خطاب المرحلة (119)... فضل العراق والحوزة العلمية على العرب وآداب اللغة العربية

| |عدد القراءات : 1243
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

فضل العراق والحوزة العلمية على العرب وآداب اللغة العربية

 

استقبل سماحة الشيخ اليعقوبي السيد مختار لماني مبعوث السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية و الوفد المرافق له([1]) حيث شرح لسماحته في بداية اللقاء هدف الزيارة وهو الاستماع للأطراف المؤثرة في الساحة العراقية لإنجاح مؤتمر الوفاق العراقي الذي سيعقد لاحقا بإذن الله تعالى من اجل إخراج العراق من محنته.

وقد شكره سماحة الشيخ اليعقوبي على مجيئه و اهتمامه بالقضية العراقية في حين تخلف الأكثر عن الحضور و مؤازرة العراقيين أو مساعدتهم للخروج من محنتهم رغم أن هذا واجب إنساني وإسلامي وعربي؛ لأن العراق كان من المبادرين لنصرة القضايا العربية المحقة حتى وهو في اشد فترات معاناته من الظلم والبطش والحرمان فانه لم يتخلف عن المشاركة الوجدانية و الميدانية في أحداث إخوته وقضاياهم سواء في المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو مصر أو فلسطين أو سوريا، و لعلمائنا و شعرائنا مواقف وقصائد في رجالات هذه البلدان فلجدي الشيخ محمد علي اليعقوبي المتوفى عام 1965 ديوان شعري كامل في (جهاد المغرب العربي)، وقصائده في عبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار من أرق نظمه لعمق تفاعله، و أما فلسطين فكان تفاعلها في الوجدان الشيعي والنجفي أكثر من أي بلد آخر.  

وكانت الحوزة العلمية الشريفة وشعراء الشيعة في حواضر العلم والأدب كالنجف وكربلاء والحلة وبغداد هم رواد الأدب العربي ومفاخره، وفي الوقت الذي كانت تعيش المدن العربية الأخرى كدمشق و القاهرة والحجاز وفاس و طنجة (الفترة المظلمة) في العهد العثماني كما يقسمونها ضمن عصور الأدب العربي، كانت الحواضر الشيعية مزدهرة بسوق الأدب وبرز المئات من كبار الشعراء والأدباء في تلك القرون منهم وخلّدتهم معاجم الرجال والأدب، وبلغ عندهم سمو المعنى ولطافة السبك درجة بحيث إذا أراد نقّاد الأدب أن يمدحوا شاعرا فإنهم يقولون ( كان يترفض في شعره) أي ينحو منحى الرافضة –وهم الشيعة في مصطلحهم – في هذا الرقي.

هذا هو فضل الشيعة والحوزة العلمية على العرب و اللغة العربية فكيف يجوز لرئيس اكبر دولة عربية أن يشكّك في ولائهم لبلدانهم ويقول إنهم موالون لدول غير عربية([2]) ، وأنا المتحدث معك احد مراجع الدين في النجف الأشرف وأنا عربي أصيل أرجع إلى قبيلة الأوس الأنصارية التي آوت رسول الله (رض) ونصرته ، وهذا أبو جدي الشيخ يعقوب  المولود في النجف الأشرف عام (1853) يصف النجف الأشرف في أبيات شعرية له أنها) (موطن آبائي وأجدادي) فقال (رحمه الله)

مــواطن آبــــــائي بها وأحبتي         وفيـــها معـــاني أسرتي وسراتي

فمن تربها أصلي ومبدأ نشأتي              وأرجو بها مثواي بعد وفاتي([3])

 

فهل توجد أصالة وانشداد إلى العروبة أكثر من هذه ؟

إن هذا التصريح من رئيس دولة عربية مهمة قد يكون سبق لسان – كما قالوا – أو أي تبرير آخر، لكننا نعتبره تحريضاً للإرهابيين القتلة المجرمين على الشيعة بعد أن اعتبرهم دخلاء وعملاء للأجنبي، وهو ما لا يتوقعه العراقيون من إخوانهم فإذا أردنا أن ننجح في حفظ وحدتنا العربية ويكون للعرب دور مثمر في العراق فلابد من تجنب هذا الخطاب التحريضي الطائفي.

إن عقد المؤتمرات وحده غير كاف في حل مشاكلنا والشاهد على ذلك كثرة المؤتمرات التي تعقد من دون نتيجة تذكر ، أن أساس النجاح هو الصدق و الجدّية في إرادة الحل ومعالجة المشاكل، أما بقاء كل طرف على تَعنُّتِه وتعصبه لرأيه واستئثاره بالخير كله لنفسه الذي هو طبع للنفس الأمارة بالسوء [وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحّ] (النساء: 128) فلا ينفع ألف مؤتمر، وإن هذا الاستئثار والتفرد و الديكتاتورية و إلغاء الآخر وفرض الرأي عليه هو الذي يؤجج الصراعات ويدفع الآخر إلى فعل كل شيء حتى الأفعال الإجرامية ليثبت ذاته و ينال استحقاقه.

وقد فهمت من كلامكم إنكم اكتشفتم من خلال لقاءاتكم المتعددة بأطراف المشكلة العراقية إجماعهم على رفض هذه الحالة واقتناع الجميع بضرورة الشراكة و الاقتسام وهذه نتيجة طيبة تدفعنا إلى التفاؤل في تجاوز المحنة و معالجة أسبابها . وهذا الشعور بالحاجة إلى الشراكة والاقتسام هو التفكير الصحيح والطبيعي فمن الغريب أن يغفل الإنسان عن حقيقة واضحة وهي أن الله تبارك وتعالى لما خلق البشر فانه جعل لهم في الأرض خيرات تكفيهم وزيادة ولكن عدم العدالة والظلم في التوزيع يسبب المشكلة قال أمير المؤمنين (ما جاع فقير إلا بما مُتَّعِّ به غني) فلولا أن أوربا تحرق اللحوم وترمي الفواكه في البحر لتحافظ على الأسعار لما جاعت أفريقيا ومات الملايين بسبب سوء التغذية.

إن ما نعانيه في العراق له أسباب ومناشئ عديدة بعضها داخلية نابعة من الظروف التي مر بها الشعب العراقي، وبعضها خارجي يعود إلى أجندات الدول الإقليمية والكبرى، فالخطوة الأولى على طريق الحل يبدأ من تشخيص هذه الأسباب وفتح ملفات لكل منها وتعكف لجنة متخصصة على دراسة كل ملف على حدة وليقل كل طرف ما عنده من هواجس ومشاعر ومخاوف ومبررات ومطالب لتنقيحها وتحليلها من اجل الوصول إلى الحلول و التوصيات المناسبة، فربما حمل بعضهم السلاح خوفاً على هويته ووجوده، وآخر لشعوره بالإقصاء وعدم إعطائه الحق في المشاركة في العملية السياسية، والآخر لمقاومة المحتل وردعه عن عدوانه وظلمه وغطرسته واستخفافه بالمحرمات وهكذا، ولإتمام ذلك فلابد أن يبقى عمل هذه اللجان مفتوحاً من دون تحديد سقف زمني لعمل المؤتمر ولجانه، فإن تحديد زمن المؤتمر بيومين أو ثلاثة كمؤتمر القاهرة([4]) لا يمكّن المشاركين من انجاز مهامهم.

إن حالة العنف التي تغطي ساحة العراق بصورتها القائمة المقزّزة طارئة على الشعب العراقي وثقافة غريبة عليه، وقد عاشت طوائفه وأعراقه قروناً من الألفة والتسامح والشراكة لم ينغصها هذا الجنون و التوحش والولع في سفك الدماء إلا من العصابات الإجرامية كالصداميين الأشرار والتكفيريين المتحجرين، لذلك إذا عزل هؤلاء القتلة فإن جميع مكونات الشعب العراقي قادرة على الحوار وحل المشاكل.

كما أن وجود الاحتلال سبب رئيسي لبقاء الفوضى والعنف والخراب فلا بد من إنهائه في أقرب وقت، وإذا كان عذرهم في عدم قبول جدول زمني للانسحاب باعتبار أن وجودهم مربوط باستقرار الوضع والقضاء على العنف وقدرة القوات المسلحة العراقية على مسك الملف الأمني وهذا غير محدد بزمن، فيلزم الدور في هذا المطلب، فنحن نصوغ المطلب بصورة معقولة وهي المطالبة بجدول زمني لبناء قوات مسلحة عراقية مستعدة عُدة وعدداً لبسط الأمن وسلطة القانون على جميع الأراضي العراقية وننهي بذلك ذريعة وجود الاحتلال، ومثل هذا الجدول الزمني ممكن لأنه مرتبط بمصداقية الأطراف المعنية في استعادة سيادة العراق و حريته وقوته .

وقد أبدى الوفد الضيف إعجابه بهذه الأفكار وقدم سماحة الشيخ اليعقوبي بعضاً من كتبه تتحدث عن دور الأئمة والمرجعية في حياة الأمة.



([1]) كان ذلك يوم الأربعاء 3/ج1/1427 المصادف 31/5/2006.

 ([2]) إشارة إلى تصريح رئيس جمهورية مصر العربية السابق حسني مبارك بأن الشيعة في الدول العربية يوالون إيران وليس أوطانهم التي ينتمون إليها.

 ([3]) ذكرها سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) في كتابه عن والده ( الشيخ موسى اليعقوبي : حياته – شعره).  

([4])  أقيم هذا المؤتمر في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة عام 2005 بحضور رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء آنذاك الدكتور إبراهيم الجعفري وممثلين عن جملة من الأطياف السياسية والتيارات الدينية والعرقية وبعض الشخصيات في العراق وقد تقدمت الإشارة إليه.