ولاية أمير المؤمنين (ع) وسورة التوحيد -عمل خفيف لكنه ثقيل في الميزان

| |عدد القراءات : 235
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ولاية أمير المؤمنين ( ×) وسورة التوحيد([1])

عمل خفيف لكنه ثقيل في الميزان

 

توجد رواية جليلة مباركة ذات فوائد معنوية عظيمة رواها الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه معاني الأخبار بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد ‘، يحدث، عن أبيه، عن آبائه ^ قال: قال رسول الله ’ يوما لأصحابه: أيكم يصوم الدهر؟ فقال سلمان - رحمة الله عليه -: أنا يا رسول الله فقال رسول الله ’: فأيكم يحيي الليل؟ قال سلمان أنا يا رسول الله. قال: فأيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال سلمان: أنا يا رسول الله. فغضب بعض أصحابه فقال: يا رسول الله إن سلمان رجل من الفرس يريد أن يفتخر علينا! قلت: أيكم يصوم الدهر؟ قال: أنا، وهو أكثر أيامه يأكل، وقلت أيكم يحيي الليل؟ فقال: أنا، وهو أكثر ليله نائم، وقلت: أيكم يختم القرآن في كل يوم؟ فقال: أنا، وهو أكثر أيامه صامت! فقال رسول ’: مه يا فلان أنى لك بمثل لقمان الحكيم! سله فإنه ينبئك. فقال الرجل لسلمان: يا عبد الله أليس زعمت أنك تصوم الدهر؟ فقال، نعم. فقال: رأيتك في أكثر نهارك تأكل؟ فقال: ليس حيث تذهب إني أصوم الثلاثة في الشهر وقال الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام : 160] وأصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر. فقال: أليس زعمت أنك تحيي الليل؟ فقال: نعم. فقال: إنك أكثر ليلك نائم. فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله ’ يقول: " من بات على طهر فكأنما أحيا الليل " فأنا أبيت على طهر. فقال: أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم؟ قال: نعم، قال: فأنت أكثر أيامك صامت، فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله ’ يقول لعلي ×: >يا أبا الحسن مثلك في أمتي مثل قل هو الله أحد فمن قرأها مرة فقد قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن، فمن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الايمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الايمان. والذي بعثني بالحق يا علي لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لك لما عذب أحد بالنار< وأنا أقر أقل هو الله أحد في كل يوم ثلاث مرات. فقام فكأنه قد ألقم حجرا<([2]).

أقول: يمكن ان نستفيد من هذه الرواية عدة أمور:

1- منزلة سلمان الفارسي العظيمة حتى شبّهه النبي (’) بلقمان الحكيم.

2- ان جملة من الصحابة قد اشربت الجاهلية في قلوبهم (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (البقرة:93) ولم تستطع سنوات الإسلام أن تزيل رواسبها لذا فانها تنكشف عندما تتعرض لما يثيرها كما حصل لهذا الرجل الذي غضب من سلمان فنبزه في أصله.

3- عدم الاستعجال بالحكم على أحد بصدق أو كذب أو حق أو باطل من كلمات قالها حتى نتعرف على مقصوده ومراده ونستفهم منه. لذلك فان النبي (’) زجر المعترض وطلب منه أن يستفهم مقصود سلمان قبل الحكم عليه بالكذب والافتراء، ويكون الأمر اسوء لو صدر الحكم على أحد لمجرد كلام نقل عنه من دون التأكد من صدوره حقاً أو ان الكلام المنقول مطابق لما قال أو لا.

4- تعلّمنا أعمالاً يسيرة لكن ثوابها عظيم فقراءة سورة التوحيد ثلاثاً تعدل ختم القرآن، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صوم الدهر والنوم على طهور يجعله عبادة والفراش مسجداً، ومن هنا تبرز أهمية المعرفة والتفقه في الدين لاختصار طريق الوصول إلى الكمال.

5- ذوبان سلمان في ولاية أمير المؤمنين (×) ورسوخها في قلبه بحيث لم يترك مناسبة تمر دون ان يعلنها ويدعو الناس اليها ويقيم الحجة عليها.

6- إن ولاية أمير المؤمنين (×) لا تقف عند حدود المحبة والولاء العاطفي وادعائها باللسان والانتساب إليها أو زيارته (×) أو التحدث بفضائله والدفاع عن حقه فهذه كلها من مراتب الولاية ومظاهرها وشعائرها لكنها لا تكتمل الا بالعمل بمقتضياتها والتسليم بآثارها والسير على هدى أمير المؤمنين (×) وهو معنى النصرة الذي اشارت إليه الرواية وصرّح به أمير المؤمنين (×) نفسه بقوله: (ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد)([3]).

وهو (×) إنما يريد بهذه النصرة أن نعينه على أنفسنا ليستطيع أن ينجز مهمته في إصلاح الناس وهدايتهم والأخذ بأيديهم نحو الكمال وباكتمال عناصر هذه الولاية تُنال الدرجات الرفيعة بفضل الله تعالى.

ومما ينبغي الالتفات اليه ان الارتباط بين سورة التوحيد وأمير المؤمنين (×) واضح وجلي فالسورة حروف مكتوبة أو ملفوظة معبرة عن التوحيد والإخلاص لله تبارك وتعالى، وأمير المؤمنين (×) جسّد التوحيد والإخلاص في حياته كلها التي بدأها بالولادة في بيت الله الحرام وختمها بالشهادة في مسجد الكوفة المعظم، ونظم هذه الحالة جدي المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي ببيت من الشعر ضمن قصيدة قال فيه:

بأول بيت جاء لله ساجداً

 

 

وفاز بلقياه برابع مسجدٍ





ومن مناجاته (اللهم اني ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني عبدتك لأنك أهلا لذلك وابتغاء رضوانك ورحمتك ومغفرتك)([4]).    



([1]من حديث سماحة الشيخ المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من شباب الكاظمية المقدسة من بغداد يوم 3 / ذو القعدة / 1438 المصادف 27 / 7 / 2017.

([2]) معاني الاخبار / 234 في معنى صوم الدهر واحياء الليل وختم القرآن.

([3]) نهج البلاغة: 3/70.

([4]) الكلمات القصار، الحكمة: 290.