خطاب المرحلة (494) الخارجون عن طاعة قادة الإسلام (الفرقة الواقفة) انموذجاً

| |عدد القراءات : 148
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 


الخارجون عن طاعة قادة الإسلام (الفرقة الواقفة) انموذجاً([1])

[إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً]

(الإنسان:27) 

          شهد التشيع انشقاق فرق عديدة في زمان الأئمة (^) وما بعده، ومنهم (الواقفة) الذين لم يذعنوا لإمامة الرضا (×) ووقفوا على الإمام الكاظم (×) وادعوا أن الإمام الكاظم (×) لم يمت ولم يُقتل وأنه حي لإلغاء إمامة الرضا (×) وافتروا أن الإمام الرضا (×) يعلم ذلك إلا أنه يخفيه تقية، ورد الإمام (×) عليهم بقوله: (فإني لا أتقيكم في أن أقول أني إمام فكيف أتقيكم في أن أدعي أنه حيّ لو كان حياً)، وقاد هذا الانشقاق رموز معروفة من أصحاب الإمام الكاظم (×) .

والدافع المعروف في الروايات هو للاستيلاء على الأموال الضخمة([2]) التي أودعها الإمام الكاظم (×) عندهم، قال الشيخ الطوسي عن الواقفة ((فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها

واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال))([3]).

        وروى الكليني بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال (مات أبو إبراهيم (×) وليس من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم، وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار –الدينار مثقال شرعي من الذهب- وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار)).

        وقد تحدثت في كلمة سابقة عن كيفية مواجهة الإمام (×) لهذا الانشقاق([4]) الذي آلم قلب الإمام الرضا (×)، واستمرت تداعياته إلى زمن الأئمة اللاحقين (^) واغترّ بهذه العقيدة جملة من كبار حملة الحديث.

        وهذا السبب المعروف في كتب الأصحاب يمكن أن يكون دافعاً للبعض وليس للجميع خصوصاً بعض الرموز الكبار فانهم لم ينكروا إمامة الرضا (×) طمعاً في الاستيلاء على الأموال وإنما العكس إذ كانت خيانتهم للمال من باب تحصيل الحاصل ونتيجة لانكار امامة الرضا (×) وليست سبباً له .

          والذي فهمته من بعض الروايات أن سبب انشقاقهم شيء آخر لم يــؤشَّر

بوضوح في كتب الرجال حاصله أن هؤلاء المؤسسين اختطوا لأنفسهم منهجاً فكرياً وعقائدياً اشتهروا به وأصبحوا رموزاً في الوسط الشيعي من خلاله ولم يوافقهم الإمام الرضا (×) عليه فاستكبرت أنفسهم عن طاعة الإمام والتخلي عن هذا المنهج ورأوا أن المحافظة على رمزيتهم والجاه الذي حصّلوه من خلال هذا المنهج لا  يتحقق إلا بإنكار إمامة الرضا (×) فابتدعوا عقيدة (الواقفة).

        والرواية طويلة رواها في قرب الإسناد وأوردها المجلسي في البحار ومحل الشاهد من الرواية قوله (×) (أما ابن السراج فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا أنه عدا على مال لأبي الحسن × عظيم، فاقتطعه في حياة أبي الحسن وكابرني عليه وأبى أن يدفعه، والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي فلما حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن × اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي وتعلل، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به.

        وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأوّل تأويلاً لم يحسنه ولم يؤت علمه، فألقاه إلى الناس فلجّ فيه، وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها، ولم يحسن تأويلها ولم يؤت علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كان لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبهة عليه، وفر مــن أمــر فوقــع

فيه)([5]).

        توضيح الحديث: أن علي بن أبي حمزة تأوّل الأحاديث الواردة في أن موسى بن جعفر (×) هو القائم وبأنه المهدي الموعود فكذّب خبر استشهاد الإمام (×) لكيلا يكذّب نفسه فيما تبنّى من فكرة ويلزم منه كذبه فيما نقل من أخبار السفياني ونحوه عن الأئمة (^) فتسقط أخباره عن الاعتبار وفي الحقيقة فإن أخبار الأئمة (^) صادقة لكنه أخطأ في فهمها حيث قال (×): (كلنا قائمون بأمر الله) وليس بالمعنى الذي ذهب إليه.

        وقوله (×): (وفرّ من أمر فوقع فيه) إشارة إلى أن إصراره هذا لزم منه تكذيب أحاديث كثيرة أخرى تنفي كون الإمام الكاظم (×) هو القائم المهدي.

        ويظهر من الرواية أن الإمام (×) صبر طويلاً عليهم وأمهلهم زمناً لعلهم يثوبون إلى رشدهم فلم يصدر منه بيان مفصّل لحقيقتهم وعاقبتهم، قال (×) (ولولا ما قال أبو جعفر (×) حين يقول لا تعجلوا على شيعتنا إن تزل قدم تثبت أخرى وقال مَن لك بأخيك كله: لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السرّاج وأصحاب ابن أبي حمزة).

        ولما تمادوا في غيّهم وتمرّدهم صرّح الإمام الرضا (×) بموقفه فقال في ابن أبي حمزة (أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى؟ وهو صاحب السفياني! وقال إن أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر؟! فما استبان لكم كذبه؟)([6]).

        وروى يونس بن عبد الرحمن -وهو من أجلاء أصحاب الإمام الرضا (×) وعرض عليه الجماعة عشرة آلاف دينار ليكسبوه إلى صفّهم فرفض –قال: (دخلت على الرضا (×) فقال لي: مات علي بن أبي حمزة؟ قلت: نعم، قال: قد دخل النار! قال: ففزعت من ذلك –مما يدل على منزلته لدى الشيعة- قال: أما أنه سُئل عن الإمام بعد موسى أبي، فقال: لا أعرف إماماً بعده، فقيل: لا، فضُرب ضربة اشتعل قبره ناراً).

        وقال (×): (إنه لما قبض رسول الله (’) جهد الناس في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (×)، فلما توفي أبو الحسن (×) –موسى بن جعفر (عليهما السلام) – جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره).

        هذه واحدة من المشاكل التي تواجه قادة الإسلام على مرّ العصور سواء في زمان المعصومين (^) أو نوابهم بالحق، أذكرُ مثالاً قريباً من مرجعية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد كان مهتماً بالتربية الأخلاقية والسلوك الصالح فظهرت فئة تدعي المعرفة والسلوك وهم في الحقيقة طلاب زعامة ورئاسة فشلوا في نيلها بالطرق الطبيعية أي العلم والعمل الصالح فلجأوا إلى هذه الدعاوى وحققوا مكاسب فيها، وأصبحوا واجهات وادعوا أن لهم ارتباطاً خاصاً بالسيد الشهيد (قدس سره) فما كان منه إلا أن يتبرأ منهم علناً وبشكل صريح على منبر الجمعة، لكن البعض أبى أن يذعن ويتوب لأنه سيخسر زعامته وسلطته على مريديه المضللين به فانشقوا عن السيد الشهيد (قدس سره) وأصرّوا على المضي في منهجهم.

        ويحكى أن السيد البروجردي (قدس سره) –وكان المرجع العام للشيعة في زمانه توفي عام 1960- منع من التطبير واعتبره ممارسة مبتدعة أدخلت في الشعائر الحسينية، فصارحه جماعة من رؤساء مواكب التطبير إننا نقلدك السنة كلها إلا يوم عاشوراء.

        أما تجربتي الخاصة ففيها الكثير من الشواهد لهؤلاء لأسباب شتى وفي مواقف عديدة ربما سيكتب عنها من عرفها وعايشها، والمهم أن يكون عندنا من الورع والتقوى ما يحجزنا عن معصية الله تعالى من أجل لذة عاجلة بمال أو جاه أو كثرة أتباع أو شهرة أو نحو ذلك من الأمور التي تزول لذّتها المنكّدة ببلاءات الدنيا وتبقى تبعتها وسوء عاقبتها دائماً سرمداً قال تعالى مشفقاً على هؤلاء المخدوعين ومحذراً: [إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً] (الإنسان : 27) ثقيلاً في طول مدته ودوام مقامه وشدة عذابه وعدم التخفيف عن اهله فهم يُعرضون عن تذكّر هذا ويخلفونه وراءهم ولا يجعلونه نصب أعينهم استعجالاً للذة وقتية زائلة، ويعبِّر الامام الحسين (×) في دعائه يوم عرفة عن خسارة صفقة هؤلاء (لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً) ومنه قوله (×) (ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذى فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ)([7]) وهذا طبع الإنسان الذي يغفل عن ذكر الله تعالى [كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ] (القيامة : 20-21).



([1]) الخطبة الثانية التي ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف) لصلاة عيد الأضحى المبارك عام 1437 الموافق 12/9/2016م.

([2]) أصل هذه الأموال وكيفية تنميتها والهدف منها تحتاج الى بحث مفصل مستقل بأذن الله تعالى

([3]) راجع ترجمته في كتب الرجال ومنها معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره) : 12/234-247.

([4]) خطاب المرحلة: 7/174.

([5]) بحار الأنوار: 49/267-268. عن قرب الإسناد: ص 348-352، ح1260.

([6]) معجم رجال الحديث : 12/236 عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 4\6.

([7]) مفاتيح الجنان :340