خطاب المرحلة (131)... رُبَّ موقف يكون سبباً لبركات كثيرة

| |عدد القراءات : 1259
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

رُبَّ موقف يكون سبباً لبركات كثيرة(1)

 ورد في الحديث الشريف (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له) وانتم الذين أتشرف بخدمتكم الآن قد حققتم الثلاث، فأنتم أبناء صالحون ليس لأبويكم فقط وإنما للإسلام وللمرجعية وللوطن وللأمة، ومدارسكم هي التي تتداول العلوم التي ينتفع بها في إصلاح الناس وتعليمهم أحكام الحلال و الحرام وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) والعقائد الحقة.

أما الصدقة الجارية فلا تنحصر في بناء مسجد أو حسينية أو مدرسة وإنما تعم كل مشروع خيري وعمل يستمر في عطائه الإنساني النبيل، كالذي قمتم به حين زرعتم منطقة خضراء في مدينة الشعلة وزينتموها بالورود و هيأتموها لكي يروِّح فيها الإنسان عن نفسه همّ الحياة ومشاقها ونكدها، ويلهو فيها الأطفال ببراءة وتجتمع فيها العوائل على الحب والتآخي والمودّة .

وليس كثيراً على كرم الله تعالى وفضله ورحمته أن يهيئ للإنسان أسباباً لزيادة الأجر والتكامل حتى بعد وفاته ، وليس اعتباطاً أن يرزق الله أحداً مثل هذه الأسباب دون غيره ، لأن الأول لابد انه قام بعمل أو اتخذ موقفاً وجد رضاً وقبولاً عند الله تبارك و تعالى فأغدق عليه من كرمه ورضاه بما هو أهله.

وليس من باب مدح النفس وإنما من باب المثال والحث على اتخاذ القرارات الشجاعة و الحاسمة إذا كان فيها رضا الله تبارك وتعالى، فحينما أنهيت دراستي الجامعية في كلية الهندسة بجامعة بغداد عام 1982 كان علي أن التحق بالخدمة العسكرية في وقت كانت الحرب الظالمة التي شنها صدام المجرم على إيران الإسلام على أشدها، و رغم أن مكان عملي كان مهندساً ببغداد وهو مكان يسعى إليه الطامحون، إلا إنني كنت في حماس الشباب و اندفاعاته في الثانية والعشرين من عمري، وكنت ممتلئاً بتحذير الأئمة لشيعتهم من الركون إلى الظالمين ومعونتهم والانخراط في مؤسساتهم، بحيث أن رجلاً يسأل الإمام (عليه السلام): إنني ممن أخيط ملابس موظفي الدولة العباسية، فهل أنا من أعوان الظلمة الذين ورد فيهم العذاب والمقت؟ فقال (عليه السلام): إنك من الظلمة أنفسهم وإنما أعوان الظلمة من يبيع لك الإبرة والخيط .

ويأتي آخر إلى الإمام ويسأله أن أبي خرج مع جيش عمر بن سعد لقتال الحسين وكان في مؤخرته ولم يباشر القتال و إنما كان يؤدي بعض الخدمات للجيش فهل تشمله لعنة قتلة الحسين (عليه السلام) فأكد الإمام شموله باللعن وقال (لقد كثّر السواد على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ).

بمثل هذه الثقافة كان قلبي وعقلي مشدوداً فلم أجد أي تردد في اتخاذ قراراً بالامتناع عن الانخراط في الخدمة العسكرية ولو لحظة واحدة ولو حتى لو كان موقع عملي في باب الدار، وكان مثل هذا القرار يكلف صاحبه عقوبة الإعدام أمام مرأى الناس وزغاريد النساء وتسلم جثته إلى أهله بكل إهانة ويتعرض لضغط اجتماعي كبير من أهله والمجتمع حوله، وكانوا يستغلون ضعف والدتي المفجوعة بأبي وعدد من إخوتي يومئذ للضغط عليَّ، ولكنها (رحمها الله) كانت لا تعارض لي قراراً أو رغبة حتى انتهت تلك السنين العجاف وهذا القرار وإن كان لطفاً خالصاً من الله تعالى لا أدعي أنني كنت أهلاً له، إلا انه كان مفتاحاً لخيرات وبركات كثيرة لا زالت تغمرني حتى الآن، حيث عشت أياماً سعيدة وأنا حليف القرآن والصلاة والكتب التي بنت شخصيتي ثم أتممت لي النعمة في أوائل عام 1985 بتيسير سبل الاتصال بالسيد الشهيد الصدر (قدس سره) والتي استمرت حتى استشهاده.

ومحل الشاهد أننا يجب أن لا نقصّر عن استثمار أي فرصة للطاعة والمشاركة في أي مشروع خيري أو عمل إنساني، فلعل هذا العمل بالذات هو الذي يقع في محل الرضا والعطاء الإلهي والنفحات الخاصة، فقد ورد في الحديث الشريف إن الله تعالى أخفى وليّه بين عباده لكي تحترم الجميع ولا تستحقر أحداً مهما كان ضعيفاً أو رثّ الحال لاحتمال أن يكون من أولياء الله تعالى، و أخفى رضاه في طاعته أي أخفى مقدار الرضا و العطاء على أنواع الطاعات لكي يهتم الإنسان بها جميعاً ولا يفّرط في أي واحدة منها إذ لعل هذه هي من أسباب الألطاف الإلهية الخاصة .

فالمأمول منكم أن لا تقصروا في مشاريع الخير والنفع للأمة واحتسبوا بها الأجر عند الله تعالى [وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] (الروم:60) من هؤلاء المتصارعين على حطام الدنيا الزائفة فحينما تنصب الموازين الحق سيعلمون عندئذ الفائزين والمفلحين [يَومَئِذٍ يَخسَرُ المُبطِلُونَ] (الجاثية: 27).



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع مركزي الزهراء المظلومة وسبل الرشاد في الناصرية الذين أقاموا معرضا ثقافياً في كربلاء بمناسبة الزيارة الشعبانية واستمر أربعة أيام، وقد زاروا سماحته يوم 7 شعبان، ومن حديث سماحته مع مجموعة من الشباب أشادوا روضة خضراء في الشعلة، وأطفال مدرستي الإمام الصادق في مدينة الصدر والإمام الجواد في الكاظمية، وقد زاروا سماحته يوم 22 شعبان، ومن حديثه مع عدة سرايا من لواء الإمامين العسكريين في قضاء الهندية الذي قدموا خدمات جليلة لزوار الشعبانية وحافظوا على قدسية الشعائر في كربلاء قرب مقام الإمام المهدي بالتعاون مع موكب الزهراء في الناصرية وغيرها، وقد زاروا سماحته يوم 25/ شعبان  /1427 المصادف 19/ 9 / 2006.