كيف نكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم)
بسمه تعالى
كيف نكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم)[1]
كلّنا نخاطب الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه البررة بألسنتنا ووجداننا (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) ونتأسّف أننا لم نكن من أولئك الجيل الذي عاصر المعصومين (عليهم السلام) وتشرّف بلقائهم وفاز بنصرتهم ونال الشهادة بين أيديهم.
ونحن نعتقد أنّ الله تعالى عادل يعطي فرصاً متكافئة لعباده حتّى يتقرّبوا بها إليه، فهل أنّ الله تعالى حبى ذلك الجيل بهذه الفرصة وحرمنا نحن منها؟ هذا خلاف هذه الحقيقة الثابتة، فما هي فرصتنا التي تناسب ذلك؟ أنّها أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
من كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (وما أعمال البرّ كلها، والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لُجّي).
والنفثة هو مقدار اللعاب الضئيل الذي يصاحب نفخ الهواء من الفم، وهو مقدار يسير فما قيمته إلى البحر العميق الواسع المتلاطم كالمحيطات، هذه هي نسبة أعمال البرّ كلّها وبضمنها الجهاد في سبيل الله إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الجهاد الذي وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه بابٌ من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو درع الله الحصينة وجنّته الواقية، والذي نخاطب أصحابه (يا ليتنا كنّا معكم) تتضائل قيمته أمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الفرصة العظيمة متاحة لنا ونستطيع أن نعوّض من خلالها ما فاتنا من نصرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
بل أنّ إحياء هذه الفريضة هو تلبية لنداء الإمام الحسين (عليه السلام) وتحقيق لغرضه الذي خرج من أجله (وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله) لأأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فالقيام بهذه الوظيفة نصرة فعلية للإمام الحسين (عليه السلام).
هذه الفريضة التي ضيّعتها الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة، وكان ثمن التضييع باهظاً: استشهاد الصديقة الزهراء (عليها السلام) وإقصاء الإمام الحق أمير المؤمنين عن مقامه الذي وضعه الله تعالى فيه.
إنّ مشاكلنا كثيرة، ولكنّكم لو حللتموها لتصلوا إلى أسبابها لوجدتم أصل كل المشاكل سواء كانت أخلاقية أو اجتماعية أو عقائدية أو سياسية أو اقتصادية... ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحلول هذه المشاكل كلّها يبدأ من إحياء هذه الفريضة المباركة، فإنها الأصل في الحل سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، فكل الخير في العودة إليها وكلّ الشر في تركها وتضييعها.
وموارد هذه الفريضة على شكلين:
1- المعروف والمنكر على الصعيد الفردي كشخص لا يصلّي فتأمره بالصلاة أو يشرب الخمر فتنهاه عنها أو لا يدفع الخمس والزكاة فتدعوه إلى الالتزام بهما أو امرأة سافرة فتأمرها بالحجاب.
2- المعروف والمنكر على المستوى الاجتماعي: وذلك حينما يتحوّل المنكر إلى ظاهرة اجتماعية متفشيّة في المجتمع، خصوصاً إذا أصبح فعله معتاداً لا يستنكره أحد، بل ربّما يستهجن فعل الناهي عنه.
وكلّما اتّسعت دائرة المنكر وازدادت خطورته كانت المسؤولية عن تغييره أكبر والأدوات المستعملة أقوى وأكثر فاعلية، فإذا كان كافياً ردع المنكر من المستوى الأول بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنّ الثاني يحتاج إلى خلق وعي اجتماعي ضاغط وحركة جماعية من الخطباء والعلماء والمثقّفين ووسائل الإعلام.
وحاصل الكلام أنّنا كلّنا مسؤولون عن القيام بهذه الوظيفة المباركة وان اختلف حجم المسؤولية ونوعها من واحد لآخر، وهي فرصة لكلّ واحد منّا ليكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) حقاً وصدقاً، خصوصاً داخل المجتمع النسوي وفي أوساط الشباب.
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع عدة وفود من مختلف المحافظات يوم السبت بتاريخ 20/ع1/1434 الموافق 2/2/2013.