ماذا استهدفوا بعملية يوم الجمعة الدامي وماذا علينا أن نفعل

| |عدد القراءات : 980
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا استهدفوا بعملية يوم الجمعة الدامي

وماذا علينا أن نفعل([1])

لقد كانت المصيبة التي وقعت يوم الجمعة الأول من رجب عام 1424 جليلة وعظيمة انتهكت فيها حرمة الإسلام والمذهب والحوزة العلمية والنجف الأشرف، فقد نفذت الجريمة في واحدة من أقدس بقاع الأرض في جوار مرقد أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث تعدل الصلاة الواحدة عنده مائتي ألف صلاة تشريفاً لهذه البقعة، وفي واحدة من أشرف اللحظات وهي الساعة التي تعقب صلاة الجمعة والتي قال فيها الله تبارك وتعالى [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرض وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (الجمعة:10) ويكو ن المصلي حينها قد غفرت ذنوبه كلها وعاد كيوم ولدته أمه وتقول له الملائكة استأنف العمل فقد غفر لك، وفي يوم الأول من رجب أحد الأيام المباركة المخصوصة، وفي مدينة النجف مركز الإشعاع الفكري ومستقر المرجعية الشريفة ومصنع رجالات الفكر والعلم والجهاد والفضيلة ومهوى أفئدة المسلمين في العالم، وقد كانت عظيمة بالخسائر التي نتجت عنها كمّاً وكيفاً فقد استشهد أحد رموز العمل الإسلامي السياسي والاجتماعي والفكري والديني وهو آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) والعشرات من المؤمنين ناهز عددهم المائة لأن مكان الجريمة يزدحم عادة بالمصلين والزوار في مثل هذه الساعة المباركة.

وقد كان المجرمون الذين نفذوا العملية ملتفتين إلى كل الجوانب ومتعمدين لها فماذا استهدفوا من ذلك؟

1ـ خلق الفتنة بين أبناء المجتمع لأن أصابع الاتهام ستتجه إلى هذا وذاك وتجري أعمال أخذ الثأر ورد الاعتبار من كل من يحتمل ولو ضعيفاً أنه خصمٌ للسيد الحكيم (قدس سره) الشخص أو النوع سواء داخل المذهب أو خارجه ومن دون تروٍّ وتأمل وتورّع، وقد تؤدي إلى حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله تعالى وربما كما من خطط المنفذين أن يقوموا بعمليات مماثلة ضد الأطراف المقابلة للسيد الحكيم (قدس سره) شخصاً أو نوعاً لتعزيز هذه الفتنة وتأكيد الاحتمالات، وقد حدث فعلاً بعد الجمعة التالية اعتداء على مسجد لأبناء السنة في مدينة الشعب ببغداد، وإن اختيارهم لمرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) وللزمان الشريف وتكثير عدد الشهداء والجرحى إنما هو تفعيل للفتنة وتعظيم لتداعيات الحادث حتى تفلت زمام الأمور من العقلاء.

2ـ نشر الرعب والفوضى وإرباك الوضع والمنع من الأمن والاستقرار لربوع البلد وهذه هي النتيجة التي أرادوها أيضاً بتفجير مكتب الأمم المتحدة  في بغداد وقتل فيها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الذي قيل أنه عمل لإعادة العراق إلى وضعه الطبيعي حتى سمي (صديق الشعب العراقي) ومثل هذا الاستقرار يضّر بوضع بعض عصابات المجرمين لأنه سيسّهل القبض عليهم ويعرقل حركتهم ونشاطهم كما أنه يسلب مبررات وجود آخرين.

3ـ التأثير في المعادلة السياسية الجديدة التي بدأت تتبلور بعد سقوط النظام البائد لمصلحة الإسلام وخط أهل البيت (عليهم السلام) خاصة، ولا شك أن السيد الحكيم (قدس سره) كان عنصراً مؤثراً في هذه المعادلة الآن وفي المستقبل بما يمتلك من رصيد فكري وسياسي واجتماعي وديني فيمكن أن يكون عائقاً من تمرير الحالة التي يريدونها للعراق الجديد بمعارضته العملية أو النظرية على الأقل من خلال الخطب والكلمات التي كان يلقيها ويوعي الجماهير ويلفت أنظارهم إلى هذه الهواجس حسب تعبيره (قدس سره).

4ـ تعويق الحركة الإسلامية المتصاعدة بتصفية رموزها العاملين وهو أحد الأهداف الرئيسية التي جاءوا من أجلها لذا ليس من المصادفة أن يستهدف الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة حماس في غزة بعد حادث الجمعة بأيام.

     إذا عرفنا ذلك فماذا علينا أن نعمل:

1ـ العمل أزيد من ذي قبل على توحيد الأمة ونبذ الخلافات والالتفات إلى القضايا المصيرية التي تهمنا، وقد أبدى الشارع العراقي سنة وشيعة عرباً وأكراداً وتركمان مسلمين مسيحيين تفهمه للحاجة إلى هذه الوحدة من خلال المشاركة المليونية في التشييع وكانت هذه ثمرة كبيرة هوّنت المصاب الجليل، والمطلوب هو مواصلة العمل لترسيخ هذه الوحدة وإعادة النظر في الاختلافات السابقة وتنسيق مواقف الجميع وتوحيدها على خط رضا الله تبارك وتعالى ومصلحة الأمة.

2ـ مضاعفة الهمّة والجهد لإعداد جيل من العلماء والمفكرين والقادة ليعوضوا الخسارة، فإن العالم إذا مات ثلم في الإسلام ثلمه لا يسدها شيء إلا عالم مثله فمثل هذه الأحاديث الجليلة تحملّنا مسؤولية إضافية خصوصاً نحن الحوزة الشريفة ـ لتعويض هذا النقص وإدامة الحركة الإسلامية المباركة وتكثير مشاريعها سواء على صعيد تأسيس الحوزات العلمية في كل مكان وفتح المراكز والمجمعات الثقافية وإقامة المجالس والشعائر الدينية وعقد الندوات والمحاضرات والمسابقات وتكثيف اللقاءات ونشر وتوزيع الكتب والإصدارات الواعية ومن العناصر المهمة في هذه الحركة هو أعمار  المساجد بكل ما يناسبها من الأنشطة الدينية والثقافية والاجتماعية.

3ـ توعية الأمة وتثقيفها سياسياً لتكون على بصيرة بالأمور وتستطيع أن تشخص مصالحها وتميّيز النافع من الضار من القرارات التي تصدر في حقها وحتى تتوفر لها القابلية الكاملة على قراءة الأحداث وتحليلها وها هي تواجه قضية مهمة في تأريخها وهي كتابة الدستور الذي هو المرجع والفيصل في قضايا البلاد ويمكن أن تكتب فيه فقرة على غفلة أو جهل من الشعب فتقوده إلى الكارثة.

 



([1]) بيان أصدره سماحة الشيخ أثر التفجير الإجرامي الذي أدى إلى شهادة سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم وأكثر من ثمانين شخصاً بعد أداء صلاة الجمعة في الحرم العلوي الشريف يوم 1 رجب/ 1424 هجرية الموافق: 29 آب/ 2003.