قوى الشباب غنيمة للفرد و الأمة

| |عدد القراءات : 2004
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

قوى الشباب غنيمة للفرد و الأمة[1]

نعم الله تعالى على الانسان كثيرة، ومنها نعمة الفتوة و الشباب بما تعني من حيوية ونشاط،وصحة وعافية،وقوة إرادة وسعة طموح وعواطف جياشة وغرائز متدفقة وحماس واندفاع وصفاء ونقاء واريحية وذهن وقّاد، وغيرها من القوى وهذه القوى مشمولة بأمر الله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال/60) والقوة المطلوب إعدادها تكون ملائمة للعدو المقصود، فهذه القوى مما يُعدُّ لمواجهة النفس الأمّارة بالسوء (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) والشيطان، قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (يوسف/5).

إن الصفات والخصائص التي ذكرناها للشباب توفّر فرصة واسعة للتكامل مع ما فيه من مضاعفة الاجر و الثواب والمحبة الإلهية التي اختص بها الشباب، ففي الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)( ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها واهرم شبابه في طاعة الله الا اعطاه الله اجر اثنين وسبعين صّديقاً).

فهذه المرحلة من العمر من اعظم النعم على الانسان واهم الفرص التي تتاح له لذا وردت الوصية باغتنامها، فمن وصية النبي (صلى الله عليه واله وسلم)لأبي ذر( يا أبا ذر: اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)[2] ومن الملاحظ ان هذه الخمسة كلها متوفرة عند الشباب غالباً فهو قوي البدن صحيح معافى، وغني لأنه مكفول المعيشة في اسرته، وعنده فراغ من المسؤولية، لكن هذه الفرص تقل بمرور الزمان فتزداد مسؤوليته ومشاغله ومشاكله ومعوّقات التكامل وتضعف قواه.

لكن اكثر الشباب لا يلتفتون الى هذه الغنيمة ولا يستثمرونها، ويضيعون هذه النعم في امور تافهة وربما محرّمة، ولا يعطون هذه الثروة العظيمة حقها وقدرِها، فتارة يعبّرون عن فتوتهم وشبابهم بالتمرد على المجتمع او الانخراط في جماعات العنف او الخروج عن النظام العام، او يوظّفون طاقاتهم المتدفقة  في فعاليات جنونية وهو ما اشار اليه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في بعض خطبه قال: ( الشباب شعبة من الجنون)[3] أو يعتنقون بعض الدعوات الضالة فينساقون وراء اصحابها من دون روّية او تدبّر في محتواها او عواقبها.

وهذا كله له اسبابه فمنها ما يعود الى اولياء الامور وقادة الامة و البلاد إذ لا يوجد لهم اهتمام بهذه الشريحة المهمة و الواسعة ولا يضعون برامج لتوجيههم وارشادهم و الاستفادة منهم في العمل المثمر.

ومنها ما يعود الى الشاب نفسه، حينما يستسلم لهواه وعواطفه وشهواته وغروره واعتداده بنفسه ونشوته بما فيه من صحة وفراغ وتوفر لمتطلبات الحياة، قال الشاعر:

إن الفراغ والشباب و الجدة            مفسدة للمرء أي مفسدة

ومن كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) ( اصناف السكر اربعة: سكر الشباب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك)[4] فللشباب نشوة وغرور وطيش يطغى على العقل ويسكر صاحبه فيرتكب الحماقات وينساق وراء الشهوات، والى أن يصحو من هذا السكر، فيكون قد فقد الكثير وتورط في امور يصعب تلافيها وقد يقسو قلبه فلا يكون قابلاً للإحياء بالموعظة و النصيحة، ولذا يجب على الشباب العودة وبسرعة الى طريق الهداية ليقللّوا من الخسائر وليحظوا بالمحبة الالهية ففي الحديث النبوي الشريف ( ان الله يحب الشاب التائب)، قال تعالى : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف : 13] .

لقد احاط الائمة المعصومون (عليهم السلام) هذه الشريحة من الامة بتوصيات كثيرة، لاجتذابهم واحتضانهم وخلق الاجواء والمشاريع المناسبة ليعبروا عن وجودهم واهميتهم ويستفرغوا طاقاتهم ، فأوصوا بمشاورتهم والاستئناس بآرائهم واشراكهم في القرار بما يعرف اليوم بـ(برلمان الشباب) كفكرة بغض النظر عن تطبيقها، فمن وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال ( اذا احتجت الى المشورة في امر قد طرأ عليك فاستبدهِ ببداية الشبان فانهم احدُّ اذهاناً واسرع حدساً، ثم ردّه بعد ذلك الى رأي الكهول والشيوخ ليستعقبوه، ويحسنوا الاختيار له فان تجربتهم اكثر )[5] .

يسأل الامام الصادق (عليه السلام) احد اصحابه الاجلاّء الذين لهم منزلة رفيعة وهو ابو جعفر الاحول الملقب بـ( مؤمن الطاق) وكان المخالفون يسمونه (شيطان الطاق) لقوة حججه وادلتهُ ونشاطهُ في نشر تعاليم اهل البيت عليهم السلام، فسأله الامام (عليه السلام)(اتيت البصرة؟ قال: نعم، قال: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الامر ودخولهم فيه، فقال: والله انهم لقليل، وقد فعلوا وان ذلك لقليل، فقال (عليه السلام): عليك بالأحداث فانهم اسرع الى الخير)[6] .

إننا نتألم حينما نرى الكثير من شبابنا يسقطون وينحرفون ويلتقطون مظاهر الفساد و الانحلال من حثالات الغرب المنبوذين في بلادهم قبل بلادنا، او ينخرطون في جماعات ضالة فاسدة من دون الالتفات الى اجندات اصحابها والاهداف التي يريدون تحقيقها، وقد تكلفهم حياتهم فيخسر نفسه وتخسره الامة وهو في عنفوان العطاء و التألق .

ايها الاحبة: ان لكم دورا مهما في استنقاذ زملائكم واقرانكم وتوجيههم وهدايتهم الى السلوك العفيف النظيف، فانتم تصلون الى ساحات للعمل لا نصل اليها نحن، ومشتركاتكم مع الشباب من اقرانكم أكثر، ولغة التفاهم بينكم اوضح فاستثمروها في كسبهم ولا تضيّعوا هذه الفرصة الثمينة بلطف الله تبارك وتعالى .

 

 

 

 



[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي(دام ظله) مع جمع من طلبة الكليات العلمية والإنسانية في جامعة بغداد يوم الجمعة 22/ع2/1433 الموافق 16/3/2012.

[2]  بحار الأنوار : 77/77.

[3] بحار الأنوار : 77/135.

[4] غرر الحكم : 237.

[5] غرر الحكم : 219.

[6]  بحار الأنوار : 23/236 عن كتاب قرب الإسناد.