الدولة الكريمة والفرج الحقيقي يبدأن من داخل النفس

| |عدد القراءات : 3134
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

حينما نطلب في الدعاء (اللهم انا نرغب إليك بدولة كريمة...) فهذا لا يعني أن أملنا يتحقق ودعاءنا يستجاب بقيام حكومة يترأسها وتضمّ رجالاً يرفعون لافتات اسلامية أو يتظاهرون بالارتباط بالمرجعية الدينية، وإنما تتحقق الدولة الاسلامية بأن نعيش الإسلام في كل تفاصيل حياتنا ونحكّمه في كل أمورنا وقضايانا وتصرفاتنا {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}النساء65،وهذا واضح من أوصاف هذه الدولة في الدعاء (تُعزُّ بها الإسلام وأهله، وتُذلُّ بها النفاق وأهله) فلا تكون الدولة كريمة الا حينما يكون رعاياها أحراراً يعيشون بعزة وكرامة وأعداؤهم أذلاء مقهورين.

وقد يتحقق هذا المعنى للدولة الكريمة عند المؤمنين وهم بعيدون عن الحكم وليس لهم في السلطة نصيب، كما كان عند أهل البيت (سلام الله عليهم) ومن الشواهد على ذلك_وإن كانت القضية لا تحتاج إلى شاهد_ ما روي عن الإمام الهادي (عليه السلام) لما جلبه المتوكل العباسي من المدينة إلى سامراء وانزله خان الصعاليك فدخل عليه احد أصحابه وبكى رقة لحال الإمام (عليه السلام) حيث لم يكتفِ الظلمة بجلبه وإبعاده عن مدينة جده (صلى الله عليه واله وسلم) حتى انزلوه هذا المكان البائس فهوّن عليه الإمام (عليه السلام) وكشف له عن بصره فرأى جناناً وانهاراً ومناظر خلاّبة وقال له: (أين ما نكون نحن ففي هذه).

وهكذا فحينما ندعو لإمامنا المهدي (عليه السلام) بالفرج وتعجيل الظهور فان الفرج الحقيقي يبدأ من داخل أنفسنا حينما نهذّبها بطاعة الله تبارك وتعالى وتسير نحو الكمال، وإلا فما الذي نجنيه من ظهور الإمام (عليه السلام) إذا لم نحقق هذه الدرجات في داخلنا؟ ربما سنكون في الصف المعادي له أو مع المتخاذلين عن نصرته حرصاً على مصالح دنيوية او وضع اجتماعي او مكاسب سياسية ونحوها.

فالدولة الكريمة والفرج يبدأن من داخل النفس ثم يشرقان على الآخرين فإذا عاش المجتمع أجواءاً إسلامية وكان سلوكه إسلامياً، وتفكيره مبنياً على أساس الإسلام فهذه هي الدولة الكريمة وهذا هو الفرج الحقيقي.

وهذا لا يتحقق الا بمواصلة العمل الدؤوب على صعيد تهذيب النفس وعلى صعيد إقامة المشاريع الاسلامية الإصلاحية في المجتمع وإدامتها وأن لا يكتفي بالعمل الارتجالي الذي دافعه وهج العاطفة أو ردود الأفعال وعلينا أن نفهم الأعداء قبل الأصدقاء من الكبار والصغار، إن اندفاعة هذا الشعب الكريم نحو الإسلام ونشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ليس رد فعل على طول حرمانهم من ممارسة شعائرهم من قبل الطواغيت كما ربما يصوّر البعض، ولا إنها فرار من الواقع المرير وتعلّق بالغيب للشعور العميق بالإحباط واليأس كما يصوّر البعض الآخر، وإنما هو نزوع نحو الكمال مبني على القناعة والمعرفة، ولا يمكن إيصال هذه الرسالة إلا بإدامة هذه المشاريع المباركة وبذل الوسع في تأصيلها وترسيخها.


* ونشرت في العدد 71 من صحيفة الصادقين