لا يستعبدكم غيركم وقد أرادكم الله أحراراً

| |عدد القراءات : 213
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يستعبدكم غيركم وقد أرادكم الله أحراراً([1])

نعيش اليوم بين مناسبتين عظيمتين هما المولد النبوي الشريف وذكرى ميلاد الأمام الحسين (عليه السلام).

فما هي المشتركات يبين هاتين المناسبتين، أو قل بين هاتين الشخصيتين العظيمتين؟

ويكفينا لمعرفة سعة الاشتراك والتطابق بل الاتحاد قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبطه الحسين (عليه السلام) (حسين مني وأنا من حسين ).

ولكنني أستغل هذه الأيام الشريفة للإشارة إلى الهدف المشترك لهاتين الحركتين المباركتين حركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في البعثة النبوية وحركة الإمام الحسين(عليه السلام) نحو الشهادة في كربلاء، والهدف هو تحرير الإنسان قال تعالى(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)( الأعراف/157) فالهدف تخليص الإنسان وتحريره من القيود والأغلال والأوزار التي تكبله وتثقل ظهره  نتيجة تخبطه في الجاهلية الظلماء وإتباع الهوى وشياطين الإنس والجن لذى كانت أول كلمة صدع بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمام قريش وأهل مكة ( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) وهذه الجملة فيها محتويان أو عقدان كما يقال في المصطلح ، عقد سلبي وهو نفي الالوهية عن كل شيء، وعقد إيجابي وهو إثبات الالوهية لله تبارك وتعالى، والتوحيد ينعقد بضمهما والاعتقاد بهما معاً، وإلا فإن المشركين كانوا يعتقدون بالإلوهية والربوبية لله تبارك وتعالى لكنهم أشركوا حينما لم يسلبوا هذه الصفات عن غيره تبارك وتعالى.

وهذا ما فهمه طواغيت قريش من دعوة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى التوحيد فإنه لو اكتفى بعبادة الله وحده ولم يتعرض لرفض عبادة غيره لتركوه، فقد كان الأحناف بين ظهرانيهم مدة طويلة يتعبدون لله تبارك وتعالى على دين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ولم يتعرض المشركون لهم وقد جاؤوا بعرض أو صفقة مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يعبدوا إلهه يوماً ويعبد آلهتهم يوماً لكن الجواب الإلهي جاء حاسماً لا مجال فيه لأنصاف الحلول (بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) فهم إذن لم يكن عندهم اعتراض على عبادة الله تبارك وتعالى. وإنما تصدوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه(صلى الله عليه وآله وسلم) رفض العبادة والطاعة لغير الله تبارك وتعالى من الآلهة التي صنعوها بأيديهم وخدعوا الناس بالقداسة المزيفة التي منحوها لها، للمتاجرة بها والتنعم بالامتيازات التي يحصلون عليها مما يقدمه المخدوعون بها من نذور وهدايا والتزامات وطقوس، فالقضاء عليها يعني تجريدهم من كل تلك الامتيازات لذا قاوموا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بكل وسائل البطش والقسوة واللؤم.

وهذا ـ أي تحرير الإنسان ـ هو الهدف الذي سعى لتحقيقه الإمام الحسين(عليه السلام) وصرّح به في كلماته كقوله( يا شيعة آل أبي سفيان: اتركوا التعرض لحرمي فإنه إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون).

وقال(عليه السلام): (ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة) وقال(عليه السلام): (يأبى الله لنا ذلك وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) وقال (عليه السلام): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على أنفسهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قلَّ الديّانون).

ولأجل أهمية العبادة والتي تعني الطاعة والانقياد ولزوم تكريسها لله تبارك وتعالى ومن أمر بطاعتهم فقد تكفل القرآن الكريم والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) إيضاح معناها وشرح أبعادها، فقد ورد في تفسير قوله تعالى(اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )(التوبة/31) قول الإمام الصادق(عليه السلام) في الكافي ( أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون ) وقد وصل التدقيق لديهم (عليهم السلام) في هذا المعنى إلى حد قولهم (صلوات الله عليهم) ( من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان ينطق عن الرحمن فقد عبد الرحمن وإن كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان).

أيها الأحبة: علينا أن نأخذ هذا المعنى ونستفيد من هذا اللطف الإلهي ونحن نحيي هذه المناسبات الشريفة، ونستحضره دائماً ما دام هو الهدف من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحركة الإمام الحسين (عليه السلام) لنكون أحراراً لا نطيع إلا الله تبارك وتعالى ولا نعبد إلا إياه، هذه العبودية التي يفتخر بها مثل أمير المؤمنين(عليه السلام) ويعتز بها، قال(عليه السلام): (إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، إلهي أنت كما أحب فاجعلني كما تحب).

 وهذه هي الدعوة التي أطلقها الأئمة المعصومون (عليهم السلام) (لا يستعبدكم غيركم وقد خلقكم الله أحراراً)، فقد خلقكم الله تبارك وتعالى أحراراً واقتضت إرادته ذلك ويسّر لكم كل أسباب الحرية، فمن الغريب أن يكون هذا عبداً لأهوائه وأطماعه وأنانيته، وذاك عبد لشياطين الإنس والجن يزيّنون له المعاصي والموبقات فيقتحمها ويعرض عن طاعة ربه الكريم، وآخر رضي لنفسه أن يكون عبداً للطواغيت والظالمين وجندياً مخلصاً لهم يأتمر بأمرهم ولا يرقب في الله تعالى إلاً ولا ذمة، ورابع خدعته القداسات المزيفة لهياكل بشرية صنعتها لها أبواق الكهنة والسدنة والمستفيدين وأموالهم وسلطانهم فصار المعروف ما عرفوه والمنكر ما أنكروه وجعلوا تلك الهياكل مقياساً لمعرفة الحق وليس الحق معياراً لمعرفة الرجال، وخامس اتخذ رئيس عشيرته رباً يعبده ويطيعه من دون الله تبارك وتعالى فالمهم طاعة هذا الرئيس والالتزام بالسنينة العشائرية وإن كان مخالفة لله تبارك وتعالى وما جاء به الذكر الحكيم، والله تعالى يقول(وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )(التوبة/31)

وهذا التعدد في العناوين التي تطاع من دون الله تبارك وتعالى هو الذي أوجب هذا التشتت والضياع والتفرقة بين أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد وحتى البيت الواحد، ولو كانوا أحراراً في دنياهم لا يطيعون إلا من أمر الله بطاعته لتوحّدوا ولكنهم تفرقوا فسُلِبت البركات منهم والعياذ بالله.

إن الحرية التامة والانعتاق الحقيقي هي في العبودية التامة والتسليم المطلق لله تبارك وتعالى فكلما أزاد العبد طاعة وتسليماً لله تبارك وتعالى تحرر من الرق لغيره أكثر ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً )(النساء/65).

 نسأل الله تبارك وتعالى أن يستخلصنا لنفسه وأن لا يجعل لغيره سلطاناً علينا ًأبداً ولا طرفة عين.

 



[1]) )  من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع حشد من أبناء مدينة الشعلة والجوادين والرحمانية وفدوا لزيارة سماحته يوم السبت 2/شعبان/1430/المصادف 25/7/2009.