خطاب المرحلة (305)... التحديات التي واجهها الإمام الرضا (ع)

| |عدد القراءات : 2489
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

التحديات التي واجهها الإمام الرضا (ع)(1)

          لقد واجهت الإمام الرضا (ع) مجموعة معقدة من التحديات وبمختلف الاتجاهات، أحدها باتجاه السلطة التي بلغت ذروة النفوذ والاتساع في الإمكانات البشرية والمادية والعسكرية في عصري هارون والمأمون العباسيين وكانت ترى في الأئمة (ع) الضد النوعي والبديل المعارض فتراقبه وتحاصره وتحسب عليه أنفاسه.

          والتحدي الآخر كان الانفتاح الفكري والعلمي على الحضارات الأخرى كالإغريق والرومان والصين والهند والفرس حيث اتسعت حركة الترجمة وتبادل الإرث العلمي وسادت روح الإعجاب بتلك الحضارات ونقل آثارها وتجاربها وكثير منها مناقض للدين ويطرح نظريات تعارض عقيدة الإيمان وتدعو إلى الإلحاد والكفر بالرسالات السماوية وكان لها مروّجون ودعاة، فوقف الإمام (ع) لهم بالمرصاد وناظرهم وأبطل نظرياتهم، وقد حفل كتاب الاحتجاج للطبرسي بجملة من تلك المناظرات، التي كانت مظهراً من مظاهر (صراع الحضارات) الذي يتبنونه اليوم.

          والتحدي الثالث هو انهيار القيم الأخلاقية وانتشار الفساد والخلاعة والمجون ومجالس اللهو والطرب وكانوا يتقربون إلى السلطة بالجواري والمغنين والغلمان ليحظوا بالجوائز والامتيازات ولسعة هذه الحالة في ذلك العصر، ألّف أحدهم كتاباً من عدة مجلدات اسمه (عصر المأمون) يتناول جوانب الحياة في ذلك العصر.

          مضافاً إلى ذلك فقد واجهته (ع) مشاكل وتحديات داخل الكيان الشريف أي من داخل أتباع مدرسة أهل البيت (ع) وأحدها الانشقاق الداخلي الذي تحوّل إلى فرقة اسمها (الواقفة) اقتطعت جزءاً مهماً من علماء المدرسة ورواتها وقواعدها، وأضيفت إلى قائمة الفرق المنشقة (الزيدية) التي قالت بإمامة زيد بن علي السجاد (ع) دون الإمام الصادق (ع)، و (الفطحية) الذين قالوا بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق (ع) دون أخيه موسى بن جعفر (ع)، وكانت الواقفة تقول بعدم وفاة الإمام موسى بن جعفر (ع) وبالتالي فإن علي بن موسى ليس إماماً ولا نسلّم ودائع أبيه الضخمة إليه ولا نرجع إليه في الأحكام والمواقف العامة.

          ومن التحديات الداخلية التشكيك بالإمام (ع) وقراراته فجعلوا من أنفسهم قيمين على الإمام ولا يطيعونه إلا عندما يتبع إرادتهم ويأخذ بمواقفهم، كالذي حصل عند وقوع الصراع بين الأمين والمأمون على السلطة، واستطاع المأمون خداع جملة من الشيعة لينضموا إليه من دون الرجوع إلى الإمام (ع) من باب دفع الأفسد بالفاسد، أو أن المصلحة تقتضي ذلك فجعلوا من أنفسهم وقوداً لهذه الحرب الشيطانية بحماقتهم وغرورهم، ولما انتصر المأمون جازى الشيعة بكل بطش وقسوة وقتل إمامهم و إمام الخلق أجمعين الرضا (ع).

          هذا كله والإمام لا يستطيع أن يقول كل ما عنده وإنما يكتفي  بالإشارات والتوجيهات العامة لأن السلطات تتربص به الدوائر وتكيد له، وهو لا يبخل بنفسه على الله تبارك وتعالى لكنه صاحب رسالة ومشروع إلهي، ولا بد من البقاء للمضي فيه ولم ينتهي دوره حتى يقدم على الشهادة التي أقدم عليها بكل طمأنينة حينما حلّ وقت البديل.

          وشككوا بصحة إمامته من جهة عدم وجود ولد له، ولابد للإمام أن يكون له خلف من أهله، وقد تأخرت ولادة الإمام الجواد (ع) إلى سنة 195هـ والإمام الرضا (ع) في السابعة والأربعين من العمر، ثم اتهموه بصحة انتساب ولده الجواد (ع) وطلبوا التحاكم إلى القافة –من القيافة وهي فراسة إحراز التشابه بين شخصين لإلحاقه به وكانوا في الجاهلية يعتمدونها لإثبات الأنساب-، وإذا علمنا أن الإمام الكاظم (ع) استشهد سنة 183 فهذا يعني أن الإمام الرضا قضى (12) سنة من إمامته بهذه التشكيكات حتى ولد ابنه الجواد (ع)،.

تعرضنا على نحو الاختصار لهذه المحطات من حياة الإمام الرضا (ع) لنعيش معه همومه وآلامه ومسؤولياته بمقدار فهمنا وإدراكنا، ولنعلم أن هذه الأحداث ليست تاريخاً يقرأ على المنابر لاستدرار العواطف وإنما هي دروس نستفيد منها في حياتنا الحاضرة.

          فكم من اتباع أهل البيت (ع) وقفوا إلى جانب الاحتلال الأمريكي والغربي عام 2003 بحجة دفع الأفسد وهو صدام – بالفاسد ولا أدري ما الذي جعلهم يعتقدون ذلك؟

          وكم من أتباع أهل البيت (ع) وضعوا أيديهم بأيدي الإرهابيين القتلة بعنوان مقاومة المحتل ونحوه فنشروا الخراب والدمار وأهلكوا الحرث والنسل ونخروا كيان الدولة وضاع الشعب وثرواته ومؤسساته بين هذا وذاك.

          أما التشكيك بالمرجعية والقيادة فمستمر. لماذا لم تفعل كذا، ولماذا فعلت كذا؟ وهل تعلم بكذا أو لا تعلم وكأنهم هم القيمون عليها وأن المرجعية أُمرت بطاعتهم لا العكس.

          ونتيجة هذا التشكيك التقاعس والتخاذل والتنازع والتمرد وهي أسباب لانهيار الكيان واضمحلاله [وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال:46) والأمة هي التي تدفع ثمن هذه النتائج كما تشهد به وقائع التاريخ.



([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع ممثلي هيئة المواكب الحسينية في الناصرية يوم السبت 23/ذ.ق/1432هـ المصادف 22/10/2011.