خطاب المرحلة (146)... رقابة المرجعية على ميزانية 2007 سلّطت الأضواء على فساد المتسلطين
بسم الله الرحمن الرحيم
رقابة المرجعية على ميزانية 2007 سلّطت الأضواء على فساد المتسلطين
لم تحظَ ميزانية قدمتها الحكومة في السنوات السابقة بمناقشات ومعالجات كالتي حظيت بها ميزانية 2007 حيث كانت تُسَّوق على علاّتها وتترك الباب واسعاً للفساد المالي وهدر المال العام حتى اعترف وزير المالية السابق إن سرقة المال العام بلغت خمسة مليارات دولار وهو رقم ضخم، ومع ذلك فهو أقل بكثير من تقديرات منظمات الشفافية العالمية، مما جعلت العراق بلد الحضارات يقف على قمة رأس قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم ضمن الدول المتخلفة والجاهلة، ولو أن القادة السياسيين استعادوا للبلد عشر هذا المال الذي سُرِق لاستغنى عن قرض البنك الدولي الذي أضرَّ بشعبنا بشروطه المجحفة كقطع الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية والبطاقة التموينية وزيادة الضرائب والرسوم وقطع المعونات الاجتماعية فأضافت الحكومة بؤساً إلى بؤس الشعب.
وكانت ميزانية عام 2007 قد صيغت بنفس الأخطاء السابقة من الارتجالية والعبثية وكثرة منافذ الاختلاس وسرقة المال العام وخلّوها من المشاريع الإستراتيجية والإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، لولا أن اندفعت المرجعية الرشيدة لتصدر بيانها (زيادة ميزانية عام 2007 خبر يؤلم العراقيين) وكان البيان موضوعاً للخطبة الثانية من صلاة عيد الأضحى المبارك([1]) إيماناً من المرجعية بأهمية الميزانية باعتبارها خطة عمل الحكومة خلال عام.
وكانت هذه الحركة الشجاعة من المرجعية إيذاناً للخبراء والمحللين الاقتصاديين بتسليط الأضواء على الميزانية ودراستها ومعرفة الخلل فيها، وارتفعت الأصوات التي استفادت من زخم المرجعية لتطالب بتصحيح الأخطاء وسد الثغرات وملئ الفراغات التي شخّصتها المرجعية فعقدت المؤتمرات وأقيمت الندوات، وشعر زعماء الكيانات المهيمنة على القرار السياسي بالهزيمة والذل وخسرت صفقتها فتغيّبوا عن حضور جلسات البرلمان ليعطلوا مناقشتها لعدم اكتمال النصاب حتى يضيق الوقت ويصبح إقرارها أمراً واقعاً، ونحن نعلم أن تأخير المصادقة سوف لا يسدُّ عليهم أبواب سرقة ثروات الشعب لأنهم يعرفون كيف يستخرجون الأموال حتى من دون مصادقة، لكنهم سيجعلون عدم المصادقة مبرراً لمزيد من الإجحاف بحق المواطن، فمثلاً يتوقفون عن صرف رواتب ومخصصات الطلبة الجامعيين لسد احتياجاتهم الدراسية والمعيشية لان ميزانية 2007 لم تُطلق بعد، وهكذا الكثير من مصالح الشعب الذي عليه أن يعي ما يفكّر به السياسيون المتصدون لإدارة البلد وقيادة الشعب.
وإليكم نص البيان الذي أصدره سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعنوان (زيادة ميزانية عام 2007خبر يؤلم العراقيين ) ونقلت وسائل الإعلام فقرات منه:
(قدّمت الحكومة ميزانيتها لعام 2007 وهي تزيد عن (40) مليار دولار لأول مرة في تاريخ العراق ووصفوها بأنها (انفجارية)، ومثل هذا الخبر يكون بشرى سارة في دول العالم لأنه يعني مزيداً من مشاريع البناء والأعمار وتحسين أوضاع المعيشة للمواطنين وتطوير القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والخدمات.
أما في العراق فإن مثل هذا الخبر يحمل مزيداً من الألم والمرارة والثورة والرفض لأنه يعني مزيداً من سرقة المال العام وامتلاء جيوب المتسلطين المهيمنين على مصادر القرار والإثراء غير المشروع على حساب الشعب البائس المحروم الذي يدفع وحده ثمن هذا التنافس المحموم على كعكة العراق التي يتسابقون على تقاسمها.
إن الشعب العراقي يتحدى حكومته أن تقدم له كشفاً بصرف عشر هذا المبلغ على مشاريع ستراتيجية يجدها على ارض الواقع وليست مشاريع وهمية على الورق فقط([2]).
فها هو الخراب يدبُّ في مرافق الدولة ومنشأتها الحيوية وبنيتها التحتية ولا زالت المصانع الحكومية التي كانت تستوعب الآلاف من الفنيين والأيدي العاملة عاطلة عن العمل لأسباب يمكن إصلاحها بسهولة ، وقد انحسرت الأراضي المزروعة بعد أن هجرها أهلها لعدم كفاية الحاصل بتكاليف زراعتها ، ولا حاجة إلى الاستمرار في سرد الأمثلة فإن الخراب والانهيار ضارب بأطنابه في كل نواحي الحياة.
ألا يستحي المتصدّون لإدارة البلد من تصدّر العراق قائمة دول العالم في انتشار الفساد المالي في تقرير منظمة الشفافية العالمية وتقدّم على أكثر الدول تخلفاً وهو بلد الأصالة والحضارة والتاريخ والريادة في فنون الحياة؟.
والغريب أن تجتمع الحكومة في نهاية عام 2006([3]) ليشرح كل وزير إنجازات وزارته ويظهر رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي ليعبر عن قبوله ورضاه عن أداء الحكومة ويصفه بأنه أفضل من المتوقّع.
فيالله من هذه المصائب التي تدمي القلب وتدفع الشعب إلى ركوب الخيارات الصعبة.
ولا حول ولا قوة إلا بالله لعلي العظيم
([1] ) التي أقامها سماحة الشيخ اليعقوبي في داره وحضرها مئات امتدت صفوفهم إلى خارج الدار والشارع وصادف العيد يوم 31/12/2006.