خطاب المرحلة: (338) المباركة الشرعية لعمل المنظمات الخيرية والإنسانية

| |عدد القراءات : 1144
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المباركة الشرعية لعمل المنظمات الخيرية والإنسانية (1)

من الواضح لدى كل متشرع: الحث الأكيد على الإنفاق في سبيل الله، لتكرّره كثيراً في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، نذكر منها قوله تعالى في مضاعفة أجر الصدقة والإنفاق في سبيل الله إلى حد لا يعلمه إلا الله (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) (البقرة/261) وقال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) (آل عمران 133-134).

ولكن الله تعالى يعلم أنه ليس كل الناس قادرين على الإنفاق، أو انهم ينفقون مما رزقهم الله تعالى لكنهم يريدون المزيد من الثواب عند الله تعالى، وهو سبحانه عادل لا يحرم أحداً من فرصة الطاعة، فجعل بكرمه لمن يسعى في إيصال الصدقة إلى مستحقها نفس الأجر الذي يستحقه معطيها.

قد يقال بأنه كيف يتساوى ثواب من يتوسط بإيصال المال إلى المستحق مع ثواب من يدفع هذا المال الذي تعب في تحصيله. والجواب بوجوه:

1-       إن ذلك ممكن بلحاظ كرم الله تعالى ولطفه ولا إشكال فيه ما دام المنفق لا ينقص من أجره شيء.

2-      إن هذه المساواة بلحاظ أصل الاستحقاق ويبقى للمنفق سابق الفضل فيضاعف الله له ما يشاء كما نطقت الآية الشريفة.

3-   إن المنفق يرجع إليه مثل أجور المتوسطين في إيصالها مضافاً إلى أجره، لأنه هو الذي وفّر لهم هذه الفرصة فيكون مصداقاً للحديث الشريف (من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

4-   انه لا يحق لنا الإشكال والتساؤل ما دامت الروايات قد نطقت بهذا المعنى، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله (من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها، من غير أن يُنقص من أجره شيء)([2]) وقوله (صلى الله عليه واله) (لو أن الصدقة جرت على يدي سبعين ألف ألف إنسان، كان أجر آخرهم مثل أجر أولهم).([3])

وهذا بالضبط ما تقوم به المنظمات الإنسانية والخيرية من جمع التبرعات و إيصال المساعدات إلى المحتاجين، ويكون المشرّع الإسلامي قد سبق بأربعة عشر قرناً العالم المتحضر اليوم الذي يدعو إلى تأسيس منظمات المجتمع المدني ويفتخر بها، مع الفارق بين العملين بإخلاص النوايا ومصداقية العمل والأمانة على ما بأيديهم.

وبهذا فقد تحقق أكثر من حافز لتأسيس هذه المنظمات الإنسانية والاندفاع بحماس في جمع التبرعات والمساعدات والحقوق الشرعية وتوزيعها على المستحقين، ومن تلك الحوافز:

1-    الأجر العظيم من الله تبارك وتعالى وكفى به حافزاً بحيث ينال نفس أجر المتصدق الذي وردت فيه الأحاديث الكثيرة كقول رسول الله (صلى الله عليه واله) (إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فِلوه أو فصيله حتى تكون مثل اُحُد) وقوله (صلى الله عليه واله) (أرض القيامة نار، ما خلا ظلَّ المؤمن فإن صدقته تُظلّه) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (الصدقة جنّة من النار)([4]).

2-   إنها من مظاهر المجتمع المتحضر المدني الإنساني، فوجود هذه المنظمات وسعة عملها دليل على رقي المجتمع وسمو مبادئه فيحظى بإعجاب واحترام الآخرين.

3-   سعة الحاجة الموجودة في المجتمع، بحيث أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن نسبة الفقر الموجودة في العراق تصل إلى 24% أي ربع السكان، وبذلك فإن عدد الفقراء يتجاوز (8) ملايين.

وهذا يستدعي سخاءاً في العطاء من كل القادرين عليه، وشبكة واسعة من المتطوعين الذين يوصلون هذه المساعدات، خصوصاً وان طبيعة حياة الموسرين والأثرياء يجعلهم غير قادرين على إيصال المساعدات إلى مستحقيها.

إن وجود هذا العدد الكبير من المحتاجين وبالحالة المزرية التي توصف لنا أو نراها في بعض وسائل الإعلام حجة علينا وابتلاء لنا جميعاً يدعونا –كلُ من موقعه وبحسب ما أوتي من إمكانيات- إلى العمل بجد لمعونتهم بما ييسره الله تعالى.

وبنفس الوقت فإن هذا الواقع المؤلم يشعرنا دائماً بظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستئثاره وشُحّ نفسه، خصوصاً السياسيين الذين تقلّدوا أمور البلاد والعباد، فاتخذوا مال الله دولا خلافاً لقوله تعالى (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) (الحشر/7).

وإلاّ فإن العراق غني تتجاوز ميزانيته السنوية مئة مليار دولار، وأصبح خلال الأشهر الأخيرة ثاني دولة مصدّرة للنفط في الأوبك بعد المملكة، فلماذا يعيش أهله بهذا الفقر المدقع؟

وبغضّ النظر عن النفط فإن الله تعالى قد تكفّل بأرزاق عباده وخلق لهم من الأرض ما يكفيهم لمعاشهم بكرامة، وتدلّ الأحاديث الشريفة على أن نسبة الفقر الطبيعية من وجهة نظر المشرّع الإسلامي هي 2.5% مع الالتفات إلى أن معنى الفقير شرعاً هو من لا يملك القدرة على توفير أسباب الحياة الكريمة من دار للسكن وزوجة ووضع معاشي لائق، أما حال الفقراء الموجود اليوم فهو مرفوض في الشريعة تماماً.

ومن الروايات الدالة على هذه النسبة الاعتيادية صحيحة أبي جعفر الأحول أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) كيف صارت الزكاة من كل ألف خمسة وعشرين درهما ؟ فقال: إن الله عز وجل حسب الأموال والمساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة وعشرين، ولو لم يكفهم لزادهم.([5])

ورواية قثم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صار ت من كل ألف خمسة وعشرين لم تكن أقل أو أكثر ما وجهها ؟ فقال: إن الله عز وجل خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة وعشرين فقيرا ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم وهو أعلم بهم.([6])

فوجود الفقراء ابتلاء لهم حتى يصبروا ويؤجروا (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/10)، وابتلاء للأغنياء حتى ينفقوا ويخرجوا ما أمر الله تعالى به فيحصلوا على أجر الإنفاق وأداء الحقوق الشرعية.

وإنما جاع الفقراء بسبب عصيان الأغنياء، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله (إنما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا ولاستغنى بما فرض الله له وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء، وحقيق على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله)([7]).

وينبغي الالتفات إلى المعنى الأهم والأعلى درجة للإنفاق، وهو الإنفاق المعنوي بتعليم الآخرين ما جهلوا من أحكام الدين وإرشاد الضال ووعظ الغافل وهداية المنحرف وتصحيح الأخطاء الموجودة في سلوك الناس ونحوها، وهذا ما يحتاج إلى كلام مفصّل في مناسبة أخرى بإذن الله تعالى.

في ضوء ما تقدم فإنني لا أجد عذراً لمعتذر لم يؤدِّ دوره في تحفيز إخوانه والاشتراك معهم في تأسيس المنظمات الإنسانية والخيرية والثقافية والتبليغية والاجتماعية وغيرها حتى تملأ مثل هذه المنظمات كل مساحات الاحتياج والله ولي التوفيق.



([1]) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع عدد من منظمات المجتمع المدني ووجهاء العشائر من قضاء الخضر في محافظة المثنى ومن ناحية النصر في محافظة ذي قار ومن كربلاء، ووفود شبابية من البصرة وبغداد يوم السبت 13 شوال 1433 الموافق 1/9/2012.

([3]) (2)  ميزان الحكمة: 5/77 ح 10588، ح10590.

 ([4]) مصادر الأحاديث في ميزان الحكمة: 5/67- 68.

([6]) (5) وسائل الشيعة، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضة، باب3 ح2/ 3.

 ([7]) وسائل الشيعة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، باب1 ح6.