القبس/40(ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ) سورة الأعراف:43

| |عدد القراءات : 71
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ)

وبابك مفتوح للسائلين:

نعم الله تعالى على الانسان كثيرة لا تعد ولا تحصى قلما يلتفت اليها سواء كانت مادية او معنوية، ومن تلك النعم المعنوية إمكانية الاتصال بالله تعالى متى شئت فلا يغلق بابه على عباده مطلقاً، فان شئت أن تصلي قمت وتوضأت ودخلت في الصلاة، وكذلك إن شئت ان تصوم او تدعو او تسجد او تقرأ القرآن او تزور الائمة المعصومين (عليهم السلام) وغير ذلك ولا تحتاج في ذلك الى أي واسطة، هذه النعمة يذكرّنا بها الامام السجاد (عليه السلام) في الدعاء المعروف بدعاء ابي حمزة في ليالي شهر رمضان (الْحَمْدُ للهِ الَّذي اُناديهِ كُلَّما شِئْتُ لِحاجَتي، وَاَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ، لِسِرِّي بِغَيْرِ شَفيع فَيَقْضى لي حاجَتي)([1]).

وفي نفس الدعاء يقول (عليه السلام) (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اَدْعوُهُ فَيُجيبُني وَاِنْ كُنْت بَطيـئاً حينَ يَدْعوُني، وَاَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اَسْأَلُهُ فَيُعْطيني وَاِنْ كُنْتُ بَخيلاً حينَ يَسْتَقْرِضُني .. اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا اَدْعُو غَيْرَهُ وَلَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لي دُعائي)([2]).

هذه واحدة من صفات ربنا ومولانا وهكذا نحن بالمقابل، فنعم الرب ربنا ونسأله تعالى ان لا نكون بئس العبيد نحن.

وقد تكرر هذا المعنى في كلمات الامام السجاد (عليهم السلام)، روى الاصمعي انه كان يطوف بالبيت الحرام فرأى شاباً متعلقاً بأستار الكعبة في جوف الليل وهو يدعو وكان من دعائه (نَامَتِ الْعُيُونُ، وَ غَارَتِ النُّجُومُ، وَ أَنْتَ الْمَلِكُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، غَلَّقَتِ الْمُلُوكُ أَبْوَابَهَا، وَ أَقَامَتْ عَلَيْهَا حُرَّاسَهَا، وَ بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلسَّائِلِينَ)([3]).

كيف نعرف عظمة نعمة مناجاة الله تعالى؟

وإذا كانت الأمور تعرف بأضدادها فلكي تعرف عظمة هذه النعمة تصور لو انكم كنتم جماعة واتيتم للصلاة في المسجد فقيل للآخرين أدخلوا وقيل لك أنت ممنوع من الدخول، وأنت لست أهلاً للصلاة والدعاء والمناجاة، كم تكون حسرتك وفضيحتك وحياؤك، هذه الحالة التي يعبر عنها الامام السجاد (عليه السلام) في دعائه (مالِي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابِينَ مَجْلِسِي عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ أَزالَتْ قَدْمِي وَحالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ، سَيِّدِي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَنِي وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفا بِحَقَّكَ فَأَقْصَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأيْتَنِي مُعْرِضا عَنْكَ فَقَلَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَنِي فِي مَقامِ الكاذِبِينَ فَرَفَضْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي غَيْرَ شاكِرٍ لِنَعْمائِكَ فَحَرَمْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلْتَنِي او ....)([4]).

وكان الائمة (عليهم السلام) يعلّمون امتهم الخشية من حصول هذه الحالة لهم، روى الشيخ الصدوق بسنده عن مالك ابن انس امام المذهب المالكي قوله في الامام الصادق (عليه السلام) (( وكان من عظماء العبّاد واكابر الزهّاد الذي يخشون الله عز وجل، ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد ان يخرَّ من راحلته فقلت:قل يا ابن رسول الله ولابد لك من ان تقول فقال:يا ابن ابي عامر كيف اجسر ان اقول لبيك اللهم لبيك واخشى ان يقول عز وجل لي لا لبيك ولا سعديك)) ([5]).

هذه النعمة العظيمة يحسدنا عليها أبليس لأنه يعرف عظمتها وتشتد حسرته كلما رأى الطائعين لله تعالى لذلك يبذل كل وسعه لغواية بني آدم وسلب هذه النعمة منهم، روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:( أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء، فما أحسن  الرجل يغتسل أو يتوضّأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحّى حيث لا يراه أنيس فيشرف الله عليه وهو راكع أو ساجد، إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس:يا ويله، أطاعوا وعصيت، وسجدوا وأبيت)([6]).

نماذج من عدم التوفيق لطاعة الله تعالى:

وهكذا كثير من الخلق غير موفقين لطاعة الله تبارك وتعالى حتى اليسير منها ويجدون كأن قيوداً وأغلالاً تُكبّلهم عن الطاعة، كبعض سادة قريش الذين كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يدعوهم الى النطق بالشهادتين ويقول لهم قولوا كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان فيقولون:(لو كلفّتنا بنقل الجبال عن موقعها فأنه أهون علينا من هذه الكلمات).

وامثلة هؤلاء كثيرون كامرأة سافرة اثقل شيء عليها ان ترتدي الحجاب بينما الفاطميات الزينبيات يحرصن على تمام الحجاب والعفاف، او شخص لا يصلي يكون اثقل شيء عليه تذكيره بالصلاة او شخص متمّول يكره كل من يطلب منه اخراج حقوقه الشرعية بينما يبادر المؤمنون الموفقون الى دفع ما بذمتهم فورا ويزيدون.

فأعرفوا هذه النعمة واشكروا الله تعالى الذي وفقكم لهذه الطاعات ولولا لطفه تبارك وتعالى لحرمنا منها كغيرنا، وهذا هو دعاء المؤمنين الفائزين يوم القيامة {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:43).

ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام):

وخذ مثالاً اخر ما يعرض اليوم على الشاشات الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات المعلومات من الحجج البالغة والبراهين الواضحة على إمامة وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيت النبي(صلى الله عليهم أجمعين) التي هي تمام نعمة الاسلام وكمال الدين ويتقين بصدقها كثيرون لكنه لا يتمكن من الايمان والاذعان ويحس بثقل الاقرار بالولاية على قلبه ويقول بعضهم لا أقولها حتى لو دخلت جهنم، بينما أنتم الموالون تكون هذه الشهادة عندكم أحلى من العسل وأمرأ من اللبن.

روى الكليني بسنده عن ابي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية قال:(إذا كان يوم القيامة دُعي بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) وبأمير المؤمنين والأئمة من ولده فينصبون للناس، فإذا رأتهم شيعتهم (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله) يعني:هدانا الله في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده (عليهم السلام))([7]).

وفي الاحتجاج للطبرسي في خطبة الغدير:(مَعاشِرَ النّاسِ .. سَلِّمُوا عَلى عَلِيٍّ بِإمْرَةِ الْمُؤْمِنينَ .. وَقُولُوا:الْحَمْدُ للهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ)([8]).

ولم تكن هذه الهداية ممنوحة اعتباطاً لعبد وحرم منها اخر فأن ذلك كله ينافي عدالته ورحمته ولطفه، ولا هي بالاجبار والاكراه وإلا لبطل الثواب والعقاب ولما تقدم المحسن على المسئ وإنما هي بالاختيار والارادة لكن الله تعالى بلطفه يسّر أسباب الطاعة لعبده وآتاهُ الوسائل والأدوات التي تمكنه منها وزينها له وما على العبد إلا أن يختارها ويسعى اليها  {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ، فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحجرات:7-8).

 

 

 

 



([1]مفاتيح الجنان :219.

([2]نفس المصدر.

([3]بحار الانوار :96/ 197 ح 11.

([4]الصحيفة السجادية (ابطحي) / ٢٢٢

([5]بحار الانوار :47/ 16 عن الخصال وعلل الشرائع وروضة الكافي.

([6]وسائل الشيعة: ٤/39.

([7]الكافي : 1/346 ح33.

([8]) الفرقان : 11/34 عن نور الثقلين :2/31.