خطاب المرحلة (158)... تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال دور العشائر وعراقيي الداخل
تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال دور العشائر وعراقيي الداخل ([1])
كان من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الأمريكان والساسة الذين تقاسموا الأدوار معهم في مؤتمرات لندن وصلاح الدين وغيرها إقصاء الشعب العراقي الذي بقي داخل العراق ولم يغادره تحت أي ضغط وأي ترغيب، وخصوصاً أبناء العشائر الغيارى الذين حفظوا الهوية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية لهذا الشعب الكريم وتكسّرت عند إرادتهم الصلبة كل مؤامرات تغيير معالم الهوية، وكان منها فتح أبواب العراق على مصراعيها في الثمانينات لملايين المصريين وغيرهم وزجّ أبناء العراق الشرفاء في أتون الحروب الصبيانية وبقي الشعب صامداً. وجاءت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 لتكسر قيود الخوف والرعب ولتنطلق الحركة الإسلامية المباركة وتتعاظم، وكان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الأثر الكبير في هذه الحركة.
كل هذا تناساه أو تجاهله العراقيون الذين غادروا العراق لأي سبب كان (ولا أريد أن احكم على وطنيتهم وصدق انتمائهم) وأوهموا قوى الاحتلال أن العراق هم وتقاسموا المناصب بينهم واستغلوا طيبة الشعب العراقي وحسن ظنّه السابق بهم واستظلّوا برداء المرجعية ليواصلوا تهميشهم لهذا الشعب المظلوم بكل ما يزخر به من كفاءات وطنية مخلصة تضاهي ما في أكثر دول العالم تقدماً، ويكفي شاهدٌ واحد على ذلك وهي وقفتهم الشجاعة بعد انتهاء قصف الحلفاء عام 1991 ليعيدوا البنية التحتية من جسور وطرق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية الماء في ظرف أربعة أشهر رغم الحصار الجائر ورغم كرههم للنظام الصدامي الحاكم لكن حبّهم لبلدهم وشعبهم كان رائدهم في هذا المضمار بينما عجز ساسة اليوم ومن ورائهم القوى التي تسمي نفسها (عظمى) ومليارات الدولارات من ثروة الشعب المحروم عن الحفاظ على المتبقي من البلد فضلاً عن الأعمار والتجديد.
ولما انتخت عشائر الأنبار لتأسيس (مجلس إنقاذ الأنبار) اضطر هؤلاء الساسة للاعتراف بدور العشائر في الذود عن كرامة الوطن وحرماته والقضاء على أعدائه وتبعته مجالس إنقاذ في ديالى وكركوك وجنوب بغداد.
في يومٍ ما كان عندي وفد من رموز الحزب الحاكم اليوم وشكوت لهم سوء الأوضاع الصحية والأمنية في منطقة المعامل على طريق بغداد – بعقوبة القديم وطالبتهم بالوفاء لأزيد من نصف مليون إنسان أعطوا أصواتهم لهم في الانتخابات فالتفت احدهم إلى الأخر وقال: أين تقع المعامل؟!
فكيف تتوقع الخير من أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون موقع منطقة يسكنها هذا الجمع الهائل؟
لقد أصبح مصطلح (عراقيي الخارج والداخل) متداولاً وجزءاً من الثقافة المعاصرة ولابد من التعاطي معه ولكن لا بسذاجة خشية الوقوع في الأهداف التي أراد الانتهازيون توظيف المصطلح لتحقيقها وإنما علينا أن نتعاطى معه بعد تهذيبه، إذ من عراقيي الداخل الصداميون وقتلة الشعب، كما لا نريد بعراقيي الخارج كل من هاجر إلى هناك بسبب ظلم صدام وبطشه وعاد إلى بلده بعد أن فرّج الله عنه وعايش هموم شعبه وآلامه وشاركهم في السراء والضراء، وإنما نريد بهم مجموعة القدرين من الخارج الذين امتازوا بالخصائص التالية:
1- أن أحدهم يراعي الانتماء للدولة التي قدم منها وتقيم عائلته فيها إلى الآن ويتمتع بحقوق اللجوء فيها وربما يحمل جنسيتها أكثر مما يراعي الانتماء للعراق بحيث لو تعارضت مصلحة العراق مع مصلحة تلك الدولة فانه يقدم مصلحة الآخرون حتى وان كان في أعلى مواقع السلطة في العراق.
2- إنه يرى السلطة مغنماً له ولمتعلقيه فيسعى بنهم وشراهة لملء جيوبه وزيادة أرصدته ولا يرى في السلطة وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم وخدمة الناس وإعمار البلد.
3- التقوقع في المنطقة الخضراء أو المؤسسة التي غنمها ولا يندمج بالشعب ويعيش معاناته.
4- النظرة الفوقية والاستعلاء عند التعامل مع إخوانه العراقيين الذين رابطوا في أرض العراق ووقفوا في وجه الطاغية حتى ملأ بهم المقابر الجماعية وغياهب السجون.
وهم- أي ما يسمونهم بعراقيي الخارج – يقعون في مفارقة إذ بينما يفخرون بصمود الشعب العراقي وشجاعته في الوقوف في وجه صدام وصبره حتى جعلوا منه كياناً منخوراً سقط بأول ضربة من قوات الاحتلال ويمجّدون الانتفاضة الشعبانية 1991 التي كسرت شوكة النظام ويجوبون الدول طلباً للمساعدات لشعب المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات ينسون أن هذه المآثر إنما سطرها من يسمّونهم عراقيي الداخل وعملوا على إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم.
وقد بدا واضحاً خلال الفترة السابقة للقاصي والداني تعمّدهم الواضح لإقصاء هؤلاء المرابطين، وتحمّل البلد بسبب هذا الإقصاء عدة نتائج منها:-
1- الفشل في إدارة البلد لأنهم غرباء على الشعب والبلد ولا يعرفون التغيرات التي طرأت عليه خصوصا في التسعينات.
2- الاعتماد على أناس مفسدين وغير كفوئين بعد أن أقصوا أبناء البلد الوطنيين المخلصين الكفوئين.
3- استمرار العنف لان الاستئثار والاستبداد الذي مارسه القادمون من الخارج استفّز جزءا كبيراً ودفعهم إلى المواجهة ولا يشمل هذا التفسير التكفيريين والصداميين أعداء الشعب والحياة، فالسياسيون شركاء المجرمين القتلة في المسؤولية عن دماء العراقيين الأبرياء وخراب البلد وتبديد ثرواته.
لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً كبيرا من سمعتها بسبب إصغائها للتقارير المضلّلة التي أغفلت دور الوطنيين الأحرار المخلصين لبلدهم وشعبهم ممن يسمونهم بـ(عراقيي الداخل) ويطلقون عليهم أوصاف الاستصغار والإهانة، وسوف لا يخرجون من مأزقهم إلا بإعطاء دور ريادي لهؤلاء([2])، وإن لم يعطوه اختياراً فسوف يُجبرون عليه، فإن الشعب وعى الحقيقة وعرف المدافعين بصدق وإخلاص عن حقوقه، وأن حل مشكلة العراق يكمن في السير بمشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية أو العرقية ونحوها ويكون لأبنائه الأوفياء الدور القيادي فيه.
قبل أيام صدرت دراسة لأحد الخبراء في الولايات المتحدة امتدت لثلاث سنوات عن مدى افتخار العراقي بانتمائه الوطني فكانت النسبة في العراق 75% بينما يؤكد التقرير أن النسبة في عمان والقاهرة والرياض تتراوح بين 12– 18 %.
إن دوركم يا أبناء العشائر الغيارى محفوظ لا يمكن أن يلغيه أحد وإن تمكنوا لفترة محدودة حين أعمتهم الدنيا وشغلهم الصراع على الكراسي، وسأكون بأذن الله تعالى وفياً لكم كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيّاً للاوس والخزرج حينما وزّع غنائم معركة حنين على الذين اسلموا في فتح مكة من قريش وغيرهم ولم يعطِ للأنصار شيئاً فتأثروا في أنفسهم ظناً منهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضّل قومه عليهم وانه (صلى الله عليه وآله وسلم) سيتركهم ويعود إلى قومه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) مخاطبا الأنصار (أما ترضون أن يعود غيركم بالناقة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه واله) وعاد معهم إلى المدينة، وانتم أبناء العشائر وعموم الوطنيين الأحرار تعودون بالمرجعية الرشيدة حين فرح غيركم بسلطة زائفة زائلة.