درر رمضانية

| |عدد القراءات : 1769
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

درر  رمضانية

 

 السيد محمد البطاط

 

 أولاً : نبارك للمجتمع القرآني حلول (شهر القرآن الذي دُعي فيه الجميع الى ضيافة الله وجعلوا من أحب الكرامة عنده).

 

ثانياً: ان الصوم من اشرف الطاعات وافضل العبادات والقربات ، ولو لم يكن فيه الا الارتقاء من حضيض النفس البهيمية الى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية لكفى به منقبة  وفضلاً، ففي خبر زرارة عن امامنا باقر علوم الاولين والاخرين(ع): (بني الاسلام على خمسة اشياء على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لآل الله(ع)) . وقال(ص): (الصوم جنة من النار) بمعنى انه حجاب يحجبك ايها الموالي من السعير الجهنمي، ولكن من البديهي ان (الصوم الوقائي) من جهنم هو الصوم الحقيقي والذي اشار اليه الحديث (من صام صامت كلٌ جوارحه) وإلاّ ما قيمة صوم (امتزج بالغيبة والنفاق والنظر الى ما حرم الله) فان الشمس اذا اشرقت على الثلج اذابته يقيناً فلا تشعلوا يا ابناء الحسين (ع) نار المحرمات على (قالب ايمانكم فيذوب ويتلاشى عن ساحة النفس)، قال تعالى: ( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(الزمر: من الآية15)، وقال 2: (من قال لا إله الا الله فله شجرةٌ في الجنة ، قالوا: وما اكثر أشجارنا في الجنة ، قال: بلى ولكن لا ترسلوا ورائها ناراً فتحرقوها)، اي نار المعاصي (تقوم بعملية حرق الفضائل والحسنات) ، (ان الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ...

 

ثالثاً: لكل شيء غاية وهدف كما قُرر في الفلسفة تحت عنوان (العلة الغائية) والله تعالى حكيم ومقتضى حكمته ناظرة الى المصالح والمفاسد في التشريع فما كان فيه مصلحة ملزمة جعله (واجبا) وما فيه مفسدة ملزمة جعله تعالى (محرماً) وهكذا ما تساوى فيه الامران (مباح).

 

ان الغاية من الصوم هي تنمية وعروج الروح الى عالم الملكوت الاعلى وتربيتها على معالم التقوى ليس فقط حفظها عن شهوة الحلال فان ذلك يكون طريقاً لتقويتها على هجران المحرمات باعتبار انه استطاع ان يترك لله مطلق الطاعة والعبادة له تبارك وتعالى تزرع حالة (المحبوبية الالهية) للشخص العبادية ، قال تعالى: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(آل عمران:31)، وقال تعالى: )فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)(البقرة:152) فانه من المقطوع به ان (الصوم) احد مصاديق الشكر لله تعالى لانه عندما يمسك شهواته (بتوفيقه سبحانه) فانه يشكره بذلك ...

 

رابعاً: لماذا الصيام في شهر رمضان؟

 

ج/ لانه شهر القرآن ولانه الكتاب الذي يهدي الى الحق والواقع (كتاب قد عصم من قبل الله ويكاد الذي يدخل اجواءه بنيّة خالصة وهمّة عاليةٍ ان تسري (حاله المعصومية) من القرآن اليه لانه بمرور الايام وبالصبر على تطبيقه احكامه يصبح(مسلما قرآنياً) يشار اليه بالبنان وهذه غاية الغايات وقمة النضوج النفسي والعقلي والروحي ) ، قال تعالى : )وَفِي ذَلِكَ «اي في ميدان اكتساب الفضائل والتحلي بالمكارم» فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(المطففين: من الآية26).

 

خامساً: (فقد ورد) (لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)اعلم ايها (المحمدي العلوي الفاطمي الحسني الحسيني المهدوي) ان القرآن رسائل الله الينا .. كما جاء في الكتاب الاخلاقي المعظم (جامع السعادات) فنحن جميعا في ظرف وصول رسائل الاحباء الاعزاء على قلوبنا نسارع الى قرائتها وبالتالي نشعر بالسعادة حينها ونود ان لا تنتهي (رسالة الحبيب الانساني) من شدة الشوق وكمال اللذة فلماذا لا يوجد هذا المعنى مع (الرسائل القرآنية الربانية) ام نقول ان رسائل الاحبة اعز وأجب من (رسائله سبحانه وتعالى) ام ماذا ؟

 

فينبغي على هذا الاساس ان نفتح (شهيتنا القرآنية) وخصوصاً بمراجعة اهل العلم والروحانيين العارفين بأمراض واسقام النفس البشرية وتشخيص المعالجة الدقيقة لها كما نراجع الطبيب عند (انغلاق الشهية الطعامية وعدم انفتاحها) لذلك يصف امير المؤمنين(ع) استاذه ومربيه الاوحد (ص) بانه كان في مجال تحقيق التكامل المعنوي للبشر كالطبيب الحاذق الطاهر القلب على رأس المريض حيث يقول (ع): ((طبيب دوار بطبهِّ ، قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة اليه من قلوبٍ عُمي وآذان صمٍ وألسنة بُكم))، فيصف النبي (ص) بانه كان طبيباً سيارا بطبه، يحمل معه المعاجين اللازمة للتضميد والمعالجة، فاذا وجد قلوباً عمياء أو ارواحا صمّاء قام بمعالجتها وانقذ الناس من الموت المعنوي والانهيار الخلقي ... (نهج البلاغة ، محمد عبده).

 

سادساً: قال المفكر المحمدي الاصيل (ص): (صوموا تصحوا) فاننا نشاهد اليوم صدى هذا الكلام الالهي يملئ الافاق واقعية وصدقاً فالنشرات ودلالات وتقريرات الاطباء لا تحصى في هذا المجال، ولا حاجة للاطالة فان ايضاح الواضحات من اشكل المشكلات، والذي نلمسه ان (الجهاز المعوي) يعمل على مدار العام الا انه في (الفترة الرمضانية) ياخذ قسطا من الراحة قررت الموسوعة الطبية المحمدية بان (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء) حيث النظام الغذائي في فكر آل محمد (ع) هو السرّ وراء الصحة الجسدية والروحية بدليل قولهم (ع): (لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام فان القلب اذا كثر الماء عليه) كزرع يموت فاي صياغة اعظم من صياغة الآل في انقاذ الاجيال .. ولكن السؤال الذي يقفز امام اعيننا لماذا تنصرف الذهنية العامة للمجتمع الى (الصحة الجسدية فقط وفقط) وهي ان سبب هذا الانصراف (شدة ارتباطنا بالماديات وبعدنا عن المعنويات) والا فان للنفس (الحصة الكبرى من الصحة) والتحليق في سماء الكمال والفضيلة.

 

سابعاً: قال تعالى: ) اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران: من الآية102)، سئل الامام امير المؤمنين (ع) عن التقوى فقال: (التقوى ان يراك الله حيث امرك وان يفتقدك حيث نهاك)، وفي ترجمة اخرى له (ع) في صدد التقوى، قال: (الم يسر احدكم في صحراء قالوا: بلى قال: ماذا يفعل، قالوا: يتقى الشوك لئلا يدخل في جسده، قال الامام (ع): (كذلك المعاصي يجب ان تتقيها) ومن المعلوم ان الامر لو دار بين (دخول الشوكة في الجسد ودخول الذنب الى القلب فكل عاقل في الكيان الاسلامي يفضل تحمل الالم الجسدي بدل (اماتة ا لقلب) كما اخبر المفكر السجادي المقدس قائلاً: (إلهي البستني الخطايا ثوب مذلتي وجللني التباعد  عنك لباس مسكنتي وأمات قلبي عظيم جنايتي فأحيه بتوبة منك يا املي ويقيني ويا سؤلي ومنيتي فوعزتك ... الخ).

 

فان هذا الفكر الخالد في دنيا الاسلام يكشف لنا بان لباس الذلة انما ألبس بسبب الخطايا اي الاثار الوضعية للذنب هي (وراثة الذلة والمسكنة والصغار وذوبان الكيان النفسي والاجتماعي وبالتالي ا لشطب الكامل على الشخصية فنقول باختصار : ان هنالك انتحاران انتحار جسدي وانتحار معنوي كما اخبر القرآن الكريم : ) لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(لأعراف: من الآية179). وقال تعالى: في سورة ياسين) (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً)(يّـس: من الآية70) اي من كان حياً في عقله ونفسه وضميره )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )(لأنفال: من الآية24).

 

دخل رجل على مجموعة علماء قائلاً: سرق مالي ، قالوا: قل الحمد لله اذ لم يدخل الشيطان الى قلبك فيسرق منك ايمانك).

 

ثامناً: قال الامام امير المؤمنين (ع): (صيام الفكر عن التفكر في الآثام اولى من صيام البطن عن الطعام)، المفروض بالانسانية ان تأخذ دروساً وعظات وعبر من ذلك العملاق الفكري الكبير الذي حاول الطغاة مسخ حرفا واحدا من اسمه العظيم في سجل الخالدين فما استطاعوا (الهي لا خافض لمن رفعت ولا رافع لمن خفضت) فالامام يشير الى نقطة هامة ومركزية وهي تربية النفس على عدم المعصية لانه ما الثمرة من صيام البطن عن الطعام مع انشغال الفكر في عالم الآثام فقد ورد بان عيسى (ع) قال لإصحابه : ( ان موسى كان يقول لقومه لا تزنوا وأنا اقول لكم لا تفكروا في الزنا فإن من فكر به كان كمن أوقد ناراً في بيته فإن لم يحترق البيت فسيكون اسوداً) ما مضمونه .

 

تاسعاً : إن الصيام طاعة والطاقة مقربة له سبحانه ومبعدة عن المفاسد الشيطانية وحيث أن فلسفة وجود العباد من أجل العبادة كما أخبرت الى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أكد أهل القرآن (عليهم السلام) والذي نزل في بيوتهم : (إن العباد مع الله تعالى في الطاعة يجب أن يكونوا كطاعة جوارحهم لهم ) حيث أننا لم نسجل يوماً معصية على اليد والرجل بإن أوعزنا لها بالحركة فلم تتحرك ابداً وإن عشنا قروناً ... فكانوا (عليهم السلام) في محور طاعتهم له تعالى ... كطاعة جوارحهم لهم (عليهم السلام) .

 

عاشراً : إن الصيام مذكر لنا بال الفقير واليتيم والجياع بصورة عامة فحيث التحسس بهم ثمرة من ثمراته ونتاج من نتاجاته فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : ( اذا بكى اليتيم وقعت دمعته في يد الله تعالى فقال الله من ابكى هذا الذي حبست اباه في التراب من اسكنه وأرضاه ادخلته جنتي) باعتبار أنه (وفر له السكينة المعنوية وسكب عليه دفعات من الحنان والعاطفة من جهة ووفر له السكن المادي من جهة أخرى) .

 

الحادي عشر : في هذا الشهر يجب المسارعة في الخيرات فإن الأجر فيه مضاعف ومتزايد ولكن هذا على المستوى اللفظي فالمهم كما أخبر القرآن ( قد افلح من زكاها) ولم يقل قد افلح من تعلم تزكيتها كلا .. فما ثمرة تعلمي (الوصفة العلاجية الطبية مع عدم شرائها أو شرائها مع عدم تناولها ) فبمجرد التعلم لا يحصل الشفاء بل) خذّ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) التوبة من الآية : 103).

 

قالت إحدى النساء إننا عندما نشبع نعطي الباقي للفقراء ، قلت لها اعطيت الله ما تكرهين حيث قال الله تعالى ( ويجعلون لله ما يكرهون) النحل : من الآية 62) بل المفروض الطعام من أوله شهي والبطن جائعة فهي هذه اللحظة يكون العطاء حتى تكونوا مصداقاً لقوله تعالى : (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ( آل عمران : من الآية 92) . لا مما تكرهون عند شبع البطون .

 

ومما يذكر بإن رجلاً لم يعرف بالجود ولكن ذات يوم واذا يوزع  اللحوم على الجيران فتعجب القوم فلما فحصوا عن حقيقة الأمر وإذا ( الكهرباء ) منطفئة لمدة طويلة (فجزاها خيراً) ؟ ( فرب ضارة نافعة) ويذكر أن مسجد الهندي كان الرجل هندي يقرأ القرآن على سطح بيته وصل الى قوله تعالى : ( لن تنالوا البر .. الخ) فقال : أحب شيء بيتي فأوقعة وخرج لطلب العلم والمعرفة اللذين حفظوا الدين وفدوا بدمائهم شريعة سيد المرسلين .