلف الدولة شيئاً معتداً به.

3- تحسين وضع الأقسام الداخلية والارتقاء بمستوى خدماتها وشموليتها لكل محتاجيها.

4- الإلزام بالزي الموحد والمحاسبة على السلوك غير النظيف وجعل جزء من درجة النجاح على السلوك والالتزام بالواجبات العلمية والأخلاقية وحظر مظاهر الانحراف والفساد كالملابس غير المحتشمة والحفلات الصاخبة.

5- الإصرار على مجانية التعليم الجامعي مع فتح الفرصة للتعليم الخاص ضمن الضوابط.

6- تشجيع الأساتذة والمتخصصين على وضع مناهج الدراسة باللغة العربية وبالشكل الذي يناسب حاجات بلادنا ويبني مستقبلنا الزاهر فإن ما كتبه الأجانب ليس بالضرورة مناسباً لنا ويعرف المتخصصون معنى كلامي هذا.

7- إقامة معارض الكتب بأسعار مدعومة لتنمية ثقافة الشباب وقدرتهم الفكرية وتأهيلهم لقيادة المجتمع.

8- تشكيل مجلس يضم رؤساء الجامعات ومؤسسة المعاهد الفنية والمراكز العلمية المتخصصة يجتمع في السنة مرتين بحضور وزيري التعليم العالي والتربية لتبادل الخبرات وتلاقح الأفكار وتوحيد الرؤى والمناهج.

9- تجنيب الجامعات أي صراعات سياسية أو طائفية أو عرقية وتكريسها لأداء وظيفتها الأساسية: العلم والأخلاق.

10- إنشاء جامعات جديدة لتشمل كل أنحاء العراق والعمل على أن تضم الجامعة كل الكليات العلمية والإنسانية.

إننا نتحمل معاً مسؤولية إدامة هذه الرابطة المقدسة لنعمل سوية على الرقي بمستوى الأمة وهدايتها إلى طريق السعادة والتقدم وصيانتها من الضياع والتشتت والاضمحلال.

إنني -وسائر أبناء هذا الوطن المنجب المعطاء- نتابع بألم ما يتعرض له الأساتذة الجامعيون وذوي الكفاءات العلمية من اعتداءات تصل حد القتل والتي لا تصدر إلا من أعداء الشعب والإنسانية والحضارة لأن إطفاء هذه الأنوار العلمية المضيئة في جبين الأمة خسارة للإنسانية جمعاء وليس للعراق فقط لكن الذي يهون الخطب أن كل ما يلاقيكم من عناء ومشقة في هذا الطريق فانه بعين الله تبارك وتعالى وهو لا يضيع اجر المحسنين من ذكر وأنثى.

إنكم في هذا الموقع الشريف يمكنكم تحصيل فرص عظيمة لطاعة الله تبارك وتعالى وربح كبير في [تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ] (فاطر: 29) بالسعي الحثيث لتحقيق آمال الأمة وطموحاتها والتخفيف من آلامها ومتاعبها [يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ] (الحديد: 28) خصوصاً ونحن نستقبل شهر الله العظيم الذي ينزل على العباد بالخير والبركة والرحمة وكلما كنتم عند حسن ظن أبنائكم كان الله عند حسن ظنكم بأضعاف ذلك.

وفي هذا السياق أكون ممنوناً للأساتذة الأفاضل الوزراء المعنيين ورؤساء الجامعات لو اعتمدوا هذه الرسالة وثيقة رسمية وعمّموها إلى كل عمداء الكليات والمعاهد الفنية والمراكز المتخصصة لتعّم الفائدة ويتوزع الهم والشعور بالمسؤولية.

 

[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ]

 

 

محمد اليعقوبي – النجف الأشرف

18 شعبان 1425

3 / 10 / 2004