خطاب المرحلة: (425) فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي

| |عدد القراءات : 1633
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save


خطاب المرحلة: (425) فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي 


فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي([1])

كان الواعون من أصحاب الأئمة (^) والحريصون على دينهم وآخرتهم ينظرون باهتمام بالغ إلى ما يصدر عنهم (^) من أخبار عن الفتن والغربلة والسقوط في الامتحان ويحملونها محمل الجد ليصونوا أنفسهم من الوقوع في تلك الفتن ومن الفشل في الامتحان الذي يحصل لكثير  من عامة الناس؛ لذا كانوا يسألون الأئمةَ (^) عن تكليفهم وعما ينجّيهم من الجهالة ويخلصهم من حيرة الضلالة، التي هي وظيفة الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، ومن بعدهم علماء الدين خصوصاً في زمان غيبة الإمام (عجل الله فرجه) التي قال فيها الإمام الحسن العسكري (×): (أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون)([2]).

والحيرة والهلاك تكون بعدة مستويات:

 (منها) على نحو إنكار أصل الغيبة لاستبعاد أن يبقى إنسان هذه المدة الطويلة أو لأي شبهة أخرى.

 (ومنها) الاعتراض على طول الغيبة لعدم الصبر على تأخير الانتقام من الظالمين او للعجز عن إدامة حالة الاستعداد والتمهيد للظهور بأشكال التمهيد الذي يتطلب أحياناً تضحيةً بالنفس ومواجهةً مع الظالمين واصطداماً بالمجتمع، ولذا ستكون فترة الغيبة صعبة وشاقة.

 (ومنها) كثرة أصحاب الدعاوى الباطلة الذين يدّعون الارتباط بالإمام (×) ومشروعه فيخدعون بها السذّج والجهلة ليتأمّروا عليهم، وهكذا.

روى زرارة –وهو من أجلاء أصحاب الإمامين الباقر والصادق (‘)- قال: (سمعتُ أبا عبد الله (×) يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يُشَكُّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمْلٌ، ومنهم من يقول: إنه وُلِد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أن الله عز وجل يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون، يا زرارة، قال: قلتُ: جعِلتُ فداك إن أدركتُ ذلك الزمان أي شيء أعملُ؟، قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادعُ بهذا الدعاء: اللهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرّفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللتُ عن ديني)([3]).

وهذا التعليم إنما هو لنا نحن الذين نعيش في زمان الغيبة لأن الإمام (×) يعلم أن زرارة لا يدرك زمان الغيبة، وكذلك يعلم زرارة لإخبار الإمام (×) أن الغيبة للثاني عشر.

والمُنجي ليس هو مجرد تحريك اللسان بهذه الكلمات فإنها لا توصل إلى هذه النتيجة وإن كانت توجب بعض الفوائد كتحصيل الثواب، وهذا معنى كررته في أحاديثي لأهميته، لذلك لم يقل الإمام (×): (قل هذه الكلمات) وإنما قال: (ادعُ بهذا الدعاء) أي أوجد في نفسك حقيقة هذا الدعاء وطلب هذه المعاني، وحينئذٍ سيعصمك الله تعالى من الضلال، ألا ترى أن الإنسان لو تعرض إلى عدو قاتل أو حيوان مفترس وله مأوى محصَّن، فهل ينجيه أن يردد بلسانه بأي عدد من المرات: (أعوذ بهذا الحصن من العدو))؟ أم أن عليه أن يدخل في ذلك الحصن فعلاً؟.

فطريق النجاة يتطلب معرفة  الإمام (×) معرفة صحيحة والسير على نهجه.

والدعاء المذكور في الحديث يشير إلى ترتيب في طريق المعرفة على عكس ما هو متعارف لدى أغلب الناس فنحن ننتقل بالمعرفة من الأثر إلى المؤثر ومن الفرع إلى الأصل، وهو طريق مقبول ولم ينفه الحديث الشريف وروى الشيخ الصدوق (قدس سره) في كتاب التوحيد في تفسير هذا الحديث عن الصادق (×) قوله: (لولا الله ما عُرِفنا، ولولا نحن ما عُرف الله) ثم قال الصدوق: ((ومعناه لولا الحجج ما عُرف الله حق معرفته ولولا الله ما عُرف الحجج))([4]).

فهذه المعرفة الغالبة لدى الناس مقبولة, لكن الحديث يدعو الى المعرفة الأسمى وهي التي تبدأ بالأصل ثم الى الفرع ، ففرقٌ بين من يعرف طلوعَ الشمس من خلال إخبار الآخرين أو من خلال وجود ضوئها ونورها منعكساً عن الأشياء وبين من يراها عياناً، قال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] (فصلت:53)، فبناءً على كون الصفة المشبهة (شهيد) بمعنى اسم المفعول (مشهود) تفيد الآية أن ظهور الله تعالى في كل شيء يغني عن الآيات والدلائل في الأنفس والآفاق، وفي ملحق دعاء الامام الحسين (×) يوم عرفة عدة اشارت لهذا المعنى .

فالأصل هي معرفة الله تبارك وتعالى ومنها تنفتح المعرفة على النبي (’) ومن ثم معرفة الإمام (×) وفي ذلك روي عن الإمام الصادق (×) قال: (قال أمير المؤمنين (×): اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان)([5]).

فالبداية من معرفة الله بالله تبارك وتعالى كما ورد في الأدعية الشريفة: (يا من دلّ على ذاته بذاته) –من دعاء الصباح- و (بك عرفتك وأنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت) –من دعاء أبي حمزة-.

والتفسير الذي يمكن تقريبه لمعنى معرفة الله بالله هو التعرف على الله تعالى وصفاته وأسمائه من خلال تجلياته في مخلوقاته، فمن جمال الطبيعة التي خلقها تعرف أنه جميل، ومن طول أناته وإمهاله للظالمين تعرف أنه حليم، ومن وضع كل شيء في موضعه تعرف أنه حكيم، ومن عجائب المخلوقات تعرف قدرته وقوته، ومن تناسقها وانسجامها ووحدة قوانينها تعرف أحديته، ومن تصرفه في الخلق كيف يشاء تعرف قيمومته وأن بيده كل شيء.

روى الشيخ الصدوق (قدس سره) في كتابه التوحيد في باب أن الله لا يعرف إلا به بإسناده عن أبي جعفر (×) عن أبيه عن جده (‘) أنه قال: (إن رجلاً قام إلى أمير المؤمنين (×) فقال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهم، لما هممت فحيل بيني وبين همي وعزمت فخالف القضاء والقدر عزمي علمت أن المدبر غيري)، فهذا من تجليات هيمنته وقيمومته وتدبيره عز وجل .

قال الفيض الكاشاني (قدس سره): ((فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره لها وقيمومته إياها وتسخيره لها وإحاطته بها وقهره عليها حتى تعرفوا الله بهذه الصفات القائمة به ولا تنظروا إلى وجوهها التي إلى أنفسها أعني من حيث أنها أشياء لها ماهيات لا يمكن أن توجد بذواتها بل مفتقرة إلى موجد يوجدها؛ فإنكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة تكونوا قد عرفتم الله بالأشياء فلن تعرفوه إذن حق المعرفة، فإن معرفة مجرد كون الشيء مفتقراً إليه في وجود الأشياء ليست بمعرفة في الحقيقة على أن ذلك غير محتاج إليه))([6]).

فإذا عرفنا الله تعالى وأن من صفاته أنه لطيف بعباده رحيم كريم بهم وأنه حكيم لم يخلق الخلق عبثاً بلا غاية وهدف فإنه لا يتركهم سدى وفي فوضى فيحصل نقيض الغرض بل ولا بد أن يبعث إليهم رسلاً يعلّمونهم ما يصلح شأنهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة ويضعون لهم القوانين والأحكام التي تنظّم حياتهم، وهذه القوانين والأحكام تكون مبنية على أساس التوحيد ومنسجمة مع الصفات الإلهية [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً] (الإسراء:23) [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ] (النحل:90) [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ] (النساء:58).

وبهذا المحتوى للرسالة تعرف من هو الرسول الصادق في دعواه وتميّزه عن المدعين المخادعين، وبذلك نكون قد عرفنا الرسول بالرسالة وهي أسمى معرفة ولا نحتاج حينئذٍ إلى معجزة أو إخبار الثقات ونحو ذلك من وسائل المعرفة التي لا تفيد الاطمئنان كالأولى.

ومن معرفة الرسول يُعرَف الإمام؛ لأن النبي (’) معروف بأنه حكيم عاقل لا يمكن أن يترك الأمة بعده بلا راع، وأنه (’) رحيم بأمته شفيق عليهم [حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ] (التوبة:128) وأنه القرآن الناطق الذي يجسده في حياته، وأنه مظهر الصفات الإلهية، يعرف الإمام بعده الذي يكون خليفته ويقوم مقامه وهو أمير المؤمنين (×)، فالذين تآمروا بعد وفاة رسول الله (’)وانكروا وصيته في  علي (×) وادعوا عدم نصبه خليفة من بعده، انما أساؤوا إلى رسول الله (’) ولم يعرفوه حق معرفته، لانهم انكروا بذلك حكمته ورحمته ولطفه وشفقته وحرصه على الامة وغيرها من خصاله الكريمة.

ومن بعد الرسول يعرف الإمام وأولو الأمر أي القيادة الدينية الحقة بإقامتهم لأحكام هذه الشريعة ومبادئها وتنفيذها على ارض الواقع (واعرفوا أولو الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان) وفي رواية([7]) (وأولو الأمر بالمعروف) أي ليس فقط ويعرفون بأمرهم بالمعروف فهذا رغم أهميته إلا أنه قد يشاركهم كثيرون، فلا بد أن يعرفوا بالمعروف أي بإقامتهم للمعروف وأن يعملوا بما يأمرون به غيرهم.

فبهذه العلامات يُعرف الأئمة (^) وقادة المسلمين وأولياء أمورهم وليس بالادعاءات والعناوين المصطنعة.

 والسعي لتحصيل هذه المعرفة أمر ضروري بالغ الأهمية لما ورد في ذيل الدعاء (فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) والضلال عن الدين يعني الوقوع في ظلمات الجاهلية، ومنه تعرف الارتباط بين هذا الدعاء والرواية المشهورة التي رواها الفريقان، وممن ذكرها الشيخ الصدوق عن محمد بن عثمان العمري – وهو السفير الثاني- قال: (سمعت أبي يقول: سُئل أبو محمد الحسن بن علي عن الخبر الذي روي عن آبائه عن رسول الله (’): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)([8]) قال (×): (نعم إن هذا حق كما أن النهار حق)([9]) وماذا تعني الجاهلية غير الضلال والانحراف والفساد.

وكان غاية جهد الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وتضحياتهم إنقاذ العباد من الجاهلية وأغلالها وآصارها [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ] (الأعراف:157) وفي زيارة الأربعين للإمام الحسين (×): (فأعذر في الدعاء ومنح النصح وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة).

وهذه العلامات لأولياء الأمور الذين يقودون الأمة ويأخذون بأيدي الناس نحو الهداية والصلاح ذكرتها الآية الشريفة: [الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] (الحج:41) وأي تمكين في الأرض زمان الغيبة أقوى من ولاية أمور المسلمين والنيابة عن الإمام المهدي (×)، فعلامات قيادتهم الصحيحة إقامة معالم الدين المذكورة [أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ] (الشورى:13).

فمن أهم وظائف المنتظرين في زمان الغيبة معرفة الحجة التي إن تمسكت بها لن تضل عن دينك، بإقامتهم لدين الله تعالى وحرصهم على عباد الله تعالى، وان السبب الرئيسي لمعاناة الامة والكوارث التي تحلٌ بها هو عدم اهتدائها الى قادتها الحقيقيين، او عدم طاعتهم كما يلزم .

اَللّـهُمَّ اَعِنّا وَوَفَّقَنا لِما تُحِبُّ وَتَرْضى وَعَلى مَا افْتَرَضْتَ عَلَيْنا مِنْ طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسوُلِكَ وَاَهْلِ وَلايَتِكَ ([10]).

 



([1]) الخطبة الثانية لصلاة عيد الاضحى المبارك عام 1435 المصادف 5-10-2014

([2]) كمال الدين للصدوق: 2/81، الباب 38.

([3]) الكافي: 1/197، كتاب الغيبة.

([4]) حكاه عنه في الوافي: 1/221، باب 29 إنه لا يعرف الا به.

([5]) أصول الكافي: كتاب التوحيد: 51، باب أنه لا يعرف إلا به، وفي توحيد الصدوق: 286، باب بنفي العنوان أنه لا يعرف إلا به.

([6]) الوافي: 1/222، كتاب العقل والعلم والتوحيد، باب 29: أنه لا يعرف إلا به.

([7]) كتاب التوحيد للصدوق: 286.

([8]) وروى الشيخ المفيد عن محمد بن علي الحلبي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (من مات وليس عليه إمام حي ظاهر مات ميتة جاهلية) الاختصاص: 269، ونقلها عنه المجلسي في البحار: 7/20.

([9]) كمال الدين: 2/81، الباب 38، والحديث مشهور لدى طوائف المسلمين.

([10] ) من الدعاء المأثور للعشر الاوائل من ذي الحجة.