صور مشرقة لشباب الإسلام في الماضي والحاضر
بسمه تعالى
صور مشرقة لشباب الإسلام في الماضي والحاضر
حنظلة ابن أبي عامر من الأوس كان من شباب الإسلام المخلصين المضحّين رغم ا ن اباه ابا عامر لقّبه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالفاسق وكان يعرف بالراهب في الجاهلية ويحدثهم عن البعث ودين الحنيفية فلما هاجر النبي(صلى الله عليه واله وسلم) حسده كزعيم المنافقين عبد الله ابن أبي سلول الذي اظهر الإسلام واضمر النفاق, إما أبو عامر الراهب فخرج الى مكة ثم قدم مع قريش يوم اُحُد محاربا, ولما فتحت مكة لحق بهرقل هاربا الى ارض الروم ومات هناك. ولما علم حنظلة وعبد الله ابن زعيم المنافقين بمعاداة أبو يهما لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) استأذناه في قتلهما فنهاهما عن ذلك [1]
كان في ليلة عرسه حينما هتف منادي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالمسلمين يدعوهم الى الخروج لملاقاة مشركي قريش في اُحُد فكره ان يتأخر عن الخروج حتى يغتسل ، وبتعبير كتاب الاستيعاب (( ثم هجم عليه من الخروج في النفير ما أنساه الغسل أو اعجله عنه )) ، فأخذ حنظله سلاحه ولحق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باُحُد وهو يسوي الصفوف وقاتل حتى أستشهد في المعركة وأخبر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه رأى الملائكة تغسلّه ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ( إن صاحبكم – يعني حنظله – لتغسّله الملائكة ، فاسألوا أهله :- ما شأنه ؟ ) فسُئلت صاحبته عنه ، فقالت :- خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة ) [2] .
كاد أن يخلّص المسلمين من رأس الفتنة والشجرة الملعونة أبي سفيان ، ففي شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد وغيرة : أنه لما انكشف المشركون أعترض حنظله لأبي سفيان فضرب فرسه ووقع أبو سفيان الى الارض وهو يصيح : يا معشر قريش أنا ابو سفيان ابن حرب وحنظله يريد ان يذبحه بالسيف ، فاسمع الصوت رجالاً لا يلتفتون اليه من الهزيمة حتى عاينه الاسود بن شعوب ، فحمل على حنظله بالرمح فأنقذه ، ومشى حنظله اليه بالرمح فضربه ثانية فقتله وهرب ابو سفيان يعدو على قدميه فلحق ببعض قريش فنزل عن صدر فرسه وردف ابا سفيان وراءه [3] ولما رأه ابو سفيان قتيلا قال ( حنظله بحنظله ) يذكر ابنه الذي قتل في بدر مشركا ، وأنشأ ابياتا في ذلك ورّد عليها حسان بن ثابت [4]
وقد تكونت في تلك الليلة نطفة ولده عبد الله بن حنظله ، وقد انتدبه أهل المدينة مع جماعه بعد واقعة كربلاء للذهاب الى الشام ويستطلع حقيقة امر يزيد وسلوكه ليحدّدوا موفقهم منه ولما ذهب وعاد جمع اهل المدينة وقال (( انا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الفتيان وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه )) [5] .
وفي مصدر آخر قال ( والله ما خرجنا على يزيد ، حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، أنّه رجل ينكح امّهات الأولاد والبنات والاخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ) [6]
فخلّع أهل المدينة يزيد وثاروا عليه وأخرجوا عمّال بني أميه وبايعوا عبد الله قائدا لهم وبايعهم على الموت ولما جاء جيش يزيد الى المدينة قاتلهم قتالا شديدا حتى قتل .
استحضرت هذه الصورة المشرقة لشباب الاسلام وأنا استمع إلى الإخوة في مدينة الشوملي في محافظة بابل يتحدث عن ثلاثة من الجنود الذين تربّوا في مدرسة الاسلام وأهل البيت (عليهم السلام ) كانوا يقاتلون الارهاب الوحشي في محافظة الانبار وحان موعد إجازتهم الاعتيادية والذهاب الى عوائلهم وبينما هم يحزمون حقائبهم علموا ان مواجهة مسلحة وقعت مع العدو في قاطع عملياتهم فأعادوا لبس بدلة القتال وحملوا اسلحتهم واقتحموا المعركة حتى استشهدوا ثلاثتهم .
انصح الخطباء والكتّاب والمتحدثين حينما ينقلون حوادث التأريخ المشرق أن لا يغفلوا ربطها بمآثر الجيل الحاضر ليكون التأريخ حيا محركا للمواقف النبيلة والاعمال الصالحة ، لا ينظرون الى التأريخ كأنه مجموعة قصص وحكايات للتسلية وتمضية الوقت ويجب أن نلتفت الى أن البطولة لا تقتصر على ساحات القتال فهذا هو ميدان الجهاد الاصغر ، بل الامر أشد في ميدان الجهاد الاكبر ، فأحد ابناء الاسلام شاب مهندس مشرف على تنفيذ بعض المشاريع ، يأتيه المقاول المنفذ ويطلب منه التوقيع على قبول العمل فيرفض المهندس لانه لم يكن مطابقا للمواصفات الفنية المشترطة في العقد في زمان الفساد المرعب الذي نعيشه ، فيغريه بمال يعادل راتبه لسنوات ويقول له انت شاب وتريد أن تبني مستقبلك وتتخذ بيتا وسيارة وأنا أوفرها لك فيرفض الشاب المهندس ، فينتقل الى التهديد بتسقيطه أجتماعيا بالافتراء والتهم الباطله والطعن في شرفه ثم يهدده باختطاف اخواته او اخوته وذويه والشاب على الالتزام بما يمليه عليه واجبه الشرعي والوطني فيهدده بالقتل ويرسل له ظرفا فيه أطلاقات نارية لإرعابه فيصمد الشاب وينهزم ذلك الفاسد الذي يعجز عن مواجهة هذه المواقف ألمبدأيه ويحلّ مشكلته بأن يذهب الى المسؤول الاعلى المتخم بالسحت فيستجيب للاغراءات ويمرّر ما يريد المقاول بعد أن يعزل المهندس النزيه المخلص .
وهكذا تتجلى البطولة في الساحات الأخرى كالعلم والابداع والانجاز والابتكار أو ميدان الدعوة الى الله تعالى وتبليغ الرسالة ونشر مذهب اهل البيت ( عليهم السلام ) في دول العالم كافه فتراهم يمارسون جهادا حقيقيا بالمال والنفس والوقت والجهد ويتعرضون لالوان الاذى والضيق ومع ذلك فهم كما أمر الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران 200) .
فعلينا أن نجعل الماضي مادة للاتعاض والتأسي والانطلاق نحو الكمال وليس مجرد ارشيف للتذكار فيفقد روحه ومحركيّته وعلينا ان نربطه بالحاضر ونبرز الصور المعاصرة لتكون حافزا للآخرين على التأسي لتوفيق الله تعالى .
1 – الاصابة :- 1/361 ، رقم الترجمة 1863.
[2] - سيرة ابن هشام : 3/25 طبعة دار الجيل – 1975 .
[3] - شرح نهج البلاغة : 3/378 بواسطة كتاب شهداء الاسلام في صدر الرسالة : 140.
[4] - سيرة ابن هشام : 3/25.
[5] - تاريخ الطبري : 7/4 حوادث سنة 62 هـ .
[6] - (الكامل : 3 / 310 ) و (تاريخ الخلفاء:165(. .