القبس/78(فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ) سورة الحجر:93 - إعلان الهوية
(فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ)
موضوع القبس:إعلان الهوية
التماهي في الذوبان:
من مظاهر تقصيرنا الذي تحوّل إلى مشكلة تعيق تقدّم العمل الإسلامي الرسالي هو عدم إبراز هويتنا اما ضعفاً أو مجاملة أو مداهنة أو خوفاً على بعض المصالح والامتيازات أو لأي سبب آخر، ونقصد بهويتنا كل الانتماءات التي تشكل عناصر هذه الهوية، فنحن مسلمون ننتمي للإسلام، ونحن من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، ونحن نتبع المرجعية الفلانية ونقلدها.
فعلى صعيد الهوية الإسلامية نجد أن بعض المسلمين - في بعض المجتمعات المتمدنة كما يزعمون- قد يترك الصلاة بين زملائه في العمل أو في الجامعة حتى لا يعرف انه مسلم، أو المرأة تضعف عن لبس الحجاب العفيف لأنها لا تستطيع أن تواجه تعليقات الآخرين، أو يجلس شخص على مائدة الشراب أو يسمع الغناء حتى لا يقال عنه انه (معقّد) أو (متخلّف)، أو يجاري الآخرين في لبسه ومظهره الخارجي واندماجه معهم في سلوكهم المنحرف حتى يقـال عنـه أنـه متمدن متحضر مثلهم.
وعلى صعيد الهوية الشيعية نجد من يترك المشاركة في إحياء الشعائر الحسينية المهذبة المسنونة شرعاً، أو يعرض عن قضية فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما جرى بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أو يخفي شهادته لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية، أو السجود على التربة ونحوها.
والذي يقلّد المرجعية المعيّنة لا يصرّح بذلك ويحاول التمويه والابتعاد عن انتسابه إليها ونحوها من الأمثلة على التخلي عن الهوية وما تقتضيه انتماءاته لتلك الهوية من التزامات.
الضعف في إبراز الهوية:
إن هذا الضعف عن ابراز الهوية لا يضرّ فقط في دينه وآخرته ويسقطه من عين الآخرين لاتهامه بالنفاق، بل انه يضرّ بكل المشروع الذي ينتمي إليه لأنه يؤدي إلى تمييع الهوية وتضييعها، ولأنه إذا لم يعلن انتماءه ويبيّن نقاط القوة فيه ودواعي تبنّيه له، فكيف سيدعو الآخرين إليه ويقنعهم به؟، وكيف سيتقدم المشروع الرسالي؟ ولو أن السلف الصالح لم يقم بواجبه تجاه هويته ويبيّنوها بوضوح ويدافعوا عنها بالحجج الدامغة لما وصلت إلينا بهذه القوة والثبات والمناعة مضمّخة بدماء الشهداء ومداد العلماء.
التعايش مع الآخر لا يعني التنازل عن المبادئ:
فإنّ الوحدة والتقارب والتعايش مع الطوائف الإسلاميـة أو مـع الديانـات الأخرى، أو مع الشرائح المتنوّعة لا تستلزم التنازل عن المبادئ والمعتقدات التي ثبتت صحتها، فليعمل كلٌ بما ثبت عنده صحته بالحجة والبرهان، وإذا كان غير متثبّت من معتقداته وانتماءاته فيجب عليه إعادة النظر فيها ومراجعتها وطلب الدليل عليها، وليس اخفاؤها والمجاملة فيها.
الآية الكريمة تصر على تحمل مسؤولية الانتماء:
لقد كان من أوائل الأوامر التي وجّهها الله تبارك وتعالى إلى رسوله الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) في بداية الدعوة الإسلامية قوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (الحجر:94-95) والصدع هو إحداث الشق في الاجسام الصلبة كالحديد والشق واستعير لفصل الأمور وقطعها فصدع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بدعوته في مواجهة طواغيت قريش وسدنة الأصنام التي بلغ تعدادها (360) صنماً حوّلوها إلى كيانات لمصالحهم وامتيازاتهم الواسعة، ولم يكن مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) إلاّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وخديجة بنت خويلد، وأصرّ على تحمل المسؤولية حتى فتح الله تعالى على يديه، ولا نطيل بالشواهد من سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام).
وعلى هذا النهج سار الصلحاء من اتباع أهل البيت (عليهم السلام)، فيقف أبو ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه) في عقر ديار معاوية ويقول:سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باذنيّ هاتين وإلاّ صُمَّتا يقول، ثم يذكر فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وانظر إلى موقف الصحابة الاثني عشر الذين احاطوا بمنبر الأول حينما تقمص الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وادلوا بشهاداتهم وحججهم وقد ذكرها الطبرسي في كتاب الاحتجاج([1]).
لنتحدث عمّا يجب فعله لا ما فعلوه بنا:
روينا لكم في حديث سابق اننا في موسم الحج عام 1424 وجّهنا إلى أن نرفع أصواتنا بشكل جماعي اثناء الطواف حول الكعبة بدعاء الفرج (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن.......)([2]) ليلتفت المسلمون القادمون من حوالي (180) دولة في العالم إلى إمامهم الحق ويسألوا عنه ويتعرفوا عليه ويهتدوا إلى نوره، وكنّا على ثقة بأنه سيتجاوب معنا الموالون، وهذا ما حصل وكان له وقع واثر ولم يستطع المناوؤن منعه واستمرت هذه السُنّة إلى اليوم ونسأل الله تعالى أن تبقى وتستمر وتتسع حتى يأذن الله لوليه بالظهور المبارك.
إننا كثيراً ما نتحدث عن مؤامرات الأعداء واستهدافنا وانهم يفعلون كذا وكذا، ولا نتحدث إلا القليل عمّا يجب أن نفعله نحن في مواجهتهم والقيام بمسؤولياتنا، ومنها هذا التكليف بالاصحار والاعلان عن عناصر الهوية.
ويجب الالتفات إلى أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله تبارك وتعالى، وأوصى نبيّه الكليم وأخاه هارون وهما يتوجهان إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:43-44).
([1]) الإحتجاج- الطبرسي: 1/70
([2]) مفاتيح الجنان: 290