خطاب المرحلة (192)... رسالة المرجعية الدينية في النجف الأشرف إلــى النساء الرساليات الأوربيات

| |عدد القراءات : 1152
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 رسالة المرجعية الدينية في النجف الأشرف إلــى النساء الرساليات الأوربيات([1])

 الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربّنا بالحق.

والصلاة والسلام على جميع أنبياء الله ورسله والأئمة الهادين ومن تبعهم بإحسان.

توجد كلمة قصيرة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) تختصر كتاباً في معناها، وهكذا كل كلماته (عليه السلام)، ولا عجب في ذلك فهو تلميذ مدرسة القران الكريم، قال فيها (عليه السلام) (قيمة كل امرئ ما يحسنه) فكلما زاد الإنسان من أعمال الخير والبر والإحسان زادت قيمته عند الله تبارك وتعالى فازداد قرباً من ربّه وقد قال الله تبارك وتعالى: [إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً] (الكهف: 30).

ومساحة الإحسان واسعة تبدأ من داخل النفس الإنسانية بتهذيبها وتنقيتها من الصفات الرذيلة كالحقد والحسد والجبن والبخل والكراهية والأنانية والجهل واتباع الأهواء والشهوات ثم تبدأ النفس الكريمة الطاهرة العفيفة بالإشعاع على الآخرين والإحسان إليهم.

وأتذكّر أنني كنت مرة في الحرم العلوي المطهّر لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ودار في ذهني معنى لكلمته السابقة حاصله أن قيمة كل امرئ هي بمقدار ما يحمل من صفات الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى كالكريم والرحيم والعليم والغفّار والحليم وغيرها فتزداد قيمة الإنسان كلما ازدادت نسبة ما يتحلى به من هذه الصفات.

ولا شك أن الإنسان مهما تكن له من قيمة كفرد فان قيمته تزداد إذا انضمّ إلى غيره لان العمل الجماعي والمؤسساتي يكسب الفرد قيمة إضافية، فعمل مجموعة أفراد أكثر قيمة من مجموع قيم هؤلاء الأفراد متفرقين اضرب لكم مثالاً لو أن دورة كتب معينة تتألف من عشرة مجلدات فان قيمة الدورة الكاملة أثمن من مجموع قيم كل جزء على حدة لو وُجِد منفرداً لأن الانضمام بحد ذاته له قيمة إضافية.

فالانخراط في العمل الجماعي زيادة في الإحسان وقد وعد الله تبارك وتعالى في الآية المتقدمة انه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ونحن في هذه الدنيا نطمح إلى تحقيق اكبر مقدار ممكن من الأعمال الصالحة لنزداد قرباً من الله تبارك وتعالى ونزداد قيمة عنده، فالدنيا مزرعة الآخرة ومتجر الأعمال الصالحة.

والعمل الجماعي لكي يكون مثمراً لابد أن يكون منظماً وتوزَّع فيه المسؤوليات بدقّة ويوضع له برنامج عمل يسير عليه وفق الإمكانيات المتاحة والظروف المتيسرة.

أيتها الأخوات الفاضلات المجتمعات في المؤتمر النسوي المنعقد في ألمانيا:

إننا في النجف الأشرف عاصمة العلم والفكر نتطلّع إليكنّ في نشر مبادئ الإسلام النقي لتنقذوه من التصرفات المشينة التي ارتكبت باسمه ظلماً وزوراً، ونعرض قدراتنا العلمية والفكرية في خدمتكم جميعاًً لتؤدوا هذه الرسالة العظيمة التي اختاركنّ الله بفضله لأدائها، وستجدون أنفسكم حينئذ قادرين على إنقاذ شبابنا وشاباتنا الأوربيين من الانخداع ببعض الأفكار الضالة التي تؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة، كتلك الفتاة البلجيكية التي أسلمت ثم غذوها بالأفكار التكفيرية فجاءت إلى العراق وفجّرت نفسها لتقتل الأبرياء من النساء والأطفال، ولو قُدَّر لهذه الفتاة أن تقع بين أيدي أمينة تخاف الله تبارك وتعالى كحضراتكن فإنها لم تكن لتقع في هذه الجريمة الشنيعة.

إن إحدى مسؤوليات المرجعية الدينية التي هي امتداد لدور الائمة المعصومين (عليهم السلام) في حياة الأمة رعاية الناس وهدايتهم وإرشادهم لما فيه صلاح الدين والدنيا، لكنها وحدها لا تستطيع أن تقوم بهذه المهمة الواسعة مالم يتعاون معها العاملون الرساليون المخلصون الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله [الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ] (الأحزاب: 39).

وتتوسم المرجعية في النجف الأشرف فيكّن أن تكونوا ممن عناهم الله تبارك وتعالى في هذه الآية الشريفة، وتتحقق أفضل النتائج حينماً نتحرك جميعاً بعمل مشترك وحينئذ ستجدون الألطاف الإلهية ترعاكم وتنمي عملكم بشكل لا تتوقعونه، وسوف يمتد إحسانكم ليغطي غير المسلمين أيضاً ويتجاوز الحدود الألمانية إلى العالم كله خصوصاً إذا استثمرتم تكنولوجيا الاتصالات المتطورة اليوم وانفتحتم على أكبر عدد من الزملاء والأخوان.

وسوف تعترض عملكم عقبات وأشواك والذي يهوّن الخطب عليكم أنها حالة طبيعية واجهها كل الأنبياء والرسل والمصلحين وتستطيعون التغلب عليها بإخلاصكم لله تبارك وتعالى وبالصبر وبالحفاظ على وحدتكم وإلفتكم وعدم السماح لاختلاف وجهات النظر بينكم في أن تكون سبباً للخلاف بينكم.

وأرشدكم إلى ثلاثة كتب تنفعكم في عملكم الرسالي ألفتها وأودعت فيها خلاصة فهمي للمسيرة الإصلاحية لنبيّنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) من بعده وهي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و(دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و(شكوى القرآن) والتي سنسعى إلى ترجمتها إلى اللغة الألمانية ليتيسر لكم الاستفادة منها باذن الله تعالى.

 أيتها الأخوات الفاضلات:

أنا أعلم أن رسالة مختصرة كهذه لا تكفي لشرح كل تفاصيل العمل، لكن عذري الذي أقدمه لكم هو رعاية وقت المؤتمر والبرنامج المكثّف للمشاركات فيه، ولأني أأمل أن أتواصل معكن عبر موقعنا على الانترنت، وسأكون شاكراً لكنَّ كلما استطعت أن أقدّم خدمة أكبر.

والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته

[وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].

 

محمد اليعقوبي -  النجف الأشرف

6 ربيع الأول 1429

14/3/2008



([1])  عزمت ثلة من المسلمات الألمانيات اللواتي وُفّقنَ للعمل الرسالي على عقد مؤتمر نسوي يوم 24/4/2008 تشارك فيه الأخوات المؤمنات المنتشرات في أقاليم ألمانيا وهنّ من جنسيات أوربية وعربية وإسلامية لمناقشة عدة قضايا ترتبط بتوحيد عملهن وتوزيع المسؤوليات بينهن ومواجهة التيه العقائدي وخصوصاً المنهج التكفيري، ومناقشة وضع المسلمين في ألمانيا والدفاع عن الإسلام وإظهار صورته المشرقة وحوار الأديان وإنشاء المدارس الخاصة بالشباب والأطفال ومناهج التعليم كما يبرز المؤتمر أهمية المرجعية الدينية ودورها في حياة الأمة، وما ينتظره المسلمون في ألمانيا وعموم الغرب من مرجعيتهم في النجف الأشرف.

وقد أبدى بعض منظمي المؤتمر الرغبة في مشاركة المرجعية بكلمة تعبر فيها عن استعدادها لاحتضان هذا العمل المبارك والتواصل مع العاملين فكانت هذه الرسالة من سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) التي ترجمت إلى الألمانية وألقتها في المؤتمر الذي عقد في التاريخ المذكور أختٌ ألمانية مؤمنة هي زوجة أحد الإخوة المؤمنين العراقيين المقيمين في ألمانيا.