من الامراض الاجتماعية والاخلاقية فضح اسرار الزوج والصديق عند الاختلاف معه

| |عدد القراءات : 1236
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

من الامراض الاجتماعية والاخلاقية

فضح اسرار الزوج والصديق عند الاختلاف معه([1])

كثيرة هي الامراض التي تنخر في تركيبة المجتمع وتمزقه، وقد تحول كثير منها الى ظواهر اجتماعية اي خرجت عن كونها حالات شخصية يتصف بها بعض الافراد، ومما يزيد خطورتها عدم الالتفات اليها وتشخيصها واستشعار خطرها ليحصل عمل جدي لمعالجتها.

ومن تلك الامراض انك تجد شخصين او اكثر كانت بينهما مودة وتآلف لكونهما شريكين في العمل او يتواجدان في وظيفة واحدة او شخص كان ينتمي لمؤسسة معينة او كيان ما، وتصل الامثلة الى الزوجين او فردين في اسرة واحدة ونحو ذلك فيطلع كل منهما على خصوصيات الاخر واموره الشخصية، ثم يحصل بينهما خلاف وتقاطع فيقوم كل منهما بفضح اسرار الاخر مما لا يجوز للآخرين الاطلاع عليه وهتك حرمته وإهانة كرامته واسقاط مكانته .

وقد شخّص المعصومون (عليهم السلام) هذا الداء وحذرّوا منه وبينّوا مغبَة الوقوع في هذه الرذيلة الاخلاقية وعاقبتها الوخيمة في الدنيا والاخرة، روي عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قوله( اقرب ما يكون العبد الى الكفر ان يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنّفه بها يوما ما )[2].

لاحظ كيف يُنزل الامام (عليه السلام)منزلاً قريباً من الكفر للشخص الذي يستغل انفتاح صديقه عليه ومكاشفته بأموره ويحتفظ بها ويسجلها عليه الى وقت اخر ليشّهر بها عليه للضغط عليه او ابتزازه او اكراهه على امر ما ونحو ذلك من الامراض الخبيثة.

 ولعل المراد بالكفر هنا الخروج من بعض مراتب الايمان وليس الخروج من الاسلام ويُفهم هذا المعنى من حديث ابي بردة الاتي، وظاهر الحديث ان هذه النتيجة تتحقق له بمجرد احصائه زلاته على اخيه وتسجيل عثراته في ذهنه او في وثائقه بغضّ النظر عن اخراجها الى الملأ وعدمه، فانه خيانة للصداقة والاخوة.

 واخبث من يمارس هذه الرذيلة هم طبقة السياسيين فان كلا منهم يحتفظ على الآخرين  بملفات كثيرة ويهدّد بين حين وآخر بكشفها لا لكي يصلح الفساد او يقدّم المفسدين الى القضاء او لإعادة الحق الى اهله بل لكي يسكته عن فضحه او لينتزع منه موقفا سياسياً او ليجبره على امضاء امر معين ونحو ذلك من المصالح الشيطانية .

ومن تحذيرات المعصومين (عليهم السلام) في هذا المجال ما ورد في كتاب ثواب الاعمال بسنده عن ابي بردة قال : (صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثم انصرف مسرعاً حتى وضع يده على باب المسجد ثم نادى بأعلى صوته يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الايمان الى قلبه، لا تتبعوا عورات المؤمنين – اي اخطاءهم وسيئاتهم وعيوبهم  - فانه من تتبّع عورات المؤمنين تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته )[3].

وعن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال (اذا رأيتم العبد متفقداً لذنوب الناس ناسيا لذنوبه فاعلموا انه قد مُكِر به )[4].

اي ان الشيطان قد استدرجه وصوّر له حسن عمله ليغمسه في الذنوب أكثر وان الله تعالى قد سلب توفيقه منه وتركه لشيطانه .

وينبغي الالتفات الى ان هذه الحالة المذمومة انما هي في الامور الشخصية اما رصد حالات الاعتداء على حقوق الناس وظلمهم والتجاوز على اموال الشعب ومقدساته ونحوها من المظالم العامة التي تصدر من كثير من المتصدين للسلطة فهذا غير مشمول بهذا النهي بل هو من مصاديق وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

فهذا هو الجزء الاول من العلاج بتحذير فاعل هذه الرذيلة من العاقبة السيئة في الدنيا والاخرة، واكمل المعصومون (عليهم السلام) العلاج بالتوجه الى الطرف الاخر وهو الضحية المشهَّر بها بان يكون الانسان حذراً وفطناً وان لا يكشف سرّهُ للآخرين وان لا يظهر من خصوصياته الا ما لا يخشى منها، في آمالي الصدوق عن الامام الصادق (عليه السلام) قال لبعض اصحابه ( لا تطلع صديقك من سرّك الا على ما لو اطلّع عليه عدوّك لم يضرّك فان الصديق قد يكون عدوك يوماً ما)[5].

ووجّهوا بان تكون العلاقة مع الآخرين  متوازنة ومبنية على التجربة والاختبار والمعرفة وبعيدة عن العواطف الانفعالية والمبالغة في الوثوق بالآخر في امال الطوسي بسنده عن الامام الرضا (عليه السلام) عن ابائه (عليهم السلام) قال ( قال امير المؤمنين (عليه السلام) : احبب حبيبك هوناً ما فعسى ان يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هوناً ما فعسى ان يكون حبيبك يوما ما )[6].

فاذا احببت احدا واردت ان تطلعه على خصوصياتك وتكشف له عن اسرارك وتشركه في امورك فاحسب لاحتمال انقلابه عليك يوما ما، واذا ابغضت شخصاً فلا تقطع كل وسائل التواصل معه، لكي يبقى باب الرجوع مفتوحا.

اما من يسترسل في علاقته مع الآخرين اي يطمئن اليهم تمام الاطمئنان وينبسط اليهم وينقاد وراء كلماتهم ووعودهم والثقة بهم تمام الثقة، فلا يلومّن الا نفسه اذا وقع في المحذور ووقع في المهلكة التي نصبها له الآخر، روى الصدوق في آماليه عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله ( لا تثقّن بأخيك كل الثقة فان صرعه الاسترسال لا يُستقال ) [7].

والصرع تعني السقوط، فصرعة المسترسل وسقوطه لا يمكنه النجاة وانقاذ نفسه منها ولا يرجى له الاقالة من عثرته، لأنه هو الذي سلّم  مقتله الى الاخرين بتسليمهم زمام امره وافشاء سره، فلا يستطيع الدفاع عن نفسه .

وفُسِّر الاسترسال – وهو طلب الرسل – بأخلاء زمام الفرس وانطلاق الخيل في الحرب او ميدان السباق، فاذا اطلق الفارس عنان خيله حتى اسرع واسرع فانه لا يتمكن من السيطرة عليه الا بان يكبوا به او يسقط والمهلكة واحدة .

وقد تكرر التحذير من الاسترسال في كلمات الائمة المعصومين (عليهم السلام)، قال امير المؤمنين (عليه السلام)، ( من أقلَّ الاسترسال سلم) وقال (عليه السلام)( من اكثر الاسترسال ندم) وقال (عليه السلام)(قلة الاسترسال الى الناس احزم) [8].

اردنا بهذا الحديث الفات النظر الى هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة التي تهدم بنية المجتمع والاسرة حينما يقوم كل من الزوجين بكشف اسرار كل منهما وخصوصياته والتشنيع عليه والتشهير به لإثبات الغلبة عليه .

واردنا ايضاً الفات نظر المتخصصين الى ان النصوص الشرعية في القران والسنة تقدّم وصفات جاهزة ودقيقة للكثير من امراض البشرية الاخلاقية والاجتماعية وفي سائر المجالات الاخرى، وقراءتها بشكل دقيق يوّفر على الحضارة الانسانية جهدا كبيرا تبذله في الدراسات والاستقراءات والاستبيانات الميدانية والتحليلات الاحصائية، وإن كنّا نستفيد فعلاً من تلك الدراسات.                                   

 



[1] ) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي ( دام ظله ) مع جمع كبير من اساتذة الجامعات في عدة محافظات زاروا سماحته يوم الخميس 6/صفر/1437 الموافق 19/11/2015

[2] ) الكافي : 2/354 ، المحاسن : 104 ، مجاس المفيد ، بحار الانوار : 75/217 باب 65

[3] ) ثواب الاعمال : 288، بحار الانوار : 75/214 ح10

[4] ) بحار الانوار : 75/215

[5] ) بحار الانوار : 74/177

[6] ) بحار الانوار : 74/177

[7] ) بحار الانوار : 74/174

[8] ) غرر الحكم : 7774، 7775، 6748