خطاب المرحلة (572) النساء والشباب حجر الأساس في العولمة الأخلاقية والاجتماعية

| |عدد القراءات : 181
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 

بسمه تعالى

النساء والشباب حجر الأساس في العولمة الأخلاقية والاجتماعية([1])

(العالمية) مشروع قرآني، قال الله تبارك وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) وقال تعالى (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) وفي أخبار صاحب الزمان (×) إنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، فالعالمية في القرآن وعند أهل البيت (^) مشروع انساني نبيل هدفه تحقيق العدالة والسلام والحياة الكريمة وحقوق الانسان لكل الناس بغضّ النظر عن قومياتهم واديانهم وثقافاتهم ونمط حياتهم.

وفي مقابل هذا المشروع يتردد كثيراً مصطلح (العولمة) ويريد به واضعوه من الاستكبار العالمي تذويب هويات وخصوصيات شعوب العالم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والفكرية والعقائدية في مشروع عالمي واحد يضعون هم أساسه ومعالمه وصولاً إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية على شعوب العالم وتسيير أمورهم كما يريد الاستكبار، هذه هي حقيقة ما يريدون لكنهم يظهرون معاني أخرى جذابة ومحبّبة من أجل خداع الشعوب واستغفالها وصهرها في بوتقتهم وقد شيّدوا مؤسسات لتنفيذ هذه القضايا وفرضها على الناس كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية للهيمنة الاقتصادية وتطويع الأنظمة الحاكمة بالشروط التي يفرضونها عند الإقراض أو تقديم المساعدات، وصرفوا أموالاً طائلة على تعزيز قدراتهم العسكرية لاستعمالها في تنفيذ اجنداتهم السياسية في أي مكان من العالم والتلويح بالقوة في وجه كل من يخرج عن ارادتهم، واشعلوا الحروب الطائفية والقومية لانهاك الدول واستنزاف قدراتها وإبقائهم محتاجين إليهم. وأوجدوا أدوات لتنفيذ هذه المخططات كالجماعات الإرهابية.

وهذا الوعي ربما يكون متاحاً لكثيرين لكن الذي يندر الالتفات إليه ولا يتم التركيز عليه مع عظيم خطورته وتأثيره هي العولمة الاجتماعية والأخلاقية والثقافية التي هي أساس الاشكال الأخرى للعولمة فاذا سلخ المجتمع من اخلاقه ومبادئه وانتمائه فانه يصبح حينئذٍ سهلاً لمشاريع الاستكبار.

وحجر الأساس في هذه العولمة هم الشباب والمرأة حيث يمتلكان الحيوية والنشاط وقوة التأثير ويعانيان من الجهل وقلة الخبرة ويشعر كل منهما بالتهميش في المجتمع وعدم نيل حقوقهم، لذا وضعوا البرامج وشيّدوا المؤسسات ودرّبوا شخصيات لإحداث هذا الاختراق في سلوك المجتمع وانماط تفكيره والقضايا التي يؤمن بها ويسعى لتحقيقها ويكرّس وقته لها ونجح في هذا الاختراق ومظاهره بادئة للعيان وصرنا نرى سلوكيات وظواهر لم تكن معروفة من قبل، ووصلت إلى مستويات مقززة ومقلقة لدى هاتين الشريحتين.

فلباس بعض الشباب ومظهرهم الخارجي واستدراج بعضهم لتعاطي المخدرات وقضاء الأوقات في أماكن اللهو والعبث وبروز ميول للعلاقات الجنسية المثلية تكشف عن مستويات متدنية من الانحراف.

وانظر إلى الاحصائيات التي تصدرها المحكمة الاتحادية عن عدد حالات الزواج والطلاق في مختلف المحافظات لترى تزايد حالات الطلاق إلى مستويات مرعبة بحيث وصلت نسبة حالات الطلاق إلى الزواج في آخر إحصائية إلى 30 بالمئة وهي نسبة غير مسبوقة وتكشف عن كارثة اجتماعية وحينما نقرأ الأسباب الداعية إلى الطلاق تجدها تافه ولا يمكن أن  تبرّر تهديم الاسرة وضياع الأطفال وتخريب الاواصر الاجتماعية، وقد سألت أحد القانونيين عن الدوافع الحقيقية لطلب النساء الطلاق، فقال أن أحدها الامتيازات الكثيرة التي كفلها القانون للمطلقات مما يغري المرأة الطامعة في هذه الماديات وان بعض المحامين ممن لا يخافون الله تعالى يطلعون المرأة على هذه الامتيازات فيغرونها بطلب الطلاق ويعلمونها الحيل القانونية للوصول إلى الهدف.

من هنا تعرف سر ثورتهم عندما تحرك بعض الأخوة لإقرار قانون للأحوال الشخصية يوافق الشريعة الإسلامية عملاً بما كفله الدستور من حرية المواطن في ممارسة أحواله الشخصية وفق اعتقاده، وما هذه الثورة والضجيج والتسقيط والافتراء الذي مارسوه للتشويش على القانون الا لأنهم جعلوا ضمن مواده ما يخرب هذه العلاقات الاجتماعية ويعطل شريعة الله تعالى، والا فلا نفهم وجهاً لهياجهم لأن القانون سُلِّم كمقترح قابل للنظر والتعديل وأنه ليس بديلاً عن القانون الوضعي وإنما يُدرج كخيار ثاني للمواطن في الموارد التي يختلف فيها القانون الوضعي مع الشرعي وللمواطن اختيار أحداهما، وهذا موافق للدستور ولمتطلبات حقوق الانسان والحرية والديمقراطية التي يدعّونها فما وجه عاصفتهم الهوجاء؟ والأشد أسفاً هو هزيمة بعض الواجهات الإسلامية وانحنائهم لهذه العاصفة وتخليهم عن مسؤولياتهم امام الله تعالى والدين والأمة.

إن الاستكبار العالمي والقوى الشيطانية تدرك تماماً ما للنساء والشباب من تأثير مباشر في تغير المجتمع باتجاه الصلاح أو الفساد لذا فأنهم لا يتوانون في استهدافهما وإفسادهما لكي يفسد المجتمع كله ولو لا لطف الله تعالى ورعاية الامام (×) وجهود وتضحيات العاملين الرساليين وبركة إقامة الشعائر الدينية لتحققت لهم هذه النتيجة والعياذ بالله.

وهكذا رأينا نفس هذه الأدوات تؤدي دورها في بقية المجتمعات الإسلامية ولعل اجرأ الحكومات على التخلي عن الإسلام هو ما نسمعه عن القوانين المخالفة للشريعة التي تسنّها السلطات في تونس والمغرب. فعلينا جميعاً أن نعي هذه المواجهة الناعمة والجراثيم الخفية التي تسري في جسد الأمة كالمرض الخبيث، وان ننشر هذا الوعي بقوة وإيمان، ومما يزيد عزيمتنا الالتفات إلى اننا نعيش مفصلاً مهماً في تاريخ الأمة، وهو زمان له ما وراءه كما يقول العرب أي ان المستقبل مبني على نتائج ومخرجات ما يجري اليوم إن كانت خيراً فخير أو شراً فشرّ.

فعندما نستشعر عظم المواجهة والبركات التي تثمرها الوقفة الحازمة الشجاعة اليوم فانه يزيد من عزيمتنا ويربط على قلوبنا ويثبت اقدامنا بإذن الله تعالى.

ألسنا نغبط أصحاب رسول الله (|) الذين قاتلوا معه يوم بدر يوم الفرقان بحسب القرآن الكريم لأنهم ثبّتوا الإسلام، ونغبط أصحاب الامام الحسين (×) ونقول (ياليتنا كنا معكم) لأنهم أقاموا الحق في ذلك المفصل التاريخي الهام وحفظوه إلى يوم القيامة وان سرّ ثباتهم في ذلك اليوم وهم يواجهون جيشاً متوحشاً يفوق عددهم ألف مرة لأنهم وعوا هذه وأراهم الامام الحسين (×) هذه النتائج المباركة إلى يوم القيامة، فكذلك نحن نعيش مفصلاً تاريخياً في حياة الأمة وعلينا أن نسجل موقفاً محموداً ولا نفرط فيه من أجل شهوة أو نزوة أو طمع أو تقاعس أو كسل أو الحصول على مكاسب شخصية محدودة، ولا ننخدع بوعودهم أو تسويلاتهم والله ولي التوفيق.



([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة جامعة كربلاء يوم السبت 9 / ربيع الأول / 1440 المصادف 17 / 11 / 2018 بحضور بعض النخب المثقفة.