خطاب المرحلة (194)... احذروا عرض أعمالكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

| |عدد القراءات : 1150
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله ا لرحمن الرحيم 

احذروا عرض أعمالكم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)([1])

ورد في رواية معتبرة عن الإمام الصادق أنه قال: (ما لكم تسوؤن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال رجل : كيف نسوؤه؟ فقال : أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه).

وفي رواية أخرى عنه قال : (تُعرض الأعمال على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أعمال العباد كلَ صباح أبرارها وفجارها فاحذروها وهو قول الله تعالى: [اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ] وسكت )([2]).

أقول مادام الأمر كذلك وتعرض أعمالنا أولا بأول على رسول الله والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم )، فماذا سيجدون في أعمال أمتهم اليوم؟ وكم يكون الالتفات إلى هذه الحقيقة مؤثراً على مراقبتنا لأنفسنا والمحاسبة على ما يصدر منها؟ لا شك إن أعمال الأمة اليوم سيئة تؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يطلع عليها ويرى فيها كيف غلب حب الدنيا على أمته حتى انتهكت المقدسات وارتكبت المحرمات، وهذه مدينة الصدر ببغداد أحد الشواهد حيث بلغ عدد ضحايا المواجهات([3]) المستمرة منذ أكثر من شهر أكثر من ألف قتيل وثلاثة آلاف جريح وشرِدت آلاف الأسر ويعاني مليونا إنسان الأمرّين.

يقول أمير المؤمنين في أحدى مواعظه (عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لا يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إلا إِدْبَاراً وَلا الشَّرُّ فِيهِ إلا إِقْبَالا وَ لا الشَّيْطَانُ فِي هَلَاكِ النَّاسِ إلا طَمَعاً فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ وَ عَمَّتْ مَكِيدَتُهُ وَ أَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ).

ثم يصنف الناس إلى عدة أصناف فيقول (اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ فَهَلْ تُبْصِرُ إلا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً).

ثم يتأسف لندرة الصالحين في الأمة ويهزأ بمن يمنّي نفسه بالجنة من دون عمل صالح فيقول عليه السلام (أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَ الْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَ لَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ وَ هَلْ خُلِقْتُمْ إلا فِي حُثَالَةٍ لا تَلْتَقِي إلا بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فلا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ وَلا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ هَيْهَاتَ لا يُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ وَلا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إلا بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اللَّهُ الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ وَ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ).

ونجد كلمات أمير المؤمنين عليه السلام صادقة على المجتمع اليوم والناس هم الناس والتصنيف منطبق عليهم. فنسمع أن في البصرة بعد أن منَّ الله عليهم بالخلاص من سطوة العصابات المسلحة وجرائمها انتشرت الخمور على أرصفة الشوارع وأصبحت علامة النصر المزعوم المجاهرة بمعصية الله تبارك وتعالى وسبّ العلماء والمباهاة بفعل المحرمات فهذا نموذج لمن بدّلو نعمة الله كفراً، قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ] (إبراهيم: 28-29).

 

أيها الأحبة:

إنكم بارتدائكم الزي الديني يعني إنكم تقدمتم خطوة كبيرة في العمل الرسالي والدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإصلاح المجتمع وهدايته وقد وصفت هذه الخطوة في بعض كلماتي بأنها اكبر منعطف في حياتكم المعنوية حيث ستنظرون للحياة بمنظار أكمل وأوسع وأسمى وستكونون أكثر تعرضا للألطاف الإلهية كلما تكونون أكثر استعداداً لتلقيها وأكثر شعوراً بالمسؤولية. ووجودكم في بغداد وفي بغداد الجديدة بالذات يعني أن التحديات أمامكم كبيرة والفتن المحيطة بكم كثيرة ومتنوعة.

قبل أيام اطلعت على خبر في إحدى شبكات الانترنيت أن أمانة العاصمة وافقت على تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها عدة هكتارات قرب المنطقة الخضراء لإقامة مدينة لهو وتسلية وترفيه لمستثمر أمريكي هو صاحب مدينة (ديزني لاند) للتسلية وسيستثمر (500) مليون دولار في المشروع وقد عبر المستثمر عن فرحه بهذه الفرصة الجيدة للاستثمار في العراق. تُرى كم تمثل هذه المدينة من تحدٍ للأخلاق والبنية الاجتماعية وللاقتصاد حيث تستنزف ملايين الدولارات يومياً على اللعب واللهو كالذي نسمعه عن مدن اللهو في دول الخليج والأردن ومصر والمغرب العربي وغيرها؟ وكم تسبب من انهيار للأخلاق والتفكك الأسري بسبب الممارسات اللامشروعة  وغيرها، والغريب أن يخرج الناطق باسم الحكومة ليرحّب بإقامة المشروع للحاجة إلى لهو وتسلية ! وكأنه لا توجد حاجة لاستغلال هذه الأرض الواسعة لبناء وحدات سكنية لذوي الشهداء وضحايا الإرهاب والفقراء والمحرومين الذين تغص بهم دور ضيقة متهالكة تفتقد أبسط الخدمات ! !

 

أيها الشجعان:

إن إصراركم على طلب العلم والوصول إلى هذه المرتبة الشريفة أوجب استحقاقكم الانتماء لهذا المسلك المبارك الذي لا ينهض بمسؤولياته إلا ذو حظ عظيم:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم        وتأتي على قدر الكرام المكارم



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع ثلة من طلبة جامعة الصدر الدينية / فرع بغداد الجديدة الذين ارتدوا الزى الديني يوم 22 ع2 1429 المصادف 29/4/2008.

([2]) أصول الكافي /ج1 / كتاب الحجة / باب عرض الأعمال على الله والأئمة (صلوات الله عليهم).

([3]) إشارة إلى المعركة التي قادها رئيس الوزراء نوري المالكي وبمساعدة الأمريكان للقضاء على الجماعات المسلحة المنتمية إلى بعض التيارات السياسية وأطلق عليها اسم (صولة الفرسان) وقد بدأت من البصرة يوم الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429 المصادف 25/3/2008 وكان مع رئيس الوزراء في قيادة العمليات وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني والعدل وكالة والقادة العسكريون، وامتدت المعارك مباشرة إلى العديد من المدن العراقية وحصلت مواجهات عنيفة بين المسلحين والقوات الأمنية دفع فيها الأبرياء من المدنيين ثمناً باهظاً من الأرواح والممتلكات وكانت الأعنف والأطول في مدينة الصدر ببغداد ولم تتوقف إلا في يوم 12 جمادى الأولى 1429 المصادف 18/5/2008 بعد اتفاق من عدة نقاط بين ممثلي كتلة الائتلاف العراقي الحاكم والتيار الصدري.