جعفر الطيار (ع) فتى النقاء والعفاف والجهاد

| |عدد القراءات : 1422
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

جعفر الطيار (ع)

 فتى النقاء والعفاف والجهاد([1])

بمناسبة يوم الفتوة نستذكر جوانب من السيرة العطرة لأحد عظماء الفتوة في الإسلام قلّما يذكر في المجالس؛ لنستلهم منه دروس العفاف والاستقامة والجهاد في سبيل الله تعالى ونصرة قادة الإسلام، ولندخل السرور على قلب رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (صلوات الله عليهما) لحبّهم إياه وبقدر حزنهم عليه.

إنه جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فهو وإخوته أول من اجتمعت لهم ولادة هاشم من جهة الأم والأب، وكان (جعفر أكبر من علي ع بعشر سنين وكان عقيل - والد سفير الإمام الحسين مسلم - أكبر من جعفر بعشر سنين وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين)([2]).

وروى البلاذري بسنده عن الإمام جعفر الصادق (ع) رواية تذكر فروقاً في العمر بينهم أقل من ذلك([3])، ولم تذكر بعضها ولداً باسم طالب ولا ذكر له في التأريخ، وربما توهّمه بعضهم من جهة كنية أبي طالب.

 

نشأته الطاهرة

ولد ونشأ في بيت طهر وعفاف و إيمان وتوحيد قبل الإسلام وهو بيت أبي طالب سيد قريش وحامي رسول الله (ص) وكافله وناصره، وفاطمة بنت أسد المضحّية المجاهدة([4])، لذلك عفّت نفسه منذ صباه عما كان يمارسه أهل الجاهلية من فواحش وعبادة للأوثان وهي حالة نادرة في ذلك المجتمع الجاهلي الغارق في الفسق والفجور.

وقد أشاد النبي (ص) بهذه الفضيلة لجعفر بعد ذلك وأراد إشهارها بين المسلمين ليعرفوا فضله وسمو بيته الطاهر حتى لا ينافسهم من لا يدانيهم في هذه المرتبة، فقد روي عن أبي جعفر الباقر (ع) (قال: أوحى الله تعالى إلى رسول الله (ص) إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي (ص) فأخبره، فقال: لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتُك، ما شربت خمراً قط، لأني علمت أني إن شربتها زال عقلي، وما كذبت قط، لأن الكذب ينقص المروة، وما زنيت قط لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع، قال: فضرب النبي (ص) على عاتقه وقال: حق لله تعالى أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة)([5]).

فالخصال الحميدة الراسخة في قلب الإنسان ونفسه يحبّها الله تعالى ويشكرها لعبده ويجازيه عليها.

 

سبقه الى الاسلام

ولذا كان من الطبيعي أن يسارع إلى الإيمان بالنبي (ص) حينما بعث بالنبوة لم يسبقه إلا علي و خديجة صلوات الله عليهما وأبو طالب الذي كان يخفي إسلامه، وكان ذلك في الأيام الأولى من دعوته السرية التي استمرت ثلاث سنوات على ما روي قبل الصدع بها، وكان جعفر يومئذ في العشرين من عمره، روى في البحار عن علي بن إبراهيم صاحب التفسير عن بدء بعث النبي (ص) إلى أن قال: (فلما أتى لذلك – أي البعثة والتحاق علي وخديجة – أيام دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله (ص) ومعه جعفر، فنظر إلى رسول الله (ص) وعلي بجنبه يصليان، فقال لجعفر: يا جعفر صِلْ جناح ابن عمك([6])، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر)([7]). 

ورواه الشيخ الصدوق في الأمالي بسنده عن الإمام الصادق (ع) وفيه (فلما أحسَّه – أي التحاق جعفر به – تقدمهما وانصرف أبو طالب مسروراً وهو يقول:

إن عـلـياً وجـعفـــــراً ثقــــتـي        

عند ملم الزمـــــان والكــربِ 

والله لا أخـــــــــذل النبي ولا

يخذله مـــن بنيَّ ذو حـــسبِ 

لا تخذلا وانصرا ابن عمكمـا

أخي لأمي من بينهم وأبـــــي 

قال: فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم)([8]). 

فليس صحيحاً ما ذكره ابن هشام في سيرته([9]) وابن حجر في الإصابة عن ابن إسحاق أنه ((أسلم بعد خمسة وعشرين رجلاً وقيل بعد واحد وثلاثين))([10]) وذكر ابن هشام أسماءهم.


 

 

هجرته إلى الحبشة وإسلام ملكها على يديه

خرج على رأس المسلمين الأوائل من مكة في رحلة محفوفة بالمخاطر والمشقة مهاجرين عبر البحر الأحمر إلى الحبشة (اثيوبيا اليوم) ولم تذكر المصادر كيفية خروجهم وقريش المستكبرة العنيدة تتربص بأصحاب النبي (ص) وتلاحقهم بالتعذيب والتنكيل ليرجعوا عن دينه حتى استشهد والدا عمار بن ياسر تحت التعذيب ولا تسمح قريش بخروج هذا الجمع من ابنائها عن سلطتها ويخشون من افسادهم للعلاقة بينهم وبين ملك الحبشة.

وعلى أي حال فربما كان خروجهم بحماية من ابي طالب او خرجوا سراً متخفّين الواحد والاثنين ثم اجتمعوا في مكان ليعبروا البحر، وكان مع جعفر (ع) امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية.

روى ابن هشام عن ابن إسحاق قال: ((فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، لمكانه من الله ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه. فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام))([11]).

وقال: ((فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قد آمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها داراً وقراراً، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي، فيردهم عليهم، ليفتنوهم في دينهم، ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها، فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص بن وائل، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته، ثم بعثوها إليه فيهم))([12]).

ونفّذ الرجلان ما أرسلا به وطلبا من النجاشي رد المهاجرين إلى بلدهم وتسليمهم إلى قريش، وروت لنا أم المؤمنين أم سلمة ما جرت من أحداث وكانت مع زوجها أبي سلمة في المهاجرين، وكان المتحدث باسم المهاجرين والمبيّن للدين الجديد جعفر بن أبي طالب (ع)، قالت أم سلمة: (فأرسل النجاشيّ إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟

قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوا - وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله - سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟ قالت: فكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه)، فقال له: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام -. قالت -أي أم سلمة-: فعدّد عليه أمور الإسلام – فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن إلا نظلم عندك أيها الملك.

قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ، قالت: فقرأ عليه صدراً من {كهيعص} -أي سورة مريم-. قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضلّت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال (لهم) النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون)([13]).

ومن هذه الكلمات نعلم أن جعفراً قد أُشرِب بالإيمان في قلبه ووعى أحكام الإسلام وكان بعضها لم يشرَّع بعدُ -كالصوم الذي وجب في المدينة- فمن المحتمل أن يكون جعفر من خاصة النبي (ص) وأهل بيته الذين كانوا يعملون بتمام الشريعة قبل تكليف عامة الناس بها، أو أنه (ع) أدرك هذه الأحكام بفطرته السليمة ونقاوته وإن لم ينزل بها تشريع، او انها من الحنيفية التي كان يتعبد بها على دين إبراهيم (ع) قبل ان يبعث النبي (ص) بالإسلام.

وبذلك استحق أن يكون سفيراً للنبي (ص) وداعياً إلى الإسلام، وقد أجرى الله تعالى الخير على يديه حيث أسلم النجاشي ملك الحبشة ببركة جهوده([14]).

بقي في الحبشة سنين طويلة قد تصل إلى خمس عشرة سنة ولم يحضر وفاة والده أبي طالب سيد البطحاء وناصر رسول الله وحاميه في مكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد محنة الحصار في الشِعب بين الجبال، ولا وفاة أمه فاطمة بنت أسد التي قال فيها رسول الله (ص) لمّا أبلغه ولدها علي (ع) بوفاتها: (رحم الله أمك يا علي، أما إنها إن كانت لك أماً فقد كانت لي أماً)([15]) وصلى عليها صلاة لم يصلها على أحد قبلها، وقد توفيت في المدينة بعد الهجرة.

 

 

 

هل حضر جعفر (ع) زواج أخيه علي (ع)

ذكرت الروايات من كتب الفريقين ان أسماء بنت عميس زوج جعفر بن ابي طالب حضرت زواج امير المؤمنين وفاطمة (صلوات الله عليهما) وهي التي هيأت فاطمة وزفّتها الى زوجها بحضور رسول الله (ص) وان النبي (ص) امر النساء بالخروج فخرجن الا أسماء فسالها عن السبب قالت ((فداك ابي وامي ان الفتاة اذا زُفّت الى زوجها تحتاج الى امرأة تتعهدها وتقوم بحوائجها فاقمت هاهنا لأقضي حوائج فاطمة (عليها السلام) ، قال رسول الله (ص) (يا أسماء قضى الله لك حوائج الدنيا والاخرة)[16]، وفي رواية أخرى ان النبي (ص) استثناها من الامر بالانصراف وقال لها ( كما انت على رسلك من انت؟ قالت: انا التي احرس ابنتك ان الفتاة ليلة يبنى بها لابد لها من امرأة تكون قريبة منها ان عرضت لها حاجة او ارادت شيئا افضت بذلك اليها، قال النبي (ص): فاني اسال الله ان يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم)[17]

وروت أسماء للنبي (ص) السبب مفصلاً فقالت: ((حضرت وفاة خديجة (عليها السلام) فبكت، فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين، وأنت زوجة النبي (ص) مبشرة على لسانه بالجنة، فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها، وتستعين بها على حوائجها وفاطمة حديثة عهد بصبي وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ فقلت:

يا سيدتي لك [علي] عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الامر فلما كانت تلك الليلة وجاء النبي (ص) أمر النساء فخرجن وبقيت، فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال: من أنت؟ فقلت: أسماء بنت عميس، فقال: ألم آمرك أن تخرجي؟ فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، وما قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة عهدا - وحدثته - فبكى، فقال: بالله لهذا وقفت؟ فقلت: نعم والله فدعا لي)[18]

قال ابن شهر آشوب في المناقب ((وباتت عندها أسماء بنت عميس اسبوعاً بوصية خديجة فدعا لها النبي (ص) في دنياها وآخرتها)).

وهنا يرد اشكال سجله عدد من المؤرخين والكتاب في سيرة اهل البيت (عليهم السلام).

حاصله: ان زواج امير المؤمنين (عليه السلام) كان بعد معركة بدر مباشرة والمشهور انه في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة، وكانت أسماء يومئذٍ في الحبشة مع زوجها جعفر وعادا الى المدينة في السنة السابعة فكيف تصح هذه الرواية، ومن البعيد ان تكون تركت جعفر هناك وعادت الى المدينة لانها بقيت معه هناك وولدت له أولاد هناك وعادت معه، واذا قبلنا بحضورها زواج امير المؤمنين (عليه السلام) فلابد ان نقبل بحضور جعفر (عليه السلام) أيضاً.

بل صرحت بعض المصادر بوجود جعفر (عليه السلام) في المناسبة كالذي أورده ابن شهر اشوب في المناقب عن ابن مردويه قال (( فمكث علي تسعة وعشرين ليلة ــ أي بعد اجراء الخطوبة والعقد في شوال ــ فقال له جعفر وعقيل: سله ان يدخل عليك أهلك))[19]  وان جعفر كان مع علي حمزة وعقيل في موكب الزفاف. وممن أورد الاشكال محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ثم قال (( قال محمد بن يوسف هكذا رواه ابن بطة وهو حسن عال، وذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح، لان أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب تزوجها بعده أبو بكر فولدت له محمدا، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة (عليها السلام) إنما هي أسماء بنت يزيد ابن السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كان مع زوجها جعفر بالحبشة، وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع، وكان زواج فاطمة (عليها السلام) بعد وقعة بدر، بأيام يسيرة فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث إنما هي بنت يزيد ولها أحاديث عن النبي (ص))[20] .

لكن السيد محسن الأمين (قدس) ناقش في هذا التوجيه وقال ((واشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن بان يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لشهرتها الا ان آخر الحديث ينافي ذلك لان فيه انها حضرت وفاة خديجة وخديجة توفيت بمكة قبل الهجرة وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة ولم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة مع أن هذا ان رفع الاشكال في أسماء لم يرفعه في جعفر الذي كرر مرتين ذكره واحتمل في كشف الغمة أن تكون التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أخت أسماء وزوجة حمزة وأن يكون بعض الرواة اشتبه بأسماء لشهرتها[21]، وهذا أيضا ان رفع الاشكال في أسماء لا يرفعه في جعفر الا ان يقال لما حصل الاشتباه في أسماء حصل الاشتباه في جعفر فجعل موضع حمزة والله أعلم)) [22].

أقول: يمكن ان نفسَّر ورود ذكر أسماء بنت عميس وزوجها جعفر في الروايات بما ذكروه من الاشتباه على ان مناقشته السيد الأمين يمكن ردّها اذا استظهرنا كون هجرة جعفر وأسماء الى الحبشة كانت قبل وفاة خديجة(عليها السلام)

 اما اذا صحّت وصية خديجة لأسماء فنحتمل ان النبي (ص) ارسل الى جعفر وأسماء في الحبشة ان يأتوا على نحو السرعة ليحضروا زواج علي وفاطمة وتُنفّذ وصية خديجة (عليها السلام) لان النبي (ص) كان يحب كل ما تحبه خديجة ويحرص على تنفيذ كل ما اوصت به كما تشهد به الروايات وهذه الوصية فيها إدخال للسرور على قلب خديجة وهي في اعلى عليين فما كان ليفوّتها النبي (ص) فأمر جعفر ان يأتي بأسماء الى المدينة ولو بمقدار حضور هذه المناسبة ولا مانع من ذلك فالطريق من الحبشة إلى المدينة عبر البحر لم يكن فيه مشقة وقد فعل المسلمون المهاجرون الى الحبشة ما هو اخطر من ذلك حيث وصلهم خبر ان قريش قد آمنت بالنبي (ص) واستقرت الأوضاع في مكة فعاد جمع منهم إلى مكة (ومنهم أبو سلمة وزوجته أم سلمة وابنهما) فلما وصولوا قريباً من مكة عرفوا كذب الخبر فمنهم من رجع الى حبشة ومنهم من دخل مكة وبقى فيها الى ان هاجر مع المسلمين الى المدينة (ومنهم أبو سلمة الذي استشهد بعد معركة أحد من جرح أصابه فيها) فعودة جعفر وامرأته إلى المدينة وارد جداً لكنه لم يحظ بضجة إعلامية لأن مهمته لم تنته بعد كما حصل له عند رجوعه النهائي في السنة السابعة من الهجرة.


 

 

عودته إلى المدينة وسرور النبي البالغ به

ورجع إلى المدينة في أوائل السنة السابعة من الهجرة واختط له النبي (ص) داراً إلى جنب المسجد([23])، وكان قدومه متزامناً مع انتصار النبي (ص) على اليهود في خيبر وفتح حصونهم على يدي أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وفي رواية حذيفة بن اليمان قال: ((قدم جعفر رحمه الله والنبي (ص) بأرض خيبر فأتاه بالفرع من الغالية والقطيفة، فقال النبي (ص): (لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله)([24]) فدفعها إلى علي (ع) .. إلى آخر الرواية)).

وفرح النبي (ص) بقدومه أشد الفرح فقد روى زرارة عن الإمام الباقر (ع) قال: (ولما افتتح رسول الله (ص) خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة، فقال (ص): ما أدري بأيهما أنا  أسَرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر)([25]).

وعن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: (لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله (ص)، فلما نظر جعفر إلى رسول الله (ص) حجل([26])، فقبل رسول الله بين عينيه).

وروى زرارة، عن أبي جعفر الباقر ع (أن رسول الله (ص) لما استقبل جعفراً التزمه ثم قبل بين عينيه، قال: وكان رسول الله (ص) بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وكان أمر عمرواً أن يتقدم بجعفر وأصحابه، فجهز النجاشي جعفراً وأصحابه بجهاز حسن، وأمر لهم بكسوة وحملهم في سفينتين)([27]). 

 وروى الشيخ الصدوق في الخصال والعيون بإسناده عن أبي محمد العسكري، عن آبائه، عن علي  قال: (إن رسول الله (ص) لمّا جاءه جعفر بن أبي طالب من الحبشة قام إليه واستقبله اثنتي عشرة خطوة، وقبل ما بين عينيه وبكى، وقال: لا أدري بأيهما أنا أشد سروراً؛ بقدومك يا جعفر أم بفتح الله على أخيك خيبر؟ وبكى فرحاً برؤيته)([28]).

 


 

 

 صلاة جعفر: هدية أهل الكمالات المعنوية

وقدّم له النبي (ص) هدية معنوية جليلة بهذه المناسبة وهي الصلاة المعروفة بصلاة جعفر الطّيار التي يصفها العرفاء بأنها الإكسير الأعظم لنيل الكمالات المعنوية، وهي من مختصات أهل الولاية التي حباهم الله تعالى بها، فكانت صدقة جارية لجعفر يأتيه مثل ثواب من أقامها إلى يوم القيامة فجزاه الله خير جزاء المحسنين وأحسن مثواه.

وقد وردت عشرات الأحاديث في فضلها وثواب أدائها وكيفيتها، روى الكليني بسند صحيح عن أبي بصير عن الإمام الصادق قال: (قال رسول الله (ص) لجعفر: يا جعفر ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك فقال له جعفر: بلى يا رسول الله، قال: فظن الناس أنه يعطيه ذهباً أو فضة، فتشرف الناس لذلك، فقال له: إني أعطيك شيئاً إن أنت صنعته في كل يوم كان خيراً لك من الدنيا وما فيها وإن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما، تصلي أربع ركعات تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، تقول ذلك خمس عشرة مرة بعد القراءة فإذا ركعت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من الركوع قلته عشر مرات فإذا سجدت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجود فقل بين السجدتين عشر مرات فإذا سجدت الثانية فقل عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل أن تقوم فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات ألف ومائتا تسبيحة و تهليلة وتكبيرة وتحميدة إن شئت صليتها بالنهار وإن شئت صليتها بالليل)([29]).

أقول: وهي أربع ركعات كل اثنتين على حدة بتشهّد وتسليم، ويؤتى بها في أي وقت وأفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ويستحب أداؤها عند زيارة المعصومين فهي هدية مناسبة لهم سلام الله عليهم أجمعين.

وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (ع) (تقرأ في الأولى إذا زلزلت، وفي الثانية والعاديات، وفي الثالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرابعة بقل هو الله أحد. قلت: فما ثوابها؟ قال: لو كان عليه مثل رمل عالج([30]) ذنوباً غفر (الله) له، ثم نظر إليّ فقال: إنما ذلك لك ولأصحابك)([31]).


 

 

قيادته الجيش إلى معركة مؤتة وشهادته:

ولم يلبث في المدينة طويلاً حيث أمّره النبي (ص) في جمادى من السنة الثامنة للهجرة على جيش وأرسله إلى قتال الروم في بلاد الشام انتقاماً لقتل رسوله إليهم، وفي رواية أبان بن عثمان عن الصادق (ع) (أنه استعمل عليهم جعفراً فإن قُتل فزيد - بن حارثة -  فإن قتل فعبد الله بن رواحة)([32]) وهذا الترتيب في القيادة هو المشهور لدى الشيعة واختلف معهم رواة العامة وأشار ابن أبي الحديد في شرح النهج إلى هذا الاختلاف ومال إلى ما عليه الشيعة، قال في شرح غزاة مؤتة: ((اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكر الشيعة ذلك وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فإن قتل فزيد بن حارثة، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، ورووا في ذلك روايات، وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم))([33]).

أقول: سيأتي في القصائد التي قالها الصحابة في رثاء جعفر ما يدل على ما ذهب إليه الشيعة.

وروي عن ابن شهاب الزهري قال: ((لما قدم جعفر بن أبي طالب من بلاد الحبشة بعثه رسول الله (ص) إلى مؤتة واستعمل على الجيش معه زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة فمضى الناس معهم حتى كانوا بنحو البلقاء فلقيهم جموع هرقل من الروم والعرب فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة ليعسكروا فيها فالتقى الناس عندها، واقتتلوا قتالاً شديداً))([34]) حتى استشهدوا وكانت الحرب غير متكافئة فالمسلمون ثلاثة آلاف والروم ومن والاهم من القبائل العربية تجاوزا مائة ألف وروي أنهم مائتا ألف وفي الاستيعاب عن ابن عمر انه قال وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربه بالسيف وطعنة بالرمح.

وقد أقدم على الشهادة باطمئنان وتسليم تام لم يرقَ إليه حتى رفيقاه في القيادة وهما من أجلاء الصحابة؛ فقد روى ابن عبد البر بسنده عن رسول الله (ص) قال: (مُثل لي جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من دُرّ، كل منهم على سرير، فرأيت زيداً وابن رواحة في أعناقهما صدود ورأيت جعفراً مستقيماً ليس فيه صدود، قال: فسألت أو قيل لي: إنهما حينما غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدّا بوجوههما وأما جعفر فلم يفعل))([35]).

وروى ابن إسحاق وابن هشام في سيرته أن جعفراً أنشد حين نزل إلى المعركة:

يا حبذا الجنة واقترابها        طيّبة وباردٌ شرابها([36])

وأنه قاتل قتالاً شديداً، حتى قطعت يده اليمنى فأخذ الراية بيده اليسرى وقاتل إلى أن قطعت اليسرى أيضاً فاعتنق الراية وضمها إلى صدره حتى قُتل، ووجد به نيف وسبعون وقيل نيف وثمانون ما بين طعنة وضربة ورمية([37]).

وقد كشف للنبي (ص) عن أرض المعركة وكان ينقل لأصحابه أحداثها، قال جابر: (فلما كان اليوم الذي وقع فيه حربهم صلى النبي (ص) بنا الفجر ثم صعد المنبر فقال: قد التقى إخوانكم مع المشركين للمحاربة، فأقبل يحدثنا بكرّات بعضهم على بعض إلى أن قال: قُتل زيد بن حارثة وسقطت الراية، ثم قال: قد أخذها جعفر بن أبي طالب وتقدم للحرب بها، ثم قال: قد قُطعت يده وقد أخذ الراية بيده الأخرى، ثم قال: قُطعت يده الأخرى وقد أخذ الراية في صدره، ثم قال: قتل جعفر بن أبي طالب وسقطت الراية، ثم أخذها عبد الله بن رواحة وقد قتل من المشركين كذا وقتل من المسلمين كذا فلان وفلان، إلى أن ذكر جميع من قتل من المسلمين بأسمائهم، ثم قال: قتل عبد الله بن رواحة، وأخذ الراية خالد بن الوليد فانصرف المسلمون، ثم نزل عن المنبر وصار إلى دار جعفر فدعا عبد الله بن جعفر فأقعده في حجره، وجعل يمسح على رأسه، فقالت والدته أسماء بنت عميس: يا رسول الله إنك لتمسح على رأسه كأنه يتيم، قال: قد استشهد جعفر في هذا اليوم، ودمعت عينا رسول الله (ص) وقال: قطعت يداه قبل أن يستشهد وقد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء)([38]).

وروى الكليني في الكافي والبرقي في المحاسن بسندهما عن الإمام الصادق عن أبيه (ع) قال : (لما كان يوم مؤتة كان جعفر على فرسه فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها([39]) - أي قطع عرقوبها وهو عصب غليظ فوق العقب - بالسيف وكان أول من عرقب في الإسلام)([40]).

وروى في المحاسن عن العباس بن موسى بن جعفر قال: (سألت أبي عن المأتم؟ - فقال: إن رسول الله (ص) لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر، فقـــال: أين بني؟ - فدعت بهم وهم ثلاثة، عبد الله، وعون، ومحمد، فمسح رسول الله رؤوسهم، فقالت: إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام؟ - فتعجب رسول الله (ص) من عقلها فقال: يا أسماء ألم تعلمي أن جعفراً (رضي الله عنه) استشهد فبكت فقال لها رسول الله (ص): لا تبكى فإن جبرئيل (ع) أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر، فقالت: يا رسول الله (ص) لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله (ص) من عقلها، ثم قال رسول الله (ص): ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً، فجرت السنة)([41]).

وينبغي التنويه هنا الى ان معركة مؤته وملابساتها من مفاصل الكتابة عن السيرة النبوية التي يجب مراجعتها والتحقيق فيها إذ ان تفاصيلها نقلت بواسطة رواة لا يوثق بهم، مثلاً تذكر الروايات ان جيش المسلمين انهزم من المعركة بعد استشهاد القادة وتسلّم خالد ابن الوليد قيادتهم ولما عادوا الى المدينة قاطعهم أهلها حتى افراد عوائلهم لولا ان النبي (ص) دافع عن موقفّهم،   بينما تشير ملابسات المعركة الى ان قادة المسلمين دفنوا جثث القادة والشهداء وتمكنوا من إحصاء جراحات جعفر وهذا يعني انهم كانوا موجودين في ساحة المعركة ولم ينهزموا ويتركوا جثث قتلاهم كما هو شأن المنهزم.

فيحتمل ان القائد قسَّم الجيش اكثر من فرقة بإمرة القادة الثلاث وان بعض هذه الفرق انهزمت مع خالد بعد مقتل قائدها وتركت الفرقة الأخرى بقيادة جعفر تقاتل وحدها علما بانه كان يوجد في الجيش من اقترح عدم خوض المعارك قبل حصول المواجهة لعدم تكافؤا العدد والرجوع الى المدينة.

او ان مؤتة شهدت اكثر من معركة انتصر المسلمون في بعضها او أي احتمال اخر ولعل خيانة حصلت من بعض قطعات الجيش لذا يستغرب بعض المؤرخين من استشهاد جميع القادة وسلامة الجنود الا القليل منهم ([42]) فالامر يحتاج الى تحقيق وتحليل وجمع الشواهد والقرائن والله العالم .


 

 

 حزن النبي (ص) وأهل بيته وأصحابه عليه

روي في الكافي عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: (بينما رسول الله (ص) في المسجد إذ خفض له كل رفيع ورُفع له كل خفيض -أي سُطحت الأرض له (ص) وطويت- حتى نظر إلى جعفر ع يقاتل الكفار قال: فقتل، فقال رسول الله (ص): قُتل جعفر، وأخذه المغص في بطنه)([43]).

وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (ع) قال: (إن النبي (ص) حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جداً، ويقول: كانا يحدّثاني ويؤنساني فذهباً جميعاً)([44]).

وفي الاستيعاب أيضاً أنه لما أتى  النبي (ص) نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها في زوجها جعفر ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول وا عمّاه فقال رسول الله (ص) على مثل جعفر فلتبك البواكي).

وروي عن عبد الله بن جعفر أنه قال: (أنا أحفظ حين دخل رسول الله (ص) على أمي فنعى لها أبي: فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهراقان الدموع حتى تقطر لحيته، ثم قال: اللهم إن جعفراً قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته. ثم قال: يا أسماء ألا أبشرك؟ قالت: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة. قالت: فأعلم الناس ذلك، فقام رسول الله (ص) وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي إلى المنبر، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يُعرف عليه، فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه([45])، ألا إن جعفراً قد استشهد، وجعل له جناحان يطير بهما في الجنة، ثم نزل (ص) ودخل بيته، وأدخلني معه، وأمر بطعام يصنع لأجلي، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيباً مباركاً، وأقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا فأتانا رسول الله (ص) وأنا أساوم شاة أخٍ لي، فقال: اللهم بارك له في صفقته، قال عبد الله: فما بعت شيئاً ولا اشتريت شيئاً إلا بورك لي فيه)([46]).

قال الصادق ع: (قال رسول الله (ص) لفاطمة: اذهبي فابكي على ابن عمك فإن لم تدعي([47]) بثكل فما قلت فقد صدقت)([48]).

وقد أتم رضوان الله تعالى عليه الأربعين من عمره حين استشهد.

وقال كعب بن مالك قصيدة يرثي جعفراً وشهداء مؤتة حين بلغهم الخبر منها:

 

صـــلى الإلـــه علــيهمُ من فـتــيـة

وسقى عظامـــهم الغمام الـمسبلُ

سـاروا أمـام المسلــمين كـــأنهـم

طـود يقــودهـم الهزبــر الـمشبــل

إذ يـهتــدون بجـــعـــفر ولــــوائـه

قــــدام أولــهــــم ونـــعـــم الأول

حتى تقوضــت الصفوف وجعفر

حيــث التـقى جمـع الغـواة مجدّلُ

قــوم بــهم نـــصر الإلــهُ عـبـــاده

وعليـــهم نزل الكـتــاب المنــزل

وبهــديــهم رضـــي الإله لخــلقه

وبجـــدهم نــصر النــبي المرسل

بيض الوجوه ترى بطون أكفهم

تندى إذا اغـبرّ الزمـــان المـمحل

فتــغير القــــمــــر المنـــير لفــــقده

والشمس قد كسفت وكادت تأفل([49])

أقول: القصيدة صريحة بأن جعفراً كان هو القائد الأول للجيش كما يذهب إليه الشيعة خلافاً لمشهور العامة.

ومما قال حسان بن ثابت في رثائهم:

فلا يــبعـــدنَّ الله قتـــلى تتــابــعــوا

بــمــؤتة مــنهم ذو الجــناحـين جعفرُُ

وزيــد وعــبد الله حــين تتــابــعــوا

جميعاً، وأســـبــاب الـــمنــية تـخطرُ

غــداة مــضوا بالمؤمــنين يقــودهم

إلى الموت مـيمون النقيـــبة أزهـــرُ

أغرٌّ كــضوء البـدر من آل هــاشم

أبــيٌّ إذا سِــيم الظــــلامــــة مـجسرُ

فطــاعنَ حتى مــال غــير مــوســـد

لمــعـترك فــيه قـــنـــاً مــتــكـســرُ

فصــار مـع الـمستـشهــدين ثوابــه

جنــان ومــلـتــفّ الحـدائق أخضرُ

وكنـا نـرى في جـعفر مــن محمــد

وفــاءً وأمــراً حـــازمــاً حــين يأمـرُ

فما زال في الإسلام من آل هاشـم

دعائــم عـــزٍّ لا يـــزلـــن ومــفـخرُ

همُ جبل الإسلام والناس حولهـــم

رضام إلى طـود يــروق ويــقـهـــرُ

بـهــاليلُ مــنهـم جــعـفر وابــن أمه

عـلــيٌ، ومـنــهــم أحـــمدُ المتخيَّرُ

وحــمـزة والعــباس منهم، ومنهم

عقيل، وماء العود من حيث يعصرُ

بهم تفرج الـلاواء في كـل مـــأزقٍ

عماس إذا ما ضاق بالناس مصدرُ

هـم أولــيــاء الله أنــزل حــكــمــه

عليهم، وفيهم ذو الكتاب الـمطهرُ([50])


 

 

فضله وعظيم منزلته

روى الفريقان في فضله وعظيم عند الله و عند رسول الله (ص) أحاديث كثيرة، وقد تقدّم بعضها من مصادرنا حيث شكره الله تعالى على استقامته وحسن سيرته وأبان النبي (ص) للمسلمين فضله وعلوّ منزلته.

وهو ممن نزلت في فضله آيات قرآنية، منها قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا..}([51]) (الحج : 39) وقوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}([52]) (النساء: 69).

ومنها قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب : 23).

روى الشيخ الصدوق في الخصال حديثاً طويلاً عن أمير المؤمنين (ع) قال: (ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله (ص) أنا وعمي حمزة وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عز وجل فأنزل الله فينا {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً} حمزة وجعفر وعبيدة، وأنا -والله- المنتظر)([53]).

وروى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن أصبغ بن نباتة قال: (رأيت أمير المؤمنين ع يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله (ص) (ثم) قال: أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟، فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدثنا فإنك كنت تشهد ونغيب، فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد به إلا جاحد، فقام عمار بن ياسر - رحمه الله - فقال، يا أمير المؤمنين سمّهم لنا لنعرفهم، فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله: الرسل وإن أفضل الرسل محمد (ص) وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصيّ نبيّها حتى يدركه نبي، ألا وإن أفضل الأوصياء وصيّ محمد عليه وآله السلام، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شيء كرم الله به محمداً (ص) وشرّفه والسبطان الحسن والحسين والمهدي ، يجعله الله من شاء منا أهل البيت، ثم تلا هذه الآية {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً} (النساء:69-70) )([54]).

وروى في الكافي بسنده عن يوسف بن ابي سعيد قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) ذات يوم فقال لي: إذا كان يوم القيامة وجمع الله تبارك وتعالى الخلائق كان نوح (صلى الله عليه) أول من يدعا به، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد بن عبد الله (ص)، قال: فيخرج نوح (صلى الله عليه) فيتخطى الناس حتى يجئ إلى محمد (ص) وهو على كثيب المسك ومعه علي (ع) وهو قول الله عز وجل: " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " فيقول نوح لمحمد (ص): يا محمد إن الله تبارك وتعالى سألني: هل بلغت؟ فقلت: نعم، فقال: من يشهد لك؟ فقلت: محمد، فيقول: يا جعفر ويا حمزة اذهبا واشهدا له أنه قد بلغ، فقال أبو عبد الله (ع): فجعفر وحمزة هما الشاهدان للأنبياء (ع) بما بلغوا، فقلت: جعلت فداك فعلي (ع) أين هو؟ فقال: هو أعظم منزلة من ذلك ([55]).

وروى أيضاً في موضع آخر (أن رسول الله (ص) كان في بعض مغازيه فمر به ركب وهو يصلي فوقفوا على أصحاب رسول الله (ص) وسائلوهم عن رسول الله (ص) ودعوا وأثنوا وقالوا: لولا أنا عجال لانتظرنا رسول الله (ص) فأقرؤه منا السلام، ومضوا فأقبل رسول الله (ص) مغضباً ثم قال لهم: يقف عليكم الركب ويسألونكم عني ويبلغوني السلام ولا تعرضون عليهم الغداء!، ليعزّ على قوم فيهم خليلي جعفر أن يجوزوه حتى يتغدوا عنده)([56]).

وورد في غيبة النعماني بسنده عن أبان بن عثمان قال: (قال أبو عبد الله جعفر بن محمد ع: بينا رسول الله (ص) ذات يوم في البقيع حتى أقبل علي ع فسأل عن رسول الله (ص) فقيل إنه بالبقيع، فأتاه علي ع فسلّم عليه فقال رسول الله (ص): اجلس فأجلسه عن يمينه، ثم جاء جعفر بن أبي طالب فسأل عن رسول الله (ص) فقيل له: هو بالبقيع فأتاه فسلم عليه فأجلسه عن يساره، ثم جاء العباس فسأل عن رسول الله (ص) فقيل له: هو بالبقيع فأتاه فسلم عليه فأجلسه أمامه، ثم التفت رسول الله (ص) إلى علي ع فقال: ألا أبشرك؟ ألا أخبرك يا علي، فقال: بلى يا رسول الله، فقال: كان جبرئيل ع عندي آنفاً وأخبرني أن القائم الذي يخرج في أخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً (كما مُلئت ظلماً وجوراً) من ذريتك من ولد الحسين، فقال علي: يا رسول الله ما أصابنا خير قط من الله إلا على يديك، ثم التفت رسول الله (ص) إلى جعفر بن أبي طالب فقال: يا جعفر ألا أبشرك؟ ألا أخبرك؟ قال: بلى يا رسول الله، فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً فأخبرني أن الذي يدفعها (أي الراية) إلى القائم هو من ذريتك، أتدري من هو؟ قال: لا، قال: ذاك الذي وجهه كالدينار (كالبدر ل خ)، وأسنانه كالمنشار، وسيفه كحريق النار، يدخل الجند ذليلاً، ويخرج منه عزيزاً، يكتنفه جبرئيل وميكائيل، ثم التفت إلى العباس فقال: يا عم النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل ع؟ فقال: بلى يا رسول الله، قال: قال لي جبرئيل: ويل لذريتك من ولد العباس، فقال: يا رسول الله أفلا أجتنب النساء؟ فقال له: (قد) فرغ الله مما هو كائن)([57]).

وكان النبي (ص) يعدّه من أهل بيته فقد روى والد الشيخ الصدوق قال: إن رسول الله (ص) نظر إلى ولدي أمير المؤمنين الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) وبنات جعفر بن أبي طالب صلوات الله عليه فقال: (بنونا لبناتنا وبناتنا لبنينا)([58])، أقول : لم تذكر المصادر وجود بنات لجعفر وهذا لا يؤثر فمحل كلامنا حديث رسول الله ص وقد تزوّج عبد الله بن جعفر العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين (ع)، وتزوّج محمد بن جعفر أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) بحسب رواية الواقدي([59]).

وكان لجعفر منزلة كبيرة في قلب أخيه أمير المؤمنين وفي كتاب كتبه (ع) إلى معاوية: (إن قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين، ولكلٍ فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيد الشهداء، وخصّه رسول الله (ص) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه، أوَلا ترى أن قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا فُعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل: الطيار في الجنة وذو الجناحين)([60])

وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن الشعبي قال: (سمعت عبد الله بن جعفر يقول: كنت إذا سألت عمي علياً شيئاً فمنعني أقول له: بحق جعفر فيعطيني)([61]).

وروي في تفسير فرات الكوفي عن الامام الباقر (ع) حديث في ذكر اهل البيت (ع) وجعفر ذوا الجناحين والقبلتين والهجرتين والبيعتين من الشجرة المباركة)([62] ).

وعن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) قال (إذا جمع الله الأولين والآخرين كان أفضلهم سبعة منا بني عبد المطلب) الى ان قال وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين يطير مع الملائكة، لم ينحله شهيدا قط قبله رحمة الله عليهم أجمعين)([63]).

 والروايات في فضله كثيرة من مصادر العامة ايضا، ففي صحيح البخاري و سنن الترمذي أن النبي (ص) قال له: (أشبهت خلقي وخلقي)([64])، ورواه في الاستيعاب بسنده عن علي (ع) أن النبي (ص) قال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي يا جعفر).

وكان الصحابة يعرفون ذلك فقد روى أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين بسنده عن أبي هريرة قال: (ما ركب أحد المطايا ولا ركب الكور ولا انتعل ولا احتذى النعال أحد بعد رسول الله (ص) أفضل من جعفر بن أبي طالب).

وكان جعفر (ع) معروفاً بحبّه للمساكين وضعفاء الناس فيغدق عليهم من عطائه ويجلس إليهم ويحدّثهم ويحدثّونه -روى ذلك ابن ماجة في سننه عن أبي هريرة- ورواه المتقي الهندي عن سند بلال([65]).

وقال أبو هريرة أيضاً (كان أخير الناس للمسلمين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقّها فنلعق ما فيها)([66])، وروى ابن ماجة في سننه وابن حجر في الإصابة أن النبي (ص) كان يكنّيه أبا المساكين.

وسمّاه النبي (ص) ومن معه بأهل الهجرتين لأنهم هاجروا إلى الحبشة وإلى المدينة، روى ذلك مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري قال: (دخلت أسماء بنت عميس -زوج جعفر- وهي ممن قدم معنا على حفصة زوجة النبي (ص) زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم منكم، فغضبت وقالت كلمة: كذبت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاءت النبي (صلى الله عليه - وآله- وسلم) قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم: ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني إرسالاً يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، قال أبو بردة: فقالت أسماء فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني)([67]).

 

زوجه وأولاده وولاؤهم لأهل البيت (ع)

 تزوج في مكة قبل الهجرة أسماء بنت عميس الخثعمية و هاجرت معه إلى الحبشة، وهي امرأة جليلة واعية ذات بصيرة سبقت إلى الإسلام مع زوجها جعفر، أثنى عليها رسول الله (ص) وعلى رجحان عقلها، روي أنه (لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة، مع زوجها جعفر بن أبي طالب ع، دخلت على نساء رسول الله (ص)، فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا. فأتت رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، إن النساء لفي خيبة وخسار. فقال (ص): ومم ذلك؟ قالت: لأنهن لا يُذكرن بخير، كما يذكر الرجال. فأنزل الله تعالى هذه الآية. {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً})([68]).

وكانت مقرّبة للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) وملازمة لها خصوصاً أيام محنتها وهي التي تولّت مداراتها في مرضها وكانت حاضرة عند وفاتها بحسب ما تذكره الروايات رغم أنها كانت زوجة لأبي بكر يومئذٍ.

وأسماء هي أم أولاد جعفر جميعاً، وتزوجها بعد شهادته أبو بكر فولدت منه محمد بن أبي بكر الذي قال فيه أمير المؤمنين (ع): (فلقد كان إليّ حبيباً وكان لي ربيباً)([69])، واستشهد في مصر حيث ولاه أمير المؤمنين (ع) عليها.

وبعد وفاة أبي بكر تزوج أمير المؤمنين (ع) من أسماء وولدت له يحيى بن علي.

والمعروفون من أولاد جعفر (رضوان الله عليه) ثلاثة وُلدوا كلهم في أرض الهجرة، وهم:

١- عبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب وهو من أجواد قريش وأسيادهم، روى عبد الله حادثة استشهاد أبيه جعفر (ع) وتعزية النبي (ص) لأمه إلى أن قال: ((فأتانا رسول الله (ص) وأنا أساوم شاة أخ لي، فقال: اللهم بارك له في صفقته) قال عبد الله: فما بعت شيئاً ولا اشتريت شيئاً إلا بورك لي فيه))([70]). شارك مع عمه أمير المؤمنين (ع) في معاركه وكان من امراء الجيش في صفين، استشهد له ولدان مع الإمام الحسين (ع) في كربلاء، توفي سنة ثمانين عن عمر ناهزها فتكون ولادته في السنة الأولى من الهجرة، وقد سارت الركبان بأخبار كرمه وسخائه (راجع الإصابة مثلاً) وفي ذلك يقول عبد الله بن قيس الرقيات:

ومــــا كنت إلا كالأغرّ ابن جعفرٍ

رأى المال لا يبقى فأبقى له ذكرا([71])

٢- محمد بن جعفر وفي الإصابة أنه أول من سمّي محمداً في الإسلام من المهاجرين أثنى عليه أمير المؤمنين (ع) ووصفه بأنه يأبى أن يعصى الله تبارك وتعالى فقد روى الكشي في رجاله بسنده عن الإمام الرضا (ع) قال: (كان أمير المؤمنين (ع) يقول: إن المحامدة تأبى أن يعصى الله عز وجل، قلت ومن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة وهو ابن عتبة بن ربيعة وهو ابن خال معاوية)([72]).

أقول: وكلهم استشهد على يد معاوية.

وقد روى أبو الفرج الأصفهاني أن محمداً كانت معه راية أمير المؤمنين التي تسمى الجموح في معركة صفين واستشهد فيها([73])، وفي الاستيعاب والإصابة عن الواقدي أنه استشهد بتستر مع أخيه عون.

3- عون بن جعفر، وفي الاستيعاب أنه استشهد في تستر أيام خلافة عمر، وقال في عمدة الطالب أنه قتل بالطف مع الحسين ع([74]).

أقول: المعروف والمشهور أن عون الشهيد في كربلاء هو ابن عبد الله بن جعفر.

هؤلاء الثلاثة هم المعروفون من ولد جعفر وذكر ابن عنبة في عمدة الطالب أن لجعفر ثمانية بنين ولم يتأكد لنا ذلك فإن الروايات التي تذكر شهادة جعفر (ع) وتعزية النبي (ص) لأسرته تذكر هؤلاء الثلاثة فقط، فقد روى ابن عبد البر في الاستيعاب وابن عنبة في عمدة الطالب هذه الحادثة عن عبد الله بن جعفر وقال: ((ثم أخذ بيد محمد وقال: هذا شبيه عمنا أبي طالب وقال لعون: هذا شبيه أبيه خلقاً وخُلقاً، وأخذ بيدي فأمالها وقال: اللهم احفظ جعفراً في أهله)([75]).

وقال أبو نصر البخاري: ((كل جعفري في الدنيا فمن ولد عبد الله بن جعفر إذ لم يصحّ لجعفر عقب إلا من عبد الله بن جعفر، والذين ينتسبون إلى عون ومحمد ابني جعفر لم يصح نسبهم أصلاً))([76]).

أقول: تراه لم يذكر أحداً غير الثلاثة. وهكذا المصادر الأخرى كالإصابة وغيره.

 وعُرف هذا البيت بموالاته أهل البيت (ع) وكثر فيه الشهداء دفاعاً عن المظلومين ومقارعة الظلم والطغيان وضمّ كتاب مقاتل الطالبيين أسماء الكثير منهم.

واشتهر من أحفاد جعفر: أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم وكان عالماً جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة الذين عاصرهم وهم الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري (ع).

ومنهم أبو سليمان الجعفري: جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الامامين الصادق والكاظم(ع).


 

 

نصرة آل جعفر للإمام الحسين (ع)

كان ذكر جعفر حاضراً في كربلاء فقد افتخر الإمام الحسين (ع) به وقال في مقام الاحتجاج على الجيش المعادي: (فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي؟ قالوا اللهم نعم)([77]).

وجدّد أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين (ع) ذكر عمّه جعفر بقطع يديه روي عن الإمام السجاد علي بن الحسين (ع) أنه قال في حديث: (رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز وجل بهما جناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة)([78]).

واستشهد اثنان من أولاد عبد الله بن جعفر بين يدي الإمام الحسين (ع) وهما([79]):

1- عون: وفي مقاتل الطالبيين أن أمه العقيلة زينب (ع) وخالفه الأكثر وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدسة (السلام على عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان، حليف الإيمان، و منازل الأقران، الناصح للرحمن، التالي للمثاني والقرآن)([80]).

وكان يرتجز أثناء القتال ويقول:

إن تنكروني فأنا ابن جعفــــرْ

شهيد صدق في الجنان أزهرْ

يطــير فيــها بجـــناح أخضــر

كــفــى بهــذا شرفاً في معشرْ

2- محمد: وأمه الخوصاء، وورد السلام عليه في زيارة الناحية (السلام على محمد بن عبد الله بن جعفر ألشاهد مكان أبيه والتالي لأخيه وواقيه ببدنه).

وكان يرتجز ويقول:

أشكو إلى الله من العدوانِ

فعال قوم في الردى عميانِ

قد بدّلــوا مــعـالم القــرآن

ومـحـكم التنـزيل والتبـيانِ

وأظهروا الكفر مع الطغيانِ

وكان عبد الله بن جعفر يأسى لعدم تمكنه من الشهادة بين يدي الإمام الحسين (ع) ويجد السلوة في أنه قدّم ولديه شهيدين وأن زوجه العقيلة زينب كان لها الدور العظيم في إنجاز ما خرج الإمام الحسين (ع) من أجله.

وفي تأريخ الطبري (لما بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه فقال أبو السلاسل مولى عبد الله: هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين، قال فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا! والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لمما يُسخّي بنفسي عنهما ويهون عليّ المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمى مواسيين له صابرين معه، ثم أقبل على جلسائه فقال: الحمد لله، عزّ علي مصرع الحسين، إن لا أكن آست حسيناً بيدي فقد آساه ولدي)([81]).

وكل الهاشميين الذين استشهدوا في كربلاء هم من ذرية أبي طالب وفاطمة بنت أسد ومن أولاد علي وأخويه جعفر وعقيل، وقال الشاعر في ذلك:

تسعةٌ منهمُ لصلب عليٍّ  وثمان لجعفرٍ وعقيلِ

 وفي الرواية أنه ذكر عند الإمام الباقر (ع) قتل الحسين وأهل بيته فقال: (قتلوا سبعة عشر إنساناً كلهم ارتكض من بطن فاطمة بنت أسد)([82]).


 

 

المرقد الطاهر للشهيد جعفر الطيار (ع)

يقع مرقده الشريف حيث استشهد في بلدة مؤته وهي اليوم ضمن لواء المزار الجنوبي في محافظة الكرك وتبعد عن مدينة الكرك مسافة 12 كم وتبتعد 140 كم جنوب العاصمة الأردنية عمان، وفيها أولى جامعات جنوب الأردن والتي اطلق عليها اسم جامعة مؤته[83] .

وعلى مرقد مزار ومسجد عامر يقصده الزوار من بقاع الأرض ولا نعلم الرواية التي استند اليها محمد حسين هيكل حتى قال فيما حكي عنه ((وفي رواية أن جثة جعفر حملت إلى المدينة ودفنت بعد ثلاثة أيام من وصول خالد بن الوليد والجيش اليها))([84]) .

روى المرحوم الشيخ محمد حسين حرز الدين في هامش كتاب جده مراقد المعارف عن المحقق المرحوم السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم قال ((حدثني الشريف الجليل الأديب السيد عبد الجبار الوردي الكاظمي في يوم السبت 10/جمادي الأول/ 1386 في دمشق الشام ان الشريف عبدالله من أهل عمان والمحامي في المحكمة الشرعية، حدَّثه في قرية اريحا سنة 1383 أنه في سنة 1942 ذهب مع الشريف عبدالله بن الحسين ملك الأردن لتعمير قبر جعفر الطيار في مؤته فلما وصلوا إلى القبر وجدوه مهدوماً فنزل الشريف عبدالله المحامي في المحكمة الشرعية إلى القبر وحده بأمر الشريف الأمير عبدالله فرأى بدن جعفر الطيار بهيئته وثيابه وعليه الدم طرياً والسيف في عنقه، لم يتغير من بدنه شيء فكأنه ميت من يومه وكان الشريف المحامي يحلف بالإيمان المغلظة مراراً أنه وجدوه كذلك. فعمّر الأمير عبدالله بن الملك حسين القبر وبنى المسجد الذي عليه الآن، وعَّمر أيضاً قبري زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحه على بعد أمتار منه وبهذه المناسبة نظم السيد عبدالجبار الوردي بيتين في حق جعفر ذي الجناحين:

وشهيد بأرض مــؤتة حـــــي

جعفر والشهيد ليس يمــــوت

هو باقٍ قد ضمّه كـــــل قلب

حيث ما ضم جعفراً تابوت([85])



([1]) تحقيق كتبه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي بمناسبة انطلاق يوم الفتوة حيث دعا سماحته في خطبتي عيد الفطر 1440 هـ الموافق 5/6/2019 إلى تعيين يومٍ للفتوة واختار له الخامس عشر من شوّال يوم نادى وحي السماء: (لا فتى إلا عليّ) وقد لخّص سماحته هذا البحث بحديث مع جمع من الشباب الفاعلين يوم 11/شوال/1440 الموافق 15/6/2019 وفي مجلس بحثه الشريف يوم 4/ ذ. ق./1440 الموافق 8/7/2019.

([2]) مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الأصفهاني: 3، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر المطبوع بهامش الإصابة: 1/210.

([3]) أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت279 هـ): 40.

([4]) سنلحق بالكتاب كلمة ألقاها سماحة المرجع اليعقوبي سابقاً عن فاطمة بنت أسد ونُشرت في موسوعة خطاب المرحلة: 2/56-72.

([5]) علل الشرائع: 2/558.

([6]) وهي تعني أن يقف إلى يسار رسول الله (|) ليكمل وقوف أخيه علي إلى يمينه، أو تعني نصرته وتقويته كما في قول أمير المؤمنين (ع): (صِل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) (نهج البلاغة:3/57).

([7]) بحار الأنوار: 18/184، ح14. ورواه من العامة في كنز العمال :13/146ح36917 وفيه (فلما قضى النبي صلاته التفت الى جعفر فقال: اما إن الله قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك ).

([8]) الأمالي للشيخ الصدوق: 304 وأورده المجلسي في بحار الأنوار، وقال: ((روى السيد في الطرائف عن أبي هلال العسكري من كتاب الأوائل مثله)) (بحار الأنوار: 35/68، ح2 عن الطرائف: 87).

([9]) السيرة النبوية لابن هشام: 1/233.

([10]) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): 1/237.

([11])  السيرة النبوية لابن هشام: 1/280.

([12])  المصدر السابق: 1/288.

([13])  نفس المصدر: 1/290.

([14]) الإصابة في تمييز الصحابة: 1/237.

([15]) بحار الأنوار للمجلسي: 78/350 عن أمالي الصدوق: 180.

[16] - كشف الغمة: 1/363 فصل في تزويج علي وفاطمة( عليهما السلام).

[17] - كفاية الطالب في مناقب امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) الحافظ الكنجي / 304

[18] - بحار الأنوار: ج ٤٣ / ١٣٨ عن كشف الغمة: 1/365

[19] - مناقب آل أي طالب : 3/353 فصل في تزويجهما (صلوات الله عليها)

[20] - بحار الانوار: 43/ 134 ح 32 عن كفاية الطالب : 307 باب 82 ملخصاً

[21] - وجعل بعضهم ما يؤيد ذلك شهود سلمى وفاة خديجة (عليها السلام)

[22] - اعيان الشيعة: 1/380

([23]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463هـ): 1/210.

([24]) بحار الأنوار: 21/19 عن المجالس والأخبار: 36 وفيه عن القاموس ((فرع كل شيء أعلاه، ومن القوم: شريفهم، والمال الطائل المعدّ)) وفي بقية الرواية أن علياً (ع) لما رجع إلى المدينة أمر صائغاً ففصّل القطيفة سلكاً سلكاً فباع الذهب وكان ألف مثقال وفرّقه مباشرة على فقراء المهاجرين والأنصار ولم يبقِ له شيئاً.

([25]) التهذيب للشيخ الطوسي: 3/186.

([26]) الحجل أن يمشي بخطوات متقاربة كالمقيد أدباً وهيبة لرسول الله (|)، وقيل في معناه أن يرفع رجلاً ويقفز على الأخرى من الفرح، وقد يكون بالرجلين إلا أنه قفْزٌ، ورد التصريح بالمعنى الاول في رواية كنز العمال قال (حجل اعظاماً منه لرسول الله)(كنز العمال :13/145، ح36908).

([27]) بحار الأنوار: 21/23 عن إعلام الورى بأعلام الهدى: 107-109.

([28]) بحار الأنوار: 21/24 عن الخصال: 2/82، عيون أخبار الرضا: 140.

([29]) الكافي: 3/465، ح 1، وسائل الشيعة: 8/49، أبواب صلاة جعفر، باب 1، ح1.

([30]) عالج منطقة رملية شاسعة في جزيرة العرب يضرب المثل لوصف الكثرة، راجع مجمع البحرين: 2/319، العلامة فخر الدين بن محمد الطريحي.

([31]) التهذيب: 3/187، ح 423، وسائل الشيعة: 8/54، أبواب صلاة جعفر، باب 2، ح3.

([32]) بحار الأنوار: 21/55، ح 8 عن إعلام الورى بأعلام الهدى: 110-112، ط. 2.

([33]) شرح نهج البلاغة: 15/62.

([34]) بحار الأنوار: 21/51 عن أمالي ابن الشيخ: 87-88.

([35]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب المطبوع بهامش الإصابة: 1/212.

([36]) السيرة النبوية لابن هشام: 3/833.

([37]) نقلها السيد الأمين في أعيان الشيعة: ج4، في ترجمته لجعفر بن أبي طالب.

([38]) بحار الأنوار: 21/53 عن الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: 87-88.

([39]) لعل هذا يكشف عن أن جعفراً عرف أن المعركة ستكون الغلبة فيها للروم فلم يشأ أن يغنم الروم تلك الفرس فتستعمل لحرب الله ورسوله فقطع هذا العصب من رجلها لكي لا تصلح للحرب بعدها. والله العالم وقد ورد عن النبي (|) بنفس السند السابق: (إذا حرنت على أحدكم دابة -يعني أقامت في أرض العدو أو في سبيل الله- فليذبحها ولا يعرقبها).

([40]) الكافي: 5/49، المحاسن: 2/634.

([41]) بحار الأنوار: 21/55، ح6، عن المحاسن: 2/420.

([42]) وجد دانييل بيترسون ، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بريغهام يونغ ، أن نسبة الإصابات بين القادة مرتفعة بشكل مثير للريبة مقارنة بالخسائر التي تكبدها الجنود العاديون. [في كتابه محمد رسول الرب، ۲۰۰۷، ص142] ويسجل ديفيد باورز [في كتابه: محمد ليس أبا أحد من رجالكم، ۲۰۰۹، ص ۸۰] استاذ دراسات الشرق الأدنى في كورنيل هذا الاستغراب فيما يتعلق بالخسائر الفادحة التي سجلها المؤرخون المسلمون.

ويشكك عدد من المؤرخين المعاصرين بالرقم الكبير للجيش البيزنطي [ منهم جون هولدن في كتابه: القوة والسياسة في سوريا القديمة، ۲۰۱۰، ص ۱۸۸، وفرانسس بيتر ۱۹۹4 في كتابه: محمد و الإسلام الأصيل، ۲۳۱، ووف. بول في كتابه: موسوعة الإسلام، ۱۹۹۳، ص 756].

وبحسب والتر أميل كايجي في كتابه: التوسع الإسلامي والانهيار البيزنطي في شمال إفريقيا، ۲۰۱۰، ص ۹۹] وهو أستاذ التاريخ البيزنطي في جامعة شيكاغو، فإن حجم الجيش البيزنطي بأكمله خلال القرن السابع قد يصل إلى ۱۰۰۰۰۰ ، وربما حتى نصف هذا العدد. ومنغير المرجح أن يكون عدد القوات البيزنطية في مؤتة اكثر من ۱۰۰۰۰، وقاله سابقا في كتاب آخر اله عام ۱۹۹۲. يعني أن جيش البيزنطيين الرومان في جميع مملكتهم كان ۱۰۰ ألف.(الناشر)

([43]) الكافي: 8/376. الظاهر أن الضمير في (أخذه) للنبي (|)، حزناً على مقتل جعفر.

([44]) من لا يحضره الفقيه: 1/57.

([45]) أي عزيز بهما فيعبَّر عن العزة بالكثرة وعن الذلة بالقلة.

([46]) البحار: 21/57. عن إعلام الورى للشيخ الطبرسي: 64-65.

([47]) أي فإن لم تنطقي بالثكل وتقولي وا ثكلاه المعبّر عن الجزع، فكل ما تذكرين من الحزن والألم وتعدّدين من الفضائل فإنك صادقة فيه لأن جعفراً ع يستحق ذلك؛ وهو دليل على أنه كان مجمعاً للفضائل.

([48]) البحار: 21/57. ولعل العبارة (فإن لم تدعي بثكل فيما قلت فقد صدقت).

([49]) نقل الأبيات الشيخ الطوسي في الأمالي: 142، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 15/63، وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: 8 على اختلاف في المفردات.

([50]) سيرة ابن هشام: 4/18.

([51])راجع بحار الأنوار: 22/278 و 282، ح30، 40 عن تفسير القمي وفرات بن إبراهيم.

([52]) أصول الكافي: 1/450.

([53]) الخصال: 376، ح58. ط. جماعة المدرسين.

([54]) الكافي: 1/450، ح 34.

([55]) الكافي : 8/267ح/392، بحار الأنوار : ج ٧ /ص 282.

([56]) الكافي: 6/275، ح1.

([57]) كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: 253، باب 14، ح1.

([58]) بحار الأنوار: 103/373 عن فقه الرضا: 355.

([59]) الإصابة في تمييز الصحابة: 3/372 رقم الترجمة (7764).

([60]) نهج البلاغة: 2/32.

([61]) بحار الأنوار: 21/64 عن شرح نهج البلاغة: 3/42-47.

([62] ) بحار الأنوار : ج ٢٣٢٤٦ عن تفسير فرات بن إبراهيم : 395-397/ ح527.

([63] ) بحار الأنوار : ج ٢٤ / ٣٢ عن تفسير فرات بن إبراهيم : 113/ ح 114.

([64]) صحيح البخاري، كتاب 62: فضائل الصحابة، باب 10، ح 3708، سنن الترمذي: ح 3765، كنز العمال: 13/145 ح36905  وفي الإصابة وغيرها.

([65]) كنز العمال: 13/145ح36905.

([66]) صحيح البخاري، الموضع السابق.

([67]) صحيح مسلم: 7/172، السنن الكبرى للنسائي: 5/104، فتح الباري: 7/145، مسند أبي يعلى: 13/304، كتاب فضائل الصحابة، باب 41، ح 2503

([68]) مجمع البيان: 8/353-358، بحار الأنوار: 22/176.

([69]) نهج البلاغة: 1/117، الخطبة (68)، وروى بمعناه المجلسي في البحار: 33/566 عن المدائني: (قيل لعلي ع: لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين! فقال: وما يمنعني؛ إنه كان لي ربيباً وكان لبنيّ أخاً وكنت له والداً أعده ولداً).

([70]) بحار الأنوار: 21/57 عن إعلام الورى بأعلام الهدى: 110-112.

([71]) الإصابة: 2/290، رقم الترجمة: 4591.

([72]) رجال الكشي: 47 في ترجمة محمد بن أبي حذيفة.

([73]) مقاتل الطالبيين: 11.

([74]) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (ت 828 هـ): 1/107، الأصل الثاني.

([75]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3/44 رقم الترجمة 6107، عمدة الطالب: 1/108 وأورد في الهامش مصادر الرواية: مسند أحمد: 1/204، فضائل الصحابة للنسائي: 18-19، البداية والنهاية: 4/284، تأريخ مدينة دمشق: 27/255 ذيل الحديث 5807 سير أعلام النبلاء: 3/458.

([76]) سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري (توفي 357 ببغداد): 25-26.

([77]) الأمالي للصدوق: 222، ح 239، بحار الأنوار: 44/318.

([78]) أمالي الصدوق: 277، الخصال: 1/37.

([79]) الصحيح من مقتل الإمام الحسين (ع) للريشهري: 866.

([80]) نفس المصدر: 1428.

([81]) تاريخ الطبري: 4/357. ورواه الشيخ المفيد في الإرشاد: 232-233.

([82]) مثير الأحزان لابن نما الحلي (ت 645 هـ): 89.

([83] ) أخذت المعلومات من موسوعة ويكيبيديا

([84]) حياة محمد: 378

([85]) مراقد المعارف: 1/225