لماذا القتل لهم عادة
بسمه تعالى
لماذا القتل لهم عادة([1])
روي انه لما أُدخِل سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) ومعهن ولده الإمام السجاد (عليه السلام) على مجلس عبيد الله بن زياد ودار بينهما كلام، أمر اللعين بقتل الإمام (عليه السلام) فقال (عليه السلام): (أبالقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة )([2])
هذه كلمة يردّدها الخطباء (جزاهم الله خيرا) على المنابر وتثير العواطف والعبرات، من دون أن نتوقف عندها لنتساءل لماذا القتل لهم (عليهم السلام) عادة؟، وهو معنى تكرّر في كلمات أهل البيت (عليهم السلام) مما يعني أن تعرضهم (عليهم السلام) للقتل لم يكن حالة عابرة وإنما تحوّل الى عادة، أي ظاهرة تتكرر نسختها معهم (عليهم السلام) واحداً بعد الآخر، حتى اشتهر عنهم قولهم (عليهم السلام) (ما منا الا مقتول أو مسموم)([3]).
وورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع أو خائفٌ مغمورٌ كي لا تبطل حججك)([4]).
فهم (عليهم السلام) بين مقصيّ معزول أو مشرد مطارد محاصر وإذا كان مثلهم ليس بالمطاع فلمن تعطي البشرية طاعتها؟ لفرعون، نمرود وصدام؟ وإذا كان مثلهم خائفاً متخفياً فلمن السلطة والقدرة والتمكن؟ لأولياء الشيطان من الطواغيت والمستكبرين!
وهذه الظاهرة في حياة الامة تتطلب التوقف والتأمل العميق، لماذا يكون مصير هؤلاء الأعاظم الذين تشرفت الأرض ومن عليها بوجودهم المبارك الذين خلقهم الله تعالى رحمة للعالمين وكلهم عطاء وخير للبشرية، لماذا يكون جزاؤهم دائماً القتل والحبس والتعذيب والتشريد والمحاصرة والعزل؟ اليس من واجب الامة أن تضعهم في حدقات عيونها وتتفانى من أجل الدفاع عنهم وحمايتهم وإطالة بقائهم ليزداد انتفاع البشرية منهم؟ فلماذا يحصل العكس وتفتقدهم في زهرة أعمارهم، فالسيدة الزهراء (عليها السلام) قضت شهيدة في الثامنة عشرة والإمام الجواد (عليه السلام) في الخامسة والعشرين والإمام العسكري(عليه السلام) في الثامنة والعشرين والإمام الهادي(عليه السلام) في الثانية والأربعين والإمام الحسن السبط (عليه السلام) في السابعة والأربعين وهكذا وكلهم مضوا شهداء بالسيف أو السم.
أنهم (عليهم السلام) حينما يُعبرون بألم ومرارة عن هذا المصير الذي يواجهونه دائماً فلا ينطلق ذلك من حبهم لأنفسهم أو لرغبتهم في الاستزادة من هذه الدنيا فان (كرامتهم من الله الشهادة) التي لا ينالها الا ذو حظ عظيم وبإجتباء الهي (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء)(آل عمران140) لكن آلمهم ومرارتهم ينطلق من شفقتهم على الامة البائسة والشقية التي تواجه من يريد لها الخير والإحسان بهذا المصير القاسي، وتخنع وتخضع لمن يسومونهم سوء العذاب؟ هذا الأسى والأسف الذي عبر عنه قوله تعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )(يس30).
ورغم هذه الصورة القاتمة لسلوك الناس تجاه قيادتهم الحقة، الا انه يوجد بصيص من نور يضيء لمن يريد سلوك طريق الهداية وينير درب الحقيقة، عبر عنهم امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله (..........اولئك هم الاقلون عدداً)([5]) ورغم قلة عددهم الا ان بهم الكفاية لإدامة الرحمة الالهية للخلق، لان الله تعالى شفيق بعباده ولطيف بهم لا يتركهم تائهين ضالين وان تنكروا له وعادوه وبارزوه بالعصيان، فهو تعالى يوصي عباده بعباده في الحديث القدسي (الخلق عيالي فأحبهم الي الطفهم واسعاهم في حوائجهم)([6]) ولا شك انه شفيق بعباده من انفسهم.
والخلاصة ان هذه الظاهرة الخطيرة المخالفة للفطرة والمتكررة في كل جيل حتى اليوم، يجب ان نتوقف عندها تشخيصا وعلاجا، تشخيصا بان نلتفت اليها ونحلّلها ونعرف اسبابها، وقد اوردنا جملة من هذه الاسباب في محاضرة سابقة بعنوان ((اعداء علي (عليه السلام) لا يتناهون كمناقبه)).
هذه الامراض الاجتماعية المعنوية يجب ان تحظى باهتمام لا يقل عن الاهتمام بالاوبئة المرضية العامة التي تصيب الجسد بل الأولى أولى لانها تخرّب الحياة الباقية الدائمة في الاخرة وتنكد حياة الانسان في الدنيا لكن مشكلتها في عدم الالتفات الى خطورتها.
هذا على صعيد التشخيص، اما العلاج يتضمن خطوات عديدة يبدأ من التفقه في الدين والمعارف القرآنية وسيرة اهل البيت (عليهم السلام) واخلاقهم والالتزام بها عمليا، ثم نشر هذه العلوم بين الناس من خلال الحوزات الدينية ومدارس القران الكريم وغيرها من الآليات.
وهذه فرصة ثمينة للطاعة ان يكون احدنا من الذين وصفهم امير المؤمنين (عليه السلام) (اولئك هم الاقلون عددا)، ولا نكون من الكثرة الغافلة التائهة التي يقول عنها الله تعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)(يس30) بتضييعهم لهذه الفرص الثمينة.
[1] - من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع وفد جامعة الصدر الدينية في كربلاء ودار القران الكريم في قضاء عين التمر يوم 15/ج1/1436 المصادف 7/3/2015
[2]- بحار الانوار: 45/118 عن اللهوف لابن طاووس:62
[3] - علل الشرائع: 226
-[4] اصول الكافي: الجزء الاول/ 374 و غيبة النعماني: 209ـ 210
[5] - اصول الكافي الجزء الاول ص 374
[6] - الكافي : ج 2 ص 119