خطاب المرحلة (125)... عناصر نجاح الأحزاب الإسلامية: حزب الله في لبنان نموذجاً

| |عدد القراءات : 1824
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

عناصر نجاح الأحزاب الإسلامية: حزب الله في لبنان نموذجاً (1)

 يسطّر أبطال حزب الله في لبنان بزعامة السيد حسن نصر الله أروع ملاحم البطولة والفداء في مواجهة أعتى ماكنة عسكرية وصفوها بأنها الجيش الذي لا يُقهر، فراح يترنح تحت ضربات المجاهدين ويتخبّط في مسيرته وخططه ومضى عليه شهر ولم يحقق شيئاً معتداً به عسكرياً، ولم يفعل أزيد من نشر الخراب والدمار وقتل الأبرياء من النساء والأطفال في مذابح جماعية سوّدت وجه هذا الكيان الغاصب وداعميه من دول المنطقة والقوى المستكبرة.

إن تجربة الجهاد والمقاومة لحزب الله جديرة بأن تدرّس في أرقى الأكاديميات العسكرية للاستفادة منها ولتحليلها ودراسة عناصر قوتها ونجاحها. 

لقد بيّن القرآن الكريم بعض أسرار هذا النجاح فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فإن يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال:65-66) فالفقه الذي هو المعرفة بالله تعالى والبصيرة بالحق الذي هم عليه، وأنَّ ما يصيبهم هو بعين الله تعالى الذي لا يضيّع أجر من أحسن عملاً وأن النصر حليف المؤمنين والعاقبة للمتقين، وأنه [إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُون] (النساء: 104)، ولكن الفرق بين معسكر الحق ومعسكر الباطل هو أنكم [وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ] (النساء: 104)، هذه المعرفة التي جعلت الواحد من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) يخرج بمفرده لمقاتلة سبعين ألفاً فسمّاهم عدوّهم (أهل البصائر)، وإن لم تكن المعرفة بالدرجة العليا فإن الصبر والمصابرة والتحمل كفيل بإعطاء قوة الضعف للمقاتلين.

وإن من الفقه والمعرفة الإخلاص لله تبارك وتعالى والثبات والصدق في المواطن والتجرد عن المصالح الشخصية، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه مع بعض أتباعه حينما وجد في تصرفه شيئاً من الاستئثار والأنانية حيث أخذ حصته من غنائم المسلمين قبل توزيعها بشكل عام، فقال عليه السلام انتفعت به قبل المسلمين؟ ثم بكى بكاء شديداً وقال (عليه السلام): (ولقد كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقتلُ آباءَنا وأبناءَنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً، وتسليماً، ومضياً على اللَقَم (الطريق)، وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا ومرّة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه (استقر وثبت) ومتبوئاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضرَّ له عود)([2])...

إن المصداقية التي يتمتع بها فضيلة السيد المجاهد حسن نصر الله اعترف بها العدو قبل الصديق، ويصفونه أنه إذا قال فعل وإذا وعد وفى، وإذا هدد أخذ الأعداء تهديداته على محمل الجد فيلقي الرعب في قلوبهم، ويزيد من عزيمة وقوة المؤمنين المجاهدين، وهذا عين ما أراده الله تبارك وتعالى حين حذّر المؤمنين من مخالفة أفعالهم لأقوالهم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] (الصف:2-3).

وهذا ما أثلج صدور أتباع أهل البيت ورفع رؤوسهم أن تكون رموزهم السياسية على هذه الدرجة العالية من الصدق والمصداقية في حين ابتلي السياسيون في العالم بالكذب والمخاتلة والنفاق والفساد.

ومن أهم أسرار القوة دقة التنظيم مما اعجز العدو المعروف بقوة استخباراته عن الحصول على خيط يوصله إلى أهدافه، والتنظيم العالي شكل من أشكال القوة التي أمر الله تعالى المؤمنين بإعدادها للعدو [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ] (الأنفال:60)

 ومما حبّب هذا الحزب إلى اللبنانيين من جميع الطوائف وجعله موضع ثقتهم وإعجابهم وطنيته والأخلاق العالية لمقاتليه فلم يمد يده إلى اللبنانيين حتى وان تعرض إلى استفزاز من بعضهم، فعندما منَّ الله عليهم بالنصر وهزموا الصهاينة وأخرجوهم من الجنوب في آيار 2000 لم تغرهم هذه القوة وهذا النصر فيندفعوا إلى تغيير المعادلة السياسية في لبنان بالقوة وفرض هيمنتهم على الدولة وهم قادرون على ذلك، وحينما تصدّى الجيش اللبناني لمظاهرة شعبية كان أغلبها من أنصار الحزب للاحتجاج على الأوضاع المتردية قبل عدة أشهر فقتل عدد منهم لم يردوا بالمثل ولم يهاجموا أحداً من القوات أو المؤسسات الحكومية وكانوا على درجة عالية من الحكمة والانضباط.

وزاد في محبتهم تصديهم بتفانٍ للقيام بالأعمال الخدمية والإنسانية والثقافية وأنشأوا مؤسسات عديدة لتدير هذه الأنشطة، والساحة اللبنانية تشهد بالمساعدات التي يقدمونها والخدمات الاجتماعية التي يؤدونها، والمعارض الثقافية المتنوعة التي تضم كل الثقافات والتوجهات وتجتذب المفكرين والمثقفين والقراء من كل الطوائف.

ونظام العقد لكل هذه العناصر: الخصائص النفسية والعقلية الفاضلة التي يتميز بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فخطاباته تلهب حماس الجماهير وكلماته منتقاة، وأدبه وتواضعه مشهود له، فحينما حرر الجنوب بفضل الله تعالى دخل متواضعا من دون غرور ولا تكبر كما دخل جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة حين الفتح مطأطئاً رأسه قد ألصق رقبته بالبعير تواضعاً لله تبارك وتعالى وشكراً له على نصره.

أن حق هؤلاء الأبطال على الأمة جميعاً أن يستذكروا هذه المعاني ويُشِيدوا بها وينشروا أريجها الطيب ويدعوا لهم بالنصر والتمكين وكشف الضر والكرب بأدعية الفرج (يا من تُحَلُّ به عُقَدُ المكاره..) و (إلهي عَظُمَ البلاء..) ودعاء الإمام السجاد (عليه السلام) لأهل الثغور في صلواتهم وشعائرهم وتجمعاتهم [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ] (الصافات:171-173).

 

15رجب/1427

10/8/2006



 ([1]) صدر هذا الخطاب بمناسبة مرور شهر على العدوان الصهيوني على لبنان الذي بدأ يوم الخميس 17/ج2/1427 المصادف 14/7/2006 واستمر أزيد من شهر وفشل في تحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة الإسلامية أو تجريدها من السلاح، لكنه دمّر وخرّب وقتل الأبرياء ومنهم الأطفال في مذبحة (قانا)، وقد توقَّف العدوان بعد صدر هذا البيان ببضعة أيام.

([2]) بحار الأنوار: 30/321.