رسالتنا الى مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران

| |عدد القراءات : 6406
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

رسالتنا الى مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله كما يستحقه وكما هو أهله وصلى الله على سيد خلقه وحبيبه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.

 

سماحة آية الله الشيخ التسخيري (دامت بركاته) الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية.

 

حضرات السادة العلماء والمفكرين ونخب الأمة وطليعتها المشاركين في مؤتمر الوحدة الاسلامية.

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ابارك لكم انعقاد هذا الشمل الميمون الذي اكتسب هيبته وجلاله وأهميته من زمان انعقاده المرتبط بصاحب الذكرى الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن مكان انعقاده وهي ارض الجمهورية الاسلامية المباركة في ايران ومن الحاضرين الذين يمثلون قادة الأمة وأهل الحل والعقد فيها ومن الظروف التي تعيشها الأمة بكل تحدياتها ومخاطرها ومشاكلها وتعقيداتها ومن الهدف الذي يتمحور حوله المؤتمر وهو تحقيق الوحدة بين طوائف المسلمين ومذاهبهم.

 

ايها الأحبّة:

 

لقد حثنا الله تبارك وتعالى على التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عظمت آلاؤه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) وهذا التأسّي لا يقتصر على حياته الشخصية الشريفة وإن كان في ذلك غنى وكفاية وإنما تدعو الآية الشريفة إلى الاستفادة من طريقة معالجته لقضايا الأمة وحلّ مشاكلها ووضع الخطط الكفيلة لاصلاحها وقيادتها نحو سعادة الدارين وكمالها المنشود وتنظيم علاقة امته ودولته داخل كيانها ومع الأمم والدول الأخرى، وحينئذ سنجد في حياته الشريفة كل ما نحتاج، اليس هو صنو القرآن بل هو القرآن الناطق ؟! فكلُّ ما وصف القرآن نفسه من خصائص شريفة فهي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها قوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) ومنها قوله تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) فسيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) في اقواله وافعاله سفر خالد فيه تبيان لكل شيء ولكن حقائقه الواقعية كحقائق القرآن الكريم (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) الذين طهرت قلوبهم من الرين وصفت انفسهم من التعلق الا بالله تبارك وتعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وبمقدار طهارة قلب الانسان وصفاء نفسه يستحق من الفيوضات الآلهية ونور المعرفة بالله تبارك وتعالى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا).

 

 ومما نستفيده من حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) كقائد حكيم وباني حضارة خالدة ومؤسس أمة ومنقذها من الضلال والضياع والتشتت والجاهلية انه (صلى الله عليه وآله وسلم) اول ما فعل قبل ان يؤسس دولته المباركة حينما وطأت قدماه مدينته المنورة انه آخى بين المهاجرين والانصار ودعا كل واحد من الانصار إلى ان يؤاخي واحداً من المهاجرين ويقاسمه كل شيء حتى ان أحدهم اذا كانت له زوجتان وليس للمهاجر زوجة طلق احدهما وزوجها الآخر وعلى هذا الاساس الرصين انطلق ليفتح العالم كله ولو لم يكن وراءه مجتمع موحد لانشغل بمشاكله الداخلية وما يستتبعها من تداعيات التناحر والتقاطع والتباعد وعجز عن تنفيذ مشروعه الرسالي العظيم.

 

من هنا كانت المساعي المباركة لتوحيد الامة وتآخيها ركناً اساسياً في اعادة هيبة الامة الاسلامية وقوتها وممارستها لدورها الحضاري الرائد.

 

ومؤتمركم الميمون هذا خطوة على هذا الطريق اللاحب الطويل، ولكنه رغم معاناته لذيذ يفيض على القلب بالسعادة وعلى الروح بالسمو.

 

والذي اريد ان اثيره في هذا اللقاء المبارك هو تقييم نتائج هذه المؤتمرات التي تواصلت عقوداً من الزمان وهل انها حققت نتائجها المنشودة ؟ يؤسفني ان اقول لا على الاقل من الزاوية التي انظر اليها وأعيش همومها وقضاياها وحينئذ يتحتم علينا كنخبة واعية هادفة نتعامل مع الامور بجدية ولا مكان للهو والعبث وإزجاء الوقت في فراغ ان نقيّم هذا المشروع الاصلاحي العظيم واعني به تحقيق وحدة الامة ومؤاخاة ابنائها وأن نحدّد اسباب التلكؤ والتعثر ومعوقات العمل فنحن لا نريد ان نخدع انفسنا وننظر إلى الامور بعين واحدة وهي عين الرضا عن النفس فانها من المهلكات (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وأعيذ نفسي وأخواني أن نكون من أهل هذه الآية وأخواتها المباركات فقد كنا من المبادرين لاعلان الايام المتخللة بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع الاول المتشرفة بذكرى ولادة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) اسبوعاً للمؤاخاة تأسياً بسيرته الشريفة (صلى الله عليه وآله وسلم)  ولكنكم تسمعون وتشاهدون الجرائم الفضيعة التي ترتكب في حق اتباع اهل البيت (عليهم السلام) في الحلة والموصل وبغداد واللطيفية والمدائن والحصوة واليوسفية وحديثة وانتهكت حرمات أهل البيت (عليهم السلام) في النجف وكربلاء والكاظمية وراح ضحيتها الابرياء من نساء واطفال وشيوخ وشباب لا ذنب لهم الا انهم التزموا بقوله تعالى (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وهؤلاء المجرمون لا يمثلون انفسهم وإنما وراءهم امة من الناس تؤويهم وتقدّم لهم الدعم والخدمات وتخفيهم عند الاضطرار وتحتفظ برهائنهم ومخطوفيهم وتقدّم لهم المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن ضحاياهم كما ان وراءهم من يبرر افعالهم من علماء السوء ويعطيهم المشروعية ويبارك لهم سفك الدم الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام ويجعلها من اقرب الطاعات لله تبارك وتعالى واقصر الطرق إلى الجنة ؟ فهي اذن منظومة كاملة تعبئ للجريمة وتدفع اليها وتحتضنها وتدعمها وتشترك فيها وتتقاسم غنائمها من السحت الذي يغلي في بطون آكليه ناراً وسيصلون سعيراً ولو لم يكونوا شركاء في الجريمة فلماذا لم تحصل مثل هذه الشبكات المنظمة للفساد في الارض في المدن الملتزمة بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وتتبع مرجعيتها الرشيدة ؟

 

هذا كله ما يجري في المناطق التي يكثر فيها المنتسبون الى أهل السنة والجماعة وهم براء منهم الا انهم يخافون سطوتهم ويتبجحون بهذه الافعال ويفخرون بها ويسمونه (مثلث الموت) هل سألوا انفسهم لمن هذا الموت ؟ ان من يقتل من المحتلين لا تعدو نسبته واحد بالمئة فالموت اذن للابرياء والاخوان في الدين والوطن الذين لهم رب واحد ودين واحد وكتاب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة ويتربص بهم عدو واحد لا يفرق بين سني وشيعي ولم يستهدف السني لسنيته ولا الشيعي لشيعيته وانما استهدفهما معا لاسلامهما ! هل من المصادفة ان يتعرض الشهيد السيد محمد باقر الحكيم في النجف الاشرف والشهيد الشيخ احمد ياسين في فلسطين المحتلة لحادثي اغتيال في اسبوع واحد فاستشهد الاول ونجا الثاني ثم استشهد في محاولة اخرى ؟ وهل من المصادفة ان تنتهك المقدسات في القدس الشريف والنجف وكربلاء المقدستين في آن واحد ؟ الا يكفي هذا رادعاً لاخواننا لكي يكفوا عن الغدر والطعن من الخلف ولا يكونوا إلباً لاعدائهم على اخوانهم.

 

ان كلمات الاستنكار الخجولة التي تصدر لذر الرماد في العيون لم تعد تنطلي على احد ولا قيمة لها ما دام تسميم الاجواء مستمراً والتعبئة والتثقيف نحو الجريمة يوظف كل وسيلة اعلامية من الفضائيات إلى الاذاعات والصحف والمجلات ومنابر الجمعة والجماعة غير الجلسات الخاصة وما دام التضليل ودفع الهمج الرعاع والمتحجرين والقساة الذين قست قلوبهم (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).

 

لقد حذر الله تبارك وتعالى من المكر السيئ فقال عز من قائل (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) ولذا حذّرت في عدة بيانات الاخوة الذين يغذون الفساد في الارض من داخل العراق وخارجه ان عاقبة البغي وخيمة و(من سل سيف البغي قتل به) وانه (لو بغى جبل على جبل لتدكدك) فهذا الفساد في الارض الذي يفتون به ويدعمونه لاهلاك الحرث والنسل في هذا البلد الكريم سيعود عليهم قريباً جرياً مع سنة الله تبارك وتعالى التي لا تقبل التحويل والتبديل وسينوؤن بثقله وسيكتوون بنار الفساد او ما يسمونه بالارهاب الذي صنعوه بايديهم بغياً على شعب العراق المسلم الابي.

 

لماذا يكون الفعل الواحد جريمة تندى لها الانسانية اذا وقع في بلادهم ضد العدو الذي يتحكم في سياستهم واقتصادهم وثقافتهم ويكون (مقاومة) و(جهاداً) اذا وقع ضد المدنيين الابرياء في ارض العراق ؟ ان اهداف هؤلاء المستندة إلى عصبية جاهلية ومصالح انانية ونظرة ضيقة لم تعد خافية على احد.

 

ان رفض الاحتلال وكل اشكال التبعية والتحرر منه والعبودية الخالصة لله تبارك وتعالى واجب انساني لا يناقش فيه احد وهو حق للعراقيين قبل غيرهم وهم من اوائل الشعوب التي سعت إلى الحرية وضحت من اجل نيلها.

 

وهذا الرفض له آلياته واشكاله وظروفه وللمقاومة ثقافة ولها اخلاق فنقرأ في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه كان كلما بعث سرية او جيشاً حملهم مع السلاح توجيهات ونصائح واخلاق بان لا يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا يقطعوا شجرة وان يقبلوا اسلام من اعلن الشهادتين وان لا يجهزوا على جريح ونحوها مما حوته جوامع الحديث، ولما ارتكب خالد بن الوليد خطأ تبرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فعلة خالد وارسل علياً امير المؤمنين (عليه السلام) إلى المتضررين فوداهم حتى ميلغة الكلب ثم فرق فيهم مالاً اضافياً احتياطاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي سُرَّ بما قام به علي (عليه السلام) فاين ادعياء المقاومة من هذه الاخلاق النبوية الشريفة ؟!

 

ايها السادة المحترمون:

 

علينا ان نكون صادقين مع الله تبارك وتعالى ومع انفسنا فاننا حينما تحملّنا العلم ووضعنا انفسنا في هذا الموقع المقدس رضينا بأن نحمل الامانة التي عرضها الله تبارك وتعالى (عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) اذا لم يؤدِّها ولم يكن اميناً عليها والعلماء امناء الرسل وورثتهم ليس فقط في الامتيازات والجاه والتقديس والحقوق وانما ورثتهم في تحمل مسؤولية الرسالة من جميع جوانبها وقد قال تبارك وتعالى عن انبيائه الكرام (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً) ثم امر عباده باتباع الرسل والكون معهم على خطهم ونهجهم فقال عظمت آلاؤه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فإن كنا حقا علماء وقادة للأمة فلنكن صادقين في الدعوة إلى الوحدة والتآخي بخلق ثقافة المحبة والاخوة واحترام الرأي الآخر والشراكة معه ولا تتحقق هذه الثقافة الا بقيام صناع الرأي في الأمة من علماء ومفكرين وكتاب وخطباء وادباء وصحفيين واعلاميين في اشاعة هذه الاجواء الايجابية وحينئذ ستتوجه الامة كلها بهذا الاتجاه اما ان تكون اللغة السائدة هي التكفير والالغاء والاتهام والحقد فلا معنى للحديث عن الوحدة والمؤاخاة ويكون مثل هذا الحديث لغوا بل نفاقا وقد حذركم الله نفسه والله بصير بالعباد ويقول لكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ).

 

ايها الاحبة:

 

ارجو ان تقبلوا هذه الشقشقة التي هي نصيحة وتذكار وتحذير من اللعب بالنار التي لا تبقي ولا تذر (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وانما شكوت اليكم بثي وحزني فلأنكم اخواني في الله ومن شكا إلى اخية المؤمن فقد شكى إلى الله عز وجل.

 

اسأل الله ان يمدكم بنصره ويأخذ بايديكم لما فيه صلاح الامة ورضا الله تبارك وتعالى (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) ويغفر الله لي ولكم وهو ارحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

 

 

النجف الاشرف – محمد اليعقوبي

 

 

13 ربيع الاول 1426