ملحق: ماذا خسرت الأمة حينما ولّت أمرها من لا يستحق

| |عدد القراءات : 94
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ملحق: ماذا خسرت الأمة حينما ولّت أمرها من لا يستحق([1])

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الحمد لله الذي هدانا لهذا, وما كنّا لنهتدي؛ لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق؛ والحمد لله الذي جعلنا من الموفين بعهده, وميثاقه الذي واثقنا به, من ولاية ولاة أمره والقوّام بقسطه، ولم يجعلنا من الجاحدين المكذبين بيوم الدين، وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً.

رزية الخميس:

كانت وفاة النبي (صلى الله عليه واله) يوم الاثنين, الثامن والعشرين من صفر على ما هو المشهور([2])، فتكون رزية يوم الخميس كما سماه عبد الله بن عباس([3]), يوم الرابع والعشرين من صفر - أي في مثل يوم أمس-، وكانت رزية حقاً؛ إذ انقطع في ذلك اليوم آخر أمل لتمسك الأمة بوصية رسول الله (صلى الله عليه واله) في الإمام والخليفة من بعده، وأعلنوا معارضتهم الصريحة والواضحة لهذا التعيين، لذلك قال (صلى الله عليه واله) لأهل بيته: (أنتم المستضعفون بعدي)([4])، وأوصى أمته بهم خيراً، ولو كان يعلم أن الأمر يؤول إليهم لما احتاج إلى الوصية بهم، وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يُعبر فيه عن ألمه العميق من تضييع الأمة لبيعة يوم الغدير ولحق أمير المؤمنين(عليه السلام) فيقول: (أحدكم يشهد له شاهدان بحق, فيأخذ بحقه، وإن جدي أمير المؤمنين(عليه السلام) شهد له يوم الغدير بحقه ستون ألفا, ولم يقدر على الأخذ بحقه)([5]).

النزاع بين الخط الإلهي والخط البشري:

ولا أُريد أن أناقش أسباب هذا التضييع, وإهمال الأمة؛ لهذا الحق, الذي أخذه الله على كل المؤمنين، - فلهذه المناقشة محل آخر-، لكنني أعتقد أن أحد هذه الأسباب, والذي لا زال في ذهن الناس مما يقلّل من وعي خطورة هذا التضييع هو القصور في فهم النزاع، فقد فهموه على أنه نزاع بين شخصين، هما علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن نازعه الأمر.

فهم لا ينكرون فضل علي (عليه السلام) وسابقته, وجهاده, وعلمه, وقربه من رسول الله (صلى الله عليه واله) وشجاعته, وفناءه في الله؛ لكنهم يرون أن المُقابل أيضاً من السابقين إلى الإسلام, وثاني اثنين, إذ هما في الغار, وصهر رسول الله (صلى الله عليه واله), وبدريّ, وأحديّ.

بل حاولوا تلفيق بعض المناقب ليساووه بأمير المؤمنين (عليه السلام), أو يقتربوا منه (عليه السلام)، وإزاء هذه المقارنة, لم يجدوا المسألة مهمة بهذه الدرجة, ولا تستحق أن ينشق المسلمون إلى طائفتين عظيمتين، ولا جدوى في البحث فيها, فقد أكل عليها الدهر وشرب.

ولو فهموها بصورتها الصحيحة, لغيروا عقيدتهم، ولما وجدوا أي تردد في قبول المذهب الحق؛ لأن الخلاف ليس بين شخصين - وإن كان بحد ذاته دليلاً كافياً لسمو علي (عليه السلام) على غيره كسموّ الثريا على الثرى- وإنما بين مبدأين وخطين كان علي (عليه السلام) رمز الأول, ومنافسه رمز الثاني.

الخط الأول: مبدأ وخط رسمه الله تبارك وتعالى خالق السموات والأرض العالم بخفيات الأمور, وبواطن النفوس, وبما كان وسيكون، واختاره للأمة, لتصل إلى كمالها المنشود، وبلّغه رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) في يوم الغدير.

يقف في أول الخط, علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن بعده الحسنان(‘) سبطا رسول الله (صلى الله عليه واله)، ومن بعدهما الأئمة الطاهرون(عليهم السلام), الذين أطبقت الأمة على نزاهتهم, وعلمهم, وتمثيلهم الكامل للشريعة الإلهية، ومن بعدهم العلماء العارفون, الأتقياء الصالحون, حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

الخط الثاني: خطٌّ يصنعه البشر, بأهوائهم, وأساليبهم الشيطانية, من قهر وإذلال, أو إغراء بالمال, أو ظلم وتعسف, أو تضليل وتمويه وادعاءات باطلة، وكان الآخر رأس هذا الخط, فقد اختارته قريش -كما يقول الخليفة الثاني- وليس الله الذي اختاره.

ويتتابع على هذا الخط, معاوية ابن أبي سفيان, الذي يقول: (إني والله ما قاتلتكم لتصلوا, ولا لتصوموا, ولا لتحجوا, ولا لتزكوا, إنكم لتفعلون ذلك. وإنما قاتلتكم, لأتأمر عليكم, وقد أعطاني الله ذلك, وأنتم كارهون)([6]).

ومن بعده يزيد بن معاوية, شارب الخمر على منابر المسلمين, والذي أحرق الكعبة بالمنجنيق, وقتل ريحانة رسول الله(صلى الله عليه واله)([7]).

ومن بعده الآخرون, الذين سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض ونشروا الفساد وضلّوا وأضلّوا {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأعراف:38).

مع الوعي في الطرح:

عندما تعرض المقارنة بهذا الشكل، ولو استوعبها الصحابة والأجيال جميعاً, بهذا الشكل, لما ترددوا في الإيمان بصحة الخط الأول, والتمسك به، على أنهم غير معذورين من أول الأمر، لأن القرآن صريح {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب:36)، وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتعالى عَمَّا يُشْـرِكُونَ} (القصص:68)، بل إن رسول الله (صلى الله عليه واله) نفسه لم يكن له هذا الحق, حينما عرض عليه بنو عامر أن يسلموا مقابل أن يجعل لهم الأمر من بعده، فقال (صلى الله عليه واله): (الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء)([8]), وفي رواية أخرى(ان الله تعالى اختارني وأهل بيتي عن جميع الخلق, فانتجبنا, فجعلني الرسول, وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال: ما كان لهم الخيرة, يعني ما جعلت للعباد ان يختاروا, ولكني اختار من أشاء, فأنا وأهل بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه)([9]).

ومحل الشاهد, أني اعتقد, أن طرح الموضوع بهذا الشكل يكون أجدى وأوضح.

ماذا خسرت الأمة؟

ولكي نزيده وضوحاً نطرح سؤالاً، وهو: ماذا خسرت الأمة, بتضييعها وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) في الخليفة من بعده؟؛ وماذا ترتب على هذا الإهمال من نتائج سلبية؟

وحينما أتناول هذا البحث, فإني لا أريد فقط أن أناقشها كقضية تأريخية، وإن كانت من الأهمية بمكان؛ لابتناء أصل من أصول الدين, وهو أصل الإمامة عليها.

ولكن الذي أريده, هو الاستفادة من هذا الدرس, واستخلاص العبرة؛ لأن الإمامة بالحمل الأولي, وإن كانت مختصة بالأسماء المعينة, إلا أنها بالحمل الشايع - أعني النيابة العامة عن الإمام, وولاية أمر المسلمين, المتمثلة بالمرجعية الشريفة الجامعة لشروط القيادة- مستمرة إلى أن يرث الأرض ومن عليها الإمام المنتظر(عجل الله فرجه).

فإذن يبقى باب هذه النتائج السلبية التي سنتعرض لها, بإذن الله تعالى, مفتوحاً لها كلها, أو بعضها, كلما ولت الأمة أمرها إلى من لا يستحق، فيكون من الضروري الالتفات إليها, فنعود إلى أصل السؤال:

وهو مـاذا خسرت الأمة عندما ولّت أمرها غير صاحب الحق الشرعي؟

وماذا ترتّب على ذلك من نتائج سلبية؟

النتائج الوخيمة لتولي غير المؤهلين لإمامة الأمة

النتيجة الأولى: تصدي غير المؤهلين للإمامة:

فمن المعلوم أن أية رسالة, وأية آيديولوجية - بتعبير اليوم - لا بدَّ أن يكون حاملها مستوعباً لها بشكل كامل, فهماً وتطبيقاً، بحيث تكون هذه العقيدة, هي الموجهة له في كل سلوكه, وتصرفاته, وأفكاره, وعلاقاته, ولم يكن القوم كذلك، وإنما هم أناس عاديون, كبقية أفراد المجتمع، ويوجد كثير غيرهم ممن استوعب الرسالة وجسَّدها في حياته خيراً منهم.

وقد كانوا يعترضون على رسول الله (صلى الله عليه واله) في حياته ويتمردون على أوامره([10]), حتى آخر حياته؛ بتخلفهم عن جيش أسامة([11])، وعدم تلبية أمره (صلى الله عليه واله) حينما طلب قرطاساً في رزية يوم الخميس([12]).

وكانت الجاهلية تعيش في نفوسهم، حيث قضوا أكثر أعمارهم فيها، وقد كشف عن عدم أهليتهم, جهلهم, وتخبّطهم في الأمور، ويصف أمير المؤمنين إمرتهم المنحرفة في الخطبة الشقشقية: (فَيَا عَجَبا بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا([13]), فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا([14])! فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كُلاَمُهَا([15]), وَيَخْشُنُ مَسُّهَا. وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ([16]), فِيهَا. وَالاعْتِذَارُ مِنْهَا. فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ([17]), إِنْ أَشْنَقَ([18]), لَهَا خَرَمَ. وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ([19]), فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ([20]), وَشِماسٍ([21]), وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ([22]))([23]).

حتى قال الثاني: (كل الناس أفقه من عمر, حتى ربات الحجال)([24]), بعد أن نهى عن زيادة المهر عن حد معين، فأجابته امرأة: أما سمعت قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} (النساء:20).

وقد أشكلت عليهم الكثير من المسائل, حتى الاعتيادية منها([25]), التي كانت تتكرر في حياة رسول الله (صلى الله عليه واله) كالصلاة على الجنائز، ولما سئل الثاني عن سبب قلة استفادتهم من رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: (ألهانا الصَّفْقُ بالأسواق)([26])، وكانوا يشككون حتى بنبوة رسول الله (صلى الله عليه واله) وعصمته، فيقول له أحدهم وجهاً لوجه: (أنت الذي تزعم أنك رسول الله)([27])، أو يقولون عنه: (إن الرجل ليهجر)([28]).

الإعداد النبوي للخليفة الحق:

في مقابل ذلك كان هناك شخص, يعدّه رسول الله (صلى الله عليه واله), إعداداً خاصاً, لكي يتسلم هذا الموقع، ذاك هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فاستمع إليه يتحدث عن هذه التربية الخاصة: (وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه واله) بِالْقَرَابَةِ الْقَريبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصيصَةِ، وَضَعَني في حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ، يَضُمُّني إِلى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُني في فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّني جَسَدَهُ، وَيُشِمُّني عَرْفَهُ, وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنيه، وَمَا وَجَدَ لي كَذْبَةً في قَوْلٍ، وَلاَ خَطْلَةً في فِعْلٍ).. إلى أن قال(عليه السلام): >وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي في كُلِّ يَوْمٍ عَلَماً مِنْ أَخْلاَقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ, وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْري, وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه واله), وَخَديجَةَ, وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسالَةِ، وَأَشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّهَ الشَّيْطَانِ, حينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلى الله عليه واله)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرى مَا أَرى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلكِنَّكَ وَزيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلى خَيْرٍ)([29]).

وفي نهاية خطبة مماثلة أخرى يسأل(عليه السلام) مستنكراً: (فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنّي, حَيّاً وَمَيِّتاً؟)([30]).

آثار خطيرة:

هكذا كان يتم تهيئة الإمامة البديلة، أما هؤلاء, فلم يتلقوا شيئاً من ذلك، لذا فقد أفرز تصدي هؤلاء غير المؤهلين عدة آثار خطيرة:

1-          تشوّه صورة الإسلام نفسه؛ لأن كثيراً من الأمم والشعوب دخلت الإسلام بعد رسول الله(صلى الله عليه واله)، فهي لم تأخذه من مصدره، وإنما نقل لها عبر كلام وسلوك أصحابه، ولما كان هؤلاء غير مؤهلين لتمثيل الإسلام بصورته النقية الكاملة, ولم يعرف المسلمون الجدد غير هذه الصورة المعروضة أمامهم فَتَبنّوها على أنها الإسلام الحقيقي، وتزايد هذا البعد عن الإسلام بمرور الزمن، حتى صرتَ ترى أقواماً لا تفقه من الإسلام شيئاً غير الاسم وبعض الشكليّات.

2-          تجرّي أعداء الإسلام خصوصاً اليهود عليه، وما كانوا يستطيعون أن يظهروا شيئاً منه في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)، لعدم وجود ثغرة يمكن أن يدخلوا منها، أما وقد تصدّى لهذا الموقع العظيم ناس غير مؤهلين لهذا الموقع، ويمكن التغلب عليهم وإحراجهم، فمن السهولة إذن هزّ ثقة المسلمين بدينهم, بتكرر الفشل من قادتهم.

وبالنتيجة تخليهم عن هذا الدين، فلم يكن من الغريب حصول هذه الهجمة العنيفة من الامتحانات العسيرة والمتنوعة, التي أحرج بها اليهود الخليفة الاول, والثاني, وتزعزعت ثقة المسلمين, وشعروا بالإحباط، وكادوا يرتدون لولا وجود أمير المؤمنين(عليه السلام) بالمرصاد، الذي كان يجيبهم على كل أسئلتهم ويردّ كيدهم إلى نحورهم([31]).

3-          انفتاح باب الطمع بهذا المنصب الشريف, لكلّ محبي الرئاسات, والجاه, واتباع الهوى، بعد أن أصبح نيله ليس بالاستحقاق, وفق معايير الرسالة، وإنما هو لمن غلب وقهر, ولو بالسيف، حتى أصبح مستساغاً أن يولي معاوية ابنه يزيد, المعروف بالفسق, والفجور, على رقاب المسلمين.

النتيجة الثانية: فتح باب الاجتهاد مقابل النص:

أي الحكم والتشريع بالآراء الشخصية, خلافاً للنص الإلهي الحكيم، وهو يعني أن الإنسان يُنصّب نفسه مشرعاً, وإلهاً, يُطاع في مقابل ألوهيّة الله تبارك وتعالى, الذي هو وحده له حق التشريع والحاكمية، وهو ما رفضه الله تبارك وتعالى, رفضاً قاطعاً، وجعل كل حكم وتشريع ليس مستنداً إلى الشريعة المقدسة, جاهلية، فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، وفي آية أخرى {الظَّالِمُونَ} (المائدة:45)، وفي ثالثة {الْفَاسِقُونَ} (المائدة:47).

وكان من شروط الإيمان الكامل: التسليم, والإذعان, لحكم الله تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65)، لكن القوم فتحوا باب الاجتهاد واسعاً، ولم يكترثوا كثيراً للنص الشرعي لعدة أسباب:

1-          جهلهم, وعدم اطلاعهم الكامل على أحكام الشريعة، فراحوا يستنبطون من أنفسهم, ما يسدّ نقصهم.

2-          لأجل المحافظة على الأغراض, والمصالح التي أرادوها, فلا بد من تعطيل النصوص, التي تتعارض مع المنهج الذي اختطوه، وتبرير الأفعال المخالفة بصراحة لحكم الله تبارك وتعالى.

3-          تغييب الممثل الحقيقي واللسان الناطق بالشريعة.

وقد عطل هذا الاجتهاد الكثير من التشريعات, التي كانت مصدر خير للأمة، ومنها الزواج المؤقت, الذي قال عنه أمير المؤمنين (عليه السلام): (لولا نهي فلان عن المتعة, ما زنى إلا شقي)([32]).

وبالمقابل برّر هذا الاجتهاد أشنع المنكرات، فمثل مالك بن نويرة([33]) الذي شهد له رسول الله (صلى الله عليه واله) بالجنة يُقتل، ويدخل خالد بزوجته في نفس الليلة، ويأتي جواب الخلافة ببرود: (تأوّل خالد فأخطأ)([34]).

ويخرجون لقتال إمام زمانهم بكل المقاييس التي عندهم في معارك طاحنة في الجمل, وصفين([35])، وكله اجتهاد يؤجرون عليه وإن أخطأوا فلهم أجر واحد.

وقد تأصل هذا الاجتهاد فيما بعد, وتعمق، ووضعوا له أصولاً وقوانين، وأصبحت مذاهب في مقابل مذهب الحق.

النتيجة الثالثة: عرقلة تربية الأمة وتكاملها:

فقد شاءت الإرادة الإلهية, أن تنقذ البشرية بهذه الرسالة المباركة من حضيض الجاهلية النكدة, إلى سمو التوحيد, وطهارة الإيمان, وسعادة الدارين، وقد قُدر لهذه المسيرة أن تتكامل, لتنشأ أمة, متكاملة, على يد رسول الله (صلى الله عليه واله), والأئمة المعصومين من آله، لكن إبعاد الأئمة(عليهم السلام), عن موقع قيادة المجتمع, أدى إلى عرقلة هذه المسيرة, وبطئها, من عدة جهات:

1-          إن من العناصر المهمة في التربية, هو القدوة, والأسوة الحسنة, على تعبير القرآن؛ لأنه يُمثل التطبيق للأفكار التربوية، فإذا غاب القدوة, أو كان القدوة منحرفاً, فلا ينفع الكلام مهما كثر، ويبقى مجرد حبر على ورق.

والقوم لم يكونوا يمثلون قدوة حسنة، ولم يستطيعوا عكس صورة نقية للسلوك الإسلامي، بل إنه على مرور الأيام كان النموذج المعروض مناقضاً تماماً لتعاليم الإسلام، فكيف نتوقع منه أن يربي الأمة ويقودها نحو التكامل؟

ففي حين يقرأ المسلم في أخلاق الإسلام (وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى)([36]), يجد في التعامل تفضيل العرب على غيرهم, الذين يسمونهم الموالي، ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية، وبينما يقرأ في القرآن {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى:23), يجد الخلافة تُلاحق أهل بيت النبي (صلى الله عليه واله), تحت كل حجر ومدر, قتلاً, وتشريداً, وسجناً، وبينما يقرأ حرمة شرب الخمر في القرآن, يجد حاكم المسلمين يشربه على منابر المسلمين, ويتقيأه في محرابهم([37]).

2-          فرص الانحراف الكثيرة التي توفرت للناس في ظل الخلافة المنحرفة، والنفس بطبيعتها ميالة للشهوات, مع غياب الرادع الذي يحصّن الأمة من الانحراف, وهم الذين عناهم الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران:104).

وقد بدأت هذه النفوس الأمارة بالسوء تظهر في أيام الخلافة الأولى, في وقت مبكر، وبدأت الدنيا تنمو في قلوبهم، وأصبحت هذه الامتيازات, والمصالح, واقعاً ثابتاً, لا يرضون بتغييره، بحيث أن عبد الرحمن بن عوف, الذي جُعل حكماً في أمر تعيين الخليفة, من بين الستة أهل الشورى, يشترط على عليٍّ (عليه السلام) أن يبايعه بشرط, أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه واله), وسيرة الشيخين([38]).

فما هي: سيرة الشيخين التي يضمّها عبد الرحمن إلى كتاب الله, وسنة رسوله (صلى الله عليه واله)؟

إنها: هذه الامتيازات الطبقيّة, وهذه الدنيا المحضة, التي وفرتها لهم الخلافة الأولى، بحيث أن عبد الرحمن([39]), هذا وأمثاله, كزيد بن ثابت([40]) وغيرهم, تركوا من الذهب ما يُكسّر بالفؤوس - حسب ما ينقل التأريخ- ولم يكن أمير المؤمنين(عليه السلام), ليوافق على هذا الشرط, فيكون منه إمضاءً, واعترافاً, بهذه السيرة؛ لأن هذه السيرة, إن كانت موافقة للكتاب والسنة, فلا داعي لذكرها، وإن كانت مخالفة, فارمِ بها عرض الجدار، فما الوجه لضمِّها إلى أصلَي التشريع.

3-          الصورة المشوهة للشريعة, التي كانت معروضة للأمة, من خلال العلماء, والرواة, المتزلفين للخلفاء, والطامعين بما في أيديهم، فكيف نتوقع من شخص لم يشاهد رسول الله (صلى الله عليه واله), ولم يطّلع على مواقف علي (عليه السلام) مباشرة, أن يوالي علياً, ويتبعه، وهو يسمع صحابيّاً يروي, أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: إن الآية الشريفة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ 204 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة:205) نزلت في عليّ بن أبي طالب([41]).

فلا نتوقع من أغلب المسلمين في الأرض, إلا أن يحملوا هذه الصورة المشوهة للإسلام، لأنهم لم يسمعوا غيرها، ولم يشاهدوا غيرها، فكان طبيعياً أن يعتقدوا جازمين, أن هذا هو الإسلام.

ومن هنا اقتضت الحكمة الإلهية, أن تُغيّب الإمام الثاني عشر(عجل الله فرجه) هذه المدة الطويلة, إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور، كل ذلك لتستمر تربية الأمة مدة أطول، ولتمر بتجارب, وابتلاءات, وتمحيصات أكثر، حتى تصل إلى مستوى النضج, والكمال المطلوب, الذي يؤهلها لمواصلة مسيرة الكمال مع الإمام المهدي(عجل الله فرجه)، بينما لو قُدّر لهذه الأمة أن تتربى في أحضان الأئمة المعصومين (عليهم السلام), لوصلت إلى درجة الكمال قبل هذا التأريخ بكثير.

النتيجة الرابعة: تمزق الأمة وتشتتها:

وتفرقها شيعاً, وأحزاباً, {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم:23)، وهذه نتيجة طبيعية, للابتعاد عن الإمامة الحقيقيّة؛ لأن سر تشريع الإمامة, هو تحصين الأمة, من التمزق, والانحراف، كما قالت الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشهيرة بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه واله): (وَجَعَلَ إمَامَتَنَا نِظَاماً للمِلَّةِ)([42]), أي تنتظم بها أمورهم وتستقر، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103) {ولا تَنَازَعوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال:46)، وحبل الله الممّدود من السماء إلى الأرض, هما الثقلان, كتاب الله, وعترة رسوله (صلى الله عليه واله) - كما بينتُ في شكوى القرآن([43])-  مضافاً إلى أن هذا الموقع, بعد أن خرج عن مستقره, وأُبعد عنه أهله, أصبح مطمعاً لكل حالم به.

وشهوة التسلط أقوى الشهوات، وفيها استجابة للأنانية, واستكبار النفس، فمن الطبيعي أيضاً, أن تكثر الصراعات حول هذا المنصب، وتداس في خضم هذا الصراع كل القيم والأخلاق.

وتكفي وقفة تأمل, واستطلاع بسيط للتأريخ, لنقرأ بكل أسف, وألم يفتت القلوب, المآسي التي جرَّها التنازع على السلطان، والخسائر الفادحة في الأنفس, والأعراض, والأموال, التي هدرت في هذا الصراع، فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية؟

ومن الذي فتح هذا الباب على المسلمين؟

وماذا يجني من يُحدث هذا الفتق في أمة الإسلام؟

وخير معبر عن هذه الآلام, وهذه الخسائر, أحد الأدعية الواردة في لعن, أعداء آل محمد (صلى الله عليه واله) والبراءة منهم, إلى أن يقول: (اللهُمَّ اِلْعَنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ مُنْكَرٍ أَتَوْه, وَحَقٍّ أَخْفَوْه, وَمَنْبَرٍ عَلَوْهُ, ومُنافِقٍ وَلَّوْه, وَمُؤْمُنٍ أَرْجوه, وَوَلِيٍّ آذَوْه, وَطَريدٍ آوَوْه, وصادِقٍ طَرَدوه, وكافِرٍ نَصَروه, وَإِمامٍ قَهَروه, وفَرْضٍ غَيَّروه, وَأَثَرٍ أَنْكْروه, وَشَرٍّ آثَروه, وَدَمٍّ أَراقوه, وَخَبَرٍ بَدَّلوه, وَحُكْمٍ قَلَّبوه, وُكُفْرٍ أَبْدَعوه, وَكَذَبٍ دَلَّسوه, وَإِرْثٍ غَصَبوه, وَفَيْءٍ اقْتَطَعوه, وَسُحْتٍ أَكَلوه, وَخُمْسٍ اسْتَحَلُّوه, وَباطِلٍ أَسَّسوه, وَجوْرٍ بَسَطوه, وظُلْمٍ نَشَروه, وَوَعْدٍ أَخْلَفوه, وَعَهْدٍ نَقَضوه, وَحَلالٍ حَرَّموه, وَحَرامٍ حَلَّلُوه, وَنِفاقٍ أَسَرُّوه, وَغَدْرٍ أَضْمَروه, وَبَطْنٍ فَتَقوه, وَضِلْعٍ كَسَروه, وَصَكٍّ مَزَّقُوه, وَشَمْلٍ بَدَّدُوه, وَذَليلٍ أَعَزوه, وَعَزيزٍ أَذَلُّوه, وَحَقٍّ مَنَعوه, وإِمامٍ خالَفوه، اللهُمَّ الْعَنْهُما, بِكُلِّ آيَةٍ حَرَّفوها, وَفَريضَةٍ تَرَكوها, وَسُنَّةٍ غَيَّروها, وَأَحْكامٍ عَطَّلوها, وَأَرْحامٍ قَطَعوها, وَشَهاداتٍ كَتَموها, وَوَصِيَّةٍ ضَيَّعوها)([44]).

ولو شئنا لذكرنا أمثلة, وشواهد, على كل فقرة، لكنها مما لا تخفى على المطلع على التأريخ، فأي قلب لا يذوب أسىً, على ما سببه ذلك التضييع للحق الصريح؟!.

النتيجة الخامسة: عزل الدين عن إدارة الحياة بكل أبعادها وتفاصيلها:

واقتصاره على الطقوس التعبدية, والشؤون الفردية فقط، فإن القوم وإن استطاعوا بالترغيب والترهيب أن يسلبوا السلطة الدنيوية من الإمام (عليه السلام)، إلا إنهم لا يستطيعون بأي حال من الأحوال أن يسلبوا مكانته من القلوب, وهيبته في النفوس، ورجوع الناس إليه في شؤونهم الدينية.

هذا الانفصال الذي عبر عنه هارون الرشيد - كما يسمونه- لولده المأمون حينما استغرب من تكريمه للإمام الكاظم(عليه السلام) بما لا نظير له، فقال: (هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟! فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه واله) مني، ومن الخلق جميعاً، ووالله لو نازعتني هذا الامر, لاخذت الذي فيه عيّناك، فان الملك عقيم)([45]).

والإمام وإن سكت عن المطالبة بحقه في السلطة الدنيوية, من أجل حفظ الإسلام, وكيان المسلمين، إلا أنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال التنازل لهم عن الإمامة الدينية, أو الاعتراف بهم, وإمضاؤهم كممثلين لهذه السلطة، فإن في ذلك خيانة لله ولرسوله وللإسلام، على أن هذا الحق لا يتصور التنازل عنه، فإنه ليس امتيازاً أو موقعاً حتى يتخلى عنه، بل هو علم لدنّي بالمعارف الإلهية, وما يرتبط بصلاح العباد، وقدرة وقابلية على تلبية احتياجات الأمة.

فكل من كان قادراً على ذلك ووجدت الأمة حاجتها, وآمالها, وطموحاتها عنده, أصبح إماماً، وهكذا كان علي (عليه السلام), فما سمعنا انه احتاج إلى أحد في شيء، بل على العكس كانوا يرجعون إليه, في مسائلهم ومشاكلهم وقراراتهم، حتى اشتهر قول الثاني: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)([46])، ولذا استدل بعضهم على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) باحتياج الناس إليه واستغنائه عن الناس([47]).

وهذا الفصل بين السلطتيّن ترسخ وتعمق, وانعكس على الدين نفسه، فأصبح مرتكزاً في الأذهان, أن إدارة شؤون الحياة ليس من شؤون الإمامة الدينية، وأن دورها يقتصر على العبادات وبعض الأحكام الشخصية، والتقوا بذلك مع نظرة الجاهلية, ومع مقولة: (ما لقيصر لقيصر، وما لله لله)([48])، وهذا هو الشرك بعينه، فإن الملك كله لله وحده, والحكم كله لله وحده، وما من واقعة إلا ولله فيها حكم([49]).

أترى أن الشريعة التي لم تغفل عن تنظيم أبسط التصرفات الحياتية، كالتخلي, والنوم, والاكل, والجماع, ووضعت لها أحكاماً, وآداباً، فهل تغفل عن وضع أنظمة, وقوانين, تنظم حياة المجتمع من جميع الجهات؟ وهذه حقيقة دامغة لا تقبل الشك، إلا أنهم لا يذعنون لها لعدة أمور:

1-          إن الشريعة لا تنسجم مع أهوائهم, وأنانيتهم, وحبهم للاستئثار بالفيء, وسائر الامتيازات, وتتعامل مع الجميع على حد سواء.

2-          إن تحكيم الشريعة فيه إظهار لجهلهم, وقصورهم, وتقصيرهم، وهو ما تأباه نفوسهم الأمارة بالسوء.

3-          إن ذلك أيضاً, يعني احتياجهم للإمامة الدينيّة، وبالتالي يعني تفوق أولئك عليهم, واستحقاقهم لهذا الموقع بدلاً عنهم.

النتيجة السادسة: حدوث الانفصال بين الأمة والخلافة:

لأن الأمر لم يعد في نظر المتصدين, أمر إصلاح, وهداية, وتكميل النفوس, ونيل رضا الله تبارك وتعالى, حتى تتعلق بهم الأمة, وتهفو إليهم القلوب، بل زعامة, وملك, ومصالح, واستئثار, واستعلاء، وقد عبر عنه القوم من أول يوم, وهم بعد في السقيفة فكان لسانهم: إنما السلطان سلطان قريش فلا ينازعنا فيه أحد([50])، وكانت المسألة أوضح بالنسبة للأقوام الأخرى, التي دخلت الإسلام، وقد أشعروهم بأن الخلافة ملك للعرب، فإذا كانت ملكاً عضوضاً, وهم المستفيدون منها, فما الذي يشد سائر قطاعات الأمة إليهم؟

وما الذي يحثهم على الدفاع عنهم؟ وما هي العلقة التي تربطهم بهم؟

بل على العكس, سادت روح الكراهية, والحقد, والانتقام, كما حصل لأبي لؤلؤة الفارسي, غلام المغيرة بن شعبة, الذي سأم من كثرة التعيير لقومه الفرس, والاستهزاء بهم، فثار لعنصريته ولعصبيته الجاهلية([51]).

بالمقابل كان هناك علي بن أبي طالب (عليه السلام):

كان علي(عليه السلام) وبنوه(عليهم السلام) قد ملكوا القلوب، فاستجاب الله تعالى بهم دعوة جدهم إبراهيم {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (إبراهيم:37), والذي لم تستطع الخلافة بكل جبروتها, أن تنتزعه منهم، وقضية هشام بن عبد الملك, واضحة في أذهانكم, عندما عجز عن الوصول إلى الحجر؛ لازدحام الناس، فتنحى إلى زاوية في البيت الحرام، وما أن قدم الإمام السجاد (عليه السلام) حتى انفرج عنه الناس سماطين، فمشى بكـل وقـار وهيبـة, حتى وصل إلى الحجر الأسود، وهشام ينظر([52]).

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) رغم تواضعه بين أصحابه, حتى كأنه أحدهم, إلا أن له هيبة, عظيمة, في نفوسهم, كما وصفه ضرار بن ضمرة لمعاوية([53]).

وذاب أصحابهم في حبهم, قربة إلى الله تعالى, ووفاء لجدهم رسول الله (صلى الله عليه واله), وعرفاناً لحقهم عليهم، وتحملوا في سبيل ذلك ما تقشعر منه الأبدان، فهذا ميثم بن يحيى التمار تُقطع يداه, ورجلاه, ويُصلب على جذع نخلة، فيَطلب من الناس الاجتماع, حتى يحدثهم بفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلم يمهله الفسقة, حتى قطعوا لسانه([54]).

وهذا حجر بن عدي, يُؤخذ مقيّداً إلى الشام, ويحفر له القبر, ويفرش له النطع, ويُؤمر بسب أمير المؤمنين (عليه السلام), وإلا فالقتل, ومعه ابنه، فيختار ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويُقدّم ابنه, ليحتسبه عند الله تبارك وتعالى, ولئلا يعظم على الابن قتل أبيه فيتراجع، ثم قُدّم فقُتل صابراً محتسباً([55]).

وهذا عمار بن ياسر([56]), يقاتل في صفين على كبر سنه, ويقول: (والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل)([57]).

وأصحاب الحسين (عليه السلام) - وما أدراك ما أصحاب الحسين (عليه السلام)-، الذين لم يُر لهم نظير في الولاء, والصدق, والإخلاص, والتضحية، يُقدم أحدهم على الموت, وهو مبتسم، فيقال له: ما عهدناك هازلاً قبل اليوم, قال: (والله لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن والله اني لمستبشر بما نحن لاقون والله ان بيننا وبين الحور العين الا ان يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت انهم قد مالوا علينا بأسيافهم)([58]).

النتيجة السابعة: تأخر ركب الحضارة الإنسانية:

بحيث احتجنا إلى أربعة عشر قرناً, لكي نصنع الطائرة, والكومبيوتر, ونغزو الفضاء، وكان يمكن لهذه الأمور, وغيرها مما لم يصل إليه العقل الإنساني إلى الآن, أن تتحقق قبل مدة طويلة؛ لأن اليد الإلهية واضحة التأثير في قيادة ركب الحضارة البشرية, بفضل ما بثه الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من علوم، أو من خلال الإلهام والإيحاء، ولولا الرعاية الإلهية لما استطاع الإنسان أن يهتدي إلى أبسط الأمور، حتى دفن موتاه في التراب لا يعرفه، حتى بعث الله له غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه([59]).

وإن القرآن الكريم ليضم أسرار ومفاتيح العلوم كلها, فيه {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل:89)، فيشير إلى غزو الفضاء بالوسائل العلمية, {يَا مَعْشَـرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} (الرحمن:33)، وهو سلطان العلم, والتكنولوجيا، كل هذه الأسرار, ومفاتيح العلوم, كانت عند أمير المؤمنين (عليه السلام)([60]) علّمه إياه رسول الله (صلى الله عليه واله) (فحدثني بألف حديث يفتح كل حديث ألف حديث، حتى عرقت وعرق رسول الله (صلى الله عليه واله))([61]).

ولم يكن يحتاج إلى تطبيق معادلات, وقوانين احتمالية, أو يخوض تجارب طويلة حتى يصل الى الحقيقة، بل كانت الحقائق العلمية كلها حاضرة في ذهنه، يراها بالبصيرة, والوجدان رأي العين.

فحفر الكثير من الآبار, والعيون, وأوقفها للمسلمين في وقت كان الآخرون يعجزون عن التعرف على مواقع وجود الماء، فأين علم الجيولوجيا من هذه المعرفة الدقيقة, بطبقات الأرض, وما تحتها, من كنوز ومعادن.

وكان يقول: (لو شئت لجعلت لكم من الماء نورا ونارا)([62]), يقصد توليد الطاقة الكهربائية من شلالات الماء، وغيرها الكثير, في مختلف حقول العلم, والمعرفة.

ثم جاء أولاده (عليهم السلام) من بعده, ليبثوا ما تسمح به الحال, من علوم الكيمياء, والرياضيات, والفلك, والفيزياء, والنبات, والحيوان, وغيرها.

فإن قلتَ: إذن ما الذي حبسهم عن إعطاء هذه العلوم التي يحملونها إلى البشرية، وهي مسألة لا تتعلق بتسلمهم موقع القيادة والإمامة وعدمها؟.

قلتُ: إن التقدم المادي مرتبط تماماً بالتكامل الروحي, من خلال البناء الصحيح للعقيدة، ولا بد أن يتقدّما معاً.

وإن الأول بدون الثاني يصبح وبالاً على البشرية ويقودها نحو الدمار، كالذي نشاهده اليوم ممن يسمون أنفسهم بالقوى العظمى, والدول الكبرى، ولما كانت البشرية قد تخلفت, وتدنت في الجانب الثاني, وهو العقائدي والأخلاقي, فلا يمكن إعطاؤها من الجانب الأول, إلا بالمقدار الذي لا يكون خطراً عليها، هكذا اقتضت الإرادة الإلهية أن يلهم الإنسان بعض الأفكار, التي طورت حضارة البشر, ودلته على اكتشافات, وحقائق علمية مهمة في أوقاتها المناسبة، وبالشكل الذي يحفظ توازن المجتمع الإنساني {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)، ولو كانت مستحقة للمزيد بالتزامها بخط الخلافة الإلهية, لما بخل عليها الله تبارك وتعالى بالعطاء، فلا يغتر الإنسان ويظن أنه هو الذي يحقق ذلك، بل هو من إلهام الله تبارك وتعالى وإيحائه، وللعلماء والمكتشفين كلمات تدل على ذلك، ولو خليّ إلى نفسه لما عرف كيف يتخلص من موتاه بالدفن حتى علمه الغراب –كما ذكرنا-.

لماذا نحتفل بعيد الغدير؟

هذه بعض النتائج التي أفرزها عدم التزام الأمة بحديث الغدير، وإذا كانت الأمور تُعرف بأضدادها كما قالوا، فيمكن أن نعرف سمو المعاني والآثار التي نالها الملتزمون بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحق لهم أن يحتفلوا بهذا العيد الأغرّ, - أعظم عيد في الإسلام-، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام), هل للمسلمين عيد, غير يوم الجمعة, والأضحى, والفطر؟ قال: نعم أعظمها حرمة, قلت، وأي عيد هو, جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه واله), أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: >من كنت مولاه فعلي مولاه<)([63]).

وفي حديث أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال: (يا بن أبي نصر, أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فان الله تبارك وتعالى يغفر لكل مؤمن ومؤمنة, ومسلم ومسلمة, ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان, وليلة القدر, وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لاخوانك العارفين، فأفضل على إخوانك في هذا اليوم, وسرَّ فيه كل مؤمن ومؤمنة، ثم قال:... والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات)([64]).

لنأخذ الدرس في فهم أشكال المرجعية الدينية:

ونحن كما تعودنا في مثل هذه الكلمات, لا نستهدف فقط تثبيت العقيدة وترسيخها والدفاع عنها، وإن كان هذا في نفسه نفيساً، إلا أنه مما لا يقل عنه أهمية أخذ الدروس, والعبر منه، وهنا تكمن روح العلم والمعرفة، فالعلم بلا عمل وبلا استفادة منه في الحياة, لا قيمة له.

ونحن إذا توسعنا في فهم هذا الموضوع, فسنطبق هذه التجربة على كل رسالة إصلاحيّة, تعمل على هداية الناس, وتكميل نفوسهم كالمرجعية الشريفة, وهي لها شكلان:

الأول: المرجعية الفردية, التي يُقتصر عملها على استنباط الحكم الشرعي, من دون العمل على تطبيقه, ودفع المجتمع إلى امتثاله، والأمر راجع إلى المكلف, إن شاء طبق أو لا، ولا تتدخل إلا في حدود الشؤون الفردية, وما يبرئ ذمم المكلفين, كأفراد، وهو عمل ليس بالهين، وقد قاموا بجهود مضنية, حفظت لنا فقه آل محمد (عليهم السلام)، لكن هذا الشكل خارج عن موضوعنا، لانحسار دورها عن الإمامة الاجتماعية أصلاً.

الثاني: المرجعية الاجتماعية, التي لا تكتفي بمستوى النظرية، - أي مجرد التقنين والتشريع-، وإنما تعمل على تهيئة كل الفرص, واتخاذ مختلف الأساليب؛ لإقناع الناس بتطبيق الشريعة في كل تفاصيل حياتهم، وإذا لم تنفع وسيلة جربت أخرى.

وقد شبهت الأولى بالأمّ التي تهيئ الطعام لولدها المريض وتترك الباقي عليه، إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل، وقد لا يَعرف مصلحته فيموت جوعاً.

والثانية تشبه الأمّ التي لا تكتفي بإعداد الطعام، بل تُطيّبه وتعمل كل المرغبات, والمحفزات, لولدها كي يأكل, ويحفظ حياته, ويستعيد عافيته، ولا شك أن الثانية أرحم, وأرأف, وأكرم, وأصبر, من الأولى، أو قُل إنها أكثر اتصافاً بالأسماء الحسنى, التي ورد الحث على التخلّق بها.

المرجعية الحركية هي الأجدر:

وهذه المرجعية الثانية, هي الأكثر التصاقاً بالناس, وأعمق تأثيراً فيهم, والأكثر تعلقاً بهم، وهي الأجدر بتمثيل دور المعصومين (عليهم السلام)، فلا غرو أن تكون عرضة لطمع المتنافسين، فإذا تصدى لها غير المؤهل لها, وصنع (سقيفة) ثانية, لإبعاد مستحقيها، ترتبت كل أو بعض الآثار التي ذكرناها، ولا بدَّ أن نستفيد من تلك التجربة, لنكون واعين, وحذرين من تكرارها.

وقد ذكرنا في محاضرتين([65]), بمناسبة عيد الغدير عام (1421هـ), الأشكال الثلاثة, التي خطط بها رسول الله (صلى الله عليه واله) للخليفة من بعده، وكيفية تأسي المرجعية به (صلى الله عليه واله) في هذا المجال، ومسؤولية الأمة في صيانة هذا الموقع الشريف, والتمسك بأهله.

فيكون هذا البحث مكملاً له، ومما ذكرنا هناك, أن لهذا الموقع شروطاً, صنفتُها إلى ثابتة ومتحركة، والأولى, هي التي دأبت على ذكرها الرسائل العملية، أما المتحركة فتتغير تبعاً للظروف الموضوعية, التي تعيشها المرجعية.

 



([1]) محاضرة ألقاها سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على حشد من فضلاء وطلبة الحوزة العلمية, يوم: 25/ صفر/1423هـ- المصادف: 8/آيار/2002م, في مسجد الرأس الشريف, مجاور الصحن الحيدري المطهر, بمناسبة ذكرى وفاة رسول الله(صلى الله عليه واله).

([2]) بحار الأنوار- المجلسي: 22/534.- تأريخ الطبري- الطبري: 2/197.- سيرة بن هشام- ابن هشام: 4/ اليوم الذي قبض الله تعالى فيه نبيه الأكرم(صلى الله عليه واله).

([3]) أنظر: بحار الأنوار- المجلسي: 30/531 - المراجعات- السيد شرف الدين: 352._ وتأريخ الطبري أيضاً المجلد الثاني السنة الحادية عشر.

([4]) معاني الأخبار- الشيخ الصدوق: 79- الإرشاد- الشيخ المفيد: 1/184.

([5]) نهج الإيمان- بن جبر (من أعلام القرن السابع)- تحقيق السيد أحمد الحسيني: 577.

([6]) مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني: 45.

([7]) أن يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء, وآوى المغنين, وأظهر الفتـك, وشرب الخمر. الأغاني- أبو فرج الأصفهاني: 17/301.- وللمزيد أنظر: تأريخ الطبري المجلد الثالث- سيرة الأئمة- هاشم معروف الحسني: 2. منتهى الآمال- عباس القمي: 1/الباب الخامس.- معالم المدرستين- مرتضى العسكري: 5/يزيد في أفعاله وأقواله.

([8]) السيرة النبوية- ابن هشام: 1/٤٢٥, من طبعة مصطفى البابي. وفي طبعة المدني: 2/٢٨٩.- تاريخ الطبري- الطبري: 2/35.- سير أعلام النبلاء- الذهبي: 1/35.

([9]) مناقب آل أبي طالب- ابن شهر آشوب: 1/220.

([10]) أنظر: بحار الأنوار- المجلسي: 30/531 - المراجعات- السيد شرف الدين: 352.

([11]) السيرة النبوية لابن هشام: ج4/ أمر الرسول بإيفاد بعث أسامة.

([12]) أنظر: الطبقات الكبرى- ابن سعد: 2/242. بحار الأنوار- المجلسي: 30/531 - المراجعات- السيد شرف الدين: 352._ وتأريخ الطبري أيضاً ج12/ السنة الحادية عشر.

([13]) يَسْتَقِيلها: يطلب إعفاءه منها.

([14]) تشطرا ضرعيها: اقتسماه فأخذ كلّ منهما شطراً، والضرع للناقة كالثدي للمرأة.

([15]) كَلْمُها: جرحها، كأنه يقول: خشونتها تجرح جرحاً غليظاً.

([16]) العِثار: السقوط والكَبْوَةُ.

([17]) الصّعْبة من الابل: ما ليستْ بِذَلُول.

([18]) أشْنَقَ البعير وشنقه: كفه بزمامه حتى ألصق ذِفْرَاه (العظم الناتىء خلف الاذن) بقادمة الرحل.

([19]) تَقَحّمَ: رمى بنفسه في القحمة أي الهلكة.

([20]) خَبْط: سير على غير هدى.

([21]) الشِّماس ـ بالكسر ـ: إباء ظَهْرِ الفرسِ عن الركوب.

([22]) الاعتراض: السير على غير خط مستقيم، كأنه يسير عَرْضاً في حال سيره طولاً.

([23]) شرح نهج البلاغة- ابن أبي الحديد: 1/151.

([24]) شرح نهج البلاغة- ابن أبي الحديد: 1/182.

([25]) أنساب الأشراف- البلاذري: 1/100.- الفتح الرباني- الإمام الشوكاني: 8/800.

([26]) كنز العمال- المتقي الهندي: 2/569.- إتحاف المهرة- ابن حجر العسقلاني: 12/322.

([27]) الأمالي- الشيخ الصدوق: 254.- مسند أبي يعلى- أبو يعلى الموصلي: 12/229.

([28]) الطبقات الكبرى- ابن سعد: 2/242.- صحيح البخاري- البخاري: 1/34/ح114.

([29]) نهج البلاغة- الشيخ محمد عبده: 2/157.

([30]) نهج البلاغة- الشيخ محمد عبده: 2/171.

([31]) أنساب الأشراف- البلاذري: 1/100.- الفتح الرباني- الإمام الشوكاني: 8/800.- الغدير- الاميني: 7/177.

([32]) الكافي- الشيخ الكليني:5/448.

([33]) مالك بن نويرة, الحنفي, اليربوعي, من أرادف الملوك, ومن شجعان عصره, وفصحائهم, وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله), ومن خُلّص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، انتظر بقومه بعد وفاة الرسولصلى الله عليه واله إلى أن يتبين موقف أمير المؤمنينعليه السلام فأرسل أبو بكر إليهم خالد بن الوليد فغدر بهم وقت الصلاة وأمر بقتل مالك حين رأى جمال امرأته. الكنى والألقاب- الشيخ عباس القمي: 1/42.

([34]) الطبقات الكبرى, متمم الصحابة, الطبقة الرابعة- ابن سعد:٥٣٥.- أسد الغابة- ابن الأثير: 2/95.- البداية والنهاية- ابن كثير: 6/٣٥٤.

([35]) الفصول المهمة في معرفة الأئمة- ابن الصباغ: 1/348.- تاريخ الطبري- الطبري: 3/543.- الكامل في التاريخ- ابن الأثير: 3/276.

([36]) مسند احمد- احمد بن حنبل: 5/411.- تحف العقول- ابن شعبة الحراني: 34.

([37]) صحيح مسلم - مسلم النيسابوري: 3/331/ح38.- الفتوح- ابن أعثم الكوفي: 5/12.

([38]) بحار الأنوار- المجلسي: 31/399.

([39]) في الطبقات الكبرى: (إنّ عبد الرحمن بن عوف تُوفّي، وكان فيما ترك ذهبٌ؛ قُطّع بالفؤوس حتى مَجِلَت - أي ثخُن جلدُها وظهر فيها ما يشبه البَثَر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة- أيدي الرجال منه. وترك أربع نسوة، فأُخرجت امرأة من ثُمنها بثمانين ألفاً). الطبقات الكبرى- ابن سعد: 3/136.- أُسد الغابة- ابن الأثير: 3/480.- البداية والنهاية- ابن كثير: 7/164.

([40]) قال المسعودي: (خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس, غير ما خلف من الأموال, والضياع, بقيمة مائة ألف دينار). مروج الذهب:1/434.- الغدير- الأميني: 8/284.

([41]) (أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مئة ألف درهم حتى يضع حديثا في أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ 204 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} {البقرة:205}, إنها نزلت في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام), وأن الآية الثانية, نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} {البقرة:207}، فلم يقبل، فبذل له مئتيّ ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمئة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمئة ألف فقبل، وروى ذلك). شرح نهج البلاغة- ابن أبي الحديد: 4/73.

([42]) بحار الأنوار- المجلسي: 6/315.

([43]) أنظر: محلق القبس/109 {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القرآن مَهْجُورًا} {الفرقان:30} من نور القرآن:3/284.

([44]) بحار الأنوار- المجلسي: 82/260.- المصباح- الكفعمي: 552.

([45]) بحار الأنوار- العلامة المجلسي: 48/131.

([46]) انساب الأشراف- البلاذري: 100.- مناقب آل أبي طالب- ابن شهر آشوب: 1/311.- الفتح الرباني- الإمام الشوكاني: 8/800.

([47]) نسب الاستدلال إلى الخليل الفراهيدي (ر ح). أنظر: الأعلام من الصحابة والتابعين- حسين الشاكري: 8/6. وقريب من ذلك ما رويَّ عن الحارث بن المغيرة قال: (قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): بأي شيء يُعرف الإمام؟ قال بالسكينة والوقار،... وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه، ولا يحتاج إلى أحد) كتاب الغيبة- النعماني: 1/247.

([48]) نص (إنجيل برنابا)- سيف الله أحمد فاضل: 76.

([49]) أنظر: جامع أحاديث الشيعة- السيد البروجردي: 1/134.

([50]) أنظر: الكامل في التاريخ- ابن الأثير: 2/329.- خلاصة عبقات الأنوار- حامد النقوي: 3/300.

([51]) أنظر: البداية والنهاية- ابن كثير: 7/127.- تاريخ الطبري- الطبري: 3/221.

([52]) (أن هشام بن عبد الملك حج في بعض السنين فطاف حول البيت وحاول أن يلمس الحجر الأسود فلم يجد لذلك سبيلاً من كثرة الزحام.. وفي ما هو ينظر إلى الناس إذ أقبل الإمام زين العابدين وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرَجاً.. فانفرج له الناس عنه ووقفوا له إجلالاً وتعظيماً حتى إذا استلم الحجر وقبله والناس وُقّفٌ ينظرون إليه وكأنما على رؤوسهم الطير فلما مضى عنه عادوا إلى طوافهم، هذا وهشام بن عبد الملك ومن معه من أهل الشام يرون كل ذلك ونفس هشام يعبث فيها الحقد والحسد.، وفي هذه الحادثة قال: الفرزدق أبياته المشهورة والتي مطلعها:

        هذا الذي تعرف البطحاء وطأته   هذا ابن خـيرِ عادِ اللهِ كلهمُ

والبيتُ يعـرفهُ والحِـلُّ والحرمً          هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

أنظر: اختيار معرفة الرجال– الطوسي:121.- الإختصاص- الشيخ المفيد:191. والإرشاد: 2/150.- المناقب- ابن شهرآشوب: 4/169.- الأغاني‌- أبو الفرج الأصفهاني: 15/217.

([53]) نقل الرواة عن ضرار بن ضمرة, أنه دخل على معاوية يوماً, (فقال له: يا ضرار صف لي علياً، فقال له: اعفني يا معاوية، فقال له: لا أعفيك، فقال له ضرار: أما إذا كـان ولا بـد مـن ذلك، فقد كان والله بعيد المدى شديد القوى… إلى أن قال: ونحن والله مع قربه منا ودنوه إلينا لا نكلمه هيبة له ولا نبتدئه لعظمه في نفوسنا...). بحار الأنوار- المجلسي: 33/275.

([54]) إن عبيد الله بن زياد قال لميثم التمار بعد أن قبض عليه: تبرأ من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال له: فإن أنا لم افعل؟ قال: إذن والله لأقتلك، قال: لقد أخبرني مولاي أنك ستقتلني مع تسعة أخر على باب عمرو بن حريث، قال ابن زياد: لنخالفنه كي يظهر كذبه، قال ميثم: كيف تخالفه، فوالله ما أخبر إلا عن النبي (صلى الله عليه واله), عن جبرئيل, عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء؟ ولقد عرفتُ الموضع الذي أصلب فيه وأين هو من الكوفة وأنا أول خلق الله أُلجم في الإسلام، فلما رُفع على الخشبة, اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول: إني مجاورك، فأمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره، فجعل ميثم يحدث بفضائل أهل البيت (عليهم السلام), ومثالب بني أمية وما سيصيبهم من القتل والانقراض، فقيل لابن زياد قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فألجموه كي لا يتكلم, فجاءه في اليوم الثالث, لعين بيده حربتين, وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك إلا قوّاماً صوّاماً، ثم طعنه في خاصرته فأجافه- أي حصل جوف في خاصرته من الطعنة- ثم انبعث منخراه دماً في آخر النهار فخضب لحيته بالدماء واستشهد قبل قدوم الإمام الحسين (عليه السلام) إلى العراق بعشرة أيام. بحار الأنوار- المجلسي: 42/124.

([55]) حجر بن عدي الكندي الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين ومن الإبدال كان أميراً على بني كنده من قبل أمير المؤمنينعليه السلام في معركة صفين وكان أمير الجيش يوم النهروان، وقد استشهد حجر وجمع من أصحابه بسعاية زياد بن أبيه وبحكم معاوية بن أبي سفيان سنة إحدى وخمسين للهجرة.

([56]) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم ابن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر، يرجع نسبه الى يعرب بن قحطان، ويكنى أبا اليقظان: تقدم إسلامه ورسول الله (صلى الله عليه واله) بمكة، وهو معدود في السابقين الأولين من المهاجرين، وممن عُذب في الله بمكة. أسلم هو وأبوه وأمه سمية، وهي أول شهيدة في الإسلام، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فقتلها، ومر النبي (صلى الله عليه واله) وهم يعذبون. فقال: (اصبروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة). وشهد عمار مع رسول الله (صلى الله عليه واله) بدراً, وأحداً, والخندق, ومشاهده كلها، ونزل فيه آيات من القرآن. شهد عمار صفين وهو ابن تسعين سنة، وأنه يوم صفين أتى بلبن فشربه ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لي: (هذه آخر شربة تشربها من الدنيا). ثم تقدم فقاتل حتى قتل "من قبل جيش معاوية بصفين وكان" مع علي بن أبي طالب سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة ودفن هناك. تاريخ بغداد- الخطيب البغدادي: 1/161.

([57]) الاختصاص- الشيخ المفيد: 14.

([58]) وهو برير بن خضير الهمداني: كان زاهداً عابداً سيد القراء ومن أشراف الكوفة. أنظر: مقتل الحسين (عليه السلام)- أبو مخنف: 115.- أعيان الشيعة- السيد محسن الأمين: 3/561.

([59]) إشارة إلى قصة ابني آدم (عليه السلام), هابيل وقابيل، وذلك عندما قتل قابيل هابيل, قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30 فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} {المائدة:31}.

([60]) وإن شئت الاطلاع على ما كان يمكن أن يقدمه, علي وبنوه (عليهم السلام) ليقدموا ركب الحضارة الإنسانية, وليوفروا لها السعادة, والحياة الطيبة, فراجع عدة كتب ألفت في هذا المجال، أنظر: مثلاً بحوث في الملل والنحل- جعفر السبحاني: 6/525/ الفصل الثاني عشر (دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية وازدهار العلوم).

([61]) الخصال- الشيخ الصدوق: 642.- بحار الأنوار- المجلسي: 26/29.

([62]) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)- الريشهري: 10/302.

([63]) الكافي- الشيخ الكليني: 4/149.

([64]) تهذيب الأحكام- الشيخ الطوسي: 6/25.

([65]) يأتي في ملحق القبس/34 {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة:67), ص395, وقد طبع كمقدمة لكتاب أصل الشيعة وأصولها للشيخ كاشف الغطاء, أيضاً.