معاني القرآن لا تنتهي
معاني القرآن لا تنتهي[1]
وصف النبي (ص) القرآن بأنه (لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه) فالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لأهل البيت (عليهم السلام) غنية بالمعاني وعميقة الفهم، وهي متجدّدة ومفتوحة لا تنتهي، وكل جيل من العلماء يأتي يبين شيئاً يسيراً منها وما يخفى عليه أكثر بكثير، ويأتي الجيل الآخر ويغترف منها شيئاً وهكذا من دون أن تنتهي تلك المعاني.
وقد يستغرب البعض كيف يكون لكلام مؤلف من هذه الحروف الثمانية والعشرين في اللغة العربية التي نتداولها يمكن أن تكون لها هذه السعة من المعاني، وهذا الاستغراب منشأه القصور والتقصير في معرفة معاني القرآن الكريم وعدم الالتفات إلى من أودعها في هذه القوالب اللفظية وقدرته وعظمته وعلمه.
واضرب لكم مثالاً قد يعرفه طلبة الحوزة العلمية أكثر من غيرهم وهي ما يعرف بقاعدة الاستصحاب التي هي من أهم الأبحاث المعمّقة في علم الأصول وكتبت فيها مجلدات ولا زال البحث فيها مستمراً والتفريعات تتكثر، واصلها حديث من ثلاث كلمات للمعصوم (عليه السلام) ( لا تنقض اليقين بالشك)، أي إذا كنت على يقين من حالة معينة ككونك على طهارة أو أن زيداً حيّ، فتبني على هذا اليقين وترتّب آثاره حتى لو حصل لك شك فيها ولا تنقض حالة اليقين إلا بيقين مثله، هذه الكلمات أصبحت محوراً لإبحاث معمّقة تملأ مجلدات ولازال البحث فيها مفتوحاً، فإذا كانت ثلاث كلمات في علم ظاهري تفتح هذه الآفاق الواسعة للبحث، فماذا سينفتح من علوم ومعارف إلهية من كلمات القرآن الكريم وانى للبشر استيعابها وبلوغ كنهها؟
لذلك تجد العلماء لا يتوقفون عن التدبر في آيات القرآن الكريم واكتشاف ما يهتدون إليه من معانيها وإيداعها في التفاسير، ومع ذلك لا زالت حقائقه كثيرة خافية على العلماء فضلاً عن غيرهم، وحكي عن السيد الطباطبائي (قده) صاحب تفسير الميزان قوله اننا نحتاج في كل سنتين إلى تفسير، وقد أنهى (قده) تفسيره في عشرين عاماً فهذا يعني أن محاولات التفسير لابد أن تكون متعدّدة ومتواصلة في الجيل الواحد فضلاً عن الأجيال المتتالية.
إننا نشهد في هذا العصر نهضة قرآنية لا بأس بها ونسأل الله تعالى ان يوسّعها ويزيدها، لكنها غالباً تقتصر على التجويد وتحسين الصوت ومخارج الحروف والنغمات ونحوها، وهذا شيء جيدٌ في نفسه لأن حلية القرآن الصوت الحسن، لكن الاقتصار عليه والوقوف عنده من دون الانطلاق إلى فهم معاني القرآن الكريم واكتشاف أسراره ومعرفة حدوده يكون خطوة ناقصة نحو الكمال المنشود.
[1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع المؤسسة القرآنية في الغزالية ببغداد يوم الخميس 23/ج1/1434 المصادف 4/4/2013.