ملحق: قوى الشباب غنيمة للفرد والأمة

| |عدد القراءات : 73
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

ملحق: قوى الشباب غنيمة للفرد والأمة

نِعمُ الله تعالى على الإنسان كثيرة، ومنها نعمة الفتوة والشباب بما تعني من حيوية ونشاط، وصحة وعافية، وقوة إرادة وسعة طموح وعواطف جياشة وغرائز متدفقة وحماس واندفاع وصفاء ونقاء وأريحية وذهن وقّاد، وغيرها من القوى وهذه القوى مشمولة بأمر الله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال:60) والقوة المطلوب إعدادها تكون ملائمة للعدو المقصود، فهذه القوى مما يُعدُّ لمواجهة النفس الأمّارة بالسوء (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)[1] والشيطان، قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (يوسف:5).

إن الصفات والخصائص التي ذكرناها للشباب توفّر فرصة واسعة للتكامل مع ما فيه من مضاعفة الأجر والثواب والمحبة الإلهية التي اختص بها الشباب، ففي الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها واهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صدّيقاً)([2]).

فهذه المرحلة من العمر من أعظم النعم على الإنسان واهم الفرص التي تتاح له لذا وردت الوصية باغتنامها، فمن وصية النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لأبي ذر ( يا أبا ذر:اغتنم خمساً قبل خمس:شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)([3]) ومن الملاحظ أن هذه الخمسة كلها متوفرة عند الشباب غالباً فهو قوي البدن صحيح معافى، وغني لأنه مكفول المعيشة في أسرته، وعنده فراغ من المسؤولية، لكن هذه الفرص تقل بمرور الزمان فتزداد مسؤوليته ومشاغله ومشاكله ومعوّقات التكامل وتضعف قواه.

لكن أكثر الشباب لا يلتفتون إلى هذه الغنيمة ولا يستثمرونها، ويضيعون هذه النعم في أمور تافهة وربما محرّمة، ولا يعطون هذه الثروة العظيمة حقها وقدرِها، فتارة يعبّرون عن فتوتهم وشبابهم بالتمرد على المجتمع أو الانخراط في جماعات العنف أو الخروج عن النظام العام، أو يوظّفون طاقاتهم المتدفقة  في فعاليات جنونية وهو ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في بعض خطبه قال:( الشباب شعبة من الجنون)([4]) أو يعتنقون بعض الدعوات الضالة فينساقون وراء أصحابها من دون روّية أو تدبّر في محتواها أو عواقبها.

وهذا كله له أسبابه فمنها ما يعود إلى أولياء الأمور وقادة الأمة والبلاد إذ لا يوجد لهم اهتمام بهذه الشريحة المهمة والواسعة ولا يضعون برامج لتوجيههم وإرشادهم والاستفادة منهم في العمل المثمر.

ومنها ما يعود إلى الشاب نفسه، حينما يستسلم لهواه وعواطفه وشهواته وغروره واعتداده بنفسه ونشوته بما فيه من صحة وفراغ وتوفر لمتطلبات الحياة، قال الشاعر:

إن الفراغ والشباب والجدة            مفسدة للمرء أي مفسدة([5])

ومن كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) ( أصناف السكر أربعة:سكر الشباب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك)([6]) فللشباب نشوة وغرور وطيش يطغى على العقل ويسكر صاحبه فيرتكب الحماقات وينساق وراء الشهوات، والى أن يصحو من هذا السكر، فيكون قد فقد الكثير وتورط في أمور يصعب تلافيها، وقد يقسو قلبه فلا يكون قابلاً للإحياء بالموعظة والنصيحة، ولذا يجب على الشباب العودة وبسرعة إلى طريق الهداية ليقللّوا من الخسائر وليحظوا بالمحبة الإلهية ففي الحديث النبوي الشريف ( إن الله يحب الشاب التائب)([7])، قال تعالى:(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف:13).

لقد أحاط الأئمة المعصومون (عليهم السلام) هذه الشريحة من الأمة بتوصيات كثيرة، لاجتذابهم واحتضانهم وخلق الأجواء والمشاريع المناسبة ليعبروا عن وجودهم وأهميتهم ويستفرغوا طاقاتهم، فأوصوا بمشاورتهم والاستئناس بآرائهم وإشراكهم في القرار بما يعرف اليوم بـ(برلمان الشباب) كفكرة بغض النظر عن تطبيقها، فمن وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال ( إذا احتجت إلى المشورة في أمر قد طرأ عليك فاستبدهِ ببداية الشبان فإنهم أحدُّ أذهاناً وأسرع حدساً، ثم ردّه بعد ذلك إلى رأي الكهول والشيوخ ليستعقبوه، ويحسنوا الاختيار له فإن تجربتهم أكثر)([8]).

يسأل الإمام الصادق (عليه السلام) أحد أصحابه الأجلاّء الذين لهم منزلة رفيعة وهو أبو جعفر الأحول الملقب بـ(مؤمن الطاق) وكان المخالفون يسمونه (شيطان الطاق) لقوة حججه وأدلتهُ ونشاطهُ في نشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) فسأله الإمام (عليه السلام)(أتيت البصرة؟ قال:نعم، قال:كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه، فقال:والله إنهم لقليل، وقد فعلوا وان ذلك لقليل، فقال (عليه السلام):عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى الخير)([9]).

إننا نتألم حينما نرى الكثير من شبابنا يسقطون وينحرفون ويلتقطون مظاهر الفساد والانحلال([10]) من حثالات الغرب المنبوذين في بلادهم قبل بلادنا، أو ينخرطون في جماعات ضالة([11]) فاسدة من دون الالتفات إلى أجندات أصحابها والأهداف التي يريدون تحقيقها، وقد تكلفهم حياتهم فيخسر نفسه وتخسره الأمة وهو في عنفوان العطاء و التألق.

أيها الأحبة:إن لكم دوراً مهماً في استنقاذ زملائكم وأقرانكم وتوجيههم وهدايتهم إلى السلوك العفيف النظيف، فأنتم تصلون إلى ساحات للعمل لا نصل إليها نحن، ومشتركاتكم مع الشباب من أقرانكم أكثر، ولغة التفاهم بينكم أوضح فاستثمروها في كسبهم ولا تضيّعوا هذه الفرصة الثمينة بلطف الله تبارك وتعالى.



([1](بحار الأنوار- المجلسي:67/36

([2])  الأمالي- الشيخ الطوسي: 535

([3])  بحار الأنوار:77/77.

([4]) بحار الأنوار:77/135.

([5]) الكنى والالقاب- عباس القمي : 1/122

([6]) غرر الحكم:237.

([7]) كنز العمال- المتقي الهندي: 4/209

([8]) غرر الحكم:219.

([9])  بحار الأنوار:23/236 عن كتاب قرب الإسناد.

([10]) إشارة إلى دخول بعض الشباب في جماعة (الإيمو).

([11]) إشارة إلى جماعات أدعياء المهدوية والبابية ونحوها من دعاوى الارتباط بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).