خطاب المرحلة (254)... من البلاء ما تستطيع دفعه بنفسك

| |عدد القراءات : 1269
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

من البلاء ما تستطيع دفعه بنفسك (1)

 كلنا أصحاب حوائج ندعو الله تبارك وتعالى قضاءها، فالبعض يعاني من مرض ويسأل الله الشفاء والعافية، وآخر حرم من الذرية ويسأل الله تعالى أن يرزقه ذرية صالحة، وآخر يمر بضيق وشدة ويدعو الله تعالى بالفرج، وآخر يعاني من فقر وصعوبات مالية ويدعو الله تعالى بالغنى وسدِّ الحاجة، ونحوها كثير مما لا يخفى عليكم.

ولكن الذي يخفى على الكثيرين أن جملة من هذه الصعوبات التي يمرّ بها الإنسان هي من صنعه وكسب يديه، فلو أراد التخلص منها فليتجنب الأسباب التي أدّت إليها.

قال تعالى: [ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] (الروم:41) والباء هنا سببية أي بسبب ما كسبوا، وإن ما حصل لهم هو نتيجة لبعض ما جنت أيديهم، وإلا فإن استحقاقهم أكثر لكن الله تعالى يعفو بكرمه وحلمه عن كثير، قال تعالى [أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ] (الشورى:34) أي يهلكهن –وهي السفن في البحر- بأهلهن بإرسال الرياح العاتية عليها بما كسبوا من الذنوب، ولكن الله تعالى يعفو عن الكثير وقال تعالى [وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ] (الشورى:30).

والخلاصة أن كثيرً من البلاء يستطيع الإنسان دفعه قبل حصوله، وليس فقط دفعه بعد حصوله من خلال اجتناب مسبّباته، ولكن الإنسان لا يلتفت إلى هذه الحقيقة، أو لا يلتفت إلى ما تكسبه يداه من أعمال، وإذا التفت فإن الكثيرين يستصغرون ما يصدر منهم ولا يقدّرون عواقبها، بينما حذر المعصومون من الاستهانة بالذنوب (لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر لمن عصيت)، فيتساهلون فيما يصدر منهم من كلام مع أن كلمة غير مسؤولة قد تقال هنا وهناك تسبّب سفك الدماء وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل وكما يتساهلون في التجاوز على المال العام، الذي هو ملك عموم الناس الذين هم أيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المقطوعون عن إمامهم فمن أكل أموالهم كان مشمولاً بالآية الشريفة [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً] (النساء:10)، ولكي نقرب فكرة أن خطأً بسيطاً قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما يحصل أحيانا من أن غفلة صغيرة من سائق السيارة أو التفاته تؤدي إلى حادث مفجع.

ولذلك تجد في الكثير من الأدعية أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يعلموننا الاستغفار مما نعلم ومما لا نعلم من الذنوب، وما ظهر منها وما بطن.

وهنا نبيّن عدة ملاحظات لإيضاح الفكرة المتقدمة:

1- إن بعض البلاء يجريه الله تعالى على عباده الذين اصطفاهم ليرفع درجاتهم ولينالوا المقام  المحمود عند الله تعالى قال تعالى [وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً] وفي أخبار مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) إن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: إن لك عند الله مقامات لن تنالها إلا بالشهادة فهذا نوع آخر من البلاء لا  تجري فيه الفكرة السابقة.

2- إن الله تبارك وتعالى حينما يؤاخذ العباد ببعض ذنوبهم فليس ذلك انتقاماً منهم سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً وإنما يريد لهم الخير وما يصلح حالهم فقد يكون الفقر أصلح لحال شخص من الغنى لأن الغنى يبطره ويبعده عن الله تعالى ويوقعه في المعاصي، ويحرم آخر من الذرية لأنه لو رزق منها لكانت شريرة وبالاً عليه بسبب الظروف المحيطة بهم وهكذا. 

نعم إن الله تعالى ينتقم من الظالمين لتعد يهم على الآخرين، ولو كانت ذنوبهم بينهم وبين الله تعالى لكان لها حساب آخر.

3- بعض الذنوب اجتماعية  عامة لا تقتصر في آثارها على مرتكبيها فقط بل تشمل كل الناس حتى الصالحين قال تعالى [وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً] ومثل هذه الابتلاءات يدفع ضريبتها ناسٌ لم يكونوا السبب فيها.

فهذه العواصف الترابية التي تحصل ويقال أنها ستستمر لسنين طويلة بسبب التصحر، وهذا الجفاف في الأنهار، وهذا الارتفاع في درجات الحرارة كلها بسبب حماقات وسياسات ظالمة لبعض المتصدين لكن شرها عمّ الجميع وإن كان أكثر الناس يستحقون ذلك لأنهم هم من انتخب أولئك الحمقى الأنانيين وأجلسوهم في مواقع المسؤولية.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع طلبة جامعة الصدر الدينية فرع السماوة، وموكب عشاّق الحسين (عليه السلام) من الناصرية الذين زاروا سماحته يوم السبت 6  رجب 1431 المصادف 19/6/ 2010.