القبس /12 (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) سورة آل عمران:104- وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قرآنياً/1

| |عدد القراءات : 73
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)

موضوع القبس: وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر([1]) قرآنياً/1

دلّت الآية الشريفة على الوجوب, الذي تفيده هيأة: {وَلْتَكُن}، وأكّده بجعل امتثال هذه الوظيفة سبيل الفلاح؛ إذ أن ذيل الآية ظاهر في الحصر.

مضافاً إلى وقوعها في سياق الأمر بالوحدة والاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التفرّق، فقبلها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران:103), وبعدها: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105), فكأنَّ وضع الآية في السياق لإلفات نظر الأمة إلى ما تتحقق به وحدتهم وعزّتهم وقوة بنيانهم, من خلال الالتزام بأداء هذه الفريضة العظيمة.

إن قلتَ: إن استفادة الوجوب من الآية منافٍ لعموم الخير الشامل للواجب والمستحب فكيف تكون الدعوة إليه واجبة، فكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

قلتُ: هذه شبهة مقابل البديهة لإجماع المسلمين على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل إجماع العقلاء كافة فلا وجه للتشكيك فيه، ومع ذلك نقول في الجواب:

1-          إن متعلق الوجوب هو أصل الوظيفة لا مصاديقها، أما المصاديق فلها حكمها، فالمطلوب في الآية أن تكون الأمة متصفة بهاتين الصفتين، أما التطبيق فيكون لكل مورد بحسبه من الوجوب أو الاستحباب, كما لو افترضنا وجوب قيام الأب بأمر ولده غير البالغ بالصلاة وهو فعل مستحب.

2-          ولو تنزّلنا ونظرنا إلى المصاديق فإنه يمكن الجواب بتقريبين:

أ‌-             تقييد (الخير) بما هو واجب, كالدعوة إلى الإسلام كما في جملة من التفاسير، وكذا يقيَّد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو واجب.           

ب‌-        أن يؤخذ (الخير) ووظيفة الأمر والنهي على عمومها وفيها الواجب والمستحب، وحينئذٍ يُقال أن هذا المقدار من اتصاف المصاديق بالوجوب كافٍ لوصف العنوان بالوجوب.   

إن قلتَ: تقييد الوظيفتين بالواجب ليس أولى من حمل الطلب على الاستحباب.    
      قلتُ: يرد عليه ما قلناه من كفاية الوجوب في الجملة للقول بالوجوب، مضافاً إلى إجماع المسلمين على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والوجوب شامل للأمة كلها؛ لأن الظاهر كون (من) في {مِّنكُمۡ} بيانيّة، فهي لبيان كون الطلب موجهاً لهذه الأمة أن تكون أمة تدعو إلى الخير وتأمر وتنهى لتكون هي الأمة المُفّلحة دون غيرها من الأمم، ومعنى شمول وجوبها للأمة, أن الأمة بما هي أمة مخاطبة بالوجوب على نحو المجموع وليس على نحو الاستغراق لكل فرد فرد.

وتشهد له الآية التالية: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَاسِ تَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ} (آل عمران:110), والمورد يكون نظير قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} (الحج:30), إذ ليس عندنا أوثان رجس وأوثان غير رجس، فالأوثان كلها رجس، لكن المراد منشأ اجتناب الأوثان لكونها رجساً، أو المراد بيان نوع الرجس المأمور باجتنابه هنا وأن موضوعه الأوثان، ونحو ذلك.

ويؤيد هذا - أي كون (من) بيانية والخطاب موجه إلى الأمة جميعاً- أمران:

1-          الآيات العدّيدة التي وصفت عموم المؤمنين والمؤمنات بهذه الصفة, وليس بعضهم، وقد تقدم ذكر جملة منها في الصنف الثاني من الآيات.

2-          ما رواه العياشي في تفسيره بسند غير تام عن الإمام الصادق (عليه السلام) في ذيل هذه الآية قال (عليه السلام): (لأنه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة التي وصفها الله، لأنكم تزعمون أن جميع المسلمين من أمة محمد (صلى الله عليه واله) وقد بدت هذه الآية وقد وصفت أمة محمد (صلى الله عليه واله) بالدعاء إلى الخير و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن لم يوجد فيه الصفة التي وصفت بها فكيف يكون من الأمة وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمة ووصفها به)([2]).

((وقد نسب الشيخ الطوسي (قده) إلى الزجاج أن المراد من (من) هنا هو تخصيص المخاطبين من بين سائر الأجناس، ورتب عليه الأمر والنهي فرض عين لا كفاية))([3]).

ومعنى الآية: اجعلوا منكم - أي من أمتكم- يا أمة الإسلام أمة تتصف بأنها تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كما تقول للشخص اجعل من ولدك ابناً صالحاً متفوقاً، أي اجعل ولدك هكذا، أو تخاطب الحوزة العلمية وتقول: اجعلوا منكم حوزة رسالية عاملة مخلصة.

وهذا ما نفهمه من كونها بيانيّة، أما صاحب الميزان فقد حكى هذا القول عن البعض، وقال: (الظاهر أن المراد بكون (من) بيانية كونها نشوئية ابتدائية)([4]).

أقول: كقوله تعالى: {هُوَ الذِي خَلَقَكُم مِنْ تُرَابٍ} (غافر:67), أي أن نشوءكم من التراب، كقوله تعالى: {مِنهَا خَلَقنَاكُم وَفِيهَا نُعِيدُكُم} (طه:55).

وقال الأكثر بأنها تبعيضية, وبنى على ذلك كون الوجوب كفائيّاً، وذكروا لذلك وجوهاً يمكن تحصيلها من كلام السيد الطباطبائي قال (قده) (والذي ينبغي أن يُقال: أن البحث في كون (من) تبعيضية أو بيانية لا يرجع إلى ثمرة محصلة، فإن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور لو وجبت لكانت بحسب طبعها واجبات كفائية، إذ لا معنى للدعوة والأمر والنهي المذكورات بعد حصول الغرض، فلو فرضت الأمة بأجمعهم داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر كان معناه أن فيهم من يقوم بهذه الوظائف، فالأمر قائم بالبعض على أي حال، والخطاب إن كان للبعض فهو ذاك، وإن كان للكل كان أيضاً باعتبار البعض، وبعبارة أخرى المسؤول بها الكل والمثاب بها البعض، ولذلك عقبه بقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ}, فالظاهر أن (من) تبعيضية، وهو الظاهر من مثل هذا التركيب في لسان المحاورين ولا يصار إليه إلى غيره إلا بدليل)([5]).

أقول: بنى (قده) استظهاره كون (من) تبعيضية على عدة وجوه:

1-          إن طبيعة مثل هذه الوظائف أن تكون كفائية (فالأمر قائم بالبعض) حتى لو كان الخطاب للكل.

2-          إن ظاهر هذه التراكيب ذلك ولا يصار إلى غيره إلا بدليل.

3-          تعقيبه بقوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ}.

ويرد على الأول: بالتفريق بين مقام الخطاب ومقام الامتثال، وبحثنا في الأول, وهل أن الخطاب شامل للجميع أم لا؟ أما تحقق المطلوب بامتثال البعض فهذا من الثاني, وليس هو محل البحث، فالمطلوب من الأمة أن تكون كلها متصفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان الغرض يتحقق بامتثال البعض، وحينئذٍ يكون سقوط الفرض عند أداء البعض لانتفاء موضوعه، ولا يعني هذا عدم ثبوت الوجوب قبل هذا على البعض الآخر, فلا يستفاد منه الوجوب الكفائي.

وفرض الوجوب على الجميع مع الاكتفاء بقيام البعض واضح المصلحة في هذه الفريضة المهمة، ليرى كل فرد أنه مسؤول عن امتثالها، بينما لو كان الوجوب موجهاً إلى البعض، فإنه سيكون سبباً للتقاعس عن أدائها, باعتبار أن الوجوب غير متعين به, فيؤدّي إلى تعطيل الفريضة, كما يشهد به الواقع والتجارب؛ وكما ضُيِّعت صلاة الجمعة المباركة بسبب القول بوجوبها التخييري وهكذا.

ويظهر من قوله (قده): (المسؤول بها الكل) الاعتراف بذلك، وسنبحث مفصلاً في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

وأما الثاني: فإنها دعوى, ولو سلّمناها, فإن في المقام قرائن متصلة ومنفصلة -كقوله تعالى: {كُنتُم خَيرَ أمَّةٍ}- على خلاف الظاهر المُدّعى.

أما الوجه الثالث: فتقريبه أنه يرى أن الحصر في قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ} إضافي، وبناءً على هذه القرينة فقد قرَّب بعض الأعلام (قده) كون (من) تبعيضية بأن قوله تعالى: {هُمُ المُفلِحُونَ} (معناه أن أولئك كاملو الفلاح لوضوح أن الآتي بالواجب الكفائي أفضل من غيره، فقوله: {هُمُ} من قبيل {هُمُ العَدُوُّ} فليس معناه أن غيرهم ليس مفلحاً، بل معناه أكملية فلاح الآمر الناهي من فلاح غيره، كما أن معنى {هُمُ العَدُوُّ} أشدّيّة عداوة هؤلاء من عداوة غيرهم)([6]).

أقول: يرد عليه:

1-          اعتبار الحصر إضافياً دعوى على خلاف الظاهر، والقياس ممنوع، فالحصر مطلق، وإن غير الآمر الناهي لا يكون مفلحاً بهذا العنوان، وإن كان على خير بدرجة من الدرجات.

2-          لو تنزّلنا فإن هذا التفاضل والإضافة بلحاظ الامتثال، ونحن لا ننكره؛ لأن من المتفق عليه عدم حصول الامتثال من قبل الكل؛ لأن الموضوع ينتفي بامتثال البعض، فلا يبقى للوظيفة موضوع، لكن كلامنا ليس بلحاظ مقام الامتثال، وإنما في مقام التكليف وإلقاء العهدة وما ذكره المستشكل لا يتعرض له.   
       ويمكن الاستدلال على كون (من) تبعيضية برواية مسعدة بن صدقة([7]) عن أبي عبد الله (عليه السلام)([8]).

نعم يمكن قبول التبعيضية في مقام الامتثال لأنه ليس من المتوقع كون المطلوب أن يكون كل فرد فرد داعياً إلى الخير آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر؛ لوجود العصاة والجهلة بالحكم والموضوع والقاصرين والمقصّرين والعاجزين عن الامتثال ونحو ذلك، وهذا لا يضر بما استظهرناه من كون عهدة الوجوب ملقاة على الأمة كلها، لصدق اتصاف الأمة بهذا الوصف إذا تحقق الغرض بالبعض، كما تُوصف الأمم الغربية بأنها متقدمة تكنولوجياً, مع العلم بأن بعض أفرادها كذلك؛ لأن هذا البعض كافٍ في صدق العنوان وليس المطلوب أزيد, لوجود من هم في مهن لا ترتبط بهذا العنوان كالأعمال الخدمية.

ويمكن الاستدلال بالآية على رد القول بالوجوب الكفائي من وجهين:

1-          التعبير بالأمة وهي (كل جماعة يجمعهم أمرٌ ما, إما دينٌ واحد أو زمان واحد أو مكان واحد)([9]), فهي جماعة كبيرة، وعلى القول بالوجوب الكفائي فإن الأمر يتأدى بواحدٍ أو قريب منه، لذا يعرّفون هذا الواجب بأنه إذا قام به شخص سقط عن الآخرين، فهذا نقض بالآية عليهم.

2-          ولو تنزلنا وقلنا بالوجوب الكفائي على فئة معينة من المسلمين التي سمّيت بالأمة في الآية فإنه أخصّ من المدّعى الذي هو الوجوب الكفائي مطلقاً؛ لأن الظاهر من عمل مثل هذه الجماعة الخاصة القيام بالوظيفة بلحاظ المستوى الاجتماعي لأداء الفريضة, أي المعروف والمنكر, الذي يتحول إلى ظاهرة اجتماعية؛ لأن مثلهما يحتاج إلى جماعة متخصصة ولها مؤهلاتها وأدواتها، فتُكلَّف أمة أو جماعة بهذه الوظيفة على مستوى المجتمع كشرطة الخميس التي أسسها أمير المؤمنين (عليه السلام)، كالأمر الكفائي الصريح بنفر البعض للتفقه في الدين.

أما أداء الفريضة على المستوى الفردي فلا دليل على كونه كفائياً؛ لأنه ولو بأدنى مراتبه ممكن للجميع، فهو واجب عيني على الجميع، وقد بحثناه مفصلاً في كتاب مستقل([10]).



([1]) القبس يقع ضمن بحث استدلالي في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من القرآن الكريم وقد تناول سماحته عدة آيات تدل على ذلك وقد فرقّناها بحسب ترتيب السور

([2]) تفسير العياشي- العياشي: 1/195/ح217.

([3]) حكاه في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن التبيان: 2/541 وفقه القرآن للراوندي: 1/356.

([4]) الميزان في تفسير القرآن: 4/427، الأعلمي.

([5]) الميزان في تفسير القرآن: 4/427، الأعلمي.

([6]) الفقه- السيد محمد الشيرازي: 48/157.

([7]) قال: سمعته يقول: وسُئل عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعاً؟ (فقال: لا، فقيل له: ولم؟ قال: إنما هو على القوي المُطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً إلى أي من أي يقول من الحق إلى الباطل، والدليل على ذلك كتاب الله عز وجل قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} {آل عمران: 104}, فهذا خاص غير عام، وكما قال الله عز وجل: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} {الأعراف: 159 } ولم يقل: على أمة موسى ولا على كل قومه، وهم يومئذ أمم مختلفة، والأمة واحد فصاعداً، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} {النحل:120} يقول: مطيعاً لله عز وجل، وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة...). وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي: 16/126/ح1.

([8]) راجع تفصيل مناقشتها في كتاب فقه الخلاف:8/200.

([9]) غريب القرآن- الأصفهاني:23_ مجمع البحرين- الشيخ الطريحي: 1/108.

([10]) للوقوف على تفصيل الكلام حول وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر راجع: فقه الخلاف: ج8,ج9.