خادع نفسك لجلبها إلى الطاعة

| |عدد القراءات : 226
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

خادع نفسك لجلبها إلى الطاعة([1])

روى الشيخ الطوسي بسنده عن الصحابي عدي بن حاتم الطائي وكان مع أمير المؤمنين (×) في معركة صفين قوله (×) (إن الحرب خُدعة) وهو حديث نبوي مشهور لكن الملفت تطبيق أمير المؤمنين (×) للحديث في مجال غير الذي تنصرف إليه اذهاننا وهي الحرب العسكرية، فقال (×) (إن الحرب خدعة) ثم قال (×) (فافهم فانك تنتفع بها بعد اليوم ان شاء الله، واعلم ان الله عزوجل قال لموسى (×) حين أرسله إلى فرعون (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44) وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى (×) على الذهاب)([2]).

فالله تعالى يعلم ان فرعون لن يستجيب لموسى (×) بل سيكذّبه ويحرٍّض على قتله ولكنه لو أخبر موسى (×) بذلك فانه سوف لا يتحمس لدعوته إلى التوحيد لان الثمرة معدومة، ففتح الله تعالى له الأمل بايراد احتمال أن يتذكر أو يخشى ليندفع موسى (×) في أداء رسالته، فكان أمير المؤمنين (×) يقول ان الله تعالى استعمل هذا الأسلوب لحث موسى (×) على دعوة فرعون إلى الحق.

فالذي نستفيده ان تطبيق هذا الحديث له مدى واسع ويمكن ان يكون دليلاً للسلوك في ما هو أوسع من الحرب العسكرية، اعني في مجاهدة النفس أو إصلاح المجتمع  لأن الحرب العسكرية وصفها النبي (|) بأنها (الجهاد الأصغر) وعلينا أن نخوض الجهاد الأكبر الممتد طول حياتنا فالحاجة إلى الخدعة فيها أكبر أي مخادعة النفس لجلبها إلى الطاعة وتجنيبها المعصية، خصوصاً وان النفس هي بالمقابل تخادع صاحبها وتدعوه إلى التمرّد على الطاعة واتباع الشهوات والاهواء كما ورد في الدعاء (ونفسي تخادعني)([3]).

اما كيفية مخادعة النفس فإنّ لها اشكالاً عديدة بحسب نوع الطاعة، فمثلاً يصادف شهر رمضان في أشهر الصيف اللاهبة فترفض النفس الصوم وتستثقله وتهولّه وتوسوس لصاحبها كيف تصوم ثلاثين يوماً في هذا الحر الشديد وبين يدك الماء البارد والطعام اللذيذ ولك زملاء يأكلون ويشربون وانت شاب فعليك التمتع بالدنيا ويمكن ان تتوب لاحقاً وتلتزم بالواجبات ونحو ذلك.

فاذا خادعها صاحبها وحاول تخفيف الأمر بأن ثلاثين يوماً ليست متصلة لصيام وإنما يفصل بين ايامها بإفطار الليالي فعند نهاية كل نهار يُسمح له بتناول الطعام والشراب وينتهي عطش وجوع النهار فالنهار السابق انتهى والآتي لم يحلَّ بعد، بل هو بالدقة في كل لحظة هكذا لانه بين لحظة مرّت وقد انتهت مشقتها وثبت اجرها ان شاء الله، وبين لحظة لم تأت فلماذا يحمل همّها ويتعلق لها، فهو ابن اللحظة التي هو فيها والطاعة في الحقيقة هي صبر اللحظة التي هو فيها، وقد وردت في هذا المعنى كلمة لأمير المؤمنين (×) قال (الشجاعة صبر ساعة)([4]) فهل يعجز عن صبر لحظة؟

أو بالنسبة إلى العمل التوعوي والإنساني والاصلاحي في المجتمع فان النفس تثبّطك وتقعدك بعدم الجدوى منه أو اليأس من الوصول إلى النتيجة أو عدم وجود مردود مادي ونحو ذلك فلابد من كبح جماحها باقناعها بما أعدٍّ الله تعالى للعاملين من الكرامة وان الصلاح اذا انتشر في المجتمع فأنه سيعود بالخير على الفرد نفسه وكذا الشر اذا انتشر فانه لا يسلم منه حتى الذين لم يشاركوا فيه.

وهكذا تجري قاعدة (إن الحرب خدعة) في جهة تجنب المعصية والعياذ بالله فأن العاصي بين لحظة مرت وانتهت لذتها وبقيت تبعتها وعقوباتها وبين لحظة لم تأتِ بعد فهل تستحق لذة لحظة معصية جبار السماوات والأرض والتعرض لعذابه الأليم؟

وقد وضع علماء الاخلاق في علاجاتهم النظرية لاكتساب الفضائل ونبذ الرذائل مثل هذه الحوارات مع النفس لكل فضيلة بحسبها.



([1]) من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد من الشباب يوم السبت 24 / جمادي الأولى / 1439 المصادف 10/ 2 / 2018.

([2]) تهذيب الاحكام: ج 6 كتاب الجهاد، باب 76 إن الحرب خدعة.

([3]) في المصباح عن أبي حمزة الثّمالي (رحمه الله) قال : كان زين العابدين (×) يصلّي عامّة اللّيل في شهر رمضان فاذا كان في السّحر دعا بهذا الدّعاء

([4])  ميزان الحكمة: الحديث 9157.