القبس/45(وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ) سورة الأعراف:157 - القرآن نور

| |عدد القراءات : 78
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

(وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ)

موضوع القبس:القرآن نور

القرآن نور:

لقد وصف القرآن الكريم نفسه بأوصاف كثيرة([1]) منها انه (نور) قال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (المائدة:15), وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (النساء 174), وقال تعالى {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157), {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى:52).

وقد ورد في الاحاديث الشريفة مثل ذلك, عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال (إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين) وعنه (صلى الله عليه واله وسلم) قال (عليك بتلاوة القرآن, فانه نور لك في الارض وذخر لك في السماء) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن (واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور)([2]) ومن دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) عند ختم القرآن (وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه)([3]).

القرآن ينير طريق الهداية:

ويُعرَّف النور في معاجم اللغة بانه (ما كان ظاهراً بنفسه ومُظِهر للأشياء الأخرى)([4]) فإن العين لا ترى ولا تكتشف ما حولها إلا إذا سقط عليها الضوء وانتقل الى العين, وهذا هو دور القرآن الكريم فإنه ينير طريق الهداية والايمان والصلاح والسعادة {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام:122), فمن اهتدى بنوره كان من المفلحين كما في سورة الاعراف المتقدمة, لأن فيه مصابيح النور, عن الامام الحسن (عليه السلام) قال (إن هذا القرآن فيه مصابيح النور)([5]).

وهذا وصف طبيعي للقرآن لأنه يتضمن بيان كل ما يقرّب الى الله تعالى من الطاعات التي هي كالمصابيح التي توّلد النور, قال تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9) وأشرف تلك المصابيح واشدها ضياءاً رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال تعالى {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الأحزاب:46).

نور الولاية:

وولاية امير المؤمنين وأهل البيت (عليهم السلام) واتباعهم نور, ورد في تفسير قولـه تعالى {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} (الأعراف:157) في الكافي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال:(النور في هذا الموضع امير المؤمنين والائمة (عليهم السلام)([6]) ومثله في تفسير علي ابن ابراهيم والعياشي عن الامام الباقر (عليه السلام) مثله.

وفي موضع اخر عن الامام الباقر (عليه السلام) قال (فالذين امنوا به) يعني بالامام (وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، يعني الذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها، والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان، والعبادة طاعة الناس لهم)([7]قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ اَلسِّرَاجِ فِي اَلظُّلْمَةِ يَسْتَضِي‏ءُ بِهِ مَنْ وَلَجَهَا) ([8]).

نور التقوى:

والتقوى نور قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الحديد 28).

وبصورة عامة فان الدين والرسالة السماوية بما تضمنت من عقائد واحكام واخلاق هي مصدر النور، قال تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف:8) وعن امير المؤمنين (عليه السلام) قال (الدين نور)([9]).

أنوار العبادات والطاعات:

وقد ورد في روايات ذكر بعض تلك المصابيح كأداء الصلاة المفروضة خصوصاً في أوقات فضيلتها، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال:(الصلاة نور)([10]), ومناسك الحج نور قال (صلى الله عليه واله وسلم) (إذا رميت الجمار كان لك نوراً يوم القيامة)([11])، وكل عمل فيه اعزاز الدين ونصره نور، قال (صلى الله عليه واله وسلم) (من رمى بسهمٍ في سبيل الله  فبلغ أخطاء أو أصاب كان سهمه ذلك, كعدل رقبة من ولد إسماعيل. ومن خرجت به شيبة في سبيل الله, كان له نوراً يوم القيامة)([12])، ومن اجتنب ظلم الآخرين بكل أشكال الظلم والتجاوز والتعدي أعطاه الله نوراً، قال (صلى الله عليه واله وسلم) (لا تظلم أحداً تُحشر يوم القيامة في النور)([13])، وصلاة الليل وسائر الطاعات والعبادات عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم):صلاة الليل نور)([14])، ومما يوجب النور تجديد الطهور في غير أوقات الصلاة، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(الوضوء على الوضوء نورٌ على نور)([15])، واستنقاذ حقوق الاخرين نور عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال (من شهد شهادة ليحيي بها حق امرئ مسلم اتى يوم القيامة ولوجهه نور مدًّ النضر يعرفه الخلق باسمه ونسبه)([16]) ومما يوجب النور الشيب في طاعة الله تعالى، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:(ما رأيت شيئاً أسرع إلى شيء من الشيب إلى المؤمن، وإنّه وقارٌ للمؤمن في الدنيا، ونورٌ ساطعٌ يوم القيامة)([17]) وهكذا.

الحذر من وادي الذنوب وقطّاع الطريق المعنوي:

إن الانسان في هذه الدنيا لابد ان يكون له منهـج يسير عليـه وغايـة يسعـى لتحقيقها، وإنما يحصد النتائج بحسب نوع المنهج وراسمه والمخطط له، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (الا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضئ بنور علمه)([18]) ولأن في القرآن مصابيح النور، ولا يستطيع الانسان أن يتقدم إلا بضياء ينير له الدرب وإلاّ كان كمن يسافر في الصحراء في ليلة مظلمة بلا دليل فيكون معرضاً لعدة أخطار:حيوانات مفترسة تمزّقه، أو لصوص وقطّاع طرق يقتلونه ويسلبونه، أو آبار وأودية يهوي فيها، أو يضل الطريق ويتيه وينفد ما عنده من ماء وطعام، وهذه هي الأخطار التي يواجهها من لا نور معه في حياته المعنوية فتفترسه الذئاب البشرية وقطّاع الطرق ليسرقوا دينه وإنسانيته فيهوي في وادي الذنوب السحيق ويحرم من الزاد ليوم المعاد وهو التقوى.

عليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع:

وقد دل الله تعالى على النور الذي يهدي به الانسان في حياته ويميز به الصواب في سائر اموره وما احوج الانسان الى مثله لينقذه من التخبط والضياع والمزالق، وذلك بالتقوى قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الحديد:28)، وما الذي يهدي الى التقوى ويحصلها انه القران الكريم قال تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:2)، لذا أُمرنا باتخاذ القرآن إماماً وقائداً وهادياً، فمن اراد أن يكون له فرقان في الدنيا يميز به بين الحق والباطل وينير بصيرته ويأخذ بيده على الصراط المستقيم فليجعل القرآن إماماً له وقائداً يقتبس من نور مصابيحه قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (فاذا التبست الامور عليكم كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن, فإنه شافع مشفع, وماحل مصدَّق, ومن جعله أمامه قاده الى الجنة, ومن جعله خلفه قاده الى النار)([19]) وإنما يجعله أمامه باتباعه والعمل بما فيه والاستضاءة بنوره, ويجعله خلفه باستدباره والاعراض عما فيه وعدم الاعتناء بأوامره ونواهيه.

وقال (صلى الله عليه واله وسلم) (علَيكُم بالقرآنِ، فاتَّخِذُوهُ إماماً وقائداً)([20]) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة القرآن (ونوراً ليس معه ظلمة).

تجلي الأنوار الإلهية:

وقد يتجلى هذا النور الباطني المعنوي الذي يهدي البصائر من خلال نورٍ ظاهري تكتشفه الحواس وتهتدي به، سئل الامام زين العابدين (عليه السلام) مابال المتهجدين بالليل من احسن الناس وجها؟ قال (عليه السلام) (لانهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره)([21]).

وروى صاحب مفاتيح الجنان عن امير المؤمنين (عليه السلام) حادثة مباغتة جيش المشركين لسرية المسلمين في الليل وهم نيام فلم يتبيّن المسلمون الامر حتى يعرفوا ما يفعلون وكاد العدو يستأصلهم واذا بأضواء تسطع من افواه اربعة منهم كانوا يحيون الليل بالعبادة وتلاوة القرآن تضيئُ معسكر المسلمين فتمدهم بالقوة والشجاعة وواجهوا المشركين وقتلوهم فلما رجعوا قصوا على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ما وقع. قال (صلى الله عليه واله وسلم) (ان هذه الانوار قد كانت لما عمله اخوانكم هؤلاء من اعمال في غرّة شعبان)([22]).

تنوّروا بالقرآن ليكون معيناً لكم يوم فقركم:

هذا النور الذي تقتبسه في الدنيا ستكون أحوج شيء اليه في حياة ما بعد الدنيا إلى القيامة ففي القبر حيث الوحشة والظلمة سينير القرآن لأهله، من دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) (ونوّر به قبل البعث سُدَفَ قبورنا، ونجّنا به من كلّ كرب يوم القيامة وشدائد أهوال الطامة)([23])، وما أحوجنا إلى النور في يوم القيامة ليضيء لك طريق النجاة ونتوقى مزالق الهلكة, قال تعالى في وصف أحوال يوم القيامة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد12-13), وورد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في تفسير الآية قال (ثم يقول - يعني الرب تبارك وتعالى - ارفعوا رؤوسكم, فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم, فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه, ومنهم من يُعطى نوره اصغر من ذلك, ومنهم من يُعطى نوره مثل النخلة بيده, ومنهم من يُعطى أصغر من ذلك ,حتى يكون آخرهـم رجلاً يُعطـى نـوره علـى إبهـام قدمـيه يضيئ مرة ويُطفأ مرة)([24]).

فليهيئ الإنسان في هذه الدنيا أكثر ما يستطيع من مصابيح النور([25]) ليوم القيامة بما يكتسبه من الطاعات ويجتنبه من المعاصي،  إلهي هَبْ لي كَمالَ الْانْقِطاعِ إلَيكَ وَ أَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبِنا بِضياءِ نَظَرِها إِلَيكَ حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ وَ تَصيرَ أرْواحُنا مُعَلَّقَةً بعِزِّ قُدْسكَ([26]).



([1]ملحق شكوى القرآن, من نور القرآن: 3/284

([2]تجد هذه الروايات ومصادرها في ميزان الحكمة :9/177-184.

([3]الصحيفة السجادية:115.

([4]لسان العرب- ابن منظور: 5/240

([5]بحار الأنوار- المجلسي: 75/112

([6]الكافي :1/150/ ح2.

([7]الكافي :1/355/ ح83.

([8]نهج البلاغة: 127/خطبة187,- ميزان الحكمة- الريشهري: 10/339

([9]غرر الحكم :213.

([10]مستدرك الوسائل- المحدث النوري: 3/92

([11]ميزان الحكمة- الريشهري: 4/3390

([12])عوالي اللئالي- الشيخ الأحسائي: 1/84/ح10

([13]ميزان الحكمة- الريشهري: 2/1772

([14]بحار الأنوار- العلامة المجلسي: 41/17

([15]وسائل الشيعة:1/265 /ح8.

([16]الأمالي- الشيخ الصدوق: ٥٧٠/ح4

([17]أمالي الطوسي:699، ح1492.

([18]نهج البلاغة: 70/ كتاب45

([19]راجع المصادر في ميزان الحكمة :7/237-240.

([20]ميزان الحكمة - الريشهري:٣ / ٢٥١٨

([21]علل الشرائع :366 / ح1.

([22]مفاتيح الجنان:296 اعمال اليوم الاول من شعبان.

([23]الصحيفة السجادية الكاملة: 206

([24]الدر المنثور- السيوطي: 6/256

([25]) راجع قبس/95 {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:124), من نور القرآن: 3/139

([26]مفاتيح الجنان:296 من المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين (عليه السلام).