القبس /6 (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) سورة البقرة: 197- موضوع القبس: الذنوب أصولها وكيفية الاحتراز منها وكفاراتها

| |عدد القراءات : 70
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)  

موضوع القبس: الذنوب أصولها وكيفية الاحتراز منها وكفاراتها

موعظة:

قال الله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة:197).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (عِبَادَ اللهِ، اللهَ اللهَ فِي أَعَزِّ الأَنْفُسِ عَلَيْكُم، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ، فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ، أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ! فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ([1]) لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ. قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ، وَأُمِرْتُمْ بَالظَّعْنِ([2])، وَحُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِيرِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْبٍ وُقُوفٍ، لاَ يَدْرُونَ مَتَى يُؤْمَرُونَ بَالسَّيْرِ، أَلاَ فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ لِلْآخِرَةِ! وَمَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيلٍ يُسْلَبُهُ، وَتَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ([3]) وَحِسَابُهُ! عِبَادَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ مَتْرَكٌ، وَلاَ فِيَما نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ. عِبَادَ اللهِ، احْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ الْأَعْمَالُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الزِّلْزَالُ، وَتَشِيبُ فِيهِ الْأَطْفَالُ)([4]).

ومن خطبة له (عليه السلام): (أُوصِيكُمْ, عِبَادَ اللَّهِ, بِتَقْوَى اللَّهِ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وبِهَا الْمَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ ومَعَاذٌ مُنْجِحٌ,.... فَبَادِرُوا الْعَمَلَ, وخَافُوا بَغْتَةَ الأجَلِ, فَإِنَّهُ لا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ, مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ, ومَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ, الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي, والْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي فـ{اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران:102))([5]).

الغرض من التشريعات تحصيل التقوى:

وتصرّح الآيات القرآنية كقوله تعالى في آية الصوم { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة : 183) بأن الهدف من التشريعات هو تربية الإنسان لتحصيل ملكة التقوى وهي حالة تحصل في قلب الإنسان تحرّكه نحو كل ما يرضي الله تبارك وتعالى سواء كان واجباً أو مستحباً وتمنعه عن اقتحام كل ما يوجب سخط الله تبارك وتعالى أو تقلل من مرتبة القرب إليه سبحانه سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً، ويكون الإنسان هو الرقيب على نفسه في كل تلك الحركات والسكنات حتى في خلواته حينما لا يطّلع عليه أحد فإنه يُرَوِّضُ نفسه بالتقوى، قال تعالى في التمييز بين الفريقين {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى، فَأَمَّا مَن طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فإن الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعات: 34-41).

فالمتقي هو من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى مطلق الهوى سواء كان محرّما أو مكروهاً أو مباحاً لا يليق بمقام ربّه. ولذا كانت التقوى خير الزاد ليوم المعاد {وَتَزَوَّدُواْ فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة: 197) {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9) {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (النور:52).

وتكرر الحث على التقوى في آيات كثيرة في القرآن الكريم وربما تكررت في الآية الواحدة كالتي مرّت آنفاً، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ( الحشـر :18) {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فإن اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (آل عمران:76).

وإضافة إلى تلك الآثار الأخروية للتقوى فإن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى آثار مباركة عظيمة للتقوى في الدنيا والآخرة:

(منها) تكفير السيئات؛ قال تعالى{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (المائدة:65) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} (الطلاق:5).

(ومنها) البركات المادية والمعنوية؛ قال تعالى{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (الأعراف :96).

(ومنها) إيجاد الفرج والمخرج والرزق بدون احتساب؛ قال تعالى{مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2-4).

(ومنها) إلهام العلم؛ قال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:282).

(ومنها) قذف البصيرة ونور الفرقان في القلب؛ قال تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال:29).

وغيرها كثير مما لا يسعه المقام وتستحق إفرادها بكتاب مستقل.

معنى التقوى:

سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن معنى التقوى, وتفسيرها، فاختصر (عليه السلام) الجواب بقوله: (لا يفقدك الله حيث امرك، ولا يراك حيث نهاك)([6]).

فللتقوى ركنان:

الأول: ترك ما يكره الله تبارك وتعالى, ويسخطه، وهو أوسع من المحرمات, فيشمل المكروهات المؤثرة في تكامل الإنسان, وتقربه من الله تعالى.

الثاني: فعل ما يحبه الله تعالى, ويرضاه, وهو أعم من الواجبات, فيشمل المستحبات, الموجبة لرضا الله تبارك وتعالى, ومحبته.

فمن أراد الكمال سار بهذين الطريقين معاً، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فمن قام ببعض الطاعات لكنه لم يجتنب المعاصي, والعياذ بالله، فإنه يهدم ما بناه بتلك الطاعات, وسوف لا يقوم له بناء أبداً، روي عن المعصومين (عليهم السلام) قولهم: (جدّوا واجتهدوا، وإن لم تعملوا فلا تعصوا، فإن من يبني ولا يهدم يرتفع بناؤه وإن كان يسيراً، وإن من يبني ويهدم يوشِك أن لا يرتفع بناؤه)([7]).

ونفس المعنى يجري في الأمراض البدنية، فإن من اُبتلي بمرض مُعيّن –كالسكري أجاركم الله تعالى منه- فإن الطبيب يأمره بأخذ بعض العلاجات, وينهاه عن ارتكاب بعض الأفعال, أو تناول أطعمة تضره, بكميتها, أو نوعها، فإذا أراد الحفاظ على صحته فلا بد أن يأخذ بهما معاً.

ولو حاولنا ترجيح أحد الركنين على الآخر, أو قل بيان أيهما أهم, وأكثر تأثيراً في تحصيل التكامل.

فإن الجواب يكون لصالح الاجتناب عما يسخطه الله تبارك تعالى ويكرهه، وقد دلّت عليه بعض الأحاديث الشريفة كقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (اجتناب السيئات أولى من اكتساب الحسنات)([8])، ومنها ما ورد في خطبة النبي (صلى الله عليه واله) في آخر جمعة من شعبان, لاستقبال شهر رمضان، وسأله علي (عليه السلام) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر قال (صلى الله عليه واله): (الورع عن محارم الله عز وجل)([9]).

معرفة الذنوب:

فمعرفة الذنوب - بمداهـا الواســع, ومراتبهــا الكثيــرة بحســب مستويــات الأشخاص- وتحصيل القدرة على اجتنابها – صغيرها وكبيرها- مما يهتم به الساعون إلى الكمال، لذا فقد شُغل حيز كبير من القرآن الكريم ببيان الذنوب, وآثارها في الدنيا, وعاقبتها في الآخرة, والتحذير منها, وبيان ما يكفّرها ويزيل آثارها، وقصص الأمم التي عكفت على المعاصي ولم تجتنبها, وما حلّ بها من العذاب بسبب ذلك، والحياة السعيدة لمن اجتنبها، ولو حاولنا جمعها لوجدنا أن القرآن الكريم كله يعالج هذه القضية, بشكل مباشر, أو غير مباشر.

لماذا يذنب العبد؟

لا يمكن التقليل من قوة ضغط الذنوب, والخطايا على الإنسان, حتى يندفع إلى ارتكابها, مع كثرة ما يعرف عن آثارها الوخيمة في الدنيا, وعاقبتها الفظيعة في الآخرة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أَلاَ وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ([10]), حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا([11]), فَتَقَحَّمَتْ([12]) بِهِمْ في النَّار)([13]) فالخطايا كالخيول العنيدة المتمردة على صاحبها ولا لجام لها ليمسك بها فتقتحم بصاحبها إلى المخاطر.

وهنا يأتي السؤال: من أين جاءت هذه القوة للخطايا؟

أو قل: إذا كانت الذنوب بهذه الخطورة وهذا التأثير المدمر في حياة الإنسان فلماذا يرتكبها، وهذا بحث نفسي, واجتماعي, وقد يحتاج إلى إجراء استبيان، ولكن يمكن استفادة بعض مناشئ الذنوب مما ورد في الروايات الشريفة، ينفع الالتفات إليها في اجتنابها وتوقيها، عن الإمام الباقر (عليه السلام): (توقّي الصرعة خير من سؤال الرجعة)([14]):

1-          الجهل بمقام الربوبيّة, ووظائف العبودية: فإن من يعرف الله تعالى يتجنب المعاصي بمقدار تلك المعرفة, ويؤتيه الله تعالى فرقاناً, يميز به بين الحق والباطل, {إنْ تَتقوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ} (الأنفال:29)، حتى إذا اكتملت عنده المعرفة, كالمعصومين (عليهم السلام), أصبح عبداً خالصاً لله تعالى, ينفر بطبعه من المعصية, ويتقزز منها، فمن رأى الغيبة على حقيقتها, ووجدها أكلاً للحم أخيه ميتاً, هل يقدم عليها؟

ومن رأى الدنيا جيفة قد اجتمعت عليها الكلاب, هل يتنافس عليها؟ وهكذا.

2-          الجهل بأمور الدين: فما دام الإنسان لم يتفقه في دينه, ولم يتعرف على ما يقربه إلى الله تعالى, ويجنبه سخطه, فإنه يتورط في المعاصي, من حيث يعلم أو لا يعلم، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه)([15])؛ وكتطبيق لهذا المبدأ فقد ورد في التجارة قول الإمام الصادق (عليه السلام): (من أراد التجارة فليتفقه في دينه, ليعلم بذلك ما يحلُّ له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر, تورط في الشبهات)([16]).

والتحذير لا يختص بالتجارة, وإنما يعم كل شؤون الحياة؛ لأنها كلها مقنَّنة بأحكام في الشريعة، فالجهل بها يوقع في المعصية, كجهل ربِّ الأسرة, بأن كثيراً مما يفعله في البيت هو ظلم لزوجته, وأسرتـه، والظلـم ذنـب لا يُغفــر حتى يرضى المظلوم.

3-          وجود الدوافع وأصول الذنوب في النفس الإنسانية: المعبَّر عنها بالغرائز والشهوات, والتي خُلقت أصلاً لتؤدي أدواراً إيجابية في حياة الإنسان, ولتكمّل قواه الأخرى, كالعقلية, والجسدية, والقلبية، لكنها إذا خرجت عن حدّها إلى جانب الإفراط, أو التفريط, كانت سبباً للوقوع في المعاصي.

أشار إلى هذه القوى هشام بن الحكم, في ما نقل عنه, ابن أبي عمير في الاستدلال على عصمة الإمام (عليه السلام) قال: (إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة، فهذه منتفية عنه) - أي المعصوم- ثم بيّن ذلك فراجعه([17]).

4-          ويعاضدها الشيطان: بالتزيين, والإغواء, والتطمين, والتهوين من الأمر, حتى يقارف الذنب, والمعصية, قال تعالى حاكياً عن إبليس: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 39 إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (الحجر:40).

وفي دعاء للإمام السجاد (عليه السلام): (فَلَوْلا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاص، وَلَوْلا أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ البَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيْقِكَ ضَالٌّ)([18]), وقد ورد التحذير من إغراء الشيطان, وإغوائه كثيراً في القرآن الكريم, والروايات الشريفة ممـا لا يخفى على أحد.

هذا التزيين الشيطاني, وهذه الموافقة لأهواء النفس, وشهواتها جعل للخطايا تأثيراً ساحراً يُسكر صاحبه حتى يتورط فيها، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (احذروا سكر الخطيئة، فإن للخطيئة سكراً كسكر الشراب، بل هي أشدُّ سكراً منه، يقول الله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}  (البقرة:18))([19]).

5-          الاغترار بالستر الإلهي على العاصين: وعدم فضح الإنسان بذنبه (فَلَوِ اطَّلَعَ اليَوْمَ عَلىٰ ذَنْبِي غَيْرُكَ مافَعَلْتُهُ وَلَوْ خِفْتُ تَعْجِيلَ العُقُوبَةِ لاجْتَنَبْتُهُ لا لاَنَّكَ أَهْوَنُ النَّاظِرِينَ إليّ وَأَخَفُّ المُطَّلِعِينَ بَلْ لاَنَّكَ يا رَبِّ خَيْرُ السَّاتِرِينَ وَأَحْكَمُ الحاكِمِينَ وَأَكْرَمُ الاَكْرَمِينَ، سَتَّارُ العُيُوبِ غَفَّارُ الذُّنُوبِ عَلامُ الغُيُوبِ تَسْتُرُ الذَّنْبَ بِكَرَمِكَ وَتُؤَخِّرُ العُقُوبَةَ بِحِلْمِكَ... وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّىٰ كَأَنِّي لاذَنْبَ لِي)([20]).

وذلك كله لسعة رحمة الله, وطول أناته على ذنوب عباده, رحمة بالعباد, وإعطاءهم مزيداً من الفرص للندم, والرجوع, والإقلاع عن الذنب، وحبّاً من الله لعباده, وشفقة عليهم، فيتمادى الإنسان ويغتر، ظاناً أن الفرصة مفتوحة على الدوام، ولا يعلم أنه قد يوصله تماديه واغتراره إلى حد هتك الستر, وانغلاق الباب, وسدّ الفرصة، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً 17 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَـرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (النساء:18).

6-          استصغار الذنب والاستخفاف به: لما ارتكز في الذهن من أن الذنوب الموعود بها النار هي الكبائر, أما غيرها فيمكن ارتكابها، وهذا التفكير بحد ذاته من الكبائر؛ لما فيه من الجرأة على الله تعالى, وعدم الاعتبار بعظمته, وعلو شأنه, وهو موجب لسخط الله, وسلب اللطف عن العبد, فتؤدي به هذه الصغائر إلى الوقوع في الكبائر والعياذ بالله.

لذا كثر التحذير من استصغار أي ذنب، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تستصغروا قليل الآثام, فإن الصغير يُحصى ويرجع إلى الكبير)([21])، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه واله) نزل بأرض قرعاء, فقال لأصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إياكم والمحقرات من الذنوب، فإن لكل شيء طالباً، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين)([22])، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (أعظم الذنوب عند الله سبحانه ذنب صغر عند صاحبه)([23]), وعنه (عليه السلام): (إن الله أخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغروا شيئاً من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم)([24]).

7-          الغفلة: فإن كثيراً من الذنوب - وبعضها من الكبائر- تُرتكب لا للجهل بها وإنما للغفلة, كالغيبة, التي يُعلم أنها من الكبائر, ووصفها الله عز وجل بأشنع الأوصاف, وهي إدام أهل النار، ومع ذلك فقد أصبحت الغيبة فاكهة المجالس, والمادة الرئيسية للأحاديث، فينبغي للمؤمن أن يتجنب الغفلة؛ بترك المقدمات الموجبة لها، وإذا عُرضت عليه فليخرج منها فور التفاته؛ بذكر الله تعالى، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف:201), وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (الغفلة ضلالة)([25]), وعنه (عليه السلام): (إياك والغفلة والاغترار بالمهلة، فإن الغفلة تفسد الأعمال)([26]), ومن وصايا النبي (صلى الله عليه واله) لأبي ذر: (همَّ بالحسنـة وإن لـم تعملهـا, لكيلا تُكتب من الغافلين)([27]).

8-          سوء الخلق: عن النبي (صلى الله عليه واله): (لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق، فإن صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب)([28]).    

9-          الاختلاط الكثير مع الناس: ومجالسة البطّالين، والخوض في فضول الكلام، فهذه الأمور كلها مظنة الوقوع في الذنوب, والمحرمات؛ لذا ورد التحذير من حضور هذه المجالس, والمشاركة في اللغو الباطل, {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (المدثر:45)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ([29]), لِلْإِيمَانِ وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ)([30])، وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله): (إن أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً فيما لا يعينه)([31]).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إياك والهذر، فمن كثر كلامه كثرت آثامه)([32]), وعنه (عليه السلام): (الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ([33]), مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ([34]), لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ([35]), فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً)([36]).

10-         سوء فهم بعض ما ورد في الروايات الشريفة من الثواب على بعض الأفعال: كدخول الجنة بالبكاء على الحسين (عليه السلام) وإقامة شعائره وشفاعة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد أعطى الله تعالى هذه الكرامات لأهل البيت (عليهم السلام), رحمة بالعباد لكي تسدّ الخلل, والتقصير, والقصور مع حسن النية, والعزم على فعل الخير, والطاعة, وبذل الوسع في ذلك، وليس بأن تكون سبباً للتمادي, والجرأة, والعناد, واللجاجة، قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَـى} (الأنبياء:28) وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:156)، وكما عبّر الإمام الرضا (عليه السلام) عن إعطاء هذه الدرجات أنه (بشرطها وشروطها)([37]), في حديث سلسلة الذهب المعروف.

وقد حذّر الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيته عند وفاته, وقد جمع أقرباءه ومتعلقيه: (إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة)([38]), وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (لا تتهاون بصلاتك، فإن النبي (صلى الله عليه واله) قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته)([39]).

تلخيص بأسباب الذنوب:

وقد لخّص الإمام السجاد (عليه السلام) ذكر هذه الأسباب لمقارفـة الذنـوب بمـا ورد عنه, في الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة - الذي يُدعى به في أسحار شهر رمضان-، قال (عليه السلام): (إِلهِي، لَمْ أَعْصِكَ حِيْنَ عَصَيْتُكَ وَأَنا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ، وَلا بِأَمْرِكَ مُسْتَخِفٌ، وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَلا لِوَعِيدِكَ مُتَهاوِنٌ، لكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ، وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، وَغَلَبَنِي هَوَايَ، وَأَعانَنِي عَلَيْها شِقْوَتِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ المُرْخَى عَلَيَّ... مالِي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابِينَ مَجْلِسِي، عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ أَزالَتْ قَدْمِي وَحالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ؟

سَيِّدِي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَنِي، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفا بِحَقَّكَ فَأَقْصَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأيْتَنِي مُعْرِضا عَنْكَ فَقَلَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَنِي فِي مَقامِ الكاذِبِينَ فَرَفَضْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي غَيْرَ شاكِرٍ لِنَعْمائِكَ فَحَرَمْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي فِي الغافِلِينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفُ مَجالِسَ البَطَّالِينَ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ أَنْ تَسْمَعَ دُعائِي فَباعَدْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ بِجُرْمِي وَجَرِيرَتِي كافَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ بِقِلَّةِ حَيائِي مِنْكَ جازَيْتَنِي)([40]).

كيف نحصّل القدرة على اجتناب الذنوب؟

إن اجتناب الذنوب يحتاج أولاً: إلى معرفة تفصيلية بها؛ لأن بعضها وإن كان معلوماً كالكبائر, إلا أن الكثير منها غير معلوم, وبعضها لا يلتفت إليها أحد, كعدم قضاء حوائج المؤمنين, والاهتمام بها، ففي رواية عن الإمام الصادق وولده الكاظم (‘): (من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سُلّط عليه شجاعاً([41]) ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً)([42]).

وهكذا غيرها – سيأتي في ملحق القبس([43]) {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } (المجادلة :6) ان شاء الله تعالى- وذكرنا أمثلة عليها من دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في الاستغفار من كل نعمة لم يشكرها, أو ظُلم أحدٌ عنده فلم ينصره, وهكذا، ناهيك بالمحرمات المعروفة، وهذا يتطلب تفقهاً, واطلاعاً مستمراً على كتب السلف الصالح, والاستماع دائماً إلى المحاضرات الإرشادية, والوعظيّة.

ومما يُقلل فرصة ارتكاب الذنب زيادة المعرفة بالله تعالى, وتقوية العلاقة به تبارك وتعالى، كتذكر أنه محسن إلينا بما لا يُعد ولا يُحصى من النعم، و{هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} (الرحمن:60) و{أَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:77), وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب ألا يُعصى شكراً لنعمته)([44])، وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث قال: (ولو لم يخوِّف الله الناس بجنة ولا نار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ولا يعصوه لتفضله عليهم وإحسانه إليهم وما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه)([45]).

أو الالتفات إلى أن الذنوب تمنع بعض عطاء الله تبارك وتعالى, ونحن محتاجون إليه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو لم يرغّب الله سبحانه في طاعته لوجب أن يطاع رجاء رحمته)([46]).

أو تذّكر أنك بمحضر الله تبارك وتعالى, وتحت نظره, ولا تخفى عليه خافية في السماوات والأرض, {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر:19) ، فمعصيته والحال هذه جرأة على جبار السماوات والأرض, وتحدٍ لعظمته، من وصايا النبي (صلى الله عليه واله) لأبي ذر: (يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت)([47]), ومن كلماته (صلى الله عليه واله): (لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم)([48]).

أو أن يلتفت إلى أن هذا الذنب قد يوجب هتك الستر؛ الذي ضربه الله تعالى عليه, فتفضحه الذنوب، أو أن ينال به سخط الله تعالى, وغضبه بحيث لا تنفعه توبة, ولا تدركه الألطاف الإلهية، فقد أخفى الله غضبه في معصيته، فلا يُعلم أي معصية توجب ذلك, فعلى العبد أن يتوقاها جميعاً، من دعاء الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَإِنْ خَذَلَنِي نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، فَقَدْ وَكَلَنِي خِذْلانُكَ إِلىٰ حَيْثُ النَّصَبِ وَالْحِرْمانِ)([49]).

في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: (للمؤمن اثنان وسبعون ستراً فإذا أذنب ذنباً انهتك عنه ستر، فإن تاب رده الله إليه, وسبعةً معه, فإن أبى إلا قدما في المعاصي، تهتك عنه أستاره، فإن تاب ردها الله ومع كل ستر منها سبعة أستار، فإن أبى إلا قدما قدما في المعاصي، تهتكت أستاره وبقي بلا ستر، وأوحى الله عزوجل إلى الملائكة: أن استروا عبدي بأجنحتكم)([50]).

وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (من هم بسيئة فلا يعملها فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك وتعالى فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبداً)([51]).

ومما يُساعد على تجنب المعاصي أن يعلم بأن في ارتكاب الذنب إيذاءً, وإساءة لرسول الله (صلى الله عليه واله), ولأمير المؤمنين (عليه السلام), ولفاطمة (÷) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

ونحن نحبهم ولا نريد إيذاءهم, وهم مطّلعون على أعمال العباد، كما نطقت به الآية الكريمة: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:105)، روى سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (مالكم تسوؤن رسول الله (صلى الله عليه واله)؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه)([52]).

ومن المعرفة الموجبة لتجنب المعاصي الالتفات إلى الهدف من وجودنا في هذه الدنيا, وما ينبغي أن نصرف أعمارنا فيه, مما يُوصل إلى الغاية، وحينئذٍ سوف لا يكون للإنسان مجال للعب, والعبث, واللهو, فضلاً عن ارتكاب المعاصي، عـن الإمـام الكاظـم (عليه السلام): (إن العقـلاء تـركوا فضـول الدنيـا فكيف الذنوب؟ وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض)([53]).

آثار الذنوب في الدنيا والآخرة:

ومما يُحفّز على ترك الذنوب معرفة آثارها في الدنيا, والآخرة، ونتعرض هنا لبعض آثارها في الدنيا، أما في الآخرة ابتداءً من الموت وما بعده من أهوال البرزخ, والحساب ويوم القيامة, فإن في القرآن الكريم ما يكفي لبيان تلك العظائم, {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (الحج:2), {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} (المزمل:17), {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة:81), {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام:15), {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النمل:90), وأهون ما يُذكر من تلكم الآثار الحجب عن النعيم مدة قد تطول كثيراً، في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه واله): إن العبد ليُحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن)([54]).

إن معرفة هذه الآثار الوخيمة للذنوب توجب على كل عاقل اجتنابها، عن الإمام علي (عليه السلام): (عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار)([55]), وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار)([56]).

وقد حصلنا من الروايات على جملة من تلك الآثار:

1-          قصر العمر وتعجيل الفناء: بحيث يظهر من أقوال المعصومين (عليهم السلام) شيء عجيب, وهو: أن أكثر الناس لا يبلغون أعمارهم المقدرة بسبب الذنوب, مما يسمى بالأجل المخروم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر)([57])، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار)([58])، وعنه (عليه السلام) قال: (تجنبوا البوائق يُمَدُّ لكم في الأعمار)([59]).

ومن الذنوب التي اشتهر أنها تعجل الفناء قطيعة الرحم، عن رسول الله (صلى الله عليه واله): (ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخَّر إلى الآخرة، عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان)([60]).

2-          إن الذنوب سبب للمصائب والآلام والنكبات التي يتعرض لها الفرد والمجتمع([61]): في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (أما إنه ليس من عرق يُضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30), ثم قال (عليه السلام): (وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به)([62])، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان وما ذلك إلا بالذنوب فتوقوها ما استطعتم ولا تمادوا فيها)([63]).

وقد تُستحدث لهم بلاءات لم يكن يعرفونها من قبل، في الكافي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون, أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)([64]).

3-          إنها توجب اسوداد القلب وانغلاقه فلا يستجيب للهداية: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان أبي يقول: ما من شيء أفسد من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله)([65]), أي يصبح كالإناء المقلوب, فلا يحتفظ بشيء من الحق, والهدى, ولا تؤثر فيه الموعظة، وفيه عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً)([66]), وشاهده من كتاب الله قوله تعالى: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين:14).

4-          نقص الرزق: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن العبد ليذنب الذنب فيُزوى - أي يُقبض ويُصرف- عنه الرزق)([67]), وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه واله): إذا غضب الله عز وجل على أمة ولم يُنزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجّارها ولم تُزك ثمارها ولم تغزر أنهارها وحبس عنها أمطارها وسُلِّط عليها شرارها)([68]).

5-          الحرمان من الطاعات: خصوصاً المهمة منها, كصلاة الليل, أو النوم عن صلاة الصبح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الرجل يذنب الذنب فيُحرم من صلاة الليل, وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم)([69]).

6-          زوال النعم: قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11), في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله قضى قضاءً حتماً ألا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها, حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة)([70]), وعنه (عليه السلام): (إن الله عز وجل بعث نبياً من أنبيائه إلى قومه وأوحى إليه, أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية, ولا ناس, كانوا على طاعتي, فأصابهم فيها سراء, فتحولوا عما أحب إلى ما أكره, إلا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون، وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء, فتحولوا عما أكره إلى ما أحب إلا تحولت لهم عما يكرهون إلى ما يحبون)([71]).

وضرب القرآن الكريم مثلاً في سبأ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ 15 فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ 16 ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ 17 وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ 18 فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 19 وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 20 وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}([72]) (سبأ:21).

وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن من الذنوب التي تغيِّر النعم وتعجَّل عقوبتها البغي على الناس.

7-          عدم استجابة الدعاء والإبطاء في تحقيق ما يطلبه الداعي، قال الباقر (عليه السلام): (إن العبد ليسأل الحاجة من حوائج الدنيا فيكون من شأن الله قضاؤها إلى أجل قريب, أو وقت بطيء, فيذنب العبد عند ذلك ذنباً, فيقول الله للملَك الموكَّل بحاجته: لا تنجز له حاجته, واحرمه إياها, فإنه تعرَّض لسخطي واستوجب الحرمان مني)([73]).

8-          نكد الحياة وشقاؤها وتعاستها: قال تعالى: {وَمَن أَعرَضَ عَنْ ذِكرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحشُـرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أعمَى} (طه:124), وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ 36 وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ 37 حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ 38 وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } (الزخرف:39), فمن يتعامى عن الحق, واتباعه, يخلّي الله تعالى بينه وبين شيطانه, يغويه ويصده سبيل الله, ويكون ملازماً له فيشقيه, ويتعبه, {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} (فصلت:25).

9-          تشوّش الفكر, وانشغال الذهن, وسوء الحفظ, والحرمان من العلم النافع المقرِّب إلى الله تعالى: بسبب الصراع الذي يعيشه, ووخز الضمير, وخوف الفضيحة, والعقاب، والذلة الباطنية التي يحسّ بها، ولحرمانه من لطف الله تعالى، روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (اتقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات، إن العبد ليذنب الذنب؛ فينسى به العلم الذي كان قد علمه)([74])، وهو ما عبّر عنه قول:

شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي          فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بـأن العـلـــــــم نـــورٌ          ونـــور الله لا يؤتى لعـــاصي([75])

10-         ويعم أثر الذنوب حتى يتضرر به الآخرون: وربما المجتمع كله، قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} (الأنفال:25)، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيَّره ابتلي، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه)([76]).

والخلاصة:

أنه إذا أراد الإنسان أن يوفقه الله للمزيد من طاعته فليترك الذنوب.

وإذا أراد أن يحيى حياة مطمئنة سعيدة صافي البال فليترك الذنوب.

وإذا أراد طول العمر بخير وعافية وسعة رزق فليترك الذنوب.

وإذا أراد أن تدوم عليه نعم الله وتقل عليه المصائب فليترك الذنوب.

وإذا أراد سلامة القلب واللحاق بالصالحين فليترك الذنوب.

ولذا كان يوم العيد الحقيقي, هو كل يوم لم تجترح فيه ما يكرهه الله تبارك وتعالى، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض الأعياد: (إنما هو عيدٌ لمن قبِل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد)([77]).

العواصم من الذنوب:

على رأس العواصم من الذنوب - وهو الأصل فيها- اللطف الإلهي, الذي به عصم الله تعالى أنبياءه, ورسله, والصالحين من عباده, قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْـرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف:24)، وقال تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} (الإسراء:74).

عن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داوود النبي (عليه السلام), أن ائت عبدي دانيال فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك, وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، قال: فأتاه داوود (عليه السلام) فقال له: يا دانيال، إني رسول الله إليك, وهو يقول لك: إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك. فقال له دانيال: قد بلغت يا نبي الله. قال: فلما كان في السَحَر قام دانيال وناجى ربه, فقال: يا رب إن داوود نبيك أخبرني عنك: إني عصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي، وأخبرني عنك أني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي، فوعزتك لأعصينك  ثم لأعصينك، ثم لأعصينك، إن لم تعصمني)([78]).

أي: يا رب إنك إن وكلتني إلى نفسي فإني لا أستطيع أن أعصمها من الذنوب, إلا أن تعصمني أنت برحمتك.

ومن العواصم الدعاء, والذكر, واليقظة كلما اعترته، قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (النحل:99)، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أكثر الدعاء تسلم من سَورة الشيطان)([79])، وقال (عليه السلام): (تحرّز من إبليس بالخوف الصادق)([80]).

ومنها: تجنب الحضور, والتواجد في الأجواء المساعدة على المعصية, لقطع منافذ الشيطان, والنفس الأمارة بالسوء, بحيث يصبح ارتكاب المعصية متعذراً، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ثلاث من حفظهن كان معصوماً من الشيطان الرجيم ومن كل بليةٍ: من لم يخلُ بامرأة ليس يملك منها شيئاً، ولم يدخل على سلطان، ولم يُعِن صاحب بدعة ببدعته)([81])؛ والإكثار من الوجود في المساجد ومجالس الصالحين فإنها تمنع من الوقوع في الذنب، قال علي (عليه السلام): (من العصمة تعذر المعاصي)([82])، وعنه (عليه السلام): (من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان:... أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً)([83]).

ومنها: المراقبة, والمحاسبة الدقيقة والمستمرة للنفس، والأحاديث الآمرة بذلك كثيرة، روى الشيخ الطوسي (قده) في كتاب الغيبة بسنده إلى أبي هاشم الجعفري قال: (سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا، فقلت في نفسي: إن هذا لهو الدقيق ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره, ومن نفسه كل شيء، فأقبل عليَّ أبو محمد (عليه السلام) فقال: يا أبا هاشم صدقت, فالزم ما حدثت به نفسك, فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء, ومن دبيب الذر على المسح الأسود)([84]).

ومنها: استعظام الذنب واستفضاع عاقبته، روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة, والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبدٍ شراً أنساه ذنوبه)([85]), وعنه (صلى الله عليه واله): (إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرَّ على أنفه)([86]).

ومنها: عدم الإعجاب بالنفس، وما يصدر منها من طاعات؛ لأن ذلك يوجب إيكال العبد إلى نفسه فيذنب, حتى يكون له واعظاً, ومؤدباً من نفسه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب؛ ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبداً)([87]).

مُكفّرات الذنوب:

إن الله تعالى يعلم ضعف العبد عن مسك زمام نفسه الأمّارة بالسوء, ومقاومة غواية الشيطان, وتزيين الشهوات, ويعلم بجهل الإنسان بعواقب أفعاله، وهو أشفق على عباده وأرحم بهم من أنفسهم، وأكرم من أن يقابلهم على سيئاتهم بمثلها، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} (فاطر:45)، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به)([88])، في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أيدِكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30).

فضاعف سبحانه وتعالى لهم الحسنات, وتمهل في تسجيل السيئات، في الخصال عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا همّ العبد بحسنة كُتبت له حسنة، فإذا عملها كُتبت له عشر حسنات، وإذا همّ بسيئةٍ لم تُكتب عليه, فإذا عملها أُجّل تسع ساعات, فإن ندم عليها, واستغفر, وتاب, لم تُكتب عليه, وإن لم يندم, ولم يتب, كتبت عليه سيئة واحدة)([89])، وفي رواية أخرى: قال الله تبارك وتعالى: (جعلت لهم التوبة - أو قال >بسطت لهم التوبة([90]), أي قال آدم (عليه السلام) حسبي تلك الفضائل لذريتي مما كان للشيطان من التأثير عليهم.

ثم لم يكتف سبحانه بكرمه, ورحمته, بذلك بل جعل لهم مكفرات لذنوبهم, حتى يخفف عنهم أوزارهم التي احتملوها على ظهورهم بسوء أفعالهم.

ويلاحظ على  تلك المكفرات: أن بعضها اختيارية, وبعضها غير اختيارية.

فالاختيارية: أفعال ينبغي للإنسان أن يقوم بها ليكفّر بها عن سيئاته, وإن لم يفعل, ابتلي بغير الاختيارية: وهي أشق عليه، لذا ورد في بداية دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجاد (عليه السلام): (إِلهي لا تُؤَدِّبْني بِعُقُوبَتِكَ).

أما غير الاختيارية: - كالأمراض- فهي أمور تعرض للإنسان بسبب منه, أو من غيره, فيعتبرها الله تعالى بكرمه كفارة لذنوب من تعرض لها.

فعلى الإنسان أن يسعى بجد في طلب المغفرة والتكفير عن ذنوبه بالأسباب الاختيارية، وأن لا يجزع إذا حصل له ما يكفّر الذنوب، فإن بقاء ذنب واحد عليه إلى يوم القيامة كافٍ لفضيحته وإيلامه.

لذا ورد في أدعية شهر رمضان الاستعاذة من انقضائه أو انقضاء الليلة التي هو فيها وقد بقي عليه ذنب أو تبعة يؤاخذه بها: (إِلْهِي وَأَعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ, وَبِجَلالِكَ العَظِيمِ, أَنْ يَنْقَضِيَ أَيّامُ شَهْرِ رَمَضانَ, وَليالِيهِ, وَلَكَ قِبَلِي تَبِعَةٌ, أوْ ذَنْبٌ تُؤأَخِذُنِي بِهِ، أوْ خَطِيئَةٌ تُرِيدُ أَنْ تَقْتَصَّها مِنِّي لَمْ تَغْفِرْها لِي، سَيِّدِي سَيِّدِي سَيِّدِي)([91]).

ومن وصايا النبي (صلى الله عليه واله) لابن مسعود: (يا ابن مسعود: لا تحقرن ذنباً ولا تصغّرنّه،  واجتنب الكبائر، فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحاً, ودماً، يقول الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} (آل عمران:30)، يا ابن مسعود: إذا قيل لك: اتق الله فلا تغضب، فإنه يقول: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} (البقرة:206))([92]).

أما مُكفّرات الذنوب فهي:

1-          التوبة والاستغفار بصدق: والتي تتضمن بحسب بيان أمير المؤمنين (عليه السلام) لمعنى الاستغفار الندم على ما صدر منه, وعقد العزم بصدق على عدم العود, ورد المظالم إلى أهلها, وتدارك ما فاته من التقصير([93])، وحينئذٍ يكفّر الله سيئاته, وينسي الملائكة الحافظين ما كتبوا, وكل الشهود بما فيهم جوارحه, ويمحو عنه آثار تلك الذنوب والخطايا، ويكتب له بدل ذلك كله حسنات، قال تعالى: {إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الفرقان:70).

2-          القيام بالأعمال الصالحة والطاعات: قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود:114), {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} (الطلاق:5).

قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (إذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحها)([94])، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه... وَ اِرْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ وَدَاوُوا بِهَا اَلْأَسْقَامَ)([95]).

وورد هذا الأثر في أعمال كثيرة, كزيارة الحسين (عليه السلام), وإحياء ليلة القدر, وصوم بعض الأيام المعينة, وبعض الصلوات المستحبة، وهي مذكورة في كتب السنن, والمستحبات، نذكر منها ما روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: (ثلاث ليالي من زار فيها الحسين (عليه السلام) غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر: ليلة النصف من شعبان, والليلة الثالثة والعشرون من رمضان, وليلة العيد)([96]), وورد في صوم ثلاث أيام الخميس والجمعة والسبت من الأشهر الحرم وهي (محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة) أنها كفارة ذنوب تسعمائة عام([97]), وهكذا.

3-          الصلاة في أوقاتها: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لو كان على باب أحدكم نهر فاغتسل منه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى على جسده من الدرن شيء؟ إنما الصلاة مثل النهر الذي ينقي، كلما صلى صلاة كان كفارة لذنوبه إلا ذنب أخرجه من الإيمان مقيم عليه)([98]).

وننبه دائماً إلى أن مثل هذه الأمور تلحظ مع شروطها كقول رسول الله (صلى الله عليه واله): (لو صلّيتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا لم يقبل الله منكم إلا بورع)([99])، وكقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما، انصرف وليس بينه وبين الله ذنب)([100]).

4-          الابتلاءات, والمصائب, والمصاعب, في الدنيا: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالمرض، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه، حتى يلقى الله حين يلقاه وما له من ذنب يدعيه عليه, فيأمر به إلى الجنة)([101]).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله بعبد خيراً عجّل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءاً أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة)([102]).

5-          رعاية حرمة شهر رمضان: من دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) في وداع شهر رمضان (أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ، وَأَسْتَرَكَ لأَِنْوَاعِ الْعُيُوبِ... أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ) ([103]).

حتى روي عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه قال: (سمّي شوال شوالاً لأنّ فيه شالت - أي ارتفعت وذهبت- ذنوب المؤمنين, فلم يبق فيه ذنب إلا غفره الله تعالى ببركة صيام شهر رمضان, فإن أجر كل أجير يعطى عند ختمه للعمل)([104]).

6-          الأمراض: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (السقم يمحو الذنوب)([105])، وقال (صلى الله عليه واله): (ساعات الأمراض يذهبن ساعات الخطايا)([106])، وقال (صلى الله عليه واله): (حمى ليلة كفارة سنة)([107]).

7-          الأحزان والهموم: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به، ابتلاه الله عز وجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به...)([108])، وقال (صلى الله عليه واله): (ساعات الهموم ساعات الكفارات، ولا يـزال الهم بالمؤمن حتى يدعه وما له من ذنب)([109]).

8-          إتيان المساجد: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (عليكم بإتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه, وكُتب من زوّاره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء)([110]).

9-          العفو والصفح عن أخطاء الآخرين وتقصيراتهم: لأن هذه من أخلاق الله تبارك وتعالى وهو يجازي من اتصف بها بأكثر منها، قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:22)، روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (من عفا عند المقدرة عفا الله عنه يوم العسرة)([111])، ولكن مع الالتفات إلى معنى العفو ومنه ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما عفا عن الذنب من قرَّع به)([112]). وفي دعاء الإمام السجاد (عليه السلام): (اللّهُمَّ إِنَّكَ أَنْزَلْتَ فِي كِتابِكَ أَنْ نَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنا وَقْدْ ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، فَاعْفُ عَنّا فَإِنَّكَ أَوْلى بِذلِكَ مِنّا)([113]).

10-    اتباع رسول الله (صلى الله عليه واله) والاستنان بسنته الشريفة في الأفعال والأقوال: قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31).

11-    إغاثة الملهوف: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من كفارات الذنوب العظام: إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب)([114]).

12-    كفارات خاصة: إن بعض الذنوب والتقصيرات لها كفارات خاصة، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (إن من الذنوب ذنوباً لا يكفّرها صلاة ولا صوم، قيل يا رسول الله، فما يكفرها؟ قال: الهموم في طلب المعيشة)([115]).

وما ورد في القول المشهور عن الإمام الكاظم (عليه السلام) لعلي بن يقطين: (كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان)([116]).

وما في قول النبي (صلى الله عليه واله): (من الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات)([117]).

ومن الكفّارات الخاصة ما ورد عند القيام من أي مجلس, أو انفضاض أي لقاء, أو اجتماع كان مشوباً بالغفلة عن الله تعالى, فيقول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ 180 وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ 181 وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الصافات:182).

13-    حسن الخُلُق: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)([118]).

14-    كثرة السجود: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (جاء رجل إلى رسـول الله (صلى الله عليه واله) فقال: يا رسول الله كثرت ذنوبي وضعف عملي، فقـال رسـول الله (صلى الله عليه واله): أكثر من السجود, فإنه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر)([119]).

15-    الحج والعمرة: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحجة المتقبلة ثوابها الجنة، ومن الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات)([120])، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ اَلْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ... حَجُّ اَلْبَيْتِ وَاِعْتِمَارُهُ, فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ اَلْفَقْرَ, وَيَرْحَضَانِ اَلذَّنْبَ)([121]).

16-    افتتاح صحيفة العمل واختتامها بالخير: قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (إن الملك الموكل على العبد يكتب في صحيفة أعماله فأملوا بأولها وآخرها خيراً يغفر لكم ما بين ذلك)([122]).

17-    الصلاة على محمد وآله: قال الإمام الرضا (عليه السلام): (من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً)([123]).

18-    سكرات الموت: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (الموت كفارة لذنوب المؤمنين)([124]).

19-    الصدقة: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (الصدقة تطفئ غضب الرب)([125])، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتمحو الذنب العظيم)([126]).

 



([1]) أيام الفناء: يريد أيام الدنيا.

([2]) المراد «بالظّعن» المأمور به ها هنا السير إلى السعادة بالأعمال الصالحة.

([3]) تَبَعَتُهُ: ما يتعلق به من حق الغير فيه.

([4]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 2/51/خ157.

([5]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 1/223/ خ114.

([6]) وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي: 15/239.

([7]) بحار الأنوار- العلامة المجلسي: 67/286/ح8.

([8]) ميزان الحكمة- الريشهري: 2/987.

([9]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 155.

([10]) الشُمُسُ: جمع شَمُوس وهي من «شَمَسَ» كنصر أي منع ظهره أن يُرْكَبَ.

([11]) لُجُمُها: جمع لِجام، وهو عنان الدّابة الذي تُلجم به.

([12]) تقحمت بهم في النار: أردتهم فيها.

([13]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 1/48.

([14]) بحار الأنوار- المجلسي: 75/187.

([15]) الإرشاد- الشيخ المفيد: 1/299.

([16]) المقنعة- الشيخ المفيد: 591.- وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي: 17/382/ح4.

([17]) بحار الأنوار- المجلسي: 25/192. عن كتب الشيخ الصدوق (قده), معاني الأخبار, والعلل, والأمالي, والعيون.

([18]) الصحيفة السجادية الكاملة- الإمام زين العابدين (عليه السلام): 184/الدعاء37.

([19]) بحار الأنوار- المجلسي: 74/102.- مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 453.

([20]) من دعاء الإمام السجاد (عليه السلام), المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي. مصباح المتهجد- الشيخ الطوسي: 584.- مفاتيح الجنان- عباس القمي: ٢٣٩.

([21]) الخصال- الشيخ الصدوق: 616/ح10.

([22]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/288/ح3.

([23]) جامع أحاديث الشيعة- السيد البروجردي: 13/ 334.

([24]) معاني الأخبار- الشيخ الصدوق: 113.

([25]) ميزان الحكمة- الريشهري: 3/٢٢٨٢.

([26]) عيون الحكم والمواعظ- علي بن محمد الليثي (من أعلام القرن السادس): 99.

([27]) الأمالي- الشيخ الطوسي: 536.- مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 469.

([28]) مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 434.- وسائل الشيعة (آل البيت)- العاملي: 16/28.

([29]) منسأة بفتح الميم والهمزة: أي تأخير وتأجيل.

([30]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 1/150/الخطبة86.

([31]) كنز العمال- المتقي الهندي: ٣/٦٤١.

([32]) عيون الحكم والمواعظ- علي بن محمد الليثي (من أعلام القرن السادس): 97.

([33]) الوَثَاق - كَسَحَاب-: ما يُشَدّ به وويُرْبَط، أي: أنت مالك لكلامك قبل أن يصدر عنك، فإذا تكلّمْت به صرْتَ مملوكاً له.

([34]) خَزَنَ - كنَصر-: حَفِظ ومنع الغيرَ من الوصول إلى مخزونه.

([35]) الوَرِق - بفتح فكسر-: الفِضّة.

([36]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 4/91/الحكمة٣٧٨.

([37]) التوحيد- الشيخ الصدوق: 25.

([38]) من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق: 1/206.

([39]) الكافي- الشيخ الكليني: 3/269/ح7.

([40]) مصباح المتهجد- الشيخ الطوسي: 584.- مفاتيح الجنان- عباس القمي: ٢٣٩.

([41]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/194.

([42]) الشجاع كغراب وكتاب: الحيّة.

([43]) في الجزء الخامس من التفسير ص46.

([44]) بحار الأنوار- المجلسي: 70/364.

([45]) الخصال- الشيخ الصدوق: 614.

([46]) ميزان الحكمة- الريشهري: 2/987.

([47]) الأمالي- الشيخ الطوسي:528.

([48]) بحار الأنوار- المجلسي: 74/168.

([49]) مقطع من دعاء الصباح. مفاتيح الجنان- عباس القمي: 94.

([50]) مستدرك الوسائل- الميرزا النوري: 11/325.- بحار الأنوار- المجلسي: 73/63.

([51]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/272.

([52]) الكافي- الشيخ الكليني: 1/219.

([53]) تحف العقول- ابن شعبة الحراني: 387.- بحار الأنوار- المجلسي: 78/301/ح1.

([54]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/272/ح19.

([55]) تحف العقول- ابن شعبة الحراني: ٢٠٤.

([56]) من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق: 3/359.

([57]) مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 362.- كشف الغمة- الإربلي: 3/142.

([58]) الأمالي- الشيخ الطوسي: 305.

([59]) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)- الشيخ الصدوق: 1/40.

([60]) الأمالي- الشيخ المفيد: 237.- الأمالي- الشيخ الطوسي: 14.

([61]) للمزيد من الاطلاع: راجع قائمة بالذنوب التي تغيّر النعم, والتي تنزل النقم. والتي تهتك العصم, والتي تعجل الفناء, والتي ترد الدعاء. بحار الأنوار: 73/375-376, عن معاني الأخبار للصدوق: 270-271.

([62]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/269.

([63]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/275.

([64]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/272.

([65]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 481.- الكافي- الشيخ الكليني: 2/268.

([66]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/271.

([67]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/270.

([68]) الخصال- الشيخ الصدوق: 360.- الكافي- الشيخ الكليني: 5/317.

([69]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/272.

([70]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/273.

([71]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/274.

([72]) بيان الشاهد: أنه كان لأهل سبأ بساتين, ورياض غنّاء؛ عن يمين بلادهم وشمالها, وطلب منهم ربّهم أن يشكروا نعمه, فأعرضوا, فأرسل عليهم سيلاً من المطر الشديد, والجرذ الذي نقب السد جزاءً لتمردهم، وجعل لهم على طول المسافة بينهم وبين الشام قرىً ليستريحوا, ويتزودوا لسفرهم, فكانوا يقيلون في قرية, ويبيتون في أخرى, حتى يصلوا آمنين من المخاوف, والمضار, فقال العصاة: باعد بين أسفارنا - أي أزل القرى واجعل المسافات شاسعة في الصحراء- ليصعب على غير التجار, والمتمولين, والمترفين, السفر والتجارة, ويحرموا الفقراء, ويتباهون عليهم باتخاذ المراكب.

([73]) الاختصاص- الشيخ المفيد: 31.

([74]) بحار الأنوار- المجلسي: 73/377/ح14.

([75]) يُنسب هذا الشعر الى الإمام الشافعي. أنظر: تفسير الآلوسي- الآلوسي: 6/90.- موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني:1/480.

([76]) الجامع الصغير- جلال الدين السيوطي: 1/668.

([77]) بحار الأنوار- المجلسي: 88/136.

([78]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/435.

([79]) بحار الأنوار- المجلسي: 78/9/ح64.

([80]) تحف العقول- ابن شعبة الحراني: 285.

([81]) بحار الأنوار- المجلسي: 71/197.

([82]) بحار الأنوار- المجلسي: 70/364.

([83]) ثواب الأعمال- الشيخ الصدوق: 27.- النهاية- الشيخ الطوسي: 108.

([84]) الغيبة- الشيخ الطوسي: 1/231.- مناقب آل أبي طالب- ابن شهر آشوب: 3/538.

([85]) مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 460.

([86]) الأمالي- الشيخ الطوسي: 527.

([87]) علل الشرائع- الشيخ الصدوق: 2/579.- الكافي- الشيخ الكليني: 2/313.

([88]) الكافي- الشيخ الكليني: 2/269.

([89]) الخصال- الشيخ الصدوق: ٤١٨.

([90]) بحار الأنوار- المجلسي: 68/249.

([91]) مفاتيح - الشيخ عباس: 304, من أدعية العشر الأواخر في شهر رمضان.

([92]) مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 452.

([93]) أنظر: نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 4/97.- مكارم الأخلاق- الطبرسي: 314.

([94]) الأمالي- الشيخ الطوسي: 186.

([95]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 2/15.

([96]) بحار الأنوار- المجلسي: 98/101.

([97]) أنظر: إقبال الأعمال- السيد ابن طاووس: 2/21.- الدر المنثور- السيوطي: 3/235.

([98]) بحار الأنوار- المجلسي: 79/236.

([99]) بحار الأنوار- المجلسي: 81/258.

([100]) ثواب الأعمال- الشيخ الصدوق: 44.- الكافي- الشيخ الكليني: 3/266.

([101]) بحار الأنوار- المجلسي: 64/237.

([102]) الخصال- الشيخ الصدوق: 20.- الكافي- الشيخ الكليني: 2/445.

([103]) الصحيفة السجادية (ابطحي)- الإمام زين العابدين (عليه السلام): 292.

([104]) إقبال الأعمال- السيد ابن طاووس: 2/14.

([105]) بحار الأنوار- المجلسي: 64/244.

([106]) الدر المنثور- جلال الدين السيوطي: 2/229.

([107]) مكارم الأخلاق- الشيخ الطبرسي: 358.

([108]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 370.

([109]) بحار الأنوار- المجلسي: 64/244.

([110]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 440.

([111]) كنز العمال- المتقي الهندي: 3/373.

([112]) عيون الحكم والمواعظ- علي بن محمد الليثي: 477.

([113]) من دعاء أبي حمزة الثمالي. الصحيفة السجادية (ابطحي)- الإمام زين العابدين (عليه السلام): 234.

([114]) بحار الأنوار- المجلسي: 72/21.

([115]) بحار الأنوار- المجلسي: 70/157.

([116]) تحف العقول- ابن شعبة الحراني: 410.

([117]) بحار الأنوار- العلامة المجلسي: 96/50.

([118]) بحار الأنوار- العلامة المجلسي: 68/395.

([119]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 589.

([120]) بحار الأنوار- المجلسي: 96/50.

([121]) نهج البلاغة- خطب الإمام علي (عليه السلام): 1/215.

([122]) الأمالي- الشيخ المفيد: 2.

([123]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 131.

([124]) الأمالي- الشيخ المفيد: 283.

([125]) بحار الأنوار- المجلسي: 93/180.

([126]) الكافي- الشيخ الكليني: 4/9.