الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ - ذكر الله تعالى عند الطاعة والمعصية

| |عدد القراءات : 371
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

 (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:191)

ذكر الله تعالى عند الطاعة والمعصية[1]

في ذكرى البعثة النبوية الشريفة نقف عند محطة من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالخصوص من قيامه في الليل، فقد كانت صلاة الليل واجبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون الأمة جميعاً وهذه واحدة من خصوصياته وقد ورد في رواية صحيحة[2] عن الامام الصادق (عليه السلام) في كيفية صلاته (صلى الله عليه وآله) في الليل بأنه كان يفرّقها على أجزاء الليل ليديم حالة الأنس بربّه فيقوم في بعض الليل من نومه ثم يصلي اربع ركعات ثم ينام ويستيقظ من جديد ويصلي اربعاً أخرى ثم ينام ويستيقظ ليصلي الشفع والوتر ونافلة الصبح ثم يخرج لصلاة الفريضة وقد ذكرنا تفصيل ذلك في تفسير قوله تعالى  (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ) (الإسراء:79).

ومحل الشاهد انه (صلى الله عليه وآله) كان كلما يستيقظ من نومه كان يقلّب بصره في السماء ويتلو الآيات المباركات في آخر سورة آل عمران من الآية 190 (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) إلى آخر الآيات، وفي الآية التالية (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (آل عمران191) فأول صفة من صفات اولي الألباب لمن أراد أن يكون منهم هو ذكر الله تعالى على كل حال لأن الانسان لا يخلو حاله من كونه قائماً أو قاعداً أو على جنبه.

إن ذكر الله تعالى على كل حال واستحضار الرقابة الإلهية والشعور بالمسؤولية امامه سبحانه حالة مطلوبة سواء كان الانسان في ظرف معصية أو طاعة.

اما في ظرف المعصية فالأمر واضح لكي يخشى الله تعالى ويستحي من نظره إليه فيجتنبها، فإن الغفلة عن الله تعالى سبب للوقوع في المعاصي والتذكر صمام الأمان منها، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف:201) مثلاً يكون في مجلس فيتورط الحاضرون بغيبة مؤمن فيتذكر نهي الله تعالى عن الغيبة فيمتنع عن المشاركة معهم وينهاهم عن ذلك وقد يكون العلاج بمغادرة المجلس، أو شاب يتعرض لإغواء من الجنس الآخر فيتذكر ان الله تعالى مطِّلع عليه وإن الشاهد هو الحكم فيكف عن الانسياق وراء شهوته وهكذا، وكان المعصومون (عليهم السلام) دقيقين في مراقبتهم لأنفسهم وإستحضار الرقابة الإلهية، روي ان الامام السجاد (عليه السلام) التاثت عليه ناقته ــ أي تباطأت ــ فرفع القضيب وأشار إليها وقال (لو لا خوف القصاص لفعلتُ) وفي رواية (آه من القصاص وردَّ يده عنها)[3] .

وعند عروض فرصة الطاعة فان الانسان التّواق إلى الكمال يذكر الله تعالى  وحثه على المسارعة إلى الخير فيلبي دعوة الله تعالى ويبادر إليها، قال تعالى (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) وقال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) وفي الرواية عن الامام الباقر (عليه السلام) (من همَّ بشيء من الخير فليعجّله فان كل شيء فيه تأخير فان للشيطان فيه نظرة)[4] وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال (كان أبي يقول: اذا هممت بخير فبادر فانك لا تدري ما يحدث)[5].

والتجربة شاهدة على ذلك فقد يتعرض الانسان لموقف إنساني كمساعدة محتاج أو معالجة مريض ويعزم على المساهمة بمبلغ معين يفي بالحاجة فاذا تأخر في إخراجه فان الشيطان يوسوس له بان هذا المبلغ كبير وعليه ان يوفره لعياله وانه ليدع غيره يساهم في المساعدة ونحو ذلك حتى يثنيه عن عزمه او يقلل مما قرّر سابقاً دفعه.

والأمر الآخر الذي عليه ان يتذكره عند الاقدام على الطاعة هو اخلاص النية في العمل فلا يقدم عليه الا بعد أن ينقي نيته من الرياء وحب السمعة ويختبر نفسه بانه لو لم يعلم احد بما فعل فهل سيتوقف عن العمل أم يتساوى عنده علم الناس وعدم علمهم لأن الله تعالى مُطلِّع على الحقائق وهذا كافٍ.

وعليه أن يطهر نفسه من العجب بنفسه والتباهي بما فعل لأنه يفسد العمل، وكذا عليه أن لا يحبط عمله بالمّن على من اسدى إليه المعروف وقال تعالى (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) (البقرة:264).

وعليه أن يتثبت من فعله بأنه برٌّ في موقعه لكيلا يضيع معروفة أو يؤدي إلى عكس النتيجة، روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله (مع التثبت تكون السلامة)[6] وتجد النبي (صلى الله عليه وآله) فرح كثيراً بدعاء سفانة بنت حاتم الطائي له (صلى الله عليه وآله) عندما عفى عنها ثم أطلق جميع اسرى قبيلتها طيئ حين قالت (أصاب الله ببرك مواقعه).



[1] - من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة جامعة الامام الصادق (عليه السلام) في العاصمة الإيرانية طهران يوم الأحد 24 رجب 1440 المصادف 31 / 3 / 2019

[2] - وسائل الشيعة: 3/195 ح 1، التهذيب:2 / 334 ح 1377

[3] - مستدرك الوسائل: 18 / 262

[4] و 5 - الكافي :2/142 ح 3، 9

 [6] - الخصال: 100 ح 52