خطاب المرحلة: (418)وجه الانتفاع بالإمام في غيبته

| |عدد القراءات : 1934
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save


خطاب المرحلة: (418)وجه الانتفاع بالإمام في غيبته

كان السؤال عن وجه الانتفاع بالإمام المهدي (×) في غيبته حاضراً في ذهن الأجيال كلها من حين الاخبار عن غيبة الإمام الثاني عشر على عهد رسول الله (’) والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ومنشأ التساؤل وجود تصور ذهني بأن الآثار والبركات المرجوّة من الامام والقائد مرتبطة بظهوره للناس كسؤاله عن الأحكام الشرعية أو حلّه للمشكلات العلمية والاجتماعية وتزوّد الناس من محضره الشريف ولا يكادون يفهمون وجهاً للانتفاع به إذا غاب.

والمفروض بالمؤمن التسليم لأمر الله تعالى وعدم النقاش فيه، عن الإمام الصادق (×) قال: (وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غِيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره. إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لمّا أتاه الخضر (×) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (×) إلى وقت افتراقهما، يابن الفضل: إنّ هذا الأمر أمرٌ من أمر الله تعالى وسرٌّ من سرّ الله وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه (عز وجل) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا) ([1])

أقول: لكن الأسئلة تكررت على النبي (’) والأئمة المعصومين (^) فأجابوا بما يناسب الذهنيّة العامة، ففي اكمال الدين للصدوق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (’) إنّه ذكر الإمام القائم في حديث وقال (ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان، قال جابر: فقلتُ له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (’): أي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب).([2]).

وفي الأمالي للصدوق بسنده عن الإمام الصادق (×) قال: (لم تخلو الأرض منذ خلق الله تعالى آدم من حجة لله فيها ظاهرٌ مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ولولاهُ لم يُعبد الله، فقلتُ للصادق (×): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب). ([3])

وفي الاحتجاج ورد توقيع من الناحية المقدسة على يد السفير محمد بن عثمان وفيه (وأما الانتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم). ([4])

أقول: في هذه الروايات تشبيهان، أحدهما تشبيهُ الإمام بالشمس، والآخر تشبيه غيبته (×) بالشمس إذا غطّاها السحاب، ونريد الآن أن نبيّن وجوهاً لفهم هذين التشبيهين مما يوفّق الله تعالى له.

(الأول) تشبيه الامام بالشمس وله عدة وجوه:

1- إنّ الشمس أصل الحياة وبدونها تنعدم الموجودات وهي الواسطة لإفاضة الحياة على الموجودات، وهكذا الإمام علة الوجود وواسطة الفيض الإلهي على جميع الموجودات وهم علة الوجود ولأجلهم خلق، ولولاه ساخت الأرض بأهلها كما في الحديث الشريف وفي دعاء العديلة (ببقائه بقيت الدنيا وبيمينه رُزق الورى، وبوجوده ثبتت الارض والسماء).

2- ولأن الشمس أصل الحياة فقد وُجدت قبل أي شيء آخر، وكذلك نور محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وجدوا قبل الخلق، روى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (×) قوله (الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق). ([5])

3- إن الشمس مصدر النور وهي التي تنير الأشياء وتجعلها منظورة بالعين ويمكن التعرّف عليها ولولا هذا النور لما أمكن التعرّف على الشيء، وكذلك الإمام هو مصدر المعارف الإلهية والعلوم ولولا تأصيلات الأئمة الأطهار (^) لما امكن الاهتداء إلى شيء منها، وما يؤخذ عن غيرهم فهو زخرف من القول .

4- ان نفع الشمس عام لا تمنعه عن شيء من الموجودات، وهم (صلوات الله عليهم اجمعين)  كالشمس في عموم نفعهم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 وإنما لا ينتفع بهم من أراد لنفسه أن يكون أعمى لا يستفيد من نور الشمس، في الخصال من حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين (×) قال: (أشدّ العمى من عمي عن فضلنا وناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا إلاّ أنّا دعونا إلى الحق ودعاهُ من سوانا إلى الفتنة والدنيا فأتاهما ونصب البراءة منّا والعداوة لنا) ([6]).

وروى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسند صحيح عن الإمام الباقر (×) في قوله تعالى {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }الإسراء72، قال (×): (من لم يدلّه خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر، والآيات العجيبات على أنّ وراء ذلك أمر أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً). ([7])

5- إن الشمس من المطهرات –كما هو الصحيح- فهي تطهّر من النجاسة المادية ، فكذلك ولاية الإمام المعصوم وحبّه واتباعه من المطهّرات المعنوية فبها تقبل الأعمال وتكفّر الذنوب وفي ذلك أحاديث كثيرة، لأنها من أعظم الحسنات والقربات إلى الله تعالى، والآية الشريفة تقول (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود/114).

6- ان أي شيء يقترب من الشمس يصلى بحرارتها ويحترق تدريجيا حتى يفنى في نورها، وكذلك من يتقرب من اهل البيت (^) بطاعتهم وحبّهم والسير على هديهم يفنى فيهم وتذوب انانيته ونفسه الامارة بالسوء(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) إبراهيم:36 وفي الحديث النبوي الشريف (سلمان مّنا اهل البيت) ([8]) .

7- كما أنّ الناس متفاوتون في الاستفادة من نور الشمس فبعضهم يمنعها من الدخول إلى داره فيغلق الأستار والنوافذ ولا يستفيد من ضوء الشمس، وبعضهم يفتح منافذ بسيطة للإنارة والآخر يملأ داره بالفتحات والآخر يستفيد منها في الزراعة وآخر لتوليد الطاقة الشمسية، فكذلك نور الهداية المتصلة بالمعصومين (^) التي تركوها لنا من خلال أحاديثهم الشريفة، تتفاوت الناس في الاستفادة منها والعمل بها، فربّما أغلق البعض نوافذ قلبه وعقله لمنع نور الهداية من دخولهما، بينما فتح آخر كلّ حواسه ومنافذه الظاهرية والباطنية لتلقي هذه العلوم والمعارف والكمالات اللاّمحدودة بإذن الله تعالى.

(الثاني) التشبيه لغيبة الإمام بالشمس إذا جلّلها السحاب ويمكن أن نفهم له عدة وجوه:

1- كما ان احتجاب الشمس بالسحاب لا يؤثر على حقيقة وجودها ولا يصح لعاقل أن يستدل على عدم وجودها لعدم ظهورها للعين بسبب تغطية السحاب لها، فكذلك لا يمكن إنكار وجود الإمام (×) لمجرّد عدم ظهوره للناس فهو (×) موجود وتوجد معه آثاره المباركة وألطافه الكريمة ورعايته الحانية.

2- إنّ جملة من منافع الشمس لا تتوقف على ظهورها المباشر وبتعبير آخر أن فائدة الشمس لا تقتصر على التعرض لأشعتها المباشرة حتى يُقال بعدم الانتفاع منها إذا حجب السحاب أشعتها، فاحتجابها بالسحاب لا يمنع من الانتفاع بها وتبقى تؤدي دورها في حفظ نظام الحياة واستقرار المجموعة الشمسية وحركة الافلاك، وكذلك الانتفاع بوجود الإمام وفيوضاته المباركة لا تتوقف على ظهوره المباشر وإن حرم الناس من بعض تلك الانتفاعات بسبب غيبته، ومنها ما تقدم في الرواية الشريفة من كونه اماناً لأهل الارض ورد في رسالته الشريفة (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولوا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء). ([9])

3- إن احتجاب الشمس بالغيوم إنما هو لمن كان على الأرض فلو خرج من جو الأرض كالذي يحصل لركاب الطائرة عندما ترتفع فوق الغيوم فإنهم سيرون السماء صافية والشمس ظاهرة، فكذلك الإمام فإنه غير مشخّص لذوي الدرجات الاعتيادية والمتدنّية، أما الأنقياء المخلصون ومن حلّقوا في سماء الكمالات المعنوية فإنّ الإمام (×) يظهر لهم ويرونه ويعرفونه ويتعاملون معه، وما على المؤمن إلاّ أن يسمو ويرتقي ويخرج من الحجب الأرضية لتكتحل عينه بالنظر إلى الإمام (×).

4- إن تغطية السحاب للشمس فيه رحمة بالناس وفيها مصلحة لهم أما من جهة نفس الغيوم لكونها تحمل أمطاراً تحيي الأرض الميتة، أو لعجز الناس عن تحمّل الأشعة المباشرة للشمس فتضر أبصارهم وتصيب رؤوسهم بضربة الشمس وربما اضطروا إلى السكون في منازلهم والقعود عن أعمالهم حذراً من أشعة الشمس، وكذلك غيبة الإمام (×) فيها مصلحة للناس، من عدة جهات كالتفاتهم إلى ذنوبهم التي أوجبت حرمانهم من الاتصال المباشر بالإمام أو لأنّ إيمانهم ليس قوياً يحتمل القيادة المباشرة والنظر المباشر للإمام، كالذين لم يتحملوا قيادة أمير المؤمنين (×) ففشلوا وخسروا الدنيا والآخرة، فعدم الابتلاء بالقيادة المباشرة رحمة بالناس لئلاّ تزيغ بصائرهم كتضرّر بصر من ينظر إلى الشمس مباشرة ويفشلوا في الامتحان نظير نصيحة الإمام الحسين (×) لبعض من تخاذلوا عن نصرته بأن يبتعدوا لئلاّ يسمعوا صرخة الإمام (×) فتصيبهم الكارثة، فمثل هؤلاء يكون من الرحمة بهم تربيتهم بعيداً عن القيادة المباشرة للمعصوم (×) وقبولهم على ما هم عليه.

5- إن احتجاب الشمس بالسحاب أمر نسبي أي لبعض الناس إذ يمكن أن تكون الشمس في نفس الوقت ظاهرة لبعض في بلد آخر لا يحجبهم السحاب، كما يقال في النشرة الجوية غائم جزئي فكذلك غيبة الإمام (×) نسبية لبعض الخلق دون بعض فهو ظاهر لبعض الخلق (وما في ثلاثين من وحشة ) .

6- إن احتجاب نور الشمس لا لسبب منها أي لا لقصور في المقتضي- كما يقال- وانما لوجود المانع وهو السحاب فمتى ما زال السحاب اشرقت الشمس على الموجودات، وكذلك الامام (×) لم يحتجب لسبب منه فان اهل البيت (^) ابواب رحمة الله وكرمه وفضله، وهو تبارك وتعالى لا بخل في ساحته (بابك مفتوح للراغبين وخيرك مبذول للطالبين وفضلك مباح للسائلين ونيلك متاح للآملين ورزقك مبسوط لمن عصاك وحلمك معترض لمن ناواك) ([10]).

وسبب احتجابه (×) يعود الى الخلق انفسهم ( الا ان تحجبهم الذنوب دونك).

((كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر فكذلك في أيام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان ولا ييأسون منه)). ([11])



([1] )بحار الأنوار: 52/91 الباب 20 عن اكمال الدين: 2/158 باب علة الغيبة.

([2]) كمال الدين: 1/241 باب: نص الله تعالى على القائم، ح3.

([3])نقلتهما بواسطة بحار الأنوار: 52/92 .

(3) نقلتهما بواسطة بحار الأنوار: 52/93

([5]) كمال الدين: 1/16.

([6]) الخصال: 474.

([7]) التوحيد: 455 باب 67 النهي عن الجدال والمراء في الله عز وجل، ح6.

([8]) رواه الحاكم في المستدرك (3/598) ، والطبراني (6/261)

([9]) الاحتجاج: رسالة الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد (قدس سره).

([10]) مفاتيح الجنان : 168 من ادعية شهر رجب

([11]) بحار الأنوار: 52/ 93.